سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يواجه الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي وفريقه معركةً شاقَّة للتحايُل على العقوباتِ الغربية؛ بسبب عدم امتثال طهران لبنود «الاتفاق النووي» المُبرَم في عام 2015م، والمعروف باسم «خطَّة العمل الشاملة المشتركة»، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018م، وأعادت فرض عقوباتٍ خانقة على إيران.
وفي هذا السياق، سيحاول رئيسي من جانبه فكّ ارتباط الاقتصاد الإيراني بمصير الاتفاق النووي وضمان استمراريته، سواءً بقيت العقوبات أم لا. وكخطوة أولى للوصول لمبتغاه، أزاح رئيسي خصومه السياسيين؛ حتى لا يُشارك في اتّخاذ القرارات السياسية المستقبلية للبلاد إلَّا أنصاره «المتشدِّدون». وبسرعة اختار رئيسي من يثِق بهم من أصدقائه؛ منهم غلام حسين إسماعيلي، الذي شغل منصب المتحدِّث باسم السُلطة القضائية، حينما كان يعمل رئيسًا للمحكمة العُليا. وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إسماعيلي؛ لتورُّطه في انتهاكات حقوق الإنسان. أمَّا وزير الاتصالات عيسى زارع بور فقد أنشأ شبكة المعلومات الوطنية والبرمجة القضائية، عندما كان رئيسي يشغل منصب رئيس المحكمة العُليا. وقام وزير العدل الجديد حسين رحيمي بأدوار قضائية مختلفة، تحت رئاسة رئيسي للقضاء. ويُعَدُّ غلام حسين محسن إيجئي الذي حلَّ محلّ رئيسي في منصب رئيس السلطة القضائية، مدّعيًا عامًا «متشدِّدًا»، إذ انخرط مع رئيسي في مُقاضاة الخصوم السياسين. وبعد فترة وجيزة من تولِّي حسين إيجئي منصبًا وزاريًا، انتشرت له عدد من مقاطع الفيديو تُظهِر سوء معاملة وتعذيب السُجناء تحت ناظريه.
وعيَّن رئيسي محمد دهقان العضو «المتشدِّد» في مجلس صيانة الدستور، بمنصب مستشار قانوني خاص له. ويحرص دهقان على تجاهُل الفصائل «الإصلاحية» الإيرانية، ودعا سابقًا إلى محاكمة قياديي الحركة الخضراء، میر حسین موسوي ومهدي کروبي، اللذان كانا يحاولان إدخال إصلاحات من شأنها أن تؤدِّي إلى الانفتاح مع الغرب. يُذكَر أنَّ العديد من الوزراء «المتشدِّدين» في حكومة رئيسي الجديدة، سبق أن عمِلوا في حكومة محمود أحمدي نجاد، ممَّن يتمتَّعون بخبرة في تعزيز القُدرات العسكرية الدفاعية والهجومية لإيران، وفي الالتفاف على العقوبات وإدارة الدعاية الحكومية. ومن بين هؤلاء أعضاء بارزين في مجلس الوزراء، مثل وزير الداخلية الجديد أحمد وحيدي المطلوب للشرطة الدولية «الإنتربول»؛ بسبب تورُّطه في تفجير مركز AMIA اليهودي في الأرجنتين عام 1994م. وعُيِّن أيضًا محمد رضا غراي أشتياني، النائب السابق لرئيس أركان القوَّات المسلحة، وزيرًا للدفاع. أمَّا وزير النفط الجديد جواد أوجي الرئيس السابق لشركة الغاز الوطنية الإيرانية في حكومة أحمدي نجاد، فقد وعد بمواصلة بيع النفط الإيراني في الأسواق العالمية رغم العقوبات. كما عُيِّن وزير النفط في حكومة أحمدي نجاد رستم قاسمي وزيرًا للطُرُق والنقل في الحكومة الجديدة، وعُيِّن عزت الله زرغامي وزيرًا للتُراث الثقافي والسياحة في الحكومة الجديدة، وكان يشغل منصب رئيس مؤسَّسة الإذاعة والتليفزيون في حكومة أحمدي نجاد. أمَّا وزير الطاقة الجديد علي أكبر محرابيان، الذي كان وزيرًا للصناعة والمناجم في عهد أحمدي نجاد، قال إنَّه سوف يعالج نقص الطاقة ويبني محطَّات طاقة جديدة؛ لضمان استمرارية عجلة الاقتصاد الإيراني على الرغم من العقوبات المفروضة.
وعُيِّن الأمين العام بمجلس تشخيص مصلحة النظام السابق محسن رضائي لشغل مناصب مختلفة، هي: مساعدٌ للشؤون الاقتصادية، وسكرتير الموظَّفين الاقتصاديين للحكومة، وأمينٌ للمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي. كما عمل رضائي سابقًا مع رئيسي أثناء رئاسته للسُلطة القضائية، وكذلك في المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، وهي هيئة أنشأها المرشد علي خامنئي لوضع السياسات لمواجهة نظام العقوبات ضدّ إيران.
ولتعزيز سياسات المقاومة الاقتصادية الإيرانية، سيعمل رئيسي مع محمد مخبر الرئيس السابق للجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني «سِتَاد» منذ عام 2007م، حيث عُيِّن مخبرًا مؤخَّرًا لمنصب النائب الأوَّل للرئيس. وسوف يشغل أمير حسين غازي زاده هاشمي «المتشدِّد» الموالي بقوةٍ للمرشد الأعلى، نائبًا للرئيس أيضًا ورئيسًا «لمؤسَّسة الشهيد».
ووافق البرلمان على مرشَّحي رئيسي لمجلس الوزراء دون تحفُّظ، إلَّا أنَّه استبعد فقط مرشَّحه لوزارة التربية والتعليم، حسين باقولي؛ بسبب علاقاته العائلية الوثيقة وصداقته مع الرئيس. وعُيِّن إسماعيل الخطيب وزيرًا جديدًا للمخابرات، وكان قد شغل سابقًا منصب رئيس المخابرات وممثِّل المرشد في مدينة قُم «المحافِظة». ويحرص وزير الخارجية الجديد حسين أمير عبد اللهيان، على إعطاء الأولوية للعلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة وآسيا، بدلًا من إضاعة الوقت في محاولة بناء الثِقة مع الغرب.
كما يعمل رئيسي على إدخال جيل شاب من البيروقراطيين؛ لجعل إدارته أكثر جاذبيةً، وتتماشى هذه السياسة مع توجيهات المرشد التي تدعو لتدريب الجيل القادم من القادة الثوريين «المتشدِّدين» في إيران. ومن بين هؤلاء وزير الاقتصاد الجديد إحسان خاندوزي، وهو برلماني سابق وعضو هيئة تدريس في احدى الجامعات الإيرانية. أمَّا وزير العمل الجديد حجة عبد المالك، فهو خبير اقتصادي وباحث إسلامي، لديه كتابات عديدة حول بناء اقتصاد المقاومة في إيران. ولقد كان وزير الرياضة والشباب حميد رضا سجادي عدَّاءً أولمبيًا سابقًا حاصلًا على الميدالية الذهبية. وكان وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا محمد علي زولفيغول عضو هيئة تدريس سابقًا في الجامعة، وكان «متشدِّدًا» أيضًا. أمَّا وزير الصناعة رضا فاطمي أمين، فقد صرَّح أنَّه سيعزِّز الصادرات الصناعية رغم العقوبات. وأخيرًا، عُيِّن محمد هادي إسماعيلي وزيرًا للإرشاد الإسلامي، وهو باحث في العلوم السياسية يتمحور جُلّ اهتمامه في الإسلام الشيعي.
لا يبدو أنَّ أداء جميع الوزراء جيِّد في الحكومة الإيرانية الجديدة، إذ تعهَّد وزير الصحَّة بهرام عين اللهي بإنهاء الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا بحلول فبراير المقبل، بعد أن بدأت البلاد في استيراد كمِّيات كبيرة من اللقاحات وتعزيز إنتاجها المحلِّي. ومع ذلك، فإنَّ تعهده لا يتناسب مع الواقع على الأرض.
قال عين اللهي إنَّ إيران لديها 21 مليون جُرعة لقاح، لكن 60.5 مليون إيراني لا يزالون بحاجة إلى التطعيم. وفي الوقت الحالي، جرى تطعيم 18% فقط من الإيرانيين. وكان عين اللهي قد أثار الجدل سابقًا عندما اُتُّهِمت وزارة الصحَّة بإنتاج لقاحات «سبوتنيك» وتصديرها إلى روسيا، على الرغم من الحاجة الماسَّة للتطعيمات داخل إيران.
وعبَّر الشعب الإيراني عن غضبه إزاء ارتفاع أعداد الوفيات في منصَّات وسائل التواصُل الاجتماعي، عبر وسم:) #SOSIran #انقذوا إيران). ومع ذلك، لم تفعل حكومة رئيسي أيّ شيء تقريبًا، لوقف الدعاية المضادَّة للقاحات في المدن الدينية المحافظة مثل قُم.
وعلى الرغم من ارتفاع حصيلة الوفيات في إيران، مُنِعت جمعية الهلال الأحمر الإيرانية من استيراد ما يقرُب من 20 مليون جُرعة من اللقاحات الأوروبية لمدَّة ثلاثة أشهر؛ بسبب الخوف من احتوائها على ملوِّثات أجنبية يمكن أن تُضِرّ بصحَّة القيادة الإيرانية العُليا. ويرى منتقدو الرئيس الإيراني الجديد أنَّ تحرُّكاته وسياساته حتَّى الآن، ولاسيَّما الوتيرة البطيئة في تشكيل حكومته، ما هي إلَّا للاستعراض دون جدوى. ويبدو أنَّ اختيار مجلس وزرائه يعكس نيّته لإرضاء المرشد، الذي قال إنَّ رئيسي يجب أن يتصدَّى لتراجُع الدعم الشعبي للنظام السياسي الإيراني.
المصدر: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر