روسيا في فنزويلا | مركز سمت للدراسات

روسيا في فنزويلا

التاريخ والوقت : الإثنين, 22 أبريل 2019

باولو بوتا

 

إن مصالح روسيا ووجودها في أميركا اللاتينية ليس بالأمر الجديد. إذ يجب أن نتذكر الأنشطة الروسية في كوبا خلال الحرب الباردة، والتي ولَّدت تقريبًا حربًا نووية بين موسكو وواشنطن. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كان من الواضح تمامًا أن أميركا الوسطى والجنوبية لم تكن من بين الأولويات العليا للاتحاد الروسي.

وعلى أي حال، في بداية القرن الحادي والعشرين، عادت روسيا إلى تلك المنطقة، فكانت فنزويلا وغيرها من الحكومات المعادية للإمبريالية (التي يُفهم أساسًا أنها مناهضة للولايات المتحدة)، حريصة على تعميق علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع موسكو.

ومن منظور الجانب الروسي يمكننا تحديد هدف عام، وهو اكتساب النفوذ في أميركا اللاتينية على حساب الولايات المتحدة، إضافة إلى هدف خاص يتمثل في تأمين الفرص الاقتصادية المربحة في قطاعي النفط والغاز.

وقد تولدت حالة إيجابية في العلاقات بين روسيا وفنزويلا خلال تلك الفترة، وقد استمرت تلك الحالة إلى اليوم. ففي فنزويلا وبعد وفاة الزعيم التاريخي “هوغو شافيز” في عام 2013، تولى السلطة خليفته “نيكولاس مادورو”، الذي عمل على الحد من تراخيص النفط الدولية، وقد تميز حكمه بسوء إدارة الاقتصاد الوطني، فضلاً عن أزمة اقتصادية، ثم اجتماعية، وأخيرًا سياسية.

وفي هذه الحالة من الضعف المؤسسي تسعى القوى الخارجية، مثل: روسيا والصين والولايات المتحدة، إلى اكتساب المزيد من النفوذ والحصول على فوائد متنوعة. ومع ذلك، فمنذ تواصل “مادورو” وخطابه المعادي للولايات المتحدة، كانت الشركات الروسية والصينية بشكل رئيسي هي التي حصلت على نصيب الأسد من النفط الفنزويلي. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه وفقًا للدراسات الدولية، فإن فنزويلا تتمتع بموارد نفطية كبيرة جدًا، مما يساعد على فهم مصلحة تلك القوى الإقليمية الإضافية في تلك الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.

ويُشار إلى أن الضغوط الإقليمية والدولية على حكومة “مادورو” والمعارضة الداخلية المتزايدة تؤدي إلى عزلة سياسية واقتصادية لفنزويلا؛ ونتيجة لذلك زادت الحكومة من اعتمادها على روسيا والصين.

وتنشط شركات النفط والغاز الروسية في فنزويلا، وكذا المصالح الرئيسية لإدارة “بوتين” التي تتمثل في تأمين مصالحها وحماية استثماراتها. وفيما يتجاوز حدود الاستثمارات، فإن فنزويلا مدينة جدًا لموسكو وبكين، إذ إنهما كانتا خلال السنوات الخمس الماضية هما الدائنَين الخارجيين الوحيدين لحكومة “مادورو”.

ثم إن وراء الشراكة الاستراتيجية المزعومة، تكمن العديد من المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الخالصة.

إلا أن المشكلة الرئيسية التي تواجه روسيا (والصين)، تكمن أخيرًا في كيفية إقناع المعارضة الفنزويلية، التي يرأسها “خوان غوايدو”، بالاعتراف بموقفها في حالة حدوث تغييرات على الحكومة. ونتيجة للدعم الثابت الذي يتلقاه “غوايدو” من واشنطن، لا يتضح أن موسكو وبكين ستحصلان على ما تريدان؛ ذلك أن الولايات المتحدة تريد بداية جديدة، تنطلق من الصفر وليس أي نوع من التعويض أو المشاركة مع روسيا والصين. وهنا يمكن القول بأن هذه مواقف تبدو متطرفة (روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة من الجانب الآخر)، كما يمكن للقنوات الدبلوماسية أن تعمل على فتح المجال للمفاوضات والتعويضات.

وعلى ذلك، فإن نشر القوات الروسية، يرتبط بدرجة كبيرة بالأبعاد والجوانب الإعلامية أكثر من الحاجات العسكرية. ويمكننا القول بأن هذه القوات موجودة من أجل حماية المصالح الروسية المتمثلة في البنية التحتية والاستثمارات الروسية،وليس حكومة “مادورو”.

ويتضح أن ثمة صعوبة مستقبلاً في تحمل أي اشتباك عسكري بالنسبة لروسيا بسبب استحالة الحفاظ على المصالح اللوجستية والتكاليف المالية المترتبة على أي تأزم في الموقف. ومن ثَمَّ، فمن المنطقي أكثر التفكير في نشر القوات كضمان للمصالح فيما يعدُّ ظهيرًا ودعمًا لأي موقفٍ تفاوضيٍ محتملٍ.

وفي تلك اللحظة، لا الولايات المتحدة ولا أي دولة أخرى في أميركا الجنوبية (خاصة كولومبيا والبرازيل)، تبدو راغبة في عملية تغيير عنيفة للنظام في فنزويلا والتدخل العسكري. فإذا اعترفت واشنطن، و”غوايدو” بمصالح روسيا والصين، فستخسر حكومة “مادورو” مؤيديها السياسيين والاقتصاديين الرئيسيين وستكون هناك إمكانية للانتقال. وفي غضون ذلك، يحاول الشعب الفنزويلي البقاء على قيد الحياة. فقد شهدت فنزويلا المزيد من اللاجئين بدرجة أكبر من سوريا.

لقد تسبب نشر القوات الروسية في فنزويلا في مواجهة جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ تتهم الولايات المتحدة روسيا بالتدخل في الشؤون الداخلية لفنزويلا. لكن: هل حقًا الولايات المتحدة في “موقف أخلاقي جيد”، وذلك بالنظر إلى تاريخها في التدخل؟

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مجلة الدبلوماسية الحديثة Modern Diplomacy

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر