موسكو تعزز حضورها العسكري في طاجيكستان | مركز سمت للدراسات

رسائل المناورات الصينية ــ الروسية

التاريخ والوقت : الأحد, 15 أغسطس 2021

لا تنظر الولايات المتحدة إلى التدريبات العسكرية الصينية الروسية المشتركة بعين الرضى، فكلا البلدين خصم عنيد ذو إمكانيات جبارة، وإذا اجتمعا، فإن المعادلة ستختل بقوة لغير صالح واشنطن وحلفائها، خصوصاً أن هذه التدريبات تتزامن مع الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان وتردي الوضع الأمني والسياسي، مع سقوط معظم المناطق في قبضة حركة «طالبان».

الجيوش لا تقوم بالمناورات المنفردة أو المشتركة للترفيه عن الجنود، أو للاستعراض الأجوف، فكل تمرين مسلح محسوب بدقة داخل المؤسسات العسكرية للدول المختلفة، حتى يحقق هدفه ويوصل الرسالة إلى من يهمه الأمر. ولا شك في أن الصينيين والروس عندما خططوا لهذه المناورات، كانوا يحسبون الولايات المتحدة هي «العدو المفترض»، بالنظر إلى التوتر الشديد القائم بين الطرفين، وسط حالة من الارتباك الدولي سببتها جائحة كورونا، والتطورات السياسية والعسكرية في أكثر من منطقة. وربما تكون هذه التدريبات «عادية» في نظر بعض المراقبين، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، فهي تحمل أكثر من رسالة، ولا شك في أن الجيش الأمريكي سيسارع إلى ترجمتها للاستنتاج، ووضع الخطط المضادة إن وجد إلى ذلك سبيلاً.

المناورات التي تستمر خمسة أيام وتختبر أسلحة برية وجوية حديثة، أعلن بيان صيني روسي مشترك، أن أهدافها تتمثل في تعزيز تطوير الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي بين موسكو وبكين، كما ترمي إلى زيادة مستوى التعاون العسكري والصداقة بين القوات المسلحة للبلدين، وإظهار تصميم وقدرة الصين وروسيا على محاربة الإرهاب، وحماية السلام والاستقرار في المنطقة بشكل مشترك. وبينما تبدو المصطلحات المستخدمة فضفاضة ومتداولة، فإنها في هذا المقام تبدو مشبّعة بالدلالات وتحمل ردوداً واضحة على السياسة الأمريكية وما ينجر عنها من أزمات.

ولم يكن مستغرباً أن يأتي التدريب الصيني الروسي المشترك استعداداً لأي تداعيات غير محسوبة للوضع المتدهور في أفغانستان، حيث تحقق حركة «طالبان» كل يوم تقدماً جديداً، ويقول الأمريكيون الذين لا يشعرون بالندم على انسحابهم المتسرع والتخلي عن حلفائهم، إن الحركة المتطرفة ستسيطر على كامل أفغانستان في غضون أسابيع قليلة. وإذا كانت هذه هي قناعة واشنطن، فإن موسكو وبكين تعرفان ذلك، وبدأتا مبكراً في إجراء اتصالات مع «طالبان» لاستقصاء التوجهات، ولكنهما لا تثقان في ما تعلنه الحركة المتطرفة، وتستعدان لكل السيناريوهات بما فيها القوة العسكرية لملء الفراغ الأمريكي الذي لم يحقق السلام في تلك البلاد، ولم يقض على الإرهاب.

أفغانستان لن تعرف الاستقرار في ظل هذه الظروف، وقد تضرب الفوضى دول الجوار، ولذلك عززت موسكو حضورها العسكري في طاجيكستان وتركمانستان. أما الصين فقد تكون أكثر استنفاراً ولا تشعر بالاطمئنان لقيام نظام متطرف على حدودها، وبعد تجربتي السوفييت والأمريكيين، لا يستبعد مراقبون أن تكون أفغانستان ساحة أول تدخل عسكري صيني خارج الحدود إذا تعرض أمن الصين ومصالحها للخطر، ولكن هذا التدخل المفترض لن يكرر المجرب؛ بل سيتخذ أشكالاً عدة تتسق مع التغيرات الجيوسياسية التي تضرب العالم وتُعيد هندسته على أسس جديدة.

 

المصدر: صحيفة الخليج

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر