روسيا وأوكرانيا: حدود التوتر | مركز سمت للدراسات

روسيا وأوكرانيا: حدود التوتر

التاريخ والوقت : الأربعاء, 12 مايو 2021

د. غادة عبدالعزيز

 

أثار تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا قلق المجتمع الدولي، خاصة مع حشد روسيا لقواتها العسكرية علي أراضيها بالقرب من الحدود الأوكرانية وتحذيرها لأوكرانيا من مغبة اتخاذ أي خطوات تجاه شن أي هجوم عسكري علي الانفصاليين في إقليم دونباس، مما قد يدفعها للتدخل عسكرياً؛ وصاعد مخاوف أوكرانيا والقوي الغربية من هجوم روسي محتمل يمكن أن يتجاوز مناطق شرق أوكرانيا، ويؤدي لتأجيج الصراع المستمر بين البلدين منذ عام 2014؛ حيث اتهمت أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، روسيا بالقيام بحشد عسكري استفزازي قرب الحدود الأوكرانية، وتصاعدت حرب التصريحات والتحذيرات المتبادلة بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والقوي الغربية من جهة أخري، على الرغم من تأكيد روسيا بأن تحركاتها العسكرية داخل حدودها، وأنها إجراءات احترازية ودفاعية ليست موجهة ضد أي طرف، وسُتبقي عليها طالما ترى ذلك مناسباً، وتشديدها مراراً على أنها ليست طرفاً في النزاع الأوكراني الداخلي. وهو ما يدفع للتساؤل حول أسباب وحدود هذا التوتر، وطبيعة المواقف الدولية بشأنه، وهل تسعي روسيا بالفعل للتدخل عسكرياً في أوكرانيا، أم أن لها أهدافاً أخري؟.

الخلفية التاريخية للنزاع: بدأت الأزمة الأوكرانية في أواخر نوفمبر عام 2013، حيث أدي قرار الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش بتعليق الأعمال التي من شأنها أن تُفضي إلى توقيع اتفاق الشراكة الأوكرانية مع الاتحاد الأوروبي إلى اندلاع احتجاجات حركة الميدان الأوروبي والثورة الأوكرانية التي أسفرت عن الإطاحة بنظام الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، وأعقب ذلك قيام روسيا بالتدخل عسكرياً في شبة جزيرة القرم، وقامت بضمها للسيادة الروسية بموجب نتائج استفتاء علي حق تقرير المصير في مارس عام 2014، ورفضت كل من أوكرانيا والقوي الغربية الاعتراف بنتائج هذا الاستفتاء وفرض الغرب عقوبات علي روسيا بسببه، كما تم تعليق عضوية روسيا في مجموعة الثماني الاقتصادية (G8)، هذا إلي جانب إدانة منظمة الأمم المتحدة ضم القرم لروسيا، فيما أكدت روسيا شرعية هذا الاستفتاء وفقاً للقانون الدولي ومبدأ حق تقرير الشعوب لمصيرها، وأكد الرئيس الروسي أن مسألة القرم حسمت ولا رجعة عنها.

وتزامناً مع ذلك، تم  إندلاع الاضطرابات في إقليم «دونباس» جنوب شرق أوكرانيا، الذي يشهد أزمة عسكرية سياسية منذ عام 2014 بين القوات الأوكرانية ومقاتلي جمهوريتي «دونيتسك ولوغانسك» الشعبيتين  غير المعترف بهما حيث أعلنوا انفصالهم عن أوكرانيا من طرف واحد، وتتهم أوكرانيا والدول الغربية روسيا بدعم الانفصاليين في إقليم دونباس، ومن جانبها تؤكد روسيا مراراً علي أنها ليست طرفاً في النزاع الأوكراني الداخلي.

ولتخفيف حدة الصراع ومحاولة ايجاد حل سياسي لهذه الأزمة تدخلت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي وفرنسا وألمانيا للوساطة وتم توقيع اتفاقية مينسك في أول يونيو عام 2014 بين أوكرانيا وروسيا وممثلوين عن جمهوريتي «دونيتسك ولوغانسك»، وشمل الاتفاق نحو 13 تدبيراً أمنياً وسياسياً لإنهاء النزاع ووقف القتال في إقليم دونباس وإجراء إصلاح دستوري في أوكرانيا وانتخابات في منطقة دونباس ومنح هذه المنطقة وضعاً خاصاً متميزاً.

ولكن سرعان ما تم خرق وقف إطلاق النار، ثم عقد مؤتمر قمة لرؤساء الدول والحكومات وفق صيغة « نورماندي» بين كل من «فرنسا والمانيا وأوكرانيا وروسيا» في مدينة مينسك في فبراير 2015، وتم التوقيع علي اتفاقية مينسك 2، والتي أيدها قرار مجلس الأمن رقم 2202 لعام 2015، إلا أن العملية السياسة لم تراوح مكانها حتي الآن؛ وتكرر خرق اتفاق وقف اطلاق النار مرات عدة واستمرت التوترات التي تؤجج النزاع بين الحين والآخر، ومع ذلك تظل اتفاقيات مينسك الأساس للحل السياسي للنزاع في أوكرانيا وفق صيغة «نورماندي». وعلي مدار سبعة أعوام يتجدد الصراع بين القوات الأوكرانية والانفصاليين في إقليم الدونباس والذي أسفر حتي الأن عن مقتل نحو 13 الف شخص وإصابة 25 الف آخرين ونزوح نحو 1.6 مليون شخص.

تصاعد حدة التوتر وانهيار اتفاق وقف إطلاق النار؛توترت الأوضاع في منطقة دونباس في أواخر مارس 2021، حيث تبادل طرفا النزاع الاتهامات بتكثيف النشاط العسكري وعمليات القصف، وتم خرق آخر وأطول اتفاق لوقف إطلاق النار في دونباس بين قوات أوكرانيا والانفصاليين الذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2020، ومع تفاقم حدة الاشتباكات بين القوات الأوكرانية والقوات الانفصالية في منطقة دونباس، تصاعدت حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا وتبادلا الاتهامات، مما أثار المخاوف الدولية من اندلاع حرب موسعة بين البلدين.

فعلي الجانب الروسي؛ أعلن الكرملين أنه قد يتخذ خطوات لحماية المدنيين في إقليم دونباس، ولمنع أوكرانيا من استخدام القوة لمحاولة استعادة السيطرة علي إقليم دونباس، وأتهمت روسيا أوكرانيا بأنها تسعي لشن هجوم علي الانفصاليين في دونباس، وتتخذ خطوات استفزازية تزيد من التوتر علي خط التماس بشكل متعمد، محذرة أوكرانيا من عواقب تدخلها العسكري في المنطقة الانفصالية، حيث سيقابله تدخل عسكري روسي.

كما حذرت روسيا حلف شمال الاطلسي من إرسال أي قوات لمساعدة أوكرانيا مما سيدفعها لاتخاذ اجراءات اضافية في حال حدوث ذلك، وصاحب ذلك زيادة الحشد العسكري الروسي علي طول الحدود الروسية المتاخمة لمنطقة شرق أوكرانيا وفي شبة جزيرة القرم تجاوز نحو 120 ألف جندي، وهو أكبر تجمع للقوات الروسية في هذه المنطقة منذ عام 2014؛ وهي التحركات التي أثارت قلق ومخاوف أوكرانيا والدول الغربية ورأوا أنه حشد عسكري استفزازي قرب الحدود الأوكرانية، وذلك علي الرغم من التأكيد الروسي بأن تحركات القوات الروسية داخل أراضيها هي اجراءات دفاعية داخل أراضيها ولا تشكل تهديداً لأحد.

كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 24 أبريل الجاري إغلاق 3 مناطق في البحر الأسود أمام مرور السفن الحربية للدول الأجنبية لإجراء تدريبات عسكرية، وذلك اعتباراً من 24 أبريل وحتي 31 أكتوبر القادم، في خطوة أثارت انتقادات ومخاوف غربية واسعة حيث أعربت الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي عن قلقهما إزاء الخطوة الروسية، كما انتقدها حلف الشمال الأطلسي «الناتو»، وذلك علي الرغم من تأكيد وزارة الدفاع الروسية أن الإغلاق لن يعيق الملاحة عبر مضيق كيرتش، مشددة على أن جميع المناطق المغلقة ستكون في المياه الداخلية والإقليمية لروسيا، من بينها مناطق في شبه جزيرة القرم، كما أكد وزير الخارجية الروسي أن روسيا تعمل في إطار القانون الدولي، ولم تفرض أي قيود علي حركة السفن التجارية ولا تعرقل عمل الموانئ الأوكرانية في بحر أزوف.

وفي سياق آخر اتهم نائب مدير إدارة الرئيس الروسي دميتري كوزاك، الجانب الأوكراني بعدم الاهتمام بإحلال السلام في منطقة دونباس واللجوء للمراوغة والتهرب من الحوار المباشر مع جمهوريتي «دونيتسك ولوغانسك» الانفصاليتين، كما أعلن بوريس غريزلوف المفوض الروسي ضمن مجموعة الاتصال الخاصة بتسوية النزاع في منطقة دونباس، أن «الناتو يحث أوكرانيا على الحل العسكري للنزاع، وهو ما يخالف قرار مجلس الأمن الدولي، وأكد علي أن مثل هذا السيناريو مرفوض بموجب اتفاقات مينسك للتسوية، التي تؤكد بوضوح عدم وجود بديل للحوار السلمي والسياسي بين كييف ودونباس».

وفي السياق نفسه، أكد وزير الخارجية الروسي في اتصال مع رئيسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا آن ليندي في 14 ابريل اهتمام موسكو بالتسوية السلمية في أوكرانيا، وأعرب عن القلق الروسي من تصاعد النزاع بجنوب شرق أوكرانيا جراء قيام كييف بنقل قوات وأسلحة إلى خط التماس بين الطرفين وعمليات القصف المنتظمة التي تشهدها ضواحي مدينتي دونيتسك ولوغانسك في منطقة دونباس، وشدد علي اهتمام موسكو بألا تتم التسوية في جنوب شرق أوكرانيا إلا بالوسائل السلمية وفق اتفاقيات مينسك، وضرورة التزام أطراف النزاع « كييف ودونيتسك ولوغانسك» بإجراءات تعزيز نظام وقف إطلاق النار المتفق عليها في يوليو 2020.

ويتضح مما سبق؛ أن تفاقم حدة الاشتباكات بين القوات الاوكرانية والانفصاليين في منطقة دونباس كانت السبب وراء الحشد العسكري الروسي في شبة جزيرة القرم والحدود مع أوكرانيا، ولكن توجد بعض المؤشرات التي توضح وجود دوافع أخري لهذا الحشد العسكري الروسي كنوع من استعراض القوة الروسية وكرادع لأي تحركات قد تفكر بها أوكرانيا أو حلف شمال الأطلسي «الناتو» تجاه شبة جزيرة القرم أو التدخل العسكري المباشر في إقليم دونباس بما يهدد بحرب مباشرة بين روسيا والغرب، وخاصة مع إعلان أوكرانيا المشاركة  في مناورات  Defender Europe 2021مع حلف الناتو في مايو ويونيو المقبلين؛ وهي «أكبر مناورات من نوعها يجريها الحلف منذ الحرب الباردة»، وما تردد بأن هذه المناورات تهدف للتدريب على خوض حرب ضد روسيا، مع التركيز على القرم والبلطيق، وهو ما اتضح في تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 22 أبريل عند اختتام المناورات التي أدتها قوات المنطقتين العسكريتين الجنوبية والغربية الروسيتين في شبة جزيرة القرم، بتأكيده أن القوات الروسية سترد بشكل مناسب على أي تطورات قرب حدود البلاد، وإشارته بأن حلف شمال الأطلسي كثف بشكل ملموس أنشطته العسكرية قرب حدود روسيا الجنوبية، وأن روسيا تتابع عن كثب نقل الناتو قواته إلى منطقة المناورات القادمة، هذا إلي جانب إصداره لأوامر للجيش الروسي في هذا الصدد بـ « مواصلة متابعة الأوضاع في مناطق تدريبات Defender Europe  والاستعداد للرد فوراً في حال حدوث أي تطورات..».

ويتصل هذا الأمر أيضاً بدعوة الرئيس الأوكراني لعقد قمة دولية حول عودة سيطرة أوكرانيا علي شبة جزيرة القرم تحت اسم قمة «منصة القرم» في 23 أغسطس المقبل، ومطالبته للأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ للمشاركة في قمة «منصة القرم»، وتوسيع حضور حلف الناتو في مياه البحر الأسود، هذا إلي جانب دعوات أوكرانيا المتكررة للإسراع في العمل علي ضمها لعضوية الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو من أجل أمن أوكرانيا وكردع لروسيا. وهو ما تراه روسيا تهديدا لأمنها القومي، وفي هذا الشأن أشار الرئيس الروسي بوتين في أكثر من مناسبة إلي أن توسع حلف الناتو قرب الحدود الروسية يعتبر تهديدا مباشرا لأمن وأستقرار روسيا، وأن رغبة أوكرانيا للانضمام للاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الاطلسي سيؤدي الى تفاقم النزاع بين الانفصاليين والقوات الأوكرانية وينذر بحرب أهلية في أوكرانيا مما يهدد أمن روسيا.

وفيما يتعلق بالموقف الأوكراني؛ فقد نفت أوكرانيا ما رددته روسيا بشأن عزمها شن هجوم علي الانفصاليين في إقليم دونباس، وطالبت المجتمع الدولي بفرض عقوبات اقتصادية جديدة لردع موسكو عن المزيد من التصعيد، كما طالب الرئيس الأوكراني بسرعة العمل علي ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلسي، ودعت أوكرانيا خلال القمة الثلاثية في باريس بين «ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا» موسكو لسحب قواتها الاضافية المنتشرة علي حدودها معها، ومن جانب آخر أعلنت وزارة الخارجية الأوكرانية طرد دبلوماسي روسي، رداً على توقيف موسكو للقنصل العام الأوكراني ألكسندر سوسونيوك فى سان بطرسبورج وإعلان أنه شخصية غير مرغوب فيها بتهمة تلقى معلومات سرية، ومطالبته بمغادرة البلاد، متهمة موسكو بالاتجاه نحو التصعيد من حدة التوتر معها، كما وقع الرئيس الأوكراني قانوناً يسمح بتعبئة جنود الاحتياط خلال 24 ساعة في حال تفاقم الوضع في دونباس دون إعلان مسبق عن التعبئة العامة، هذا إلي جانب قيام وزارة الخارجية الأوكرانية بالتقدم بمذكرة احتجاج بسبب القرار الروسي بإغلاق ثلاث مناطق في البحر الاسود أمام السفن الحربية للدول الأجنبية بداية من 24 أبريل الجاري وحتي 31 اكتوبر المقبل.

ردود الفعل الدولية: لا يمكن قراءة المواقف الغربية بعيداً عن التوتر الحادث في العلاقات مع روسيا بسبب قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني ووقائع طرد الدبلوماسيين المتبادلة، هذا الي جانب دعمهم المستمر لأوكرانيا في هذا النزاع منذ عام ٢٠١٤، وفي هذا السياق أعلنت ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأمريكا دعمهم لأوكرانيا، ولكن هذا الدعم لم يتعدى كونه موقفا سياسيا حذر لا يدعو للمزيد من التصعيد حيث لم يقرر الاتحاد الأوروبي أي عقوبات جديدة على روسيا، وتستكمل ألمانيا مشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» أو السيل الشمالي مع روسيا، «وهو المشروع الذي تعارضه أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتريان أنه يزيد اعتماد اوروبا علي الغاز الروسي مما يعزز النفوذ الروسي».

وفي السياق نفسه علي الرغم من دعوة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لفرض المزيد من العقوبات على روسيا ووضع خطوط حمر واضحة لها، إلا انه أكد أن العقوبات لا تكفي ويجب إقامة «حوار بناء ومنفتح مع روسيا»، كما دعت كل من فرنسا وألمانيا والإتحاد الأوروبي كافة الأطراف لتهدئة النزاع وخفض التوتر والعمل وفق صيغة نورماندي الرباعية لتنفيذ بنود اتفاقيات مينسك.

وفيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، فعلي الرغم من إعلان دعمها لأوكرانيا واعلانها عدم الاعتراف بضم روسيا لجزيرة القرم وفرضها لعقوبات جديدة على روسيا في إطار قضايا أخرى؛ تراجعت واشنطن عن قرارها بإرسال سفينتين حربيتين للبحر الأسود، وأكدت إدارة بايدن أنها لا تريد تصعيد الوضع مع روسيا، وأنها تفضل «علاقة أكثر استقراراً ويمكن التنبؤ بها مع روسيا»، كما دعا الرئيس الأمريكي نظيره الروسي خلال اتصال هاتفي لعقد قمة ثنائية بينهما في دولة ثالثة.

لذا، علي الرغم من الدعم الأوروبي -الأمريكي لأوكرانيا وتصاعد حدة التصريحات المتبادلة والتهديد بفرض عقوبات جديدة فإن احتمالية ذهاب أمريكا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي للدخول في حرب مباشرة ضد روسيا من أجل أوكرانيا بعيدة جداً، لأنها بمثابة نذير لحرب عالمية ثالثة لا أحد يرغب بها أو يسعي إليها، لذا فالاحتمال الأقرب هو الذهاب نحو تهدئة التوتر وفي حال عدم التهدئة قد يتم الاكتفاء بفرض المزيد من العقوبات، وهي التي علي الرغم من تأثيرها سلباً في الاقتصاد الروسي لم تغير في السابق من نهج روسيا. ومن جانب آخر قد تستثمر أمريكا وأوروبا هذه الأزمة كدافع لتوحيد الكتلة الغربية لمواجهة روسيا وكذلك الصين.

مبادرات تجاه التهدئة ولكن؛ في محاولة لتهدئة التوتر بين البلدين دعا الرئيس الأوكراني نظيره الروسي في 20 أبريل الجاري للقاء في منطقة النزاع مع الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، وهو ما رد عليه الرئيس الروسي بأنه يتعين علي الرئيس الأوكراني بالدرجة الأولي لقاء قادة جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين قبل مناقشة هذه القضايا مع ممثلين عن دولة ثالثة، وأعرب عن استعداده للقاء الرئيس الاوكراني في موسكو للحديث عن العلاقات الثنائية بين البلدين، وهو ما عقبت عليه أوكرانيا بأن «الرئيس الاوكراني لن يتوجه خلال الحرب لعاصمة الدولة المعتدية، وأن مثل هذا الاجتماع يجب أن يتم في إطار رباعية النورمادي بمشاركة ألمانيا وفرنسا».

وفي الخطاب السنوي حول حالة الأمة الذي جاء وسط تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، حذر الرئيس الروسي القوي الغربية التي تحاول دائماً ازعاج روسيا من مغبة «تجاوز الخطوط الحمر» مع روسيا وأكد أنه لا يريد «حرق الجسور» ولكن من يترجم النوايا الروسية السلمية علي أنها ضعف سيكون «ردنا غير مسبوق وسريع وقاسي»، ومع ذلك اتخذت روسيا خطوة نحو تهدئة التوتر وعملت علي تقليص القلق الأوكراني والغربي من التحركات الروسية العسكرية.

وجاء ذلك بإعلان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو في 22 أبريل انتهاء التدريبات العسكرية للقوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية وعودة هذه القوات لوحداتها الدائمة مع الاستعداد لصد أي تصعيد عسكري محتمل في ظل تكثيف تحركات قوات دول حلف الناتو، خاصة أمريكا قرب الحدود الروسية ضمن تدريبات الناتو»  Defender Europe 2021»، وعلي الرغم من التصريحات الأمريكية بأن عقوباتها علي روسيا كانت فاعلة وأدت إلي هذا القرار، أكد وزير الدفاع الروسي أن سحب القوات من المناطق الحدودية مع أوكرانيا لا صلة له بضغط الغرب، مشدداً على رفض روسيا أي تحذيرات من الخارج حول تحركاتها العسكرية داخل حدودها.

وفي خطوة أخري أعلنت أوكرانيا في أعقاب جولة مشاورات لرباعية نورماندي على مستوى المستشارين السياسيين أن جميع أطراف الرباعية أكدوا سعيهم للوصول لوقف إطلاق النار في منطقة دونباس، ومع ذلك لم يسفر هذا الاجتماع عن أي نتائج ملموسة، كما لم يتم تنفيذ المقترح الروسي بعقد اجتماع مع فرنسا وألمانيا قبل 27 أبريل لبحث قضايا التهدئة في دونباس.

لذا، علي الرغم من الاتجاه نحو تهدئة التصعيد إلا أن الأزمة مازالت مستمرة ومن غير المنتظر أن تُحل حتي في المستقبل القريب، في ظل عدم الاتفاق بين روسيا أوكرانيا حول سبل حل الأزمة في إقليم دونباس؛ حيث تؤكد روسيا أنها ليست طرفاً في النزاع ولكنها لن تسمح بحله عسكرياً، وتشدد علي أن تسوية النزاع يجب أن يتم وفق بنود اتفاقيات مينسك ودخول السلطات الأوكرانية في حوار مباشر مع ممثلي وقادة جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وعدم التطرق نهائياً لمسألة شبة جزيرة القرم، لأنها مسألة محسومة وجزء من أراضيها، هذا إلي جانب القلق الروسي من اقتراح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مؤخراً بضرورة «مراجعة اتفاقيات مينسك حول تسوية النزاع في منطقة دونباس وإشراك دول أخري فيها ضمن صيغة النورماندي»، وهو ما ترفضه روسيا بشكل قاطع، حيث أعلنت مراراً رفضها توسيع صيغة النورماندي، بما في ذلك انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى مباحثات التسوية في دونباس.

وأخيراً: علي الرغم من تصاعد التوتر بين أوكرانيا وروسيا وحرب التصريحات المتبادلة بين البلدين وتكرار وقائع طرد الدبلوماسيين المتبادلة؛ إلا أن هناك بعض المؤشرات علي المضي قدماً تجاه تهدئة هذه الأزمة وعدم تصعيدها لحرب شاملة ستكون لها تداعيات خطيرة علي الأمن الدولي وتدق ناقوس حرب عالمية ثالثة، وهو أمر لا يرغب فيه أي طرف، حيث تدرك أوكرانيا وشركاؤها الغربيون أن حدوث تصعيد وحرب شاملة مع روسيا ليست في مصلحة أحد، وأن الاتجاه الأفضل هو إيجاد حل متوازن لمعالجة خطر حدوث تصعيد كبير مع روسيا، وعلي الجانب الآخر تعي روسيا أن المزيد من التصعيد ضد أوكرانيا سيؤدي إلى مزيد من تصعيد العقوبات عليها، لذا كانت تحركاتها محسوبة جداً ونجحت في استعراض قوتها العسكرية تجاه أي طرف قد يفكر في أن يهدد مصالحها، حيث كانت تحركاتها بمثابة محاولة لتقييد تحركات أوكرانيا تجاه التقارب مع الغرب ومنعها من التخطيط لشن أي هجوم عسكري من جانبها تجاه إقليم دونباس، هذا إلي جانب اختبارها لرد فعل الدول الأوروبية، وكذلك الإدارة الأمريكية الجديدة، وتقييمها للدور الأمريكي في هذه الازمة، وابراز رفضها القاطع للعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً اكثر بروزاً وفاعلية من حيث المشاركة في مباحثات التسوية للأوضاع في إقليم دونباس.

 

المصدر: مجلة السياسة الدولية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر