روسيا وتركيا.. حلفاء الظروف بين المواجهة وعقد الصفقات | مركز سمت للدراسات

روسيا وتركيا.. حلفاء الظروف بين المواجهة وعقد الصفقات

التاريخ والوقت : الأربعاء, 13 نوفمبر 2019

 رولان لومباردي

 

 

وبصرف النظر عن سوريا ومصير الأسد، فإن الخلافات بين الأتراك والروس عميقة جدًا، خاصةً فيما يتعلق بالدين، تعتمد رؤية أردوغان الإستراتيجية على الترويج للإسلام السياسي، ومن هنا جاء دعمه النشط لجماعة الإخوان الذي ينتمي إليها «حزب العدالة والتنمية أحد أفرع التنظيم الدولي للإخوان»، على العكس من ذلك، يري الرئيس الروسي في الإسلام السياسي مصدرًا لزعزعة الاستقرار الإقليمي.وفي فترة وجيزة، وجد أردوغان نفسة أمام عجز حلفائه الغربيين «الذين تراجعوا عن التدخل في سوريا عام 2013» والنجاحات العسكرية الروسية، ابتداء من شهر سبتمبر 2015، جاء الرئيس الروسي «الذي يحظي بالدعم العسكري الإيراني والدعم الدبلوماسي الصيني» – جاء – لدعم نظام بشار الأسد، وبدأ في تحقيق نجاحات.

أميركا في المشهد

أما الولايات المتحدة، فقد اكتفت، لمواجهة فتوحات داعش في العراق وسوريا، بتشكيل تحالف لضرب التنظيم الإرهابي، في صيف 2014، وأيضًا لدعم الأكراد الذين أصبحوا حلفاء واشنطن الشجعان ضد داعش، وهو ما أثار رعب أنقرة، وجد أردوغان نفسة في مواجهة الهجمات الإرهابية على الأراضي التركية، واندلاع الحركات الشعبية، وقبل كل شيء التدفق الهائل لأكثر من مليوني لاجئ سوري، ازدادت عزلتة الدبلوماسية، ولم يبق له سوى الدعم المالي القطري.شعر أردوغان، الذي تخلى عنه الأمريكيون، بالإحباط؛ بسبب الإحجام المتزايد للدول الغربية عن التدخل في الملف السوري، لكنه استمر في سياسه الاستفزاز والتهديد ضد روسيا، وكان سببًا في فشل المفاوضات بين المتمردين والروس، كما لوح بعبور جيشة للحدود التركية لضرب الأكراد.

في الواقع، كان أردوغان يبحث عن التصعيد، ويتحين الخطأ الروسي؛ ليطلب تنفيذ المادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي، التي كانت ستجبر حلفاءه في الناتو على مساعدته.

أزمة حادة

بلغت التوترات بين تركيا وروسيا ذروتها في نوفمبر 2015، عندما أسقط الطيران التركي قاذفة روسية Su-24 بالقرب من الحدود السورية، كان ذلك بمثابة طعنة في الظهر«وفقًا لبوتين»، وقد تسبب في أزمة حادة في العلاقات بين الدولتين، لم يكن في استطاعة الروس الرد عسكريًّا بشكل معقول ضد أحد أعضاء حلف الناتو؛ لذلك فقد احتفظوا بهدوئهم، و لم يقعوا في الفخ، اتخذت روسيا ببساطة بعض التدابير الاقتصادية والتجارية الانتقامية ضد أنقرة، منها تعليق سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية، والإعلان عن تعزيز الرقابة على الواردات الغذائية والدوائية القادمة من تركيا، ونصح السياح الروس بتجنب تركيا.وفي ظل هذا التوتر، ندد المسؤولون الروس أمام الأمم المتحدة وأيضا أمام العسكريين الأمريكيين، بالصور التي التقطتها الأقمار الصناعية للشاحنات التركية، التي تعبر الحدود السورية؛ لتزويد الفصائل الإرهابية السورية- والموالية لأنقرة- بالأسلحة والذخيرة والغذاء، والأخطر من ذلك؛ للتزود بالنفط الذي تشترية أنقرة من تنظيم داعش !

التزم المسؤولون الأمريكيون الصمت؛ بحجة أنهم لا يستطيعون التصرف؛ لأن سائقي هذه المركبات كانوا مدنيين، أو أعضاء في منظمات إنسانية.لا يهم، فقد أعلن الروس، أنه إذا لم تستطع الطائرات الأمريكية التصرف، فإن طائراتها ستهتم بالأمر و في أقل من أسبوع، تم حل هذه المشكلة.

ثم كانت محاولة الانقلاب، ضد أردوغان في ليلة الخامس عشر إلى السادس عشرمن يوليو 2016، ووجد بوتين أنه لايوجد بديل جاد وقوي للرئيس التركي، فانتهز الفرصة – وببراجماتية شديدة- عمل على تهدئة الأجواء مع أردوغان.

حلفاء الظروف

بعد ما سبق، أصبحت العلاقات التركية-الروسية أحد المفاتيح الرئيسية لعودة السلام في سوريا، أن موسكو وأنقرة، ليسوا إلا حلفاء الظروف، ويستند تعاونهم على المصالح المتقاربة وليس على الثقة، إنهم بحاجة إلى بعضهم البعض كثيرًا، لقد سمح بوتين لأردوغان بالدخول إلى شمال سوريا؛ لطرد أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة، وفي المقابل حصل الرئيس الروسي على تعليق الدعم التركي للمتمردين، وضمن عدم مساعدة أنقرة لهم، خلال حصار الجيش السوري لهم، كما حدث في حلب وحمص والغوطة، وسيحدث غدًا في إدلب.

إذا نظرنا إلى الوضع من وجهة النظر الروسية، سنجد أنه يتيح إقصاء عضو رئيسي في حلف شمال الأطلسي لبعض الوقت، أما من وجهة النظر التركية، فحتى لو لم يتمكن أردوغان من تحقيق أهدافة الأصلية، فإن الموقف الراهن يتيح له أن يلعب دورًا في سوريا، وأن يستمر في التعامل مع المشكله الكردية.إن التقارب مع روسيا، يسمح لتركيا بممارسة نوع من الابتزاز والضغط على شركائها الأوروبيين، وبشكل خاص على الأمريكيين، ومع ذلك، فلا يزال هناك نوع من الحذر بين أنقرة وموسكو، وعلى الرغم من المصالح المتبادلة، لا يستطيع كل من بوتين وأردوغان إخفاء الخلافات بينهما.

يعرف الكرملين، وهو سيد اللعبة دائمًا، أن تركيا أضعف داخليًّا مما يبدو، فهناك مشكلة الطاقة وتدهور الأحوال الاقتصادية، وأيضًا على الصعيد السياسي، هزيمة حزب أردوغان في إسطنبول، لا تحظي تركيا إلا بدعم دولة قطر الصغيرة، وتواجه أنقرة ضغوطًا كبيرة من جانب الرئيس الأمريكي ترامب، قد يكون نفوذها في المنطقة محدودًا في النهاية؛ بسبب شريك روسيا الآخر وهو إيران، وأيضًا بسبب المحور المصري – الإماراتي – السعودي، الذي يحارب في جميع أنحاء العالم العربي النموذج السياسي والإيديولوجي التركي… تمامًا كما تفعل روسيا !

 

المصدر: المرجع

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر