سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمود شعبان
قلت في معرض الحديث عن زيارة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، أنها لن تمر مرور الكرام على الرغم مما صاحبها من حفاوة رسمية وزخم شعبي كبير. فتنظيم داعش الذي بدأ يتحرك بحرية نسبية في الوادي، لن يمرر الزيارة في هدوء.
وقد كانت جريدة النبأ لسان الحال الإعلامية للتنظيم ، والتي تصدر بشكل أسبوعي ، وتخرج على برنامج التواصل الاجتماعي تيلجرام ، خرجت في صفحة رقم 8 وفي حوار منمق وهادف ومحدد وبعيد عن الاستفاضة في الكلام ، لما أسمته أمير جنود الخلافة في مصر ، ليحذر المسلمين في مصر من الوجود في أماكن تجمعات المسيحيين وكذلك المصالح الحكومية أو في منشآت الجيش والشرطة لأنه في طريقه لاستهداف تجمعات الأقباط والجيش والشرطة خلال الايام القليلة الماضية.
لاشك أن استهداف الأقباط في القاهرة، وقتل رعاياهم في الكنائس .هو جزء من الإطار الأيديولوجي والفكري والعقائدي للتنظيم العابر للحدود والذي يرى في الغرب الصليبي الخطر الأول والقبلة الأولى للاستهداف لما قام به من احتلال لأراضي المسلمين وما قام به طيلة الوقت من مساعدات للأنظمة العربية.
تصريحات أمير جنود الخلافة في مصر تضمنت النداء الكلاسيكي المكرر في كل البيانات السابقة ، مطالبات لما سماهم أهل التوحيد بالانضمام إلى تنظيم داعش في مصر وفي العراق والشام من أجل استهداف ما سماه الجيش المرتد والشرطة المرتدة التي تقتل المسلمين في كل مكان.
وقوف الأقباط بجوار السلطة في مصر، فضلا عن الانتهاكات التي يقوم بها الجيش في سيناء يستغلها التنظيم بشكل تكتيكي وفعال إعلاميا لخلق حاضنة شعبية من أجل إيجاد قبول ولو قليل في البداية لخطابه الإعلامي ومن ثم لخطابه الفكري حتى ينتهي المطاف إلى تجنيد العشرات من الشباب الحانق على السلطة في مصر للانضمام إلى التنظيم سواء في شمال سيناء أو في الوادي والدلتا.
تضمنت التصريحات حديث أمير التنظيم عن غايته من استهداف الكنائس أنها استهداف وحرب على الكفر وأهله ، وتخطى الرجل بطبيعة الحال كافة الفتاوى التي صدرت طيلة السنوات الماضية ، من علماء ثقات ، حول مبدأ المواطنة الذي يجب أن يتمتع به أبناء الوطن الواحد سواء أقباط أو مسلمين وحتى أهل الديانات اخرى وأنهم أسوياء أمام القانون مادامت الدولة قد أمنت جانبهم ولم يقوموا بما يهدد البلاد والعباد.
وحتى تلك الفتوى التي صدرت في تسعينات القرن الماضي من مصطفى مشهور مرشد الإخوان السابق والذي طالب فيها الأقباط بضرورة دفع الجزية لأنهم يعيشون في رحاب دولة مسلمة ،سبق وأن تراجع عنها الإخوان وأقروا في مراجعاتهم بهذا الخصوص الأهلية الكاملة للأقباط في المجتمعات المسلمة.
توقيت الحوار الذي خرج من تنظيم الدولة في مصر أراه في غاية الأهمية ، فالزخم الشعبي الذي صاحب زيارة بابا الفاتيكان ، ونشر صور مكتوب عليها بابا السلام إلى مصر ، أثارت حفيظة التنظيم في ظل نظرة التنظيم تجاه الأقباط وتجاه الكنيسة بتنوعاتها على مستوى العالم ، فضلا عما يراه التنظيم من تغول واضح للكنيسة في المشهد السياسي برمته.
الذئاب المنفردة ، وهو العمود الفقري الذي يعتمد عليه التنظيم في تنفيذ عملياته سواء في الغرب أو في مصر فيظل المناخ المبلد بالتشديدات الأمنية ، كان أحد التوصيات التي طالب بها أمير التنظيم رعاياه العاجزين عن الانخراط في إطار تنظيمي للولاية في سيناء أو في الوادي ، وهو ما يعطي الضوء الأخضر لتحرك الأفراد المؤمنين بفكر التنظيم بعيدا عن التشابك العنقودي للتنظيم من أجل سهولة الحركة للقيام بعمليات ضد الداخلية والجيش في مصر وهو ما سوف يصعب الأمر على الأجهزة الأمنية لتتبع الأفراد في ظل اعتماد التنظيم على عناصر مجهولة للأمن وجديدة على الحقل الجهادي المسلح في مصر فضلا عن أنها تتحرك منفردة بعيدا عن إطار تنظيمي يسهل اختراقه أو تتبعه.
وفي الوقت الذي صب أمير التنظيم خطابه على الأقباط ، فاته التعليق على الأزمة المستمرة تفاصيلها بين الرئاسة والأزهر في مصر ، دون أن يقول كلمته سواء بالإيجاب أو السلب وإن كنت أظن أن الحوار من الممكن أن يكون قد تم إجراؤه قبل اشتعال الصراع بين الأزهر والدولة، إلا إنه في الوقت نفسه لم ينس التعرض للعلماء الرافضين لخطابه الفكري باعتبارهم علماء سلطة وسوء وناعتا لهم بكافة الصفات الكفرية.
باحث سياسي مصري*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر