سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كريس شينج
تحتاج روسيا إلى العاصمة الصينية لتطوير منطقتها القطبية الشمالية. ومع ذلك، تظل روسيا في موقع مشبوه وخائفة من الطموحات الصينية في القطب الشمالي. وتنعكس هذه المشاعر في اعتقال عالم روسي متخصص في شؤون القطب الشمالي في منتصف يونيو 2020، بدعوى التجسس لصالح الصين.
وصرح المحامي “إيفان بافلوف” لشبكة “سي إن إن” CNNالأميركية، أن “فاليري ميتكو”، رئيس أكاديمية القطب الشمالي للعلوم في سانت بطرسبرغ، قدَّم وثيقة تحتوي على أسرار الدولة للمخابرات الصينية في أوائل عام 2018 في جامعة داليان البحرية الصينية، حيث كان يعمل أستاذًا زائرًا في 17 يونيو 2020.
ومع ذلك، تتطلب الاعتبارات العملية أن تواصل روسيا العمل مع الصين في تطوير القطب الشمالي الروسي. في حين تشعر روسيا بالقلق حيال الوجود التجاري المتنامي للصين، إذ ربَّما تكون عازمة على القيام ببعض الموازنة، مما يدفع كلاً من اليابان والهند لأن تكونا نشيطتين في القطب الشمالي أيضًا.
المصالح الروسية في القطب الشمالي
تمتلك روسيا مصالح اقتصادية وجيوستراتيجية وأمنية عسكرية في المنطقة.
وهي حريصة على تطوير طريق البحر الشمالي(NSR) بين أوروبا وآسيا، كما أوضح الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه السنوي عن حالة الأمة لعام 2018. وشدد على أن طريق البحر الشمالي “سيكون المدخل لتطوير القطب الشمالي الروسي والشرق الأقصى. وبحلول عام 2025، سترتفع حركة البضائع على طول هذا الطريق عشرة أضعاف إلى 80 مليون طن. وبالتالي، فإن الهدف الرئيس يكمن في جعله هذه المنطقة طريق نقل عالميًا وتنافسيًا حقًا.”
وتفتخر المنطقة أيضًا بالطاقة الهائلة وغيرها من الموارد الأخرى التي استغلتها روسيا وترغب في تطويرها. فالمنطقة هي جزء من منطقتي أقصى الشمال والشرق الأقصى المتخلفة، وتعتبر مواردها حاسمة بالنسبة لتنميتها.
ومن الزوايا الجيوستراتيجية والأمنية العسكرية، فإن روسيا تحرس سيادتها هناك. وإذا اندلع صراع بين الولايات المتحدة وروسيا، ستكون هناك إمكانية لتبادل إطلاق الصواريخ بين الدول المتصلة بالقطب الشمالي. كما تواجه روسيا دول الناتو مثل النرويج في القطب الشمالي.
فقد أفادت تقارير إعلامية روسية بأنه منذ بداية عام 2020، دخلت سفن الناتو بحر “بارنتس” مرتين، مما تسبب في قيام الأسطول الشمالي الروسي بتفعيل الأنشطة الدفاعية. وفي أوائل يونيو، أفيد أنه ابتداء من يناير 2021، سيكون للأسطول الشمالي نفس وضع المناطق العسكرية الأربع الأخرى في روسيا. ومن الناحية الملموسة، فإن هذه الخطوة تسهل مهام الدفاع للأسطول الشمالي في القطب الشمالي وحماية الطريق الشمالي.
المصالح الصينية في المنطقة
تمَّ توضيح مصالح الصين في الكتاب الأبيض لسياسة القطب الشمالي لعام 2018. باختصار، تفترض الورقة أن مستقبل القطب الشمالي يتعلق بمصالح دول القطب الشمالي، التي تتمثل في “رفاهية الدول غير القطبية الشمالية ومصالح البشرية ككل.”
ويشير الكتاب الأبيض إلى أن حوكمة القطب الشمالي تتطلب مشاركة ومساهمة من جميع أصحاب المصلحة، حيث يبرز أربعة مبادئ توجيهية، هي: “الاحترام والتعاون والنتيجة المتكافئة والاستدامة.”
وتقول إن الصين، كدولة رئيسية مسؤولة، مستعدة للتعاون مع جميع الأطراف ذات الصلة “لاغتنام الفرصة التاريخية في تنمية القطب الشمالي”، لمواجهة التحديات التي جلبتها التغييرات في المنطقة.
وباقتراح نسخة قطبية من مشروع البنية التحتية العابر للقارات في الصين، والذي سيعرف لاحقًا باسم مبادرة الحزام القطبي والطريق، يدعو الكتاب الأبيض الأطراف إلى “فهم القطب الشمالي وحمايته وتطويره والمشاركة في حكم القطب الشمالي والنهوض به في إطار مبادرة الحزام والطريق.”
مخاوف روسية تجاه الصين
تريد روسيا التأكد من أن أي نظام دولي لحكم القطب الشمالي يعترف بدوره الرئيسي وأهميته في المنطقة؛ لذلك، فإنها تدرك نهج الصين الشامل لإدارة المنطقة الذي ستلعب فيه الصين دورًا رائدًا، مع بعض المخاوف. وترغب روسيا أيضًا في قصر إدارة المنطقة على دول المحيط المتجمد الشمالي الخمس، كندا والنرويج والولايات المتحدة والدنمارك وروسيا نفسها.
إن ملاحظات الخبراء الروس توضح هذا القلق. فيشير “ديميتري ترينين”، مدير مركز كارنيجي موسكو، في تحليل في شهر مارس 2020 في القطب الشمالي، إلى أن ذلك هو “الصراع الرئيسي بين الاستراتيجيات الروسية والصينية.”
وينتقد المراقبون الروس أيضًا دعوة الصين إلى حرية الوصول إلى القطب الشمالي كحالةٍ من ازدواجية المعايير. وكان أحد الأمثلة على ذلك هو تحليل نُشِرَ في يونيو 2020 في حلقة نقاشية بمركز “فالداي” Valdaiقدمها “بافيل جوديف” Pavel Gudev حيث يقول الباحث البارز في الأكاديمية الروسية للعلوم، وهو المركز الفكري لروسيا الذي تديره الدولة، إن “الصين، على سبيل المثال، في كتابها الأبيض عن القطب الشمالي، أعربت عن دعمها لمبدأ حرية الملاحة في منطقة القطب الشمالي، رغم حقيقة تقييد هذه الحرية في بحر الصين الجنوبي.”
وتعتبر روسيامشروع القطب الشمالي ذات موقف حاسم بالنسبة لمصالحها الاقتصادية والأمنية والجيوستراتيجية وليست حريصة جدًا على دعم الصين الصريح لمبدأ حرية الملاحة في القطب الشمالي.
التعاون الروسي الصيني في المنطقة
بدون المشاركة الغربية، تكون روسيا في حاجة للمساعدة الصينية لتطوير مشروع القطب الشمالي، بينما ترغب الصين في تطوير مبادرة الحزام والطريق على المدى الطويل، حيث يكون مشروع القطب الشمالي بمثابة بديل محتمل أو ممر مائي إضافي بين الصين وأوروبا، إذ إن هذا المشروع ليس لديه مشاكل أمنية مثل القرصنة، على عكس مضيقي “ملقا” الحالي وطريق بحر الصين الجنوبي الذي لم يعد أطول، ولكنه عرضة للرفض والاعتراض من قبل القوات البحرية الأميركية.
وأفادت الأنباء، أخيرًا، بأن مجموعة “بولي” المملوكة للدولة وقَّعَت في الصين اتفاقية مبدئية مع روسيا بشأن بناء ميناء “أرخانجيلسك” في أعماق البحار في أكتوبر 2016. وتشير أحدث التقارير إلى أنه لا يزال في مرحلة التخطيط.
كما تحرص الصين على استغلال موارد القطب الشمالي. وتعد شركة البترول الوطنية الصينية(CNPC) وصندوق طريق الحرير، مستثمرين مشاركين في مشروع “يامال للغاز المسال”Yamal LNG ، حيث يستثمران 20% و9.9% من رأس المال على التوالي. وفي أبريل 2019، حصلت كل من شركة البترول الوطنية الصينيةوالمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري(CNOOC) على حصة 10٪ في مشروع الغاز الطبيعي المسال القطبي .Arctic LNG 2في عام 2019، دخلت روسيا والصين أيضًا في اتفاق دشن تعاون بين الشركات المملوكة للدولة من كلا الجانبين لشحن الغاز الطبيعي المسال من القطب الشمالي. وقد دخلت شركة “نوفاتيك” الروسية المنتجة للنفط والغاز الطبيعي المسال الروسية، وشركة الشحن المملوكة للدولة، “سوفكومفلوت”، في شراكة مع الشركات الصينية الحكومية، وصندوق “كوسكو” للشحن وصندوق الحرير، لإدارة أسطول من عشرات الماكينات، لنقل الوقود من مصانع “نوفاتيك”، بما في ذلك مشروع “يامال” لنقل الغاز الطبيعي المسار.Yamal LNG
في يونيو 2019، اتفقت المجموعة الوطنية الصينية للهندسة الكيميائية والشركة الروسيةعلى تطوير حقل “بياكها” Payakhaالنفطي باستثمارات تبلغ 5 مليارات دولار أميركي على مدى أربع سنوات.
موازنة الصين في القطب الشمالي
لكن روسيا تبدو حريصة على الوجود التجاري المتنامي للصين وترغب في رؤية دول آسيوية أخرى نشطة في القطب الشمالي أيضًا.
ففي عام 2019، اشترت شركة “ميتسوي” وشركاه اليابانية الرئيسية، وشركة النفط والغاز الوطنية اليابانية(JOGMEC) التابعة للحكومة، حصة في مشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2، وذلك من أجل “تعزيز مصادر الطاقة في اليابان” وأيضًا “تعزيز العلاقات الثنائية مع روسيا”، وفقًا لتقرير “أسهاي شيمبون”Asahi Shimbunبتاريخ 2 يوليو 2019.
وخلال زيارة رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” لروسيا في سبتمبر 2019، دعا الرئيس بوتين الهند للمشاركة في مشروعات، مثل: خط غاز الشرق الأدنى Far Eastern LNG ومشروع الغاز المسال بالقطب الشمالي. وأبرزت تقارير إعلامية أثناء الزيارة وبعدها أن شركة الغاز الهندية”أجل” GAIL، التي لديها عقد لمدة 20 عامًا لشراء الغاز الطبيعي المسال من “غازبروم”، تتطلع إلى الاستحواذ على حصة أقلية في مشرع الغاز المسال بالقطب الشمالي.ومنذ ذلك الحين، لم تكن هناك أي تطورات بهذا الموضوع.وتعد كل من اليابان والهند بمثابة قوة توازنية أمام الصين في القطب الشمالي ولديهما أسباب اقتصادية واستراتيجية خاصة بهما للتعاون مع روسيا هناك.
وفي حين أن قضية “ميتكو” قد تبدو غير ذات صلة، فإنها ترسل إشارة إلى الصين مفادها أن روسيا تراقب عن كثب الأنشطة الصينية غير التجارية في القطب الشمالي. وتحتاج روسيا إلى استثمارات صينية لفتح مناطقها في أقصى الشمال والشرق الأقصى من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وليس لديها الكثير من الخيارات سوى مواصلة العمل مع الصينيين لتحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية في القطب الشمالي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مدرسة راجاراتنام للعلاقات الدولية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر