سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقابلة مع الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون، بالعاصمة موسكو، بشأن الصراع المستمر منذ عامين تقريباً في أوكرانيا، ورؤيته المستقبلية لتسوية الحرب، إلى جانب تمدد حلف شمال الأطلسي (الناتو). واستهل بوتين اللقاء، الذي استمر ساعتين، باستعراض تاريخ تأسيس الدولة الأوكرانية وارتباطها بتأسيس الاتحاد السوفييتي، وكذلك تدخل الدول الغربية في الصراع، وتأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي، ومستقبل المفاوضات مع كييف.
كما تحدث الرئيس الروسي عن علاقته مع الرئيسين الأميركيين السابقين جورج دبليو بوش ودونالد ترمب، وقضية تفجير خط أنابيب “نورد ستريم” الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وتطرّق إلى المخاوف الغربية من إمكانيات الصين “الهائلة”. وتطرق إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة للإفراج عن الصحافي الأميركي إيفان جيرشكوفيتش (من وول ستريت جورنال) الموقوف في روسيا منذ نحو عام بتهمة التجسس. وفيما يلي النص الكامل لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين:
– فلاديمير بوتين: ليس الأمر أن الولايات المتحدة كانت تنوي شن ضربة مفاجئة على روسيا، لم أقل ذلك. هل نحن الآن في برنامج حواري أم نجري محادثة جادة؟
– على حد علمي، أنت درست التاريخ.
– لذا، إذا كنت لا تمانع، أحتاج 30 ثانية أو دقيقة واحدة فقط من وقتك لإعطائك خلفية تاريخية بسيطة.
– دعونا ننظر من أين بدأت علاقتنا مع أوكرانيا. من أين جاءت أوكرانيا؟.. قامت الدولة الروسية كدولة مركزية في عام 862، ففي هذا العام، قام سكان مدينة نوفجورود (مدينة تقع في شمال غرب البلاد) بدعوة روريك، وهو أمير فارانجي من المنطقة الاسكندنافية، ليحكم البلاد. وفي عام 1862، احتفلت روسيا بالذكرى الألف لتأسيس دولتها، وفي نوفجورود يوجد نصب تذكاري لهذه المناسبة.
في عام 882، توجه إلى كييف الأمير أوليج، الذي كان وصياً على ابن روريك الصغير بعد وفاة والده، وطرد شقيقين كانا على ما يبدو عضوان سابقان في نظام روريك. لذلك، بدأت روسيا بالتطوّر في ظل وجود مركزين للقوة، كييف ونوفجورود.
التاريخ التالي المهم للغاية في تاريخ روسيا كان عام 988.. وهو تاريخ معمودية روسيا، عندما قام الأمير فلاديمير، حفيد روريك، بتعميد روسيا واعتمد الأرثوذكسية، أو المسيحية الشرقية كديانة رسمية للبلاد. منذ ذلك الوقت بدأت الدولة الروسية المركزية تزداد قوة.. لماذا؟ لكونها إقليماً واحداً، وبسبب وجود روابط اقتصادية متكاملة، ولغة واحدة، ودين واحد، بعد معمودية روسيا، بالإضافة إلى حكم الأمير. هكذا بدأت تتشكل معالم الدولة الروسية المركزية.
بالعودة إلى العصور الوسطى، اعتمد الأمير ياروسلاف الحكيم ترتيب خلافة العرش، لكن بعد وفاته، تعقدت الأمور لأسباب مختلفة. فلم ينتقل العرش مباشرة من الأب إلى الابن البكر، بل من الأمير الذي توفي إلى شقيقه، ثم إلى أبنائه في خطوط مختلفة. وأدى كل هذا إلى تجزئة ونهاية روسيا كدولة واحدة. ولم يكن ذلك شأناً خاصاً بروسيا، فقد كان نفس الشيء يحدث في أوروبا آنذاك. لكن الدولة الروسية المجزأة أصبحت فريسة سهلة للإمبراطورية (المغولية) التي أنشأها جنكيز خان في وقت سابق. جاء خلفاؤه، وتحديداً “باتو خان”، إلى روس (روسيا) ونهبوا ودمروا جميع المدن تقريباً.. وفي الجنوب خسرت بعض المدن، بما في ذلك كييف، استقلالها، في حين احتفظت المدن الشمالية ببعض سيادتها. وكان عليها دفع ضريبة للمغول، لكنها تمكنت من الحفاظ على جزء من سيادتها. وبعد ذلك بدأت تتشكل دولة روسية موحدة، مركزها موسكو.
وبدأ الجزء الجنوبي من الأراضي الروسية، بما في ذلك كييف، ينجذب تدريجياً نحو “مغناطيس” آخر، المركز الذي بدأ الظهور في أوروبا، وهي دوقية ليتوانيا الكبرى، حتى أنها كانت تسمى الدوقية الليتوانية الروسية، لأن الروس كانوا يشكلون جزءاً كبيراً من سكانها. كانوا يتحدثون اللغة الروسية القديمة، وكانوا يعتنقون المسيحية الأرثوذكسية، لكن بعد ذلك اتحدت دوقية ليتوانيا الكبرى ومملكة بولندا. وبعد سنوات قليلة، تم التوقيع على اتحاد آخر، لكن هذه المرة كان دينياً. وأصبح بعض الكهنة الأرثوذكس تابعين للبابا. وهكذا أصبحت هذه الأراضي جزءاً من الدولة البولندية الليتوانية.
خلال عقود، كان البولنديون منخرطين في إضفاء طابع بولندي على هذا الجزء من السكان، فقد أدخلوا لغتهم هناك، وحاولوا ترسيخ فكرة أن هؤلاء السكان لم يكونوا روساً تماماً، وأنهم يعيشون في الضاحية (أو كرايا) فكانوا “أوكرانيين”. في الأصل، كلمة “أوكراني” تعني شخصاً ما يعيش في ضواحي الدولة، بالقرب من الضاحية، أو كان يخدم على الحدود. ولم تكن تشير إلى مجموعة عرقية معينة.
لذا، حاول البولنديون بكل الطرق إضفاء الطابع البولندي على هذا الجزء من الأراضي الروسية وعاملوه بشدة، إن لم نقل بقسوة. كل ذلك أدى إلى نضال في هذا الجزء من الأراضي الروسية للحصول على حقوقهم، وكتبوا رسائل إلى وارسو يطالبون فيها باحترام حقوقهم وإيفاد الناس إلى هنا، بما في ذلك إلى كييف.
– كان ذلك في القرن الثالث عشر. والآن سأروي ما حدث لاحقاً، وأذكر التواريخ حتى لا يكون هناك أي لبس. في عام 1654، وحتى قبل ذلك بقليل، قام أصحاب السلطة في ذلك الجزء من الأراضي الروسية بمخاطبة وارسو، أكرر، مطالبين بمراعاة حقوقهم بأن يرسلوا إليهم حكاماً من أصل روسي يعتنقون الأرثوذوكسية. وعندما لم تستجب لهم وارسو، بل ورفضت مطالبهم، توجهوا إلى موسكو لتأخذهم بعيداً. وحتى لا تظن أنني أختلق أموراً.. سأعطيك هذه الوثائق..
– ها هي الوثائق، نسخ من الأرشيف. هذه رسائل من بوجدان خميلنيتسكي، الرجل الذي كان في السلطة آنذاك بهذا الجزء من الأراضي الروسية الذي يسمى الآن أوكرانيا. كتب إلى وارسو مطالباً باحترام حقوق الناس، وبعد رفض البولنديين، بدأ في مراسلة موسكو طالباً وضعهم تحت السلطة القوية لقيصر موسكو. هناك نسخ من هذه الوثائق. سأتركها لك لتتذكر.. هناك ترجمة إلى الروسية، يمكنك ترجمتها إلى الإنجليزية لاحقاً.
ولم توافق روسيا على قبولهم على الفور، مفترضة أن ذلك سيؤدي إلى حرب مع بولندا. ومع ذلك، في عام 1654 اتخذ مجلس زيمسكي، الذي كان هيئة تمثيلية لسلطة الدولة الروسية القديمة، القرار، وأصبحت تلك الأراضي الروسية القديمة جزءاً من قيصرية موسكوفي (موسكو).
كما هو متوقع، اندلعت الحرب مع بولندا، واستمرت 13 سنة، ثم تم التوصل إلى هدنة. في المجمل، بعد قانون عام 1654، أي بعد 32 عاماً، على ما أعتقد، أُبْرِمَت معاهدة سلام مع بولندا، “السلام الأبدي”، كما قيل. وعادت تلك الأراضي، الضفة اليسرى بأكملها لنهر الدنيبر، بما في ذلك كييف، إلى روسيا، بينما ظلت الضفة اليمنى بأكملها لنهر الدنيبر في حوزة بولندا.
وفي عهد كاترين العظيمة (1729 – 1796)، استعادت روسيا جميع أراضيها التاريخية، بما في ذلك الجنوب والغرب. واستمر كل هذا حتى اندلاع الثورة (الروسية). وقبل الحرب العالمية الأولى، اعتمدت هيئة الأركان العامة النمساوية على أفكار إضفاء الطابع الأوكراني، وبدأت بنشاط في الترويج لأفكار أوكرانيا وإضفاء الطابع الأوكراني.. وكان دافعهم واضحاً. قبل الحرب العالمية الأولى مباشرة، أرادوا إضعاف العدو المحتمل وتأمين ظروف مواتية لأنفسهم في المنطقة الحدودية. لذا بدأت هيئة الأركان العامة النمساوية في الترويج للفكرة التي ظهرت في بولندا، والتي تزعم أن المقيمين في تلك المنطقة ليسوا روساً حقاً، وإنما ينتمون إلى مجموعة عرقية خاصة، الأوكرانيين.
بالرجوع إلى القرن التاسع عشر، ظهر مُنظّرون يدعون إلى استقلال أوكرانيا. ومع ذلك، زعموا جميعهم أن أوكرانيا يجب أن تكون على علاقة جيدة جداً مع روسيا. وأصروا على ذلك.
وبعد ثورة 1917، سعى البلاشفة إلى استعادة الدولة، وبدأت الحرب الأهلية، بما في ذلك القتال مع بولندا. وفي عام 1921، أُعلن السلام مع بولندا، وبموجب تلك المعاهدة، أُعيدت الضفة اليمنى لنهر الدنيبر إلى بولندا.
في عام 1939، بعد أن تعاونت بولندا مع هتلر – لقد تعاونت بالفعل مع هتلر، كما تعلمون- عرض هتلر السلام على بولندا، بالإضافة إلى معاهدة صداقة وتحالف (لدينا جميع الوثائق ذات الصلة في الأرشيف)، مطالباً بولندا في المقابل بإعادة ممر دانزيج الذي يربط الجزء الأكبر من ألمانيا مع شرق بروسيا وكونيجسبيرج. وبعد الحرب العالمية الأولى، تم نقل هذه المنطقة إلى بولندا، وبدلاً من دانزيج، ظهرت مدينة جدانسك. وطلب منهم هتلر أن يعيدوها ودياً، لكنهم رفضوا. ومع ذلك تعاونوا مع هتلر وشاركوا معاً في تقسيم تشيكوسلوفاكيا.
– سأخبرك. سأصل إلى ذلك. فهذه النبذة أوشكت على الانتهاء. قد تكون مملة، لكنها تفسر أموراً كثيرة.
– جيد. جيد. أنا ممتن جداً لأنك تقدر ذلك. شكراً لك.
إذاً، قبل الحرب العالمية الثانية، تعاونت بولندا مع هتلر، وعلى الرغم من أنها لم تستسلم لمطالب هتلر، إلا أنها شاركت في تقسيم تشيكوسلوفاكيا مع هتلر. وبما أن البولنديين لم يعطوا ممر دانزيج لألمانيا، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك، مما دفع هتلر لبدء الحرب العالمية الثانية بمهاجمتهم. لماذا بدأت الحرب ضد بولندا في الأول من سبتمبر عام 1939؟ لقد اكتشف هتلر أنه لا أمل يرجى من بولندا، لذلك لم يكن لدى هتلر خيار سوى البدء بتنفيذ خططه انطلاقاً من بولندا.
بالمناسبة، تصرف الاتحاد السوفييتي – لقد قرأت بعض وثائق الأرشيف – بأمانة شديدة. وطلب الإذن من بولندا بعبور قواته عبر الأراضي البولندية لمساعدة تشيكوسلوفاكيا، لكن وزير الخارجية البولندي آنذاك قال إنه إذا حلقت الطائرات السوفيتية فوق بولندا، فسوف يتم إسقاطها. ولكن هذا الأمر ليس مهما، فما يهم حقاً أن الحرب بدأت، وسقطت بولندا فريسة للسياسات التي انتهجتها ضد تشيكوسلوفاكيا، حيث أنه بموجب اتفاق مولوتوف-ريبنتروب المعروف، كان من المقرر منح جزء من تلك الأراضي، بما في ذلك غرب أوكرانيا، لروسيا. وهكذا استعادت روسيا، التي كانت تسمى آنذاك الاتحاد السوفييتي، أراضيها التاريخية.
بعد النصر في الحرب الوطنية العظمى، كما نسمي الحرب العالمية الثانية، تم اعتبار كل تلك الأراضي في نهاية المطاف تابعة لروسيا، للاتحاد السوفييتي. أما بالنسبة لبولندا، فقد حصلت، على سبيل التعويض على ما يبدو، على الأراضي التي كانت ألمانية في الأصل: الأجزاء الشرقية من ألمانيا (وهي الآن الأراضي الغربية لبولندا). وبطبيعة الحال، استعادت بولندا منفذها على بحر البلطيق، ودانزيج، التي استعادت اسمها البولندي. هكذا جرت الأمور.
في عام 1922، عندما تأسس الاتحاد السوفييتي، بدأ البلاشفة في بناء الاتحاد السوفييتي، وأنشأوا أوكرانيا السوفييتية، التي لم تكن موجودة من قبل.
– أصر ستالين على ضم تلك الجمهوريات إلى الاتحاد السوفييتي ككيانات لديها استقلالية ذاتية. ولسبب لا يمكن تفسيره، أصر لينين، مؤسس الدولة السوفييتية، على حقهم في الانسحاب من الاتحاد السوفييتي. ومرة أخرى، ولأسباب غير معروفة، نقل إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية المنشأة حديثاً بعض الأراضي مع سكانها، على الرغم من أن تلك الأراضي لم تكن تسمى أوكرانيا قط؛ ومع ذلك فقد أصبحوا جزءاً من جمهورية أوكرانيا السوفيتية. وشملت تلك الأراضي منطقة البحر الأسود، التي تم استلامها في عهد كاترين العظيمة، والتي لم يكن لها أي صلة تاريخية بأوكرانيا على الإطلاق.
وحتى لو عدنا إلى عام 1654، عندما عادت هذه الأراضي إلى الإمبراطورية الروسية، كانت مساحة تلك الأراضي تساوي ما يعادل 3 إلى 4 أضعاف مساحة أوكرانيا الحديثة، من دون منطقة البحر الأسود.
– بالضبط.
– مُنحت أوكرانيا السوفييتية مساحة كبيرة من الأراضي التي لم تكن تابعة لها قط، بما في ذلك منطقة البحر الأسود. وفي مرحلة ما، عندما حصلت روسيا عليها نتيجة للحروب الروسية التركية، أطلق عليهم اسم “روسيا الجديدة” أو نوفوروسيا. ولكن هذا لا يهم. ما يهم أن لينين، مؤسس الدولة السوفييتية، أسس أوكرانيا بهذه الطريقة. ولعقود، تطورت الجمهورية الأوكرانية السوفيتية كجزء من الاتحاد السوفييتي، ولأسباب غير معروفة مرة أخرى، انخرط البلاشفة في عملية “الأكرنة” (إضفاء الطابع الأوكراني). ولم يكن ذلك فقط لأن القيادة السوفييتية كانت تتألف إلى حد كبير من أشخاص قادمين من أوكرانيا، وإنما يُفسر بسياسة التوطين العامة التي اتبعها الاتحاد السوفييتي. وقد حدث الشيء نفسه في جمهوريات سوفيتية أخرى، وشمل ذلك تعزيز اللغات الوطنية والثقافات الوطنية، وهو أمر ليس سيئاً من حيث المبدأ. وهكذا تم إنشاء أوكرانيا السوفيتية.
بعد الحرب العالمية الثانية، تلقت أوكرانيا، بالإضافة إلى الأراضي التي كانت تابعة لبولندا قبل الحرب، جزءاً من الأراضي التي كانت تابعة سابقاً للمجر ورومانيا (المعروفة اليوم بغرب أوكرانيا). وهكذا تم الاستيلاء على بعض أراضي رومانيا والمجر ومنحها لأوكرانيا، وما زالت جزءاً من أوكرانيا. وبهذا المعنى، لدينا كل الأسباب التي تجعلنا نؤكد أن أوكرانيا دولة مصطنعة تشكلت بإرادة ستالين.
– لست متأكداً مما إذا كان ينبغي عليها أن تعود إلى حدود عام 1654، لكن بالنظر إلى عهد ستالين، وما يسمى بنظام ستالين – والذي شهد، كما يدعي الكثيرون، العديد من انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات حقوق الدول الأخرى، قد يقول أحدهم أن بوسعها استعادة أراضيها تلك، بينما لا تملك أي حق للقيام بذلك.. فهذا أمر مفهوم على الأقل.
– أبداً لم أخبره قط. ولا مرة واحدة. لم نتحدث أبداً بهذا الموضوع، لكنني أعلم يقيناً أن المجريين الذين يعيشون هناك يريدون العودة إلى أرضهم التاريخية.
علاوة على ذلك، أود أن أشارككم قصة مثيرة جداً للاهتمام، وسأستطرد فيها، فهي قصة شخصية. في أوائل الثمانينيات، ذهبت في رحلة برية بالسيارة من لينينجراد آنذاك (سانت بطرسبرج الآن)، قطعت الاتحاد السوفييتي عبر كييف، وتوقفت في كييف، ثم ذهبت إلى غرب أوكرانيا. ذهبت إلى مدينة بيريجوفوي، وكانت جميع أسماء البلدات والقرى هناك مكتوبة باللغة الروسية وبلغة لم أفهمها – باللغة المجرية. باللغتين الروسية والمجرية. وليس باللغة الأوكرانية.. فقط بالروسية والمجرية.
كنت أقود سيارتي عبر إحدى القرى، وكان هناك رجال يجلسون بجوار المنازل، وكانوا يرتدون بدلات سوداء من 3 قطع وقبعات أسطوانية سوداء. سألت: هل هم فنانون؟ قيل لي: لا، ليسوا فنانين. إنهم مجريون. قلت: ماذا يفعلون هنا؟ – ‘ماذا تقصد؟ هذه أرضهم، وهم يعيشون هنا. كان ذلك في العهد السوفييتي، في الثمانينات. إنهم يحافظون على اللغة المجرية والأسماء المجرية وأزيائهم الوطنية. إنهم مجريون ويشعرون بأنهم مجريون وبالطبع عندما يكون هناك انتهاك الآن..
– أفهم أن مداخلاتي الطويلة لا تناسب المقابلات.. ولهذا سألتك في البداية: “هل سنجري حديثاً جاداً أم برنامجاً استعراضياً؟” قلت – حديث جاد. لذا تحملني من فضلك.
لقد وصلنا إلى فترة إنشاء أوكرانيا السوفيتية. ثم، في عام 1991، انهار الاتحاد السوفييتي. وكل ما منحته روسيا بسخاء لأوكرانيا تم “سحبه” من قبل الأخيرة.
لقد وصلت إلى نقطة مهمة جداً في جدول أعمال اليوم. ففي نهاية المطاف، كان انهيار الاتحاد السوفييتي بسبب القيادة الروسية. لا أفهم ما كان دافع القيادة الروسية في ذلك الوقت، لكن أظن أن هناك عدة أسباب جعلتها تعتقد أن الأمور سوف تكون على ما يرام.
أولاً، أعتقد أن القيادة الروسية آنذاك كانت تعتقد أن أساسيات العلاقة بين روسيا وأوكرانيا كانت في الواقع: لغة مشتركة – أكثر من 90% من السكان هناك يتحدثون الروسية؛ وروابط عائلية- كل شخص من أصل ثلاثة كانت لديه روابط عائلية أو علاقات صداقة؛ بالإضافة إلى الثقافة المشتركة والتاريخ المشترك؛ وأخيراً دين مشترك؛ فضلاً عن التعايش داخل دولة واحدة لقرون؛ واقتصادات مترابطة بشكل كبير. كل هذه الأمور كانت أساسية للغاية، وكل هذه العناصر مجتمعة تجعل علاقاتنا الجيدة حتمية.
النقطة الثانية مهمة جداً. أريدك كمواطن أميركي، وكذلك المشاهدين أن يسمعوا ذلك أيضاً. لقد افترضت القيادة الروسية السابقة أن الاتحاد السوفييتي لم يعد له وجود، وبالتالي لم تعد هناك أي خط أيديولوجية فاصلة. بل إن روسيا وافقت، طوعاً وبشكل استباقي، على انهيار الاتحاد السوفييتي، واعتقدت أن “الغرب المتحضر” سوف يفهم هذا على أنه دعوة إلى التعاون والترابط. وهذا ما كانت روسيا تتوقعه من الولايات المتحدة، ومما يسمى الغرب ككل.
كان هناك أشخاص أذكياء، بما في ذلك في ألمانيا، مثل إيجون باهر، أحد كبار السياسيين في الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي أصر في محادثاته الشخصية مع القيادة السوفيتية حين كان الاتحاد السوفيتي على شفا الانهيار، على ضرورة إنشاء نظام أمني جديد في أوروبا، وعلى أنه لا بد من تقديم الدعم لتوحيد ألمانيا، لكن لا بد أيضاً من إنشاء نظام جديد يشمل الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا، وغيرها من بلدان أوروبا الوسطى، لكن حلف شمال الأطلسي لا يحتاج إلى التوسع. وهذا ما قاله: إذا توسع حلف شمال الأطلسي، ستبقى الأمور كما كانت أثناء الحرب الباردة، لكن الحلف سيكون أقرب إلى حدود روسيا. هذا كل شيء. لقد كان رجلاً حكيماً، لكن لم يصغِ إليه أحد. في الواقع، لقد غضب ذات مرة (لدينا سجل لهذه المحادثة في أرشيفنا) وقال: “إذا لم تصغوا لي، فلن تطأ قدمي في موسكو مرة أخرى”. شعر بسخط تجاه القيادة السوفيتية. وقد كان على حق، وجرت الأمور كما توقعها.
– الغرب يخشى صين قوية أكثر من خوفه من روسيا قوية، لأن روسيا يبلغ عدد سكانها 150 مليون نسمة، والصين يبلغ عدد سكانها 1.5 مليار نسمة، واقتصادها ينمو بسرعة فائقة -أكثر من 5% سنوياً. وكان النمو عادةً أعلى من ذلك بكثير. ولكن هذا يكفي بالنسبة للصين. وكما قال بسمارك ذات مرة، فإن الإمكانات هي الأهم. إن إمكانات الصين هائلة، فهي أكبر اقتصاد في العالم اليوم من حيث القوة الشرائية وحجم الاقتصاد. لقد تجاوزت الولايات المتحدة بالفعل، منذ وقت طويل، وهي تنمو بسرعة كبيرة.
دعونا لا نتحدث عمن يخاف من، لنبتعد عن هذا المنطق. لنركز على حقيقة أنه بعد عام 1991، عندما توقعت روسيا أن يتم الترحيب بها في أسرة “الدول المتحضرة” الشقيقة، لم يحدث شيء من هذا القبيل. لقد خدعتنا (لا أقصدك شخصياً عندما أقول “أنت”، بالطبع، أنا أتحدث عن الولايات المتحدة)، كان الوعد هو أن الناتو لن يتوسع شرقاً، لكن ذلك حدث 5 مرات، كانت هناك 5 موجات من التوسع. لقد تحملنا كل ذلك، وكنا نحاول إقناعهم، وكنا نقول: “من فضلكم لا تفعلوا، نحن برجوازيون الآن مثلكم، نحن نتبنى اقتصاد السوق، ولم يعد الحزب الشيوعي بالسلطة. دعونا نتفاوض”. علاوة على ذلك، قلت هذا علناً من قبل (دعونا ننظر الآن إلى عهد (الرئيس الروسي بوريس يلتسين) ففي تلك الفترة ازدادت الانقسامات بيننا. وقبل ذلك ذهب يلتسين إلى الولايات المتحدة، عليكم أن تتذكروا، لقد تحدث في الكونجرس وقال كلمات طيبة: “فليبارك الله أميركا”. كل ما قاله كان إشارات – دعونا ندخل.
وعليكم أن تتذكروا ما حدث في يوغوسلافيا، قبل ذلك كان يلتسين يحظى بالثناء، فما إن بدأت الأحداث في يوغوسلافيا حتى رفع صوته تأييداً للصرب، ولم يكن بوسعنا إلا أن نرفع أصواتنا دفاعاً عن الصرب. أنا أفهم أن هناك عمليات معقدة كانت تجري هناك، أنا أفهم ذلك، لكن روسيا لم يكن بوسعها إلا أن ترفع صوتها دعماً للصرب، لأن الصرب أيضاً أمة خاصة وقريبة منا، ولها ثقافة أرثوذكسية (مثلنا) وما إلى ذلك. إنها أمة عانت الكثير على مدى أجيال. حسناً بغض النظر، المهم أن يلتسين أعرب عن دعمه. ماذا فعلت الولايات المتحدة؟ وفي انتهاك للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بدأت بقصف بلجراد.
والولايات المتحدة هي التي أخرجت المارد من القمقم. ثم ماذا قيل عندما احتجت روسيا وعبرت عن امتعاضها؟ لقد عفا الزمن على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. الآن يستشهد الجميع بالقانون الدولي، لكن في ذلك الوقت كانوا يقولون إن كل شيء قد عفا عليه الزمن، ويجب تغيير كل شيء.
صحيح أن بعض الأمور تحتاج إلى التغيير مع تغير موازين القوى، هذا صحيح، لكن ليس بهذه الطريقة. ثم تم تلطيخ سمعة يلتسين على الفور، واُتهم بإدمان الكحول، وعدم فهم أي شيء، وعدم معرفة أي شيء. وأنا أؤكد لك أنه فهم كل شيء.
حسناً، ثم أصبحت أنا رئيساً في عام 2000. وفكرت: حسناً، لقد انتهت القضية اليوغوسلافية، لكن يتعين علينا أن نحاول استعادة العلاقات. دعونا نعيد فتح الباب الذي حاولت روسيا العبور من خلاله. علاوة على ذلك، لقد قلت ذلك علناً، ويمكنني أن أكرره. في اجتماع هنا في الكرملين مع الرئيس (الأميركي) السابق بيل كلينتون، هنا في الغرفة المجاورة، قلت له، وسألته: “بيل، هل تعتقد أنه إذا طلبت روسيا الانضمام إلى الناتو، هل تعتقد أن ذلك سيحدث؟”. فجأة، قال: ” إنه أمر مثير للاهتمام، أعتقد ذلك”. ولكن في المساء، عندما تناولنا العشاء، قال: “لقد تحدثت مع فريقي، لا.. لا، ليس ذلك ممكناً الآن”. يمكنك أن تسأله، أعتقد أنه سيشاهد مقابلتنا، وسوف يؤكد ذلك. لم أكن لأقول شيئاً كهذا لو لم يحدث. حسناً، أصبح الأمر مستحيلاً الآن.
– أنظر، لقد طرحت السؤال: “هل هذا ممكن أم لا؟”، وكانت الإجابة التي حصلت عليها هي الرفض. ولو كنت غير صادق في رغبتي باستكشاف موقف القيادة..
– لو وافق، لبدأت عملية التقارب، وربما حدث ذلك في نهاية المطاف لو رأينا رغبة صادقة من جانب شركائنا. لكن ذلك لم يحدث. حسناً، إن “لا” تعني “لا”، حسناً، حسناً.
– قلت إنني شعرت بالمرارة بسبب الإجابة. لا، هذه ليست مرارة، إنها مجرد بيان لحقيقة. نحن لسنا العروس والعريس، المرارة والاستياء، لا مكان لهذه الأمور في مثل هذه الظروف. لقد أدركنا أننا غير مرحب بنا هناك، هذا كل ما في الأمر. حسناً، لكن دعونا نبني العلاقات بطريقة أخرى، دعونا نبحث عن أرضية مشتركة في مكان آخر. لماذا تلقينا مثل هذا الرد السلبي؟ يجب أن تسأل قائدك. لا أستطيع إلا أن أخمن السبب: دولة كبيرة جداً ولها رأيها الخاص، وما إلى ذلك. والولايات المتحدة – لقد رأيت كيف تُحَلّ القضايا في حلف الناتو.
وسأعطيك مثالاً آخر الآن، فيما يتعلق بأوكرانيا. القيادة الأميريكية تمارس الضغوط، وجميع أعضاء الناتو يصوتون بطاعة، حتى لو لم يعجبهم شيء ما. الآن، سأخبركم بما حدث في هذا الصدد مع أوكرانيا في عام 2008، على الرغم من أنه قيد المناقشة، إلا أنني لا أفصح عن سر، ولن أقول أي شيء جديد. بعد ذلك، حاولنا بناء العلاقات بطرق مختلفة. على سبيل المثال، الأحداث في الشرق الأوسط، في العراق، كنا نبني علاقات مع الولايات المتحدة بطريقة ناعمة وحكيمة وحذرة للغاية.
لقد أثرت مراراً وتكراراً، مسألة أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تدعم النزعات الانفصالية أو الإرهاب في شمال القوقاز؛ لكنهم استمروا في القيام بذلك على أي حال. وجاء الدعم السياسي والدعم المعلوماتي والدعم المالي وحتى الدعم العسكري من الولايات المتحدة، وتوابعها للجماعات الإرهابية في القوقاز.
لقد أثرت هذه القضية ذات مرة مع نظيري، رئيس الولايات المتحدة. فقال: مستحيل! “هل لديك دليل؟” قلت: “نعم”. لقد كنت مستعداً لهذه المحادثة، وأعطيته هذا الدليل. فنظر إلي، أتعرف ماذا قال؟ أنا أعتذر، لكن هذا ما حدث، سأنقل ما قاله. لقد قال: “حسناً، سوف أركل مؤخراتهم”. انتظرنا وانتظرنا أي رد، لكن لم يكن هناك أي رد.
قلت لمدير FSB (جهاز الأمن الفيدرالي الروسي): “أكتب إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA). ما نتيجة حديثنا مع الرئيس؟”. فكتب مرة ومرتين، وبعد ذلك حصلنا على الرد. لدينا الجواب في الأرشيف. ردت وكالة الاستخبارات المركزية قائلة: “نعمل مع المعارضة في روسيا. نعتقد أن هذا هو الصواب، وسنواصل القيام به”. إنه فقط أمر سخيف.. حسناً.. لقد أدركنا أن الأمر لم يكن وارداً.
– بالطبع، كانوا يقصدون في هذه الحالة بالذات الانفصاليين، والإرهابيين الذين حاربونا في القوقاز. هؤلاء هم من قصدوا بالمعارضة.. هذه هي النقطة الثانية.
اللحظة الثالثة، وهي لحظة مهمة للغاية، هي اللحظة التي تم فيها إنشاء نظام الدفاع الصاروخي الأميركي. البداية. لفترة طويلة كنا نقنع الولايات المتحدة بعدم القيام بذلك. علاوة على ذلك، وبعد أن دعاني (الرئيس الأميركي جورج) بوش الأب، والد بوش الابن، لزيارة منزله المطل على المحيط، أجريت محادثة جادة للغاية مع الرئيس بوش وفريقه. اقترحت أن تعمل الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا بشكل مشترك على إنشاء نظام دفاع صاروخي، والذي نعتقد أنه إذا تم إنشاؤه من جانب واحد فإنه سيهدد أمننا، على الرغم من أن الولايات المتحدة قالت رسمياً إن إنشاؤه تم لمواجهة التهديدات الصاروخية من إيران. وكان ذلك هو المبرر لنشر نظام الدفاع الصاروخي. واقترحت العمل معاً ــ روسيا والولايات المتحدة وأوروبا. قالوا إن الأمر مثير للاهتمام للغاية. سألوني: هل أنت جاد؟ قلت: بالتأكيد.
– لا أتذكر. من السهل معرفة ذلك على شبكة الإنترنت، عندما كنت في الولايات المتحدة بدعوة من بوش الأب. ومن الأسهل أن تعرف من شخص سأخبرك عنه الآن.
قيل لي إنه أمر مثير للاهتمام للغاية. قلت: “تخيّل لو تمكنا من مواجهة مثل هذا التحدي الأمني الاستراتيجي العالمي معاً. العالم سيتغير. من المحتمل أن تكون لدينا خلافات، ربما اقتصادية وحتى سياسية، لكن يمكننا أن نغير الوضع في العالم بشكل جذري”، قال: “نعم”. وسأل: “هل أنت جاد؟”. فقلت: “بالطبع”. قيل لي: “نحن بحاجة إلى التفكير في الأمر”. قلت: “تفضل، من فضلك”.
ثم جاء وزير الدفاع روبرت جيتس، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ووزيرة الخارجية كوندليزا رايس إلى هذه الحكومة. هنا، على هذه الطاولة، جلسوا على هذا الجانب. أنا ووزير الخارجية ووزير الدفاع الروسي – في هذا الجانب. قالوا لي: “نعم فكرنا في الأمر، ونحن موافقون”، فقلت: “الحمد لله، عظيم”، فقالوا: “لكن مع بعض الاستثناءات”.
– هذا صحيح، هذا صحيح. في النهاية أخبرونا بأن نغرب عن وجوههم. لن أخبرك بالتفاصيل، لأنني أعتقد أنها غير مناسبة، ففي نهاية المطاف كانت محادثة سرية. لكن تم رفض اقتراحنا، هذه حقيقة.
عندها قلت: “اسمعوا، سنضطر إلى اتخاذ إجراءات مضادة. سننشئ أنظمة ضاربة ستتغلب بالتأكيد على أنظمة الدفاع الصاروخي”. وكان الجواب: “نحن لا نفعل ذلك ضدكم، وأنتم تفعلون ما تريدون، على افتراض أنه ليس ضدنا، ليس ضد الولايات المتحدة”. قلت: “حسناً”.
هكذا سارت الأمور، وأنشأنا أنظمة تفوق سرعة الصوت، ذات مدى عابر للقارات ونواصل تطويرها. نحن الآن متقدمون على الجميع – الولايات المتحدة ودول أخرى – من حيث تطوير أنظمة قصف تفوق سرعة الصوت، ونحسنها كل يوم. لكن ذلك لم يكن قرارنا، اقترحنا السير في الاتجاه الآخر، وتم صدنا.
الآن، عن توسع الناتو شرقاً. حسناً، لقد وعدونا بعدم توسع الناتو شرقاً، ولا بوصة واحدة باتجاه الشرق، كما قيل لنا. ثم ماذا؟ قالوا: “حسناً، هذا ليس منصوصاً عليه على الورق، لذا سوف نتوسع”. لذلك كانت هناك 5 موجات من التوسع، دول البلطيق، وأوروبا الشرقية بأكملها، وما إلى ذلك.
والآن أتطرق إلى الأمر الرئيسي: لقد جاءوا إلى أوكرانيا في نهاية المطاف. وفي عام 2008، أعلنوا في قمة بوخارست أن الأبواب مفتوحة أمام أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى حلف الناتو.
الآن بشأن كيفية اتخاذ القرارات هناك. يبدو أن ألمانيا وفرنسا وكذلك بعض الدول الأوروبية الأخرى عارضت. لكن بعد ذلك، وكما تبين لاحقاً، قام الرئيس بوش، وهو رجل قوي، وسياسي صارم، كما قيل لي لاحقاً، “بممارسة ضغوط علينا، وكان علينا أن نوافق”. إنه أمر مثير للسخرية، كأنها روضة أطفال. أين الضمانات؟ أي روضة أطفال هذه؟ وأي نوع من الناس هؤلاء؟ من يكونون؟ تم الضغط عليهم، ووافقوا. ثم يقولون: “أوكرانيا لن تكون في الناتو”. أقول: “لا أعرف، أعلم أنكم وافقتم في عام 2008، فلماذا لن توافقوا في المستقبل؟”. “حسناً، لقد ضغطوا علينا حينها”. أقول: “لماذا لن يضغطوا عليكم غداً؟ وسوف توافقون مرة أخرى”.
حسنا، هذا غير منطقي. من هناك للتحدث معه، أنا لا أفهم. نحن على استعداد للحديث. ولكن مع من؟ أين الضمانات؟ لا شيء.
لذلك، بدأوا في تطوير أراضي أوكرانيا. مهما كان الأمر، فقد أخبرتك بالخلفية، وكيف تطورت هذه الأراضي، ونوع العلاقات التي كانت قائمة مع روسيا. كان لكل شخص من أصل شخصين أو ثلاثة هناك علاقات ما مع روسيا. وخلال الانتخابات في أوكرانيا المستقلة ذات السيادة بالفعل، والتي حصلت على استقلالها بموجب إعلان الاستقلال، وبالمناسبة، ينص الإعلان على أن أوكرانيا دولة محايدة، وفي عام 2008 فجأة انفتحت أبواب أو بوابات الناتو.. بالله عليك! ليس هذا ما اتفقنا عليه. والآن، اعتمد جميع الرؤساء الذين وصلوا إلى السلطة في أوكرانيا على ناخبين يتمتعون بموقف جيد تجاه روسيا بطريقة أو بأخرى. هذا هو جنوب شرق أوكرانيا، وفيه عدد كبير من الناس. وكان من الصعب للغاية تغيير رأي هؤلاء الناخبين الذين كان لهم موقف إيجابي تجاه روسيا.
وصل فيكتور يانوكوفيتش إلى السلطة، وكيف: في المرة الأولى التي فاز فيها بعد الرئيس كوتشما – نظموا جولة ثالثة، وهو أمر غير منصوص عليه في دستور أوكرانيا. إنه انقلاب. فقط تخيل أن شخصاً ما في الولايات المتحدة لن يحب النتيجة..
– قبل ذلك. لا، كان هذا قبل ذلك. وبعد الرئيس كوتشما، فاز فيكتور يانوكوفيتش بالانتخابات، لكن خصومه لم يعترفوا بهذا النصر، ودعمت الولايات المتحدة المعارضة، وتم تحديد موعد الجولة الثالثة. ما هذا؟ هذا انقلاب. ودعمته الولايات المتحدة، ووصل الفائز في الجولة الثالثة إلى السلطة. تخيل لو حدث ذلك في الولايات المتحدة، لا تعجب نتيجة الانتخابات أحدهم، فيتم تنظيم جولة ثالثة من الانتخابات، بما يخالف دستور الولايات المتحدة. هذا ما جرى في أوكرانيا. حسناً، وصل إلى السلطة فيكتور يوشينكو، الذي كان يُعتبر سياسياً موالياً للغرب. حسناً لقد بنينا علاقات معه أيضاً، وزار موسكو، وزرنا كييف. وأنا زرت كييف أيضاً. التقينا في إطار غير رسمي. إذا كان مؤيداً للغرب فليكن. لا بأس، دعوا الناس يقومون بعملهم. يجب أن يتطور الوضع داخل أوكرانيا المستقلة. ساءت الأمور تحت زعامة كوتشما، ووصل فيكتور يانوكوفيتش إلى السلطة.
ربما لم يكن أفضل رئيس وسياسي. لا أعلم، لا أريد تقييمه. ومع ذلك، تم طرح مسألة الارتباط بالاتحاد الأوروبي. لقد كنا دائماً متساهلين مع هذا: افعل ما يناسبك. ولكن عندما قرأنا معاهدة الشراكة، تبين أنها تمثل مشكلة بالنسبة لنا، حيث كانت لدينا منطقة تجارة حرة وحدود جمركية مفتوحة مع أوكرانيا، التي كان عليها بموجب هذه الشراكة، أن تفتح حدودها لأوروبا، وكان سيؤدي ذلك إلى إغراق سوقنا.
قلنا: “لا، هذا غير مناسب.. سنغلق حدودنا مع أوكرانيا”، أي الحدود الجمركية. وبدأ يانوكوفيتش يحسب ما ستكسبه أوكرانيا، وكم ستخسر، وقال لشركائه الأوروبيين: “أحتاج إلى مزيد من الوقت للتفكير قبل التوقيع”. وما إن قال ذلك، بدأت المعارضة باتخاذ خطوات تخريبية بدعم من الغرب. كل ذلك يعود إلى الميدان والانقلاب في أوكرانيا.
– بالطبع. ولا يتعلق الأمر حتى بحجم التجارة، على الرغم من أنه السبب في معظم الأحيان.. إنها مسألة علاقات التعاون التي يقوم عليها الاقتصاد الأوكراني بأكمله. كانت علاقات التعاون بين الشركات وثيقة للغاية منذ أيام الاتحاد السوفييتي. كانت إحدى الشركات هناك تنتج مكونات تُجَمَّع في كل من روسيا وأوكرانيا والعكس. كانت هناك علاقات وثيقة للغاية.
لكن حدث انقلاب، لن أخوض في التفاصيل الآن لأنني أجد أن ذلك غير مناسب، فقد قالت لنا الولايات المتحدة: “هدئوا يانوكوفيتش وسوف نقوم بتهدئة المعارضة. ودعوا الأمور تجري في سياق سيناريو التسوية السياسية”. قلنا: “حسناً. اتفقنا.. لنقم بذلك”. وكما طلب منا الأميركيون، لم يستخدم يانوكوفيتش القوات المسلحة ولا الشرطة، ورغم ذلك قامت المعارضة المسلحة بالانقلاب في كييف. ما معنى ذلك؟ “من تظنون أنفسكم؟”، أردت أن أسأل القيادة الأميركية آنذاك.
– بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بالطبع. المنظمة التي أردت أنت الانضمام إليها في الماضي. ربما يجب أن نحمد الله أنهم لم يسمحوا لك بذلك. رغم أنها منظمة جادة. أنا أتفهم ذلك. فقد عملت في جهاز مخابرات الاتحاد السوفييتي. لقد كانوا دائماً خصومنا.. فهذه طبيعة العمل في تلك الأجهزة.
فعلياً، فعلوا كل شيء بشكل صحيح، وحققوا هدفهم المتمثل في تغيير الحكومة.. لكن من الناحية السياسية، كان ذلك خطأً فادحاً. ومن المؤكد أن ذلك كان سوء تقدير من جانب القيادة السياسية. كان ينبغي عليهم أن يتوقعوا ما ستؤول إليه الأمور.
إذاً، في عام 2008، فُتحت أبواب الناتو أمام أوكرانيا. وفي عام 2014، حدث انقلاب، وبدأوا في اضطهاد كل من لم يقبل الانقلاب، وكان بالفعل انقلاباً، لقد شكلوا تهديداً لشبه جزيرة القرم، وكان علينا أن نأخذها تحت حمايتنا. وشنوا حرباً في دونباس عام 2014 باستخدام الطائرات والمدفعية ضد المدنيين. كنت هذه هي البداية. يوجد فيديو لطائرات تهاجم دونيتسك من أعلى. لقد شنوا عملية عسكرية واسعة النطاق، ثم عملية أخرى. وعندما فشلوا، بدأوا في التحضير للعملية التالية. كل هذا على خلفية التطور العسكري لهذه المنطقة وفتح أبواب الناتو.
كيف كان علينا ألا نقلق مما كان يحدث؟ من جانبنا، لو حدث ذلك لكان إهمالًا يستحق اللوم. كل ما في الأمر أن القيادة السياسية الأميركية دفعتنا إلى الخط الذي لم نتمكن من السماح بتجاوزه، لأن القيام بذلك كان من الممكن أن يدمر روسيا. علاوة على ذلك، لا يمكننا أن نترك إخوتنا في الإيمان، وفي الواقع، جزءاً من الشعب الروسي، في مواجهة “آلة الحرب” هذه.
– في البداية، كان الانقلاب في أوكرانيا هو ما أثار الصراع. وبالمناسبة، وصل في ذلك الوقت ممثلو 3 دول أوروبية – ألمانيا وبولندا وفرنسا، وكان هي الدول الضامنة للاتفاق الموقع بين حكومة يانوكوفيتش والمعارضة. وقعوا عليها كضامنين. ورغم ذلك قامت المعارضة بالانقلاب، وتظاهرت كل هذه الدول بأنها لا تتذكر أنها كانت ضامنة للتسوية السلمية. لقد أزاحوها جانباً على الفور، ولم يتذكر أحد ذلك.
لا أعرف إذا كانت الولايات المتحدة تعرف أي شيء عن هذا الاتفاق بين المعارضة والسلطات والضامنين الثلاثة، الذين بدلاً من إعادة هذا الوضع برمته إلى الميدان السياسي، دعموا الانقلاب. وعلى الرغم من أنه كان بلا معنى، صدقوني، لأن الرئيس يانوكوفيتش وافق على جميع الشروط، وكان على استعداد لإجراء انتخابات مبكرة لم تكن لديه فرصة للفوز بها، وبصراحة، كان الجميع يعلم ذلك. إذن لماذا الانقلاب؟ ولماذا الضحايا؟ لماذا تهديد شبه جزيرة القرم؟ لماذا إطلاق عملية في دونباس؟ لا أفهم. هذا هو بالضبط سوء التقدير. وقد قامت وكالة الاستخبارات المركزية بعملها لإكمال الانقلاب. أعتقد أن أحد نواب وزير الخارجية قال إن الأمر كلف مبلغاً كبيراً من المال، نحو 5 مليارات دولار. لكن الخطأ السياسي كان فادحاً! لماذا فعلوا ذلك؟ كان من الممكن أن يتم كل ذلك بشكل قانوني من دون ضحايا، من دون عمل عسكري، من دون خسارة شبه جزيرة القرم. لم نكن لنفكر أبداً في رفع إصبع واحد لولا التطورات الدموية في الميدان.
ولأننا قبلنا حقيقة أن حدودنا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، يجب أن تكون على طول حدود جمهوريات الاتحاد السابق. وافقنا على ذلك، لكننا لم نوافق أبداً على توسيع الناتو، وعلاوة على ذلك، لم نوافق على انضمام أوكرانيا إلى الناتو. ولم نوافق على وضع قواعد للناتو هناك دون أي نقاش معنا. ولعقود من الزمن كررنا طلبنا: لا تفعلوا هذا، لا تفعلوا ذلك.
وما الذي أشعل الأحداث الأخيرة؟ أولاً، أعلنت القيادة الأوكرانية الحالية أنها لن تنفذ اتفاقيات مينسك التي تم التوقيع عليها، كما تعلمون، بعد أحداث عام 2014، في مينسك، حيث تم طرح خطة التسوية السلمية في دونباس. لكن لا، القيادة الأوكرانية الحالية، ووزير الخارجية، وجميع المسؤولين الآخرين ثم الرئيس نفسه قالوا إنهم لا يحبون أي شيء في اتفاقيات مينسك. وبعبارة أخرى، لن ينفذوها. وقبل عام أو عام ونصف العام، قال القادة السابقون بألمانيا وفرنسا علناً للعالم أجمع إنهم وقعوا بالفعل على اتفاقيات مينسك، لكنهم لم ينووا تنفيذها أبداً. بكل بساطة خدعونا.
– تحدثنا عن هذا طوال الوقت. وتوجهنا إلى قادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية لوقف هذه التطورات فوراً، ولتنفيذ اتفاقات مينسك. بصراحة، لم أكن أعرف كيف سنفعل ذلك، لكنني كنت على استعداد لتنفيذها. كانت هذه الاتفاقيات معقدة بالنسبة لأوكرانيا؛ لقد تضمنت الكثير من عناصر استقلال أراضي دونباس. هذا صحيح. ومع ذلك، كنت واثقاً تماماً، وأنا أقول لك هذا الآن: اعتقدت بصدق أنه إذا تمكنا من إقناع سكان دونباس – وكان علينا أن نعمل جاهدين لإقناعهم بالعودة إلى الدولة الأوكرانية- فإن الجراح ستتضاءل تدريجياً. وعندما يعيد هذا الجزء من الإقليم دمج نفسه في بيئة اجتماعية مشتركة، وعندما يعود دفع معاشات التقاعد والمزايا الاجتماعية مرة أخرى، ستعود الأمور إلى نصابها تدريجياً.
لكن، لم يكن هناك أحد يريد ذلك، الجميع أراد الحل العسكري. لكن لم يكن بوسعنا أن نسمح بذلك.. حتى أعلن الجانب الأوكراني: “لا، لن نفعل أي شيء”. كما بدأوا الاستعداد للعمل العسكري. هم الذين بدأوا الحرب عام 2014. هدفنا هو وقف هذه الحرب. ونحن لم نبدأ الحرب في عام 2022. وإنما هي محاولة لوقفها.
– لا، لم نحقق أهدافنا بعد، لأن أحدها هو اجتثاث النازية. وهذا يعني حظر جميع أنواع الحركات النازية الجديدة. وهذه إحدى المشكلات التي ناقشناها خلال عملية التفاوض التي انتهت في إسطنبول مطلع العام الماضي، ولم تكن مبادرتنا، لأنه قيل لنا (من الأوروبيين على وجه الخصوص) إن “من الضروري تهيئة الظروف للتوقيع النهائي على الوثائق”. وقال نظيراي في فرنسا وألمانيا: “كيف يمكنك أن تتخيلهم يوقعون معاهدة والبندقية موجهة إلى رؤوسهم؟ يجب سحب القوات من كييف”. قلت: “حسناً”. وسحبنا القوات من كييف.
وبمجرد سحب قواتنا من كييف، قام المفاوضون الأوكرانيون على الفور برمي جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في إسطنبول، واستعدوا لمواجهة مسلحة طويلة الأمد بمساعدة الولايات المتحدة ووكلائها في أوروبا. هكذا تطوّر الوضع. ووصلنا إلى ما وصلنا إليه.
– هذا ما أريد أن أتحدث عنه الآن. إنها مسألة مهمة جداً. اجتثاث النازية. بعد استقلالها، بدأت أوكرانيا بالبحث عن هويتها، كما يقول بعض المحللين الغربيين. ولم تتوصل إلى شيء أفضل من بناء هذه الهوية على بعض الأبطال الزائفين الذين تعاونوا مع هتلر.
سبق أن قلت إن في أوائل القرن التاسع عشر، عندما ظهر منظرو استقلال وسيادة أوكرانيا، افترضوا أن أوكرانيا المستقلة يجب أن تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع روسيا. ولكن بسبب التطور التاريخي، كانت هذه الأراضي جزءًا من الكومنولث البولندي الليتواني – بولندا، حيث تعرّض الأوكرانيون للاضطهاد والمعاملة الوحشية والقاسية. وكانت هناك أيضاً محاولات لتدمير هويتهم. كل هذا بقي في ذاكرة الناس. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية تعاون جزء من هذه النخبة القومية المتطرفة مع هتلر، معتقدين أنه سيجلب لهم الحرية. والقوات الألمانية، وحتى قوات الأمن الخاصة، جعلت المتعاونين مع هتلر يقومون بأقذر عمل، إبادة السكان البولنديين واليهود. ومن هنا جاءت هذه المذبحة الوحشية ضد السكان البولنديين واليهود، وكذلك السكان الروس. وقد قاد ذلك أشخاص مشهورون مثل بانديرا وشوخيفيتش. وهؤلاء الناس هم الذين تحولوا إلى أبطال قوميين، وهذه هي المشكلة. ويُقال لنا باستمرار إن القومية والنازية الجديدة موجودة في بلدان أخرى أيضاً. نعم هناك بذور لكننا نقتلعها والدول الأخرى تحاربها. لكن ليس في أوكرانيا. فقد تم تحويل هؤلاء الأشخاص إلى أبطال قوميين في أوكرانيا، وأقيمت النصب التذكارية لهم، وعُرضوا على الأعلام، وهتفت الحشود التي تسير حاملة المشاعل بأسمائهم، كما حدث في ألمانيا النازية. هؤلاء هم الأشخاص الذين أبادوا البولنديين واليهود والروس. ومن الضروري وقف هذه الممارسات، ومنع نشر هذا المفهوم.
أقول إن الأوكرانيين والروس شعب واحد فيقولون: “لا، نحن شعب منفصل”. حسناً، حسناً. وإذا اعتبروا أنفسهم شعباً منفصلاً، فلهم الحق في القيام بذلك، لكن ليس على أساس النازية، الأيديولوجية النازية.
– سأنتهي من الإجابة على السؤال. لقد طرحت للتو سؤالاً حول النازية الجديدة والتخلّص من النازية. انظر، لقد زار رئيس أوكرانيا كندا. هذه القصة معروفة جيداً، لكن يتم التكتّم عليها في الدول الغربية: قدّم البرلمان الكندي رجلاً قاتل ضد الروس خلال الحرب العالمية الثانيةـ بحسب رواية رئيس البرلمان. حسناً، من قاتل ضد الروس خلال الحرب العالمية الثانية؟ هتلر وشركاؤه. اتضح أن هذا الرجل خدم في القوات الخاصة النازية. لقد قتل بنفسه أشخاصاً من الروس والبولنديين واليهود. وكانت قوات الأمن الخاصة النازية تتكون من القوميين الأوكرانيين الذين قاموا بهذا العمل القذر. ووقف رئيس أوكرانيا مع برلمان كندا بأكمله وصفق لهذا الرجل. كيف يمكن تخيل هذا؟ بالمناسبة، رئيس أوكرانيا نفسه يهودي.
– اسمعني. سؤالك دقيق جداً. وهل يمكنني أن أخبرك برأيي؟ لكن لا أريدك أن تشعر بالإهانة.
– يبدو هذا السؤال دقيقاً، وهو مزعجٌ للغاية. أنت تقول إن هتلر قد مات منذ سنوات عديدة، 80 عاماً. لكن مثاله لا يزال حياً. فالناس الذين أبادوا اليهود والروس والبولنديين ما زالوا على قيد الحياة. والرئيس الحالي لأوكرانيا اليوم يصفق له في البرلمان الكندي، لا بل ويصفّق تصفيقا حاراً! هل يمكننا القول إننا اقتلعنا هذه الأيديولوجية تماماً من جذورها إذا نظرنا إلى ما يحدث اليوم؟ هذا هو القضاء على النازية بحسب فهمنا. علينا أن نتخلص من هؤلاء الأشخاص الذين يحافظون على هذا المفهوم، ويدعمون هذه الممارسة، ويحاولون الحفاظ عليها – هذا هو القضاء على النازية. هذا ما نعنيه.
– كما تعلم، بقدر ما قد يبدو الأمر غريباً بالنسبة لك، فقد اتفقنا خلال المفاوضات في إسطنبول، وكتبنا ذلك في الوثائق، على أن النازية الجديدة لن تزرع في أوكرانيا، بما في ذلك حظرها على المستوى التشريعي. لقد اتفقنا على ذلك سيد كارلسون. وكان واضحاً أنه يمكن القيام بذلك أثناء عملية التفاوض. وليس هناك ما يهين أوكرانيا كدولة متحضرة حديثة. هل يسمح لأي دولة بالترويج للنازية؟ ليس مسموحاً، أليس كذلك؟ هذا كل شيء.
– سبق أن عُقدت محادثات، ووصلت إلى مرحلة متقدمة جداً من تنسيق المواقف في عملية معقدة، لكنها كانت على وشك أن تنتهي، لكن بعد أن سحبنا قواتنا من كييف، كما قلت من قبل، ضرب الجانب الآخر (أوكرانيا) كل هذه الاتفاقيات عرض الحائط وأطاع تعليمات الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة لمحاربة روسيا حتى النهاية المريرة.
علاوةً على ذلك، قام رئيس أوكرانيا بتشريع حظر على التفاوض مع روسيا. ووقع مرسوماً يمنع الجميع من التفاوض مع روسيا. لكن كيف سنتفاوض إذا منع نفسه والجميع من القيام بذلك؟ نعلم أنه يطرح بعض الأفكار بشأن هذه التسوية، لكن من أجل الاتفاق على شيء ما، نحتاج إلى حوار. أليس هذا صحيحاً؟
– لا أتذكر متى تحدثت معه. لا أتذكر، يمكننا البحث عن ذلك.
– لا، لماذا؟ هل يجب أن أتذكر كل شيء؟ لدي شؤوني الخاصة التي يتوجب القيام بها. لدينا شؤون سياسية داخلية.
– حسناً، نعم، إنه يموّل، لكنني تحدثت معه قبل العملية العسكرية الخاصة، بالطبع. وقلت له حينها، بالمناسبة – لن أخوض في التفاصيل، أنا لا أفعل ذلك أبداً – لكنني قلت له حينها: “أعتقد أنك ترتكب خطأً فادحاً له أبعاد تاريخية من خلال دعم كل ما يحدث هناك، في أوكرانيا، من خلال إبعاد روسيا”. قلت له، وأخبرته مراراً وتكراراً. أعتقد أن من الصحيح أن أتوقف هنا.
– اسأله من فضلك. الأمر أسهل بالنسبة لك، أنت مواطن أميركي، اذهب واسأله. ليس من المناسب أن أعلق على محادثتنا.
– لا، لم نتكلّم. تم الحفاظ على بعض الاتصالات، بالرغم من ذلك. بالحديث عن ذلك، هل تتذكر ما قلته لك عن اقتراحي للعمل معاً على نظام دفاع صاروخي؟
– يمكنك أن تسألهم جميعاً. كلهم بخير وأمان والحمد لله. الرئيس السابق وكوندوليزا، بأمان، وأعتقد أن السيد جيتس، والمدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية، السيد بيرنز، السفير آنذاك في روسيا، وهو برأيي، سفيرٌ ناجح جداً. كانوا جميعا شهوداً على هذه المحادثات. اسألهم. والأمر نفسه هنا، إذا كنت مهتماً بردّ الرئيس بايدن علي، فاسأله. على أي حال، تحدثت معه حول هذا الموضوع.
– ما الذي يجب العمل على حلّه بالضبط؟ المسألة بسيطة جداً. وأكرر، لدينا اتصالات من خلال مختلف الوكالات. سأخبرك بما نقوله في هذا الشأن وما ننقله إلى القيادة الأميركية: “إذا كنت تريد فعلاً وقف القتال، فأنت بحاجة إلى التوقف عن توريد الأسلحة. سينتهي الأمر في غضون أسابيع قليلة. هذا كل شيء. وبعد ذلك يمكننا الاتفاق على بعض الشروط قبل أن تفعل ذلك، فتوقّفوا”.
أيهما أسهل؟ لماذا أتصل به؟ ما الذي يجب أن أتحدث معه عنه؟ أو أتوسل إليه من أجل ماذا؟ “ستسلم مثل هذه الأسلحة إلى أوكرانيا. أوه، أنا خائف، أنا خائف.. من فضلك لا تفعل ذلك”. عما يجب أن نتحدّث؟
– هذا ما يتحدثون عنه على الأقلّ. وهم يحاولون تخويف شعوبهم بتهديد روسي وهمي. هذه حقيقة واضحة. والناس المفكرون، وليس المدعون، لكن الناس المفكرين، والمحللين، وأولئك الذين يشاركون في السياسة الحقيقية، فقط الأشخاص الأذكياء يفهمون جيداً أن هذا الحديث زائف. إنهم يحاولون تأجيج التهديد الروسي.
– في حالة واحدة فقط: إذا هاجمت بولندا روسيا. لماذا؟ لأنه ليس لدينا مصلحة في بولندا أو لاتفيا أو أي مكان آخر. لماذا نفعل ذلك؟ نحن ببساطة ليس لدينا أي اهتمام. إنه مجرد تهديد يجري الترويج له.
– هذا غير وارد على الإطلاق. ليس عليك أن تكون محللاً، فالتورط في حرب عالمية منافٍ للمنطق. والحرب العالمية ستدفع البشرية جمعاء إلى حافة الدمار. هذا واضح. وهناك، بالتأكيد، وسائل للردع. لقد كانوا يخيفون الجميع منا طوال الوقت: غداً ستستخدم روسيا الأسلحة النووية التكتيكية، وغداً ستستخدم روسيا ذلك، لا، بعد غد. ماذا إذاً؟ هذه مجرد قصص رعب للناس في الشارع من أجل ابتزاز أموال إضافية من دافعي الضرائب الأميركيين ودافعي الضرائب الأوروبيين في المواجهة مع روسيا في مسرح الحرب الأوكراني. الهدف هو إضعاف روسيا قدر الإمكان.
– هذا استفزاز، وهو استفزاز رخيص. لا أفهم لماذا يجب على الجنود الأميركيين القتال في أوكرانيا. هناك مرتزقة من الولايات المتحدة هناك. ويأتي العدد الأكبر من المرتزقة من بولندا، ويأتي المرتزقة من الولايات المتحدة في المركز الثاني، والمرتزقة من جورجيا في المركز الثالث. حسناً، إذا كان لدى شخص ما الرغبة في إرسال قوات نظامية، فمن المؤكد أن ذلك من شأنه أن يضع الإنسانية على شفا صراع عالمي خطير للغاية. وهذا واضح. فهل تحتاج الولايات المتحدة إلى ذلك؟ من أجل ماذا؟ على بعد آلاف الأميال من أراضيكم! أليس لديكم أي شيء أفضل تفعلونه؟ لديكم مشكلات على الحدود، ومشكلات تتعلق بالهجرة، ومشكلات تتعلّق بالدين الوطني – أكثر من 33 تريليون دولار. ليس لديكم شيء أفضل لتفعلوه، فتقاتلوا في أوكرانيا؟ أليس من الأفضل التفاوض مع روسيا؟ توصلوا إلى اتفاق، فتفهموا ما يحدث اليوم، وتدركوا أن روسيا ستقاتل من أجل مصالحها حتى النهاية. وبعد إدراك ذلك، لا بد من العودة إلى صوت العقل، واحترام بلدنا ومصالحه والبحث عن حلول. يبدو لي أن هذا أكثر ذكاءً وأكثر عقلانية.
– أنت بالتأكيد. (ضاحكاً)
– قد يكون لديك أنت شخصياً عذر، لكن وكالة الاستخبارات المركزية ليس لديها مثل هذا العذر.
– كما تعلم، لا أخوض في التفاصيل، لكن الناس يقولون دائماً في مثل هذه الحالات: “ابحث عن شخص مهتم”. لكن في هذه الحالة لا يجب أن نبحث فقط عن الشخص المهتم، بل أيضاً عن الشخص الذي لديه القدرات. لأنه قد يكون هناك الكثير من الأشخاص المهتمين، لكن ليسوا قادرين على الغوص في قاع بحر البلطيق والتفجير. وينبغي ربط هذين الأمرين: من هو المهتم، ومن القادر على القيام بذلك.
– في الحرب الدعائية، من الصعب جداً هزيمة الولايات المتحدة، لأن الولايات المتحدة تسيطر على جميع وسائل الإعلام العالمية والعديد من وسائل الإعلام الأوروبية. المستفيد النهائي من أكبر وسائل الإعلام الأوروبية هي المؤسسات المالية الأميركية. ألا تعرف ذلك؟ لذلك من الممكن الانخراط في هذا العمل، لكن تكلفته باهظة، إذا جاز التعبير. ويمكننا ببساطة تسليط الضوء على مصادر معلوماتنا، ولن نحقق نتائج. ما حدث واضح للعالم أجمع، وحتى المحللين الأميركيين يتحدثون عنه بشكل مباشر. إنها حقيقة.
– هذا يحيرني أيضاً، لكن القيادة الألمانية اليوم تسترشد بمصالح الغرب الجماعي، وليس المصلحة الوطنية، وإلا فإن من الصعب أن نفسر منطق تصرفاتها أو تقاعسها عن العمل. ففي نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر فقط بـ”السيل الشمالي 1″ الذي تم تفجيره، وتضرر “السيل الشمالي 2″، بل يتعلق الأمر بأنبوب واحد آمن وسليم، ويمكن إمداد أوروبا بالغاز من خلاله، لكن ألمانيا لا تفتحه. نحن جاهزون. تفضل.
وهناك طريق آخر عبر بولندا، يسمى “يامال-أوروبا”، يسمح أيضاً بتدفق كبير. وأغلقته بولندا، لكن بولندا خاتم بإصبع ألمانيا. فهي تتلقى الأموال من صناديق أوروبا، وألمانيا هي المانح الرئيسي لهذه الصناديق الأوروبية. وتقوم ألمانيا بإطعام بولندا إلى حد ما. وأغلق الأوكرانيون الطريق إلى ألمانيا. لماذا؟ لا أفهم. أوكرانيا، التي يزودها الألمان بالأسلحة والمال.
وتعد ألمانيا الراعي الثاني بعد الولايات المتحدة على صعيد المساعدات المالية لأوكرانيا. وهناك طريقان للغاز عبر أوكرانيا، وقد أغلق الأوكرانيون ببساطة أحدهما. من فضلك، افتح الطريق الثاني، واحصل على الغاز من روسيا. لكنهم لا يفتحونه. لماذا لا يقول الألمان: انظروا يا شباب، نحن نعطيكم المال والسلاح، افتحوا الصمام، من فضلكم ودعوا الغاز من روسيا يمر إلينا؟. نحن نشتري الغاز المسال بأسعار باهظة في أوروبا، وهو ما يقضي على قدرتنا التنافسية واقتصادنا بشكل عام. هل تريد أن نعطيك المال؟ دعونا نحظى بحياة كريمة، ونكسب المال لاقتصادنا، لأن هذا هو مصدر الأموال التي نقدمها لكم”.
إن الألمان يرفضون القيام بذلك. لماذا؟ اسألهم. (يقرع على الطاولة). هذا ما يدور في عقلهم. هؤلاء أناس غير أكفاء للغاية.
– اسمع، قلت إن العالم ينقسم إلى نصفين. ينقسم دماغ الإنسان إلى نصفين أحدهما مسؤول عن نوع واحد من الأنشطة، والآخر مسؤول عن الإبداع وما إلى ذلك. لكنه لا يزال نفس الرأس. يجب أن يكون العالم كلاً واحداً، وينبغي تقاسم الأمن، بدلاً من أن يكون مخصصاً لـ”المليار الذهبي”. وهذا هو السيناريو الوحيد الذي يضمن عالماً مستقراً ومستداماً ويمكن التنبؤ به. حتى ذلك الحين، بينما ينقسم الرأس إلى قسمين، فهو مرض، وحالة ضارة خطيرة. فالعالم يمر الآن بفترة مرض خطير، لكنني أعتقد أنه بفضل الصحافة النزيهة، فإن هذا العمل يشبه عمل الأطباء، يمكن معالجة الأمر بطريقة ما.
– كما تعلم، فإن استخدام الدولار كأداة لصراع السياسة الخارجية هو أحد أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها القيادة السياسية الأميركية. الدولار هو حجر الزاوية في قوة الولايات المتحدة. وأعتقد أن الجميع يفهم جيداً أنه بغض النظر عن عدد الدولارات التي تُطْبَع، فإنها تنتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم. والتضخم في الولايات المتحدة منخفض.. هو بنحو 3% أو 3.4%، وهو، كما أعتقد، مقبول تماماً بالنسبة للولايات المتحدة، لكنهم لن يتوقفوا عن الطباعة. ماذا تخبرنا حصيلة الديون الأميركية البالغة 33 تريليون دولار؟ إن الأمر يتعلق بالإصدار.
ومع ذلك، فإن الدولار هو السلاح الرئيسي الذي تستخدمه الولايات المتحدة للحفاظ على قوتها في جميع أنحاء العالم. وبمجرد أن قررت القيادة السياسية استخدام الدولار الأميركي كأداة للنضال السياسي، تلقت هذه القوة الأميركية ضربة قوية. لا أرغب في استخدام أي لغة قوية، لكن هذا عمل غبي وخطأ فادح.
انظر إلى ما يحدث في العالم. حتى حلفاء الولايات المتحدة بدأوا الآن في تقليص حجم احتياطياتهم من الدولار. عند رؤية هذا، يبدأ الجميع في البحث عن طرق للتحوّط، لكن الولايات المتحدة تفرض قيوداً على دول معينة، مثل فرض قيود على المعاملات، وتجميد الأصول، وما إلى ذلك وهو ما يثير قلقاً بالغاً، ويرسل إشارة إلى العالم أجمع.
ماذا لدينا هنا؟ حتى عام 2022، كان نحو 80% من معاملات التجارة الخارجية لروسيا تتم بالدولار الأميركي واليورو. وكانالدولار الأميركي يمثل ما يقرب 50% من معاملاتنا مع بلدان ثالثة، في حين انخفضت هذه النسبة حالياً إلى 13%. لم نكن نحن من حظر استخدام الدولار الأميركي، ولم تكن لدينا مثل هذه النية، فالولايات المتحدة هي التي قررت تقييد معاملاتنا بالدولار الأميركي. أعتقد أن هذه حماقة كاملة من وجهة نظر مصالح الولايات المتحدة نفسها ودافعي الضرائب لديها، لأنه يضر بالاقتصاد الأميركي، ويقوّض قوة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
وبالمناسبة كانت معاملاتنا باليوان نحو 3%. واليوم، يتم إجراء 34% من معاملاتنا بالروبل، ونحو 34% تقريباً باليوان.
لماذا فعلت الولايات المتحدة هذا؟ تخميني الوحيد إنها العنجهية والغطرسة. ربما ظنوا أن ذلك سيؤدي إلى الانهيار الكامل، لكن لم ينهر شيئاً. علاوة على ذلك، تفكر دول أخرى، بما في ذلك الدول المنتجة للنفط، وبدأت بالفعل تقبل دفعات باليوان لقاء النفط. هل تدرك حتى ما يحدث أم لا؟ فهل يدرك أحد في الولايات المتحدة ذلك؟ ماذا تفعل؟ أنت تعزل نفسك.. كل الخبراء يقولون ذلك. اسأل أي شخص ذكي ومفكر في الولايات المتحدة ماذا يعني الدولار بالنسبة للولايات المتحدة؟ أنت تقتله بيديك.
– لقد سمعنا قصص البعبع هذه من قبل. إنها قصة البعبع. نحن جيران للصين. ولا يمكنك اختيار الجيران، تماماً كما لا يمكنك اختيار الأقارب. نحن نتشارك معهم حدوداً بطول 1000 كيلومتر. هذا أولاً. ثانياً، لدينا تاريخ طويل من التعايش، لقد اعتدنا على ذلك. ثالثاً، إن فلسفة السياسة الخارجية للصين ليست عدوانية، وفكرتها هي البحث دائماً عن حل وسط، ويمكننا أن نرى ذلك.
النقطة التالية هي أنهم يخبروننا دائماً نفس قصة البعبع، وها هي تعود مرة أخرى، وإن كان ذلك بشكل ملطّف، لكنها لا تزال نفس قصة البعبع: التعاون مع الصين مستمر في الازدياد. إن وتيرة نمو تعاون الصين مع أوروبا أعلى وأكبر من وتيرة نمو التعاون الصيني الروسي. اسأل الأوروبيين: ألا يخافون؟ قد يكونوا خائفين، لا أعرف، لكنهم ما زالوا يحاولون الوصول إلى السوق الصينية بأي ثمن، خاصةً الآن بعد أن واجهوا مشكلات اقتصادية. كما تستكشف الشركات الصينية السوق الأوروبية.
هل للشركات الصينية وجود صغير في الولايات المتحدة؟ نعم، القرارات السياسية تقضي بأن يحاولوا الحد من تعاونهم مع الصين. وهذا على حسابك يا سيد تاكر، أنك تحد من التعاون مع الصين، وتؤذي نفسك. إنها مسألة حساسة، ولا توجد حلول سحرية، تماماً كما هو الحال مع الدولار. لذلك، قبل فرض أي عقوبات غير مشروعة -غير مشروعة من حيث ميثاق الأمم المتحدة- ينبغي للمرء أن يفكر جيداً. بالنسبة لصانعي القرار، يبدو أن هذه مشكلة.
– سأخبرك. ولكن اسمح لي أن أنهي الفكرة السابقة. لقد وضعنا، أنا ونظيري وصديقي الرئيس شي جين بينج، هدفاً بالوصول إلى 200 مليار دولار من التجارة المتبادلة مع الصين هذا العام. لقد تجاوزنا هذا المستوى. ووفقاً لأرقامنا، يبلغ إجمالي تجارتنا الثنائية مع الصين 230 مليار دولار، وتقول الإحصاءات الصينية إنها تبلغ 240 مليار دولار.
شيء آخر مهم: تجارتنا متوازنة بشكل جيد، ونكمّل بعضها البعض في التكنولوجيا الفائقة والطاقة والبحث العلمي والتطوير. تجارتنا متوازنة للغاية. أما عن مجموعة “بريكس”، حيث تولت روسيا الرئاسة هذا العام، فإن دول “بريكس” تتطوّر بسرعة كبيرة جداً بشكلٍ عام.
إذا كنت أتذكر جيداً، ففي عام 1992، بلغت حصة دول مجموعة السبع في الاقتصاد العالمي 47%، بينما انخفضت في عام 2022 إلى ما يزيد قليلاً عن 30%. وشكلت بلدان “بريكس” 16% فقط في عام 1992، لكن حصتها الآن أكبر من حصة مجموعة السبع. ولا علاقة لذلك أبداً بالأحداث في أوكرانيا. ويرجع ذلك إلى اتجاهات التنمية العالمية والاقتصاد العالمي التي ذكرتها للتو، وهذا أمر لا مفرّ منه. سيستمر هذا في الحدوث، إنه مثل شروق الشمس -لا يمكنك منع الشمس من الشروق، عليك التكيّف معها. كيف تتكيّف الولايات المتحدة؟ بمساعدة القوة: العقوبات والضغط والتفجيرات واستخدام القوات المسلحة.
الأمر يتعلّق بالغرور. إن مؤسستك السياسية لا تفهم أن العالم يتغير (في ظل ظروف موضوعية)، ومن أجل الحفاظ على مستواك -حتى لو كان هناك من يطمح، اسمح لي، إلى مستوى الهيمنة- عليك اتخاذ القرارات الصحيحة بطريقة كفؤة، وفي الوقت المناسب.
إن مثل هذه الأعمال الوحشية، بما في ذلك ما يتعلق بروسيا، وبلدان أخرى على سبيل المثال، تؤدي إلى نتائج عكسية. هذه حقيقة واضحة. لقد أصبح الأمر جلياً بالفعل. لقد سألتني للتو إذا جاء قائد آخر وغيّر شيئاً ما. لا يتعلق الأمر بالقائد، ولا يتعلق بشخصية شخص معين. كانت لدي علاقة جيدة جداً مع بوش على سبيل المثال. أعلم أنه في الولايات المتحدة تم تصويره على أنه فتى من الريف لا يفهم الكثير. أؤكد لكم أن هذا ليس هو الحال. أعتقد أنه ارتكب الكثير من الأخطاء فيما يتعلق بروسيا أيضاً. لقد أخبرتكم عن عام 2008 والقرار في بوخارست بفتح أبواب الناتو أمام أوكرانيا وما إلى ذلك. حدث ذلك خلال فترة رئاسته. لقد مارس بالفعل ضغوطاً على الأوروبيين.
ولكن بشكل عام، على المستوى الإنساني الشخصي، كانت لدي علاقة جيدة جداً معه. لم يكن أسوأ من أي سياسي أميركي أو روسي أو أوروبي آخر. أؤكد لكم أنه كان يعرف ما يفعل مثل الآخرين. كانت لدي مثل هذه العلاقات الشخصية مع (دونالد) ترمب أيضاً.
لا يتعلق الأمر بشخصية القائد، بل يتعلق بذهنية النخبة. إذا سيطرت فكرة الهيمنة بأي ثمن، وبالاستناد فقط إلى أعمال القوة، على المجتمع الأميركي، فلن يتغير شيء، بل سيزداد الأمر سوءاً. ولكن إذا توصل المرء في النهاية إلى إدراك أن العالم يتغير بسبب الظروف الموضوعية، وأنه ينبغي للمرء أن يكون قادراً على التكيف معها في الوقت المناسب، باستخدام المزايا التي لا تزال تتمتع بها الولايات المتحدة اليوم، فربما يتغير شيء ما.
لقد أصبح اقتصاد الصين أول اقتصاد في العالم في تعادل القوة الشرائية. من حيث الحجم، لقد تفوقت الصين على الولايات المتحدة منذ وقت طويل. وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، ثم الهند (مليار ونصف المليار نسمة)، ثم اليابان، مع روسيا في المرتبة الخامسة. وكانت روسيا أول اقتصاد في أوروبا العام الماضي، على الرغم من كل العقوبات والقيود. هل هذا طبيعي من وجهة نظرك؟ العقوبات، القيود، استحالة الدفع بالدولار، قطع خدمات (المدفوعات العالمية) “سويفت”؟ العقوبات ضد سفننا التي تحمل النفط؟ العقوبات ضد الطائرات؟ العقوبات في كل شيء؟ في كل مكان؟ يتم تطبيق أكبر عدد من العقوبات في العالم ضد روسيا. وقد أصبحنا أول اقتصاد في أوروبا خلال هذا الوقت.
إن الأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة غير مجدية. حسناً، على المرء أن يفكر فيما يجب القيام به. إذا توصّلت النخبة الحاكمة إلى هذا الإدراك، فعندئذ نعم، إن الشخص الأول في الدولة سيتصرف وفقاً لما يتوقعه الناخبون والأشخاص الذين يتخذون القرارات على مختلف المستويات من هذا الشخص. عندها قد يتغير شيئ ما.
– لا أعرف. أميركا بلد معقد، محافظ من ناحية، يتغير بسرعة من ناحية أخرى. ليس من السهل علينا فهم كل هذا. من يتخذ القرارات في الانتخابات –هل من الممكن فهم ذلك، عندما تكون لكل ولاية تشريعاتها الخاصة، كل ولاية تنظم نفسها، يمكن استبعاد شخص ما من الانتخابات على مستوى الولاية. إنه نظام انتخابي على مرحلتين، ومن الصعب جداً علينا فهمه.
بالتأكيد هناك حزبان مهيمنان، الجمهوريون والديمقراطيون، وضمن هذا النظام الحزبي، هناك مراكز اتخاذ القرارات، وصنع القرارات. في الواقع لماذا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تم اتباع سياسة الضغط الخاطئة والفجّة وغير المبررة تماماً ضد روسيا؟ إنها سياسة ضغط في نهاية المطاف. توسع الناتو، ودعم الانفصاليين في القوقاز، وإنشاء نظام دفاع صاروخي – كلها عناصر ضغط. الضغط ثم الضغط ثمّ الضغط.
كما أن جرّ أوكرانيا إلى الناتو هو وسيلة أخرى لممارسة الضغط والضغط والضغط. لماذا؟ أعتقد، من بين أمور أخرى، لأنه تم إنشاء قدرات إنتاجية ضخمة. فخلال المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، كان هناك العديد من مراكز البحث والمتخصصين في شؤون الاتحاد السوفييتي، الذين كان شغلهم الشاغل هو الاتحاد السوفييتي فقط. وبدا لهم أنهم أقنعوا القيادة السياسية بأن من الضروري مواصلة “تمزيق” روسيا، ومحاولة تفكيكها، وإنشاء العديد من الكيانات شبه الحكومية على هذه الأرض وإخضاعها بواسطة التقسيم، لاستخدام إمكاناتها المشتركة للصراع المستقبلي مع الصين. هذا خطأ، بما في ذلك تخصيص الإمكانات المفرطة لأولئك الذين عملوا من أجل المواجهة مع الاتحاد السوفييتي. ومن الضروري التخلص من هذا الأمر، يجب أن تكون هناك قوى جديدة، أشخاص يتطلعون إلى المستقبل، ويفهمون ما يحدث في العالم.
انظروا كيف تتطور إندونيسيا؟ 600 مليون شخص. كيف يمكننا تجاهل ذلك؟ لا يمكن. يتعين علينا فقط أن نفترض أن إندونيسيا ستدخل (وهي بالفعل قد دخلت) إلى نادي الاقتصادات الرائدة في العالم، بغض النظر عمن يحب أو يكره ذلك. نعم، نحن نفهم وندرك أنه في الولايات المتحدة، على الرغم من كل المشاكل الاقتصادية، لا يزال الوضع طبيعياً مع نمو الاقتصاد بشكل مقبول، إذ ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5%، إذا لم أكن مخطئاً.
ولكن إذا أردنا ضمان المستقبل، فنحن بحاجة إلى تغيير نهجنا تجاه ما يتغير. كما سبق وقلت، سيتغير العالم بغض النظر عن مآل التطورات في أوكرانيا. فالعالم يتغير. في الولايات المتحدة نفسها، يكتب الخبراء أن الولايات المتحدة تغير موقفها تدريجياً في العالم، وخبراؤك هم الذين يكتبون ذلك، لقد قرأتهم للتو. السؤال الوحيد هو كيف سيحدث هذا – بشكل مؤلم وسريع أو بأسلوب لطيف وتدريجي؟. وهذا مكتوب من قبل أشخاص ليسوا معادين لأميركا. إنهم ببساطة يتبعون اتجاهات التنمية العالمية. هذا كل ما في الأمر. ومن أجل تقييم وتغيير السياسات، نحتاج إلى أشخاص يفكرون ويتطلعون إلى الأمام، ويمكنهم تحليل قرارات معينة والتوصية بها على مستوى القادة السياسيين.
– أكرر مرة أخرى، لقد اقترحنا مراراً وتكراراً البحث عن حل للمشكلات التي نشأت في أوكرانيا بعد انقلاب عام 2014 من خلال الوسائل السلمية، لكن لم يستمع إلينا أحد. علاوةً على ذلك، أعلن القادة الأوكرانيون، الذين كانوا تحت السيطرة الأميركية الكاملة، فجأةً أنهم لن يمتثلوا لاتفاقيات مينسك، وأنّ لا شيء في الاتفاقيات يعجبهم، وواصلوا أنشطة عسكرية في تلك المنطقة.
بالتوازي مع ذلك، تم استغلال تلك الأراضي من قبل الهياكل العسكرية لحلف الناتو تحت ستار مراكز تدريب وإعادة تدريب الأفراد. وبدأوا في واقع الأمر في إنشاء قواعد هناك. هذا كل ما في الأمر.
وأعلنت أوكرانيا أن الروس (وقد اُعْتُمِد قانون بذلك) لديها يمثلون أقلية غير مسيطِرة، بينما أصدرت قوانين تحد من حقوق القوميات غير المسيطِرة في أوكرانيا. وبعد أن تلقت أوكرانيا كل هذه الأراضي الجنوبية الشرقية كهدية من الشعب الروسي، أعلنت فجأة أن الروس أصحاب قومية غير مُسيطِرة في تلك المنطقة. هل هذا طبيعي؟ كل هذه العناصر مجتمعة أدت إلى قرار وضع حد للحرب التي بدأها النازيون الجدد في أوكرانيا في عام 2014.
– لا أعرف التفاصيل، بالطبع من الصعب بالنسبة لي أن أحكُم على الأمر، لكنني أعتقد أنه كان لديه هذه الحرية. حارب والده ضد الفاشيين النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وتحدثت معه ذات مرة عن الأمر. قلت له: “فولوديا، ماذا تفعل؟ لماذا تدعم النازيين الجدد في أوكرانيا اليوم، بينما حارب والدك ضد الفاشية؟ لقد كان جندياً في الخطوط الأمامية”. لن أخبرك ما كان جوابه، هذا موضوع آخر، وأعتقد أن من الخطأ أن أفعل ذلك.
ولكن فيما يتعلق بحرية الاختيار -لم لا؟ لقد جاء إلى السلطة بناء على توقعات الشعب الأوكراني بأنه سيقود أوكرانيا إلى السلام. لقد تحدّث عن ذلك، وبفضل هذا فاز في الانتخابات بأغلبية ساحقة. ولكن بعد ذلك، عندما وصل إلى السلطة، في رأيي، أدرك أمرين: الأول أن من الأفضل عدم الاشتباك مع النازيين الجدد والقوميين، لأنهم عدوانيون ونشطون للغاية، يمكنك توقع أي شيء منهم، والثاني أن الغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة، يدعمهم وسيدعم دائماً أولئك الذين يعادون روسيا -هذا مفيد وآمن لهم. لذلك اتخذ الموقف المطلوب، على الرغم من وعد شعبه بإنهاء الحرب في أوكرانيا. لقد خدع ناخبيه.
– لم لا؟ هو يعتبر نفسه رئيس الدولة، وفاز في الانتخابات. على الرغم من أننا نعتقد في روسيا أن الانقلاب هو المصدر الأساسي للقوة لكل ما حدث بعد عام 2014، وبهذا المعنى، حتى حكومة اليوم معيّبة. لكنه يعتبر نفسه الرئيس، وتعترف به الولايات المتحدة وكل أوروبا وبقية العالم تقريباً بهذه الصفة – لم لا؟ هو يستطيع القيام بذلك.
تفاوضنا مع أوكرانيا في إسطنبول، واتفقنا، وكان على علم بذلك. وعلاوة على ذلك، أعتقد أن زعيم المجموعة المفاوضة، السيد أراخاميا، هذا هو اسمه الأخير، لا يزال يرأس فصيل الحزب الحاكم، حزب الرئيس في “رادا” (المجلس الأعلى لأوكرانيا). لا يزال يرأس الفصيل الرئاسي هناك، أي برلمان البلاد، ولا يزال يجلس هناك. حتى أنه وضع توقيعه الأولي على الوثيقة التي أخبرتكم عنها. ولكن بعد ذلك صرح علناً للعالم بأسره: “كنا مستعدين للتوقيع على هذه الوثيقة، لكن السيد (بوريس) جونسون، رئيس وزراء بريطانيا العظمى آنذاك، جاء وقام بثنيِنا عن القيام بذلك، قائلاً إن من الأفضل محاربة روسيا. كانوا سيعطوننا كل ما يلزم لإعادة ما خسرناه خلال الاشتباكات مع روسيا. ووافقنا على هذا الاقتراح”. لقد تم نشر هذا التصريح. لقد قال هذا علناً.
هل يمكنهم العودة إلى هذا أم لا؟ السؤال هو: هل يريدون ذلك أم لا؟ وعلاوةً على ذلك، أصدر رئيس أوكرانيا مرسوماً يحظر التفاوض معنا. يجب ببساطة أن يلغي هذا المرسوم. فنحن لم نرفض المفاوضات يوماً. نسمع طوال الوقت: هل روسيا مستعدة؟ نعم، نحن لم نرفض التفاوض! هم الذين رفضوا علناً. يجب أن يلغي مرسومه ويدخل في مفاوضات. نحن لم نرفض التفاوض يوماً.
وحقيقة أنهم أطاعوا طلباً أو خضعوا للإقناع من السيد جونسون، رئيس وزراء بريطانيا السابق، تبدو سخيفة ومحزنة للغاية بالنسبة لي. لأنه، كما قال السيد أراخاميا: “كان بإمكاننا وقف هذه الأعمال العدائية، وهذه الحرب قبل عام ونصف. لكن البريطانيين أقنعونا، ورفضنا التوقيع”. أين السيد جونسون الآن؟ فيما تستمر الحرب.
– هو وحده يعرف. أنا لا أفهم ذلك. كانت هناك نقطة انطلاق عامة، ولكن لسبب ما، كان لدى الجميع هذا الوهم بأنه يمكن هزيمة روسيا في ساحة المعركة. بسبب الغطرسة، وبسبب السذاجة، وليس بسبب العقل العظيم.
– كما تعلمون، وكما ذكرت سابقاً، في عام 988، تم تعميد الأمير فلاديمير نفسه على غرار جدته، الأميرة أولجا، ثم عمّد فريقه تدريجياً، على مدار عدة سنوات، عمّد كل الروس. لقد كانت عملية طويلة – من الوثنية إلى المسيحية، استغرقت سنوات عديدة، لكن في النهاية، هذه الأرثوذكسية، المسيحية الشرقية، أصبحت متجذرة في وعي الشعب الروسي.
وعندما توسعت روسيا واستوعبت الدول الأخرى التي تعتنق الإسلام والبوذية واليهودية، كانت روسيا دائماً مخلصة جداً لأولئك الأشخاص الذين يعتنقون ديانات أخرى. هذه هي قوتها. هذا واضح تماماً.
والحقيقة أن الركائز الأساسية للأديان، والقيم الرئيسية متشابهة جداً، ولا نقول إنها نفسها، وذلك في جميع ديانات العالم التي ذكرتها للتو، والتي هي الديانات التقليدية للاتحاد الروسي، روسيا. وبالمناسبة، لطالما كانت السلطات الروسية حريصة للغاية على ثقافة وديانات تلك الشعوب التي جاءت إلى الإمبراطورية الروسية. هذا، في رأيي، يشكل أساس الأمن والاستقرار للدولة الروسية -جميع الشعوب التي تعيش في روسيا تعتبرها الوطن الأم.
على سبيل المثال، إذا انتقل الناس إليك أو إلى أوروبا من أميركا اللاتينية -وهو مثال أكثر وضوحاً يمكن فهمه- يأتي الناس، لكنهم مع ذلك يأتون إليك أو إلى البلدان الأوروبية من وطنهم التاريخي. والناس الذين يعتنقون ديانات مختلفة في روسيا يعتبرون روسيا وطنهم الأم، وليس لديهم وطن أم آخر. نحن معاً، هذه عائلة واحدة كبيرة. وقيمنا التقليدية متشابهة جداً. لقد ذكرت للتو عائلة واحدة كبيرة، لكن لكل شخص عائلته الخاصة، وهذا هو أساس مجتمعنا. وإذا قلنا إن الوطن الأم والأسرة مرتبطان ببعضهما البعض على وجه التحديد، فهذا هو الحال بالفعل، لأن من المستحيل ضمان مستقبل طبيعي لأطفالنا وعائلاتنا ما لم نضمن مستقبلاً طبيعياً ومستداماً للبلد بأكمله، للوطن الأم. هذا هو السبب في أن المشاعر الوطنية قوية جداً في روسيا.
– الأمر سهل للغاية عندما يتعلق الأمر بحماية النفس والأسرة والوطن. نحن لم نهاجم أحداً. متى بدأت التطورات في أوكرانيا؟ منذ الانقلاب والأعمال العدائية في دونباس، هكذا بدأت الأحداث. ونحن نحمي شعبنا وأنفسنا ووطننا ومستقبلنا. أما بالنسبة للدين بشكل عام، كما تعلم، لا يتعلّق الأمر بالمظاهر الخارجية، ولا بالذهاب إلى الكنيسة كل يوم أو ضرب رأسك على الأرض. الدين في القلب. وثقافتنا موجهة نحو الإنسان. تحدث (فيودور) دوستويفسكي، المعروف جيداً في الغرب بأنه من عباقرة الثقافة الروسية والأدب الروسي، تحدث كثيراً عن هذا، عن الروح الروسية.
في نهاية المطاف، المجتمع الغربي أكثر براجماتية. بينما يفكر الشعب الروسي أكثر في القيم الأبدية والأخلاقية. لا أعرف، ربما لن تتفق معي، لكن الثقافة الغربية أكثر براجماتية في نهاية المطاف. أنا لا أقول إن هذا أمر سيء، فهو يجعل من الممكن “للمليار الذهبي” اليوم تحقيق نجاح جيد في الإنتاج، حتى في العلوم، وما إلى ذلك. لا يوجد شيء خاطئ في ذلك، أنا فقط أقول إننا نبدو متشابهين نوعاً ما، لكن أذهاننا مبنية بشكل مختلف قليلاً.
– لا، لأكون صادقاً، لا أعتقد ذلك. رأيي هو أن تطوّر المجتمع العالمي يتوافق مع القوانين المتأصلة، وتلك القوانين هي ما هي عليه. لقد كان الأمر دائماً على هذا النحو في تاريخ البشرية. نهضت بعض الأمم والبلدان، وأصبحت أقوى وأكثر عدداً، ثم غادرت المسرح الدولي، وفقدت المكانة التي اعتادتها. ربما لا حاجة لي لإعطاء أمثلة، لكن يمكننا أن نبدأ بجنكيز خان وغزاة دولة المغول، القبيلة الذهبية، انتهاءً بالإمبراطورية الرومانية.
كان يبدو أنه ليس هناك أي شيء مثل الإمبراطورية الرومانية في تاريخ البشرية. ومع ذلك، نمت إمكانات البرابرة تدريجياً، وكذلك تعدادهم السكاني. بشكل عام، كان البرابرة يزدادون قوة وبدأوا في التطوّر اقتصادياً، كما نقول اليوم. وأدى هذا في النهاية إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية، والنظام الذي فرضه الرومان. ومع ذلك، استغرق الأمر 5 قرون حتى تنهار الإمبراطورية الرومانية. الفرق مع ما يحدث الآن هو أن جميع عمليات التغيير تحدث بوتيرة أسرع بكثير مما كانت عليه في العصر الروماني.
– (ضاحكاً) أنت تطرح الأسئلة المعقدة أكثر وأكثر! للإجابة عليها، يجب أن تكون خبيراً في الأرقام الكبيرة والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. فالبشرية تواجه حالياً العديد من التهديدات. بفضل الأبحاث الجينية، أصبح من الممكن الآن الحصول على إنسان خارق، وإنسان متخصص – مثل رياضي مهندَس وراثياً، أو عالم أو رجل عسكري. وهناك تقارير تفيد بأن (الملياردير الأميركي) إيلون ماسك قد زرع بالفعل شريحة داخل الدماغ البشري في الولايات المتحدة.
– حسناً، أعتقد أنه لا يوجد ما يوقف إيلون ماسك، هو سيفعل ما يراه مناسباً. ومع ذلك، تحتاج إلى إيجاد أرضية مشتركة معه، والبحث عن طرق لإقناعه. أعتقد أنه شخص ذكي، أعتقد ذلك حقاً. لذلك تحتاج إلى التوصل لاتفاق معه، لأن هذه العملية تحتاج إلى إضفاء الطابع الرسمي عليها وأن تخضع لقواعد معيّنة.
ويجب على البشرية أن تفكر فيما سيحدث بسبب أحدث التطورات في علم الوراثة أو في الذكاء الاصطناعي. يمكن للمرء أن يتوقع تقريباً ما سيحدث. بمجرد أن شعرت البشرية بتهديد وجودي قادم من الأسلحة النووية، بدأت جميع الدول النووية في التصالح مع بعضها البعض منذ أن أدركت أن استخدام الأسلحة النووية بشكلٍ مهمِل يمكن أن يدفع البشرية إلى الانقراض. ومن المستحيل إيقاف البحث في علم الوراثة أو الذكاء الاصطناعي اليوم، تماماً كما كان من المستحيل إيقاف استخدام البارود في الماضي. ولكن بمجرد أن ندرك أن التهديد يأتي من التطوّر الجامح وغير المقيَّد في الذكاء الاصطناعي أو علم الوراثة أو أي مجالات أخرى، سيأتي الوقت للتوصل إلى اتفاق دولي حول كيفية تنظيم هذه الأمور.
– لقد قمنا بالعديد من بوادر حسن النية بدافع الأخلاق لدرجة أنني أعتقد أنها نفدت. لم نرَ أبداً أي شخص يرد بالمثل علينا. ومع ذلك، من الناحية النظرية، يمكننا القول إننا لا نستبعد أن نتمكن من القيام بذلك إذا اتخذ شركاؤنا خطوات مماثلة. وعندما أتحدث عن “الشركاء”، فأنا أولاً وقبل كل شيء أشير إلى الأجهزة الأمنية الخاصة، وهي على اتصال مع بعضها البعض، ويتحدثون عن الأمر. فلا توجد موانع لتسوية القضية. نحن على استعداد لحلها، لكن هناك شروطاً معينة تجري مناقشتها عبر قنوات الأجهزة الأمنية الخاصة. أعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق.
– كما تعلم، يمكنك إعطاء تفسيرات مختلفة لما تعنيه كلمة “جاسوس”، لكن هناك أموراً يحددها القانون في ذلك. فإذا حصل شخص ما على معلومات سرية، وفعل ذلك بطريقة تآمرية، فهذا يعتبر تجسساً. وهذا بالضبط ما كان يفعله ذلك الشاب. كان يتلقى معلومات سرية ومصنّفة، وقد فعل ذلك سراً. ربما تم توريطه في ذلك، وربما جرّه أحد الأشخاص للقيام بذلك، وربما فعل ذلك من منطلق الإهمال، أو بمبادرة منه. بالنظر إلى الحقائق كما هي، فإن هذا يوصف بالتجسس. وقد ثبتت هذه الحقيقة، حيث قُبض عليه متلبّساً عندما كان يتلقى هذه المعلومات. ولو كان هناك حجة لا تُصدَّق، أو تلفيق، أو أمر لم يتم إثباته، لكانت قصة مختلفة. لكن تم القبض عليه متلبساً فيما كان يحصل سراً على معلومات سرية. فماذا يُسمى هذا إذن؟
– لا أعرف لصالح من كان يعمل. لكنني أود أن أكرر أن الحصول على معلومات سرية بطريقة سرية يُسمى تجسساً، وكان يعمل لصالح الأجهزة الأمنية الأميركية الخاصة، وبعض الوكالات الأخرى. لا أعتقد أنه كان يعمل لصالح موناكو، لأن موناكو ليست مهتمة بالحصول على هذه المعلومات. الأمر متروك للأجهزة الأمنية الخاصة للتوصل إلى اتفاق. وقد تم وضع بعض الأساسات. وهناك أشخاص، في رأينا، غير مرتبطين بالأجهزة الأمنية الخاصة.
دعوني أخبركم قصة عن شخص يقضي عقوبة في بلد حليف للولايات المتحدة. هذا الشخص، بسبب دوافع وطنية، قضى على أحد قطاع الطرق في إحدى العواصم الأوروبية. خلال الأحداث في القوقاز، هل تعرف ماذا كان يفعل (أحد قطاع الطرق)؟ لا أريد أن أقول ذلك، لكنني سأقول على أي حال. كان يضع جنودنا الأسرى على الطريق، ثم يقود سيارته فوق رؤوسهم. أي نوع من الأشخاص هذا؟ هل يمكن حتى أن يسمى إنساناً؟ لكن كان هناك شخص وطني قام بتصفيته في إحدى العواصم الأوروبية. سواء فعل ذلك بمحض إرادته أم لا، فهذه مسألة مختلفة.
– لقد ارتكب فعلاً مختلفاً عن عمله.
– ليس مجرد صحافي، أكرر، إنه صحافي كان يحصل سراً على معلومات سرية. نعم، الأمر مختلف، لكنني ما زلت أتحدث عن أشخاص آخرين تسيطر عليهم السلطات الأميركية بشكل أساسي أينما كانوا يقضون عقوبة معيّنة. وهناك حوار مستمر بين أجهزة الأمن الخاصة. ولا بد من حل هذه المسألة بطريقة هادئة ومسؤولة ومهنية. هم على اتصال، لذا يجب أن ندعهم يقومون بعملهم. ولا أستبعد أن يعود الشخص الذي أشرت إليه، السيد جيرشكوفيتش، إلى وطنه. ففي نهاية المطاف، ليس من المنطقي إبقائه في السجن في روسيا. نريد من الأجهزة الأمنية الخاصة الأميركية أن تفكر في كيفية المساهمة في تحقيق الأهداف التي تسعى أجهزتنا الخاصة إلى تحقيقها. نحن مستعدون للتحدث. وعلاوة على ذلك، فإن المحادثات جارية، وهناك العديد من الأمثلة الناجحة لهذه المحادثات التي تكللت بالنجاح. على الأرجح أن يتوّج هذا المجهود بالنجاح أيضاً، لكن علينا أن نتوصل إلى اتفاق.
– أنا أيضاً أريده أن يعود إلى وطنه في نهاية المطاف. أنا صادقٌ تماماً. ولكن اسمحوا لي أن أقول مرة أخرى، إن الحوار مستمرّ. كلما جعلنا هذه الأمور علنيةً أكثر، كلما أصبح من الصعب حلّها. يجب القيام بكل شيء بطريقة هادئة.
– لقد قلت بالفعل إننا لم نرفض التحدّث. ونحن مستعدون للتفاوض. إنه الجانب الغربي، ومن الواضح أن أوكرانيا دولة تابعة للولايات المتحدة. هذا واضح. لا أريدك أن تأخذ الأمر كما لو كنت أسعى للإهانة، لكن كلانا يفهم ما يحدث. وتم تقديم الدعم المالي بقيمة 72 مليار دولار أميركي. وتحتل ألمانيا المرتبة الثانية، ثم تأتي الدول الأوروبية الأخرى. عشرات المليارات من الدولارات الأميركية تذهب إلى أوكرانيا. وهناك تدفق هائل للأسلحة. وفي هذه الحالة، يجب أن تقول للقيادة الأوكرانية الحالية أن تتوقف وتأتي إلى طاولة المفاوضات، وأن تلغي هذا المرسوم السخيف. نحن لم نرفض.
– إذا رفضت إدارة زيلينسكي في أوكرانيا التفاوض، أفترض أنهم فعلوا ذلك بناء على تعليمات من واشنطن. وإذا اعتقدت واشنطن أنه قرار خاطئ، فيجب أن تتخلى عنه، وتجد عذراً دقيقاً حتى لا يتعرض أحد للإهانة، وتفكّر بمخرج. لم نكن نحن من اتخذ هذا القرار، بل هم، لذا دعهم يتراجعون عنه. هذا كل شيء.
ولكنهم اتخذوا القرار الخاطئ والآن علينا البحث عن طريقة للخروج من هذا الوضع ، لتصحيح أخطائهم. هم من ارتكب الخطأ، لذا يجب أن يصححونه بأنفسهم. ونحن نؤيد ذلك.
– صحيح. وقد قمنا بذلك، لقد أعددنا وثيقة كبيرة في إسطنبول تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى من قبل رئيس الوفد الأوكراني. فقد وضع توقيعه على بعض البنود، وليس كلها. وضع توقيعه ثم قال بنفسه: “كنا مستعدين للتوقيع عليها وكانت الحرب ستنتهي منذ فترة طويلة، قبل 18 شهراً. ومع ذلك، جاء رئيس الوزراء جونسون، وأقنعنا بالعدول عن الأمر وفوّتنا هذه الفرصة”. حسناً، لقد قمتم بتفويت الفرصة، لقد ارتكبتم خطأً، فليعودوا عن الخطأ، هذا كل شيء. لماذا علينا أن نزعج أنفسنا ونصحح أخطاء الآخرين؟
أعلم أنه يمكن للبعض أن يقول إننا أخطأنا، وإننا من عزز التوتّر في الوضع وقررنا وضع حد للحرب التي بدأت في عام 2014 في دونباس، كما قلت بالفعل، عن طريق السلاح. اسمح لي أن أعود إلى أبعد من ذلك في التاريخ، لقد أخبرتك بهذا سابقاً، كنا نناقش الأمر للتو. دعونا نعود إلى عام 1991 عندما وعدونا بعدم توسيع الناتو، وإلى عام 2008 عندما فُتحت أبواب الناتو، إلى إعلان سيادة دولة أوكرانيا الذي أعلن أن أوكرانيا دولة محايدة. دعونا نعود إلى حقيقة أن الناتو والقواعد العسكرية الأميركية بدأت تظهر على أراضي أوكرانيا، مما يشكل تهديداً لنا. دعونا نعود إلى الانقلاب في أوكرانيا في عام 2014. إنه أمر لا طائل منه، أليس كذلك؟ قد نتناقش إلى ما لا نهاية. لكنهم أوقفوا المفاوضات. هل هذا خطأ؟ نعم. إذاً صححوا الخطأ. نحن مستعدون. ما المطلوب غير ذلك؟
– قلت من قبل، يجب أن ندعهم يفكرون في كيفية القيام بذلك بكرامة. هناك خيارات متاحة طالما تتوفّر الإرادة. وحتى الآن كانت هناك كل هذه الضجّة حول إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة. والآن يبدو أنهم يدركون أن من الصعب تحقيق الأمر، هذا إذا كان ممكناً على الإطلاق. في رأيي، هذا مستحيل بحكم طبيعة الأمر، ولن يحدث أبداً. ويبدو لي أن أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة في الغرب قد أدركوا هذا أيضاً. وإذا كان الأمر كذلك، إذا كان الإدراك قد بدأ، فعليهم التفكير فيما يجب عليهم فعله بعد ذلك. ونحن مستعدون لهذا الحوار.
– كما تعلم، إنه موضوع يتعلق بالمفاوضات التي لا أحد على استعداد لإجرائها، أو بعبارة أكثر دقة، هم على استعداد لكن لا يعرفون كيفية القيام بذلك. أعلم أنهم يريدون ذلك. لا أرى ذلك حالياً لكنني أعلم أنهم يريدون ذلك، وهم يكافحون لفهم كيفية القيام بذلك. لقد دفعوا الوضع إلى النقطة التي نحن فيها الآن. لسنا نحن الذين فعلنا ذلك، بل شركاؤنا، خصومنا هم الذين فعلوا ذلك. حسناً، دعهم الآن يفكرون في كيفية عكس الموقف. نحن لسنا ضد ذلك.
لو لم يكن الأمر حزيناً لكان مضحكاً. هذه التعبئة التي لا نهاية لها في أوكرانيا، والهستيريا، والمشاكل الداخلية – عاجلاً أم آجلاً ستؤدي جميعها إلى اتفاق. قد يبدو الأمر غريباً بالنظر إلى الوضع الحالي لكن سيتم إعادة بناء العلاقات بين الشعبين على أي حال. سوف يستغرق ذلك الكثير من الوقت لكن الجروح سوف تلتئم.
سأعطيك أمثلة خارجة عن المألوف. هناك مواجهة قتالية في ساحة المعركة، وهنا مثال محدد: تم تطويق الجنود الأوكرانيين (هذا مثال فعلي)، وكان جنودنا يصرخون لهم: “لا توجد فرصة! سلّموا أنفسكم! اخرجوا وستبقون على قيد الحياة!”، وإذ بالجنود الأوكرانيون يصرخون من هناك باللغة الروسية، لغة روسية ممتازة، قائلين: “الروس لا يستسلمون!” ولقوا حتفهم جميعاً. ما زالوا يعرّفون أنفسهم على أنهم روس.
ما يحدث، إلى حد ما، هو عنصر من عناصر الحرب الأهلية. يعتقد الجميع في الغرب أن الشعب الروسي قد انقسم بسبب الأعمال العدائية إلى الأبد. كلا. سيتم لم شملهم. الوحدة لا تزال موجودة.
لماذا تقوم السلطات الأوكرانية بتفكيك الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية؟ لأنها لا تجمع الأراضي فحسب، بل تجمع أرواحنا. ولن يتمكن أحد من فصل الروح.
هل يمكن أن ننتهي المقابلة هنا أم هناك أي شيء آخر؟
المصدر: الشرق
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر