رغم الفجوة المتسعة بين الولايات المتحدة والصين قد لا يصبح العالم ثنائي القطب | مركز سمت للدراسات

رغم الفجوة المتسعة بين الولايات المتحدة والصين قد لا يصبح العالم ثنائي القطب

التاريخ والوقت : السبت, 17 أكتوبر 2020

لوسيو بلانكو بيتلو

 

في ظل صراع القوى العظمى الدائر بين بكين وواشنطن، سيُرسم ملامح العلاقات الدولية في السنوات المقبلة. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن العالم سيصبح ثنائي القطب. فعلى العكس من ذلك، كلما تصادمت الولايات المتحدة والصين على نطاق متزايد من المجالات، كانت الدول الأخرى أكثر حذرًا في تجنب الانجرار إلى تحالفات متنافسة. كما تتخذ القوى الكبرى والمتوسطة الأخرى خطوات لتقليل الاعتماد المفرط على أي من الطرفين في المجال الاقتصادي أو الأمني. لكن: هل يمكن لهذه الأقطاب الأخرى أن تعزز التعايش بين الولايات المتحدة والصين والمساعدة في تجنب الصراع، أم سيتم تجنيدها حتمًا من قبل أي من الخصمين في منافستهما الجيوسياسية؟

الولايات المتحدة: أن يُسمع صوتك، لكن لا تصل إلى هناك

تعمل العقوبات الأميركية على إبعاد الدول المستهدفة عن غاياتها وتسعى لإحداث انقسامات في علاقاتها مع شركاء هذه الدول. إذ تدفع العقوبات المفروضة على إيران وسوريا وتركيا وفنزويلا هذه القوى الإقليمية إلى حظيرة موسكو وبكين. فقد أدى انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس للمناخ إلى توتر علاقاتها مع الشركاء الأوروبيين. وقد تضاءلت الجهود المستمرة لعزل كوبا نظرًا للتواصل الطبي لهذه الدولة الجزرية الصغيرة خلال أزمة “كوفيد – 19” في أوروبا وإفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية. ومثل هذه التقلبات في المواقف السابقة، كما يتجلى في عكس الاتفاق النووي الإيراني، والانسحاب من ميثاق المناخ العالمي، والتراجع مع كوبا، والقمم مع زعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”، والتخلي عن الحلفاء الأكراد في شمال شرق سوريا، كل ذلك يلقي بظلال من الشك على استمرارية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب انتخابات نوفمبر. وتخلق عمليات الحظر فرصًا للمنافسين، سواء في الشرق الأوسط أو جنوب شرق آسيا، واستياء من طريقة تعزيز الولايات المتحدة هيمنتها على النظام المالي العالمي لفرض عقوبات أحادية الجانب وقوية، مما يزيد من زخم تدويل عملية الرنمينبي الصينية، ويزيد من احتمالات الترتيبات البديلة مثل نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك في الصين.

وبدون بدائل واضحة، يبقى أن نرى مدى استدامة الولايات المتحدة، كما يبدو بوضوح من خلال حملة مقاطعة هواوي. وينطبق هذا بشكل خاص على البلدان سريعة النمو التي تتوق إلى تجديد صناعة الاتصالات لديها أو الدخول في شبكة الجيل الخامس. وينطبق الأمر نفسه على الجولة الجديدة من العقوبات المفروضة على شركات البنية التحتية الصينية في طليعة تنفيذ “مبادرة الحزام والطريق” في بكين. فإذا كانت هذه الشركات منخرطة في مشاريع حيوية أو ذات أولوية، فقد تثير هذه العقوبات استياء الدول التي تتسابق لتطوير بنيتها التحتية. ومنذ إعلانها في أواخر العام الماضي، لم يُسمع الكثير عن شبكة “بلو دوت”Blue Dot  التي تقودها الولايات المتحدة، والتي يُنظر إليها على أنها ثقل موازن محتمل لعرض الصين الهائل للاتصال العالمي.

الصين: هل يمكن ترويض روح الذئب عند إثارتها؟

وبالمثل، فإن سياسة الصين الخارجية الحازمة على نحو متزايد، وخاصة في مناطق التوتر، حتى أثناء جائحة “كوفيد – 19″، تخلق احتكاكات على جبهات متعددة، من جبال الهيمالايا إلى بحر الصين الجنوبي. وقد أضيفت إلى الملاحظات اللفظية الصادرة عن جيرانها في جنوب شرق آسيا في مذكرات دبلوماسية مماثلة من الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وهو ما يكدس الاحتمالات ضد المطالبات البحرية للصين في البحر المتنازع عليه، حيث تقترب فيتنام من الولايات المتحدة. كما أن التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن تعزيز إنفاذ القانون للحد من الصيد غير المشروع، قد يفتح مساحات أكبر للتعاون لمواجهة التدخل الصيني في أعمال الصيد التابعة لفيتنام في منطقتها الاقتصادية الخالصة. وقد يُظهر قرار الفلبين بتعليق إنهاء اتفاقية “القوات الزائرة” مع الولايات المتحدة، ومشاركتها في تمارين “ريمباك” RIMPAC  قبالة هاواي، وإصدار العفو عن جندي من مشاة البحرية الأميركية، كان مدان بقتل امرأة فلبينية متحولة جنسيًا في عام 2014، كل ذلك يظهر الأهمية المستمرة التي توليها “مانيلا” للعلاقات مع واشنطن رغم دفء العلاقات مع بكين. وفي الوقت نفسه، قد تؤدي الاشتباكات الصينية الهندية والتوترات المتصاعدة على طول الحدود في “لاداخ” إلى تقويض مجموعة “البريكس” وتقريب نيودلهي من الرباعية.

علاوة على ذلك، فإن لجوء الصين إلى استراتيجيات “فن الحكم الاقتصادي” لخدمة أهداف السياسة الخارجية، يسرع من جهود الاقتصادات الصناعية الكبرى لتقليل الاعتماد على السوق الصينية. ذلك أن اليابان بدعم لشركاتها التي تخرج من الصين، والسياسة الجنوبية الجديدة لكوريا الجنوبية، وسياسة تايوان الجنوبية الجديدة، تتطلع إلى الاستفادة من أسواق ووجهات استثمارية جديدة خاصة في الآسيان والهند. كما تشير مثل هذه التحركات إلى الرغبة في بناء سلاسل إمداد مرنة أقل اعتمادًا على الحلفاء الرئيسيين. وربما لعبت المخاوف من أن الصين قد تهيمن على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، دورًا في قرار الهند بعدم الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة الإقليمية في الوقت الحالي. كما أن رد الفعل العنيف من المناوشات الحدودية مع الهند يحرم الشركات الصينية من سوق جنوب آسيا المزدهر. وقد أدت استجابة بكين لدعوة “كانبرا” لإجراء تحقيق مستقل حول وباء فيروس” كوفيد – 19″ إلى توتر العلاقات الثنائية، وإرساء خبرة واضحة للبلدان ذات الأسواق العالية أو الاستثمار من الصين، مفادها أن المخاوف تتزايد بشأن تهديد التجسس الصيني، وهو ما قد يغذي اهتمام اليابان بأن تكون السادسة في “تحالف العيون الخمس” مع الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا.

البقية: عملاء وليسوا متفرجين

في خضم المنافسة بين القوة العظمى، ستدرك الصين أن الحصول على شركاء قد يكون أصعب مما كان متوقعًا. فعلى عكس الحرب الباردة، لا تعد الدول الأخرى يائسة أو مدينة بالفضل لأي من الجانبين، إذ لديها تقييمات التهديد الخاصة بها. فالعديد من الدول لا تهتم بصورة واشنطن كمنافس من قبيل المفاضلة بين الرؤى العالمية الحرة والقمعية. ولكن بدلاً من دق إسفين بين أميركا وشركائها في أوروبا وآسيا، فإن دبلوماسية “بكين” المعروفة باسم “المحارب الذئب” تنفر الشركاء فقط. كما أن القوى الأخرى لا توافق على لعبة إلقاء اللوم على أي من المنافسين بشأن فيروس كورونا. وقد أدى الإصرار على استخدام مسمى “فيروس ووهان” للإشارة إلى “كوفيد – 19” إلى عدم إصدار بيان مشترك في الاجتماع الافتراضي لوزراء خارجية مجموعة السبع في مارس الماضي الذي استضافته واشنطن. وعلى الرغم من انتشارها الطبي، فإن الرواية الرسمية لفيروس كورونا في الصين تبدو فارغة وخارج نطاقها.

من الملاحظ أن المبادرات التي قدمتها كل من شبكة “بلو دوت” Blue Dot Network، و”كواد بلس” Quad Plus، و”جي 11″ (G11)، والتي أسهمت في الازدهار الاقتصادي، لا تحظى بقبول كبير؛ لأن القضايا المتعلقة بدعم الدولة المضيفة، والربط بين الأمن والاقتصاد، والتدخل الملحوظ في الشؤون الداخلية، كل ذلك يؤدي إلى تعقيد علاقات التحالف مع اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين. فقد ألغت طوكيو والولايات المتحدة نظام الدفاع الصاروخي، لكن واشنطن تستمر في تولي مهام قيادة الشراكة عبر المحيط الهادئ منذ انسحاب الولايات المتحدة في عام 2017. وفي حين أن اليابان وأستراليا ورابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) والقوى الأوروبية، توصلت إلى مفاهيمهم الخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن نظرتها واستراتيجياتها قد لا تكون بالضرورة متطابقة تمامًا مع واشنطن. فعلى الرغم من الخلاف الإقليمي والبحري مع الصين والولايات المتحدة، قد لا تلقى الدعوات إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وإنشاء حلف شمال الأطلسي ترحيبًا حارًا من قبل الدول المتخوفة من نبوءة تحقق ذاتها وأكثر تركيزًا على التعافي الاقتصادي. ويبقى أيضًا أن نرى كيف سيتم تلقي الدعوة إلى “القيم المشتركة” و”التفكير المتشابه”؛ لأن هذه الأفكار تتوقف على افتراض أن الصين في الواقع تتحدى كل ذلك، إن لم تكن تسعى لتصدير أيديولوجيتها ونموذج حكمها، وهو ما يمثل وجهة نظرٍ غير مشتركة عالميًا.

وقد يوفر المدى البعيد للرئيس الصيني “شي جين بينغ” استمرارية لسياسة “الحزام والطريق” الصينية، لكنه لن يتغلب على الانتقادات الموجهة للمشروع العالمي. فالمخاوف من أن “بكين” قد تضمن الوصول العسكري إلى البنية التحتية الصينية في الخارج ومخاوف القروض المحفوفة بالمخاطر والديون التي لا يمكن تحملها في فترة الركود بعد الجائحة، ستؤثر في صياغة المبادرة بطبيعة الحال. وقد تحد المخاوف الأمنية من الاستثمارات الصينية في الدول الغربية وتشكل تهديدات لرأس المال الصيني في البلدان النامية التي لا يمكنها ببساطة تجاهل الولايات المتحدة. كما ستستمر المخاطر السياسية المرتبطة بانتقال القيادة في اختبار المشاريع الصينية في الخارج.

وعلى الرغم من التقدم المحرز في هذا السياق، فإن الترابط الاقتصادي العميق سيجعل الانقطاع الكامل صعبًا، ليس فقط على الولايات المتحدة والصين، ولكن أيضًا على بلدان أخرى عالقة في الشبكة السميكة لسلاسل القيمة العالمية التي بُنيت على مدى عقود. وستؤدي المضائق الاقتصادية إلى إنشاء حزام وطريق مقيد. وفي حين أن العقوبات أو الضغط الشديد أو التهديدات أو الإكراه الاقتصادي، قد تثني الخصوم، أو تؤثر في اتجاهات السياسة الخارجية، فإن الحوافز والبدائل القابلة للتطبيق هي فقط التي يمكن أن تكسب الشركاء وتدعمهم. ولا يمكن للتحالفات المخصصة أن تحل محل التعددية. ففي إطار السعي إلى قيادة عالمية، يكون للأفعال، وليس الخطاب أو الدعاية، أهمية أكبر. وفي الواقع، فإن قاطرة الصراع على السلطة بين الولايات المتحدة والصين تتحرك بالفعل. لكن طريقها ووجهتها يمكن تشكيلهما، ليس فقط من خلال الفاعلين الرئيسيين، ولكن أيضًا من قبل لاعبين آخرين قد يصعدون أو يخرجون عن المسار.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: China Us Focus

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر