سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سالكات داتَّا
الإعلان الذي نشره مقدم برنامج البريطاني “بير جريلز”، والذي أشار إلى أن رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” سوف يشارك في برنامجه الشهير “رجل في مواجهة البرية”، أثار جدلاً كبيرًا بمجرد عرضه. فرئيس الوزراء الهندي يواجه مزاعم من جانب أحزاب المعارضة بأنه قام بالمشاركة في هذا البرنامج بعد مقتل أربعين شرطيًا في هجوم إرهابي كبير تعرضت له مدينة بولواما في إقليم كشمير. وقد أدى الهجوم إلى جعل منطقة جنوب آسيا تواجه نُذر اندلاع حرب.
لقد واجه الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، وضعًا مشابهًا عندما كان في مدرسة مع الأطفال حينما وصلت إليه أنباء الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، في حين واصل بوش قضاء بعض الوقت مع الأطفال قبل أن يتم إجلاؤهم، في الوقت الذي كان يحاربون للحيلولة دون وقوع المزيد من الهجمات.
لقد كان حادث بولواما أكبر هجوم إرهابي تعرضت له الهند في إقليم جامو وكشمير، وهي الولاية التي خاضت فيها الهند وباكستان حربًا في الأعوام 1947، و1965، و1999، وهو ما أعقبته الحكومة الهندية بإرسال طائرات مقاتلة لباكستان للمرة الأولى منذ حرب عام 1971 لضرب معسكر إرهابي مشتبه فيه. أمَّا بالنسبة للبلدين اللذين يمتلكان أسلحة نووية، فإن التوترات لم تتصاعد منذ حرب كارجيل عام 1999.
وفي الرابع عشر من فبراير الماضي، قام مجموعة موالية لجماعة “جيش محمد” بباكستان، بتنفيذ هجوم انتحاري على قافلة تابعة لقوات الشرطة الاحتياطية المركزية. وقد أدى الهجوم إلى مقتل 40 من رجال الشرطة كانوا في طريقهم إلى وادي كشمير. وفي هذه الأثناء، كان رئيس الوزراء “مودي” موجودًا في جولة للتنزه بغابة “جيم كوربيت” الوطنية، حيث قام بتصوير حلقة من برنامج “رجل في الغابة”، وسرعان ما قام حزب المؤتمر المعارض باتهامه بالتركيز على الأعمال الدعائية وإهمال التعامل مع أزمة تتصل بالأمن القومي.
لقد فاز “مودي” بالانتخابات العامة لهذا العام، حيث حصل على قدر كبير من الدعم بعد أن وجَّه الأوامر لطائرات تابعة للقوات الجوية الهندية بقصف قاعدة إرهابية مشتبه فيها في إقليم “باختونخوا”، وذلك في السادس والعشرين من فبراير الماضي. ومع ذلك، فإن أحداث 14 فبراير، حينما كان “مودي” يصور مع “جريلز”، ظلت غير معلنة حتى تمَّ الإعلان عن العرض على “تويتر” في 29 يوليو.
في عداد المفقودين
تظهر السجلات الرسمية أن الهجوم الإرهابي على إحدى القوافل وقع حوالي الساعة الثالثة والربع مساء بتوقيت الهند، حيث كان “مودي” في غابة “جيم كوربيت بارك” مع “جريلز” في ذلك الوقت. ويصر المسؤولون الحكوميون على أن التصوير لم يستمر أكثر من 45 دقيقة فقط وانتهى في الوقت الذي وصلت فيه أنباء الهجوم على رئيس الوزراء. إلا أن تصرفات رئيس الوزراء اللاحقة تتناقض مع هذا الادعاء.
فوفقًا للمصادر الرسمية، غادر “مودي” الحديقة في تمام الساعة الرابعة مساء متوجهًا إلى مدينة “رودرابور”، لإلقاء خطاب أمام تجمع سياسي. وكان من المقرر إجراء الانتخابات العامة في أبريل، وبدأ “مودي” بالفعل حملته الانتخابية في جميع أنحاء البلاد في تلك الأثناء. كما قال المسؤولون إنه كان في الحديقة “لمراجعة” بعض المشاريع التي يتم تنفيذها، إلى جانب تصوير البرنامج. ومع ذلك، فإن ما لم يتمكن المسؤولون من إيضاحه هو السبب في أن رئيس الوزراء كان مشغولاً جدًا بالأحداث البسيطة في منطقة الغابات المحمية، ولم يخرج من الغابة إلا بعد مرور 45 دقيقة على الهجوم.
ويصر المسؤولون الحكوميون على أن الرسالة الموجهة لرئيس الوزراء، قد تمَّ نقلها خلال دقائق من الهجوم الذي وقع في الثالثة والربع مساءً. وما يؤكد ذلك أيضًا التقارير التي تفيد بأن رئيس الوزراء بدأ إجراء مكالماته في الساعة الرابعة مساءً.
ومع ذلك، لم يصل “مودي” إلى المسيرة التي كانت مقررة في الخامسة مساءً. فذهب إلى إحدى دور الضيافة الحكومية في “رامناجار”، وهي مدينة تبعد حوالي 86 كيلومترًا عن غابة “جيم كوربيت بارك”. وعادة ما يكون وقت السفر أكثر من ساعة بقليل. بينما يزعم المسؤولون أن “مودي” بدأ مراقبة الوضع من دار الضيافة بداية من الرابعة مساءً وحتى الخامسة إلا ربعًا مساءً، لكن المسافة تُعَبِّر عن خلاف ذلك.
لقد تخطى “مودي” في نهاية المطاف التجمع المقرر في “رودرابور”، لكنه تحدث إليه لمدة سبع دقائق تقريبًا عبر الهاتف. كما أن حقيقة أنه لم يترك الحديث إلى المسيرة قد أثارت جدلاً في ذلك الوقت أيضًا.
بالنسبة إلى دولة تواجه جارة نووية على حدودها الغربية والشمالية، فإن هجومًا إرهابيًا بهذا الحجم يحتاج إلى عناية فورية على أعلى المستويات في الحكومة. بجانب ذلك، فحينما وقع الهجوم، كانت ولاية جامو وكشمير تحت الحكم المباشر للحكومة الفيدرالية، بعد أن أطاح حزب “مودي” بالسلطة المنتخبة من خلال سحب الدعم المقدم لها في العام الماضي. كما تواصل حكومته الفيدرالية مباشرة حكم البلاد من خلال مكتب حاكم تمَّ تعيينه بشكل فيدرالي.
كما يرأس “مودي” أيضًا لجنة مجلس الوزراء المعنية بالأمن، وكذلك المجموعة الوطنية لإدارة الأزمات، وهما جهازان مكلفان بالتعامل مع جميع أزمات الأمن القومي. فبدون وجوده، من الصعوبة بمكان أن تعمل هذه الهيئات. كما أن الخط الذي يفصل بين الهند وباكستان في كشمير يشهد وجودًا وتأهبًا لجيشي البلدين اللذين يبدوان أنهما في حالة حرب، حيث يتبادلان قذائف المدفعية بشكل يومي تقريبًا.
وهو ما أثاره، النائب بالبرلمان عن حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض والمتحدث الرسمي باسمه “مانيش تيواري”، في مؤتمر صحفي يوم 30 يوليو. كما أشار إلى أنه وفقًا لتسلسل الأحداث في يوم الهجوم، فإن اختيار رئيس الوزراء لذلك التوقيت لتسجيل البرنامج، يوحي بأنه كان على علم بالهجوم الإرهابي بشكل مسبق. فالمناسبة الأولى كانت ترتبط بالاجتماع العلني الذي شارك فيه رئيس الوزراء، ثم تليها مشاركته في البرنامج الذي يفترض أنه سوف يعرض في الثاني عشر من أغسطس، في حين طالبت قناة “ديسكفري” Discovery بنشر تفاصيل عملية إطلاق النار التي وقعت في 14 فبراير.
لقد تمَّ تحديد إذاعة هذه الحلقة من برنامج “رجل في مواجهة البرية” في تاريخ 12 أغسطس عبر موقع “تويتر”، وسرعان ما تمَّ تناول الموضوع في عدد هائل من التغريدات بلغت 37 ألف نتيجة لإقبال أنصار “مودي” على الإعلان. فالبرنامج يكتسب شهرة واسعة، إذ يقوم المذيع “جريلز” بجولة في الأدغال بجميع أنحاء العالم، كما يقوم بالتدريب على البقاء لفترة طويلة في الظروف القاسية شبه المستحيلة. إنه بالفعل واحد من أكثر البرامج مشاهدة حول العالم.
ومع ذلك، فقد كانت هناك إشارة إلى إطلاق النار على الحلقة التي أذيعت بتاريخ 14 فبراير من خلال إعلانات “جريلز” لوسائل الإعلام الاجتماعية. فقد سبقت الإشارة إلى أنه كان في طريقه إلى الهند لتصوير حلقة خاصة. وهو ما يعني أن مكتب رئيس الوزراء كان على اتصال مع “ديسكفري” و”جريلز” قبل عدة أشهر من إطلاق النار الفعلي.
ومع ذلك، فبعد هجوم بولواما الإرهابي، تمَّ تجاهل كافة الإشارات إلى أي تصوير محتمل لحلقة من البرنامج. فعندما شنت الهند غارة جوية على باكستان، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ حرب 1971، بدأت الجارتان النوويتان في الاستعداد لتصعيد الأعمال القتالية.
قام “جريلز”، وهو ضابط سابق في القوات البريطانية الخاصة، بعمل لقاءات مماثلة مع مشاهير آخرين من بينهم لقاء مع باراك أوباما عندما كان في منصبه كرئيس للولايات المتحدة. وفي حين أن “مودي” أكبر سنًا من أوباما بكثير، يُنظر إلى تلك اللقاءات على أنه أشبه بدعاية كبيرة لرئيس الوزراء الهندي من أجل تعزيز صورته في وقت يواجه فيه العديد من التحديات.
حيث يواجه “مودي” تحديين رئيسين، فبجانب عددٍ كبيرٍ من المشكلات الأخرى التي تعاني من بطء شديد في التصدي لها، فإن المشكلة الأولى هي حالة الاقتصاد، الذي يتباطأ بمعدل ينذر بالخطر. فقد فاز “مودي” بانتخابات متتالية بأغلبية ساحقة على أساس وعود انتخابية بأن الاقتصاد سوف يبدأ في الازدهار تحت إدارته. فخلال فترة عمله كرئيس وزراء في ولاية “غوجارات”، أظهر “مودي” أنه كان “صديقًا لرجال الأعمال”، وهي الصورة التي اهتزت بشكل كبير في الوقت الحالي.
وتثير حالة الاقتصاد الهندي تعليقات سلبية منذ شهور من جانب المستثمرين العالميين. فقد خسر المستثمرون ما يقرب من 95 مليار دولار أميركي في أسواق الأسهم بعد الإعلان عن ميزانيةٍ باهتةٍ في يوليو الماضي، في حين أن خسارة الوظائف لا تزال تمثل المعدل الأعلى على الإطلاق.
أمَّا التحدي الآخر، فقد تمثل في جهود “مودي” لحماية النساء؛ فقد تمَّ إطلاق حملته المتميزة تحت شعار “إنقاذ بناتنا وتثقيفهن”، حيث صاحبتها ضجة كبيرة منذ انطلاقها قبل سنوات. ومع ذلك، فإن حالة الاغتصاب الوحشي التي تعرضت لها إحدى الفتيات البالغة من العمر 16 عامًا، والتي أشيع أن المتورط فيها كان أحد المشرعين التابعين لحزب “بهاراتيا جاناتا”، قد أحدثت عاصفة.
لقد تعرض والد الطفلة للقتل أثناء حجزه في قسم الشرطة العام الماضي عندما حاول هو وشقيقه الاحتجاج على تقاعس الشرطة. وأثناء سفر الفتاة لمقابلة عمها، الذي كان سجينًا، صدمت سيارة تحمل لوحات مجهولة سيارتها، مما أدى إلى مقتل اثنين من عماتها، بينما ظلت هي ومحاميها في حالة حرجة. وقد سجلت الشرطة قضية جديدة ضد أحد مشرعي حزب “بهاراتيا جاناتا” بتهمة الشروع في القتل، لكن القضية أثرت بشدة على صورة رئيس الوزراء، وبخاصة بعد تدخل المحكمة العليا التي أمرت بنقل القضية إلى دلهي، والاستماع إليها يوميًا، واستكمال المحاكمة في غضون 45 يومًا، حيث استيقظ حزب “بهاراتيا جاناتا” أخيرًا وأوقف المشرع عن عضوية الحزب.
على أية حال، فإنه من الواضح أن صورة رئيس الوزراء التي تمَّ تجهيزها سابقًا أثرت على صورته على نطاق واسع؛ وهو ما جعل حزب “بهاراتيا” يأمل في أن تساعد مشاركة الرئيس في برنامج “رجل في مواجهة البرية” في تعزيز صورة رئيس الوزراء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر