رياح التغيير تعبر القرن الإفريقي إلى أوروبا | مركز سمت للدراسات

رياح التغيير تعبر القرن الإفريقي إلى أوروبا

التاريخ والوقت : الإثنين, 5 نوفمبر 2018

 فيصل اليافعي

 

كانت المرة الأخيرة التي وقّع فيها أسياس أفورقي، وهو الرئيس الوحيد الذي عرفته إريتريا، على معاهدة سلام مع نظيره الإثيوبي قبل 18 عامًا في العاصمة الجزائرية، وفي الشهر الماضي جلس أفورقي مع رئيس إثيوبي آخر، بمدينة شرق أوسطية أخرى لتوقيع معاهدة سلام أخرى.

لقد شهد القرن الإفريقي صيفًا من الحب، إذ لم يجتمع زعماء إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال على مدى عقود، أو تبادلوا مثل تلك التحيات والعناق الرئاسي، وكانت شهدت تلك الدول، منذ فترة طويلة، تجميدًا للعلاقات في المنطقة التي قسمتها الصراعات والنزاعات الحدودية، ثم شهدت تلك العلاقات حالة من الذوبان؛ ففي شهر أبريل الماضي بدأت تلك الموجة التصالحية عندما توّلى رئيس إثيوبي شاب، وهو آبي أحمد، منصبه، الذي قاد عملية التحول؛ فقد رفع أحمد حالة الطوارئ وأفرج عن آلاف السجناء، وأنهى حالة الحرب مع جارته إريتريا. وسرعان مع تبعه اجتماع تاريخي مع السيد أفورقي، وإثر ذلك وافقت إريتريا على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الصومال. كما شهد شهر سبتمبر أعظم موجة من النشاط حتى اليوم، فبمناسبة العام الإثيوبي الجديد تم افتتاح المعابر الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا لأول مرة منذ عشرين سنة. وأعادت أديس أبابا فتح سفارتها بأسمرة. كما توجه الزعيمان إلى جدة، على الساحل السعودي للتوقيع على اتفاق سلام، واتفقت جيبوتي مع إريتريا – أيضًا – على تطبيع العلاقات الدبلوماسية.

لكن السلام في القرن الإفريقي لم يبدأ حتى الآن، رغم أن العلاقات بين البلدين ترجع إلى ثلاثة عقود، ومع ذلك يمكن أن يبدو في بعض الأحيان كما لو أن المنطقة تريد السلام إلى حد بعيد، فقد تناسى الجميع كيف كانت حالة الحرب تسيطر على الأوضاع بالمنطقة خلال الآونة الأخيرة. فالابتسامات والعناق مجرد خطوة أولية؛ لأن هناك توترات عميقة الجذور بين الدول الأربع التي يمكن أن تعيد المنطقة بسهولة إلى حالة البرود، أو إلى ما هو أسوأ من الحرب الساخنة بدون قرارات تفصيلية أو مدروسة.

فإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فسيكون السلام في القرن الإفريقي ملموسًا في جميع أنحاء المنطقة، وفي قلب أوروبا، فقد أثرت أزمة المهاجرين، المتمركزة حول سوريا، في إلحاق المزيد من الخسائر بجميع أنحاء أوروبا. ففي بعض البلدان، مثل: اليونان وإيطاليا وألمانيا ودول البلقان، كان التأثير غير عادي، حيث سعى مئات الآلاف من اللاجئين إلى الأمان، مما أدى إلى تغذية المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي ببعض الدول، ومن أولئك الذين لا يتفقون مع برامج إعادة توطين المهاجرين.

سيؤدي السلام – بلا شك – إلى تغيير هذا الشعور السيئ، كما يمكن أن يبدأ التغيير في إريتريا، وهي بلد صغير يصدر عنه ثاني أكبر عدد من اللاجئين في العالم، ثم إن إريتريا أبقت سكانها والمنطقة الأوسع في حالة تأهب دائمة للحرب على مدار العقدين السابقين.

 

القيادة عبر التقارير الألمانية

لقد اصطدمت إريتريا مع جميع جيرانها الإقليميين، وكان الصدام الأخطر على الإطلاق مع إثيوبيا، التي خاضت معها حربًا حدودية دامية منذ 1998، مما أسفر عن وفاة نحو 70 ألف شخص. لكنها اشتبكت عسكريًا مع جيبوتي عام 2008، ما أدى إلى اتفاقٍ نصَّ على نشر قوات حفظ سلام لمدة تسع سنوات. كما اُتُّهِمَت أسمرة بتقديم الدعم والمساعدات للجماعات الإسلامية المسلحة المعارضة للحكومة الصومالية، مما أدى إلى فرض حظر على الأسلحة من قبل الأمم المتحدة منذ عام 2009.

لقد انطلق النظام السياسي في إريتريا على شرعية التهديد الإثيوبي منذ البداية، حيث يشارك المواطنون في الخدمة العسكرية الإلزامية غير المحدودة، التي كانت القوة المحركة وراء العديد من الفارين من البلاد. حيث يلاحظ أن واحدًا من كل 10 مهاجرين يعبرون البحر المتوسط إلى أوروبا من الإريتريين رغم عدد سكانها القليل الذي يصل إلى 5 ملايين نسمة؛ وهو ما من شأنه أن تتبعه تأثيرات ضارة على الدول الأوروبية التي توفر ملاذًا للكثير من الناس، فضلاً عن التأثير على الخطاب السياسي الأوروبي.

ومن شأن التوجه الأخير نحو السلام أن يسمح لإريتريا بالتصدير مرة أخرى، حيث تقوم إثيوبيا بشراء غالبية الصادرات الإريترية، وهي البلد غير الساحلي، ولكنها واحدة من أكثر البلدان اكتظاظًا بالسكان في إفريقيا، مما يسمح لها بتوفير طريق بحري، ومن ثَمَّ يساعد أديس أبابا – بالتأكيد – على مواجهة أزمة العملة التي تمر بها. لكن إثيوبيا ما زالت تعاني مشاكل هيكلية، إذ ربَّما يكون هناك ثلاثة ملايين شخص من النازحين داخليًا، ولا تزال التوترات العرقية والنزاعات حول الموارد الشحيحة تثير احتجاجات جماهيرية.

وتكمن المشكلة الأساسية للمنطقة في أنه مع استمرار الصراعات لفترة طويلة، ومع وجود مجموعة من الدول الصغيرة، فقد سلك كل منها طريقه الخاص نحو السعي للحصول على ميزة تنافسية. ويمثل ذلك الحال بشكل خاص جيبوتي التي تعتبر أصغر دول القرن الإفريقي، حيث يوجد لديها قواعد عسكرية أميركية وصينية. كما أن سخاء الصين الغامض، الذي منح قرضًا بأكثر من مليار دولار في 2015 لجيبوتي، أثار توترات كبيرة.

إلى جانب ذلك، فقد واجهت دول أخرى، لديها ديون كبيرة، تلك الحالة التي ارتبطت باستقلالها السياسي المقيد، حيث أظهرت جيبوتي بالفعل استعدادًا لوضع السياسات المتصلة بذلك في طليعة الاتفاقات الدولية، بطريقة غير ملهمة بالنسبة للمستثمرين الأجانب.

كما أن هناك الجانب الشمالي بالصومال والمعروف بـ”أرض الصومال” Somali Land، الذي انفصل عام 1991، لكنه غير معترف به من قبل المجتمع الدولي. وفي هذه الأثناء لا تزال العاصمة الصومالية مقديشو، تمثل بعض المخاطر، حيث هاجم انتحاري مقرًا حكوميًا ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص خلال الشهر الجاري.

والملاحظ على هذه القضايا أنها قابلة للاشتعال بسهولة واضحة، ومن ثَمَّ فإن الحديث عن السلام، رغم أنه استغرق فترة طويلة من القادة بالإقليم، يمثل الجزء السهل من المشهد. فبالنسبة للنزاعات الحدودية التي كانت مصدرًا لغالبية التوترات سيظهر “الشيطان” عند ترسيم الحدود، فقد شهدت المنطقة حربًا ضروسًا، حيث كان الجميع يتنافس على قرية نائية قليلة السكان على الحدود الإريترية الإثيوبية. وقد اعترف رئيس إثيوبيا بنفس القدر، في مؤتمر صحفي خلال الشهر الجاري، بأن أهم مهمة سياسية “ينبغي أن تتمثل في كيفية الحفاظ على السلام لأنه بالفعل يجب الحفاظ على السلام”.

وللقيام بذلك، فإن الأمر يتطلب أكثر من الكلمات الدافئة، إذ يتطلب من قادة المنطقة قبول التدقيق الدولي والتخلي عن السيطرة، حيث ستكون هناك أسئلة صعبة بشأن حقوق الإنسان الإريتري والاقتصاد الذي تقوده الدولة الإثيوبية.

لقد بدأت الحرب الباردة التي عانى منها القرن الإفريقي تشهد حالة من الذوبان، وبالتالي يضطر قادة البلدان الأربعة إلى مواجهة التوترات التي عانوا منها طويلاً، ويبقى على الأوروبيين أن يفعلوا ذلك باهتمام بالغ.

المصدر: موقع يورو أكتيف

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر