سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أكينولا أولوجو
تظهر ولايتان في الشمال الشرقي لنيجيريا تفاعلاً غامضًا بين عوامل الخطر والتطرف العنيف.فكثيرًا ما تعتبر المجتمعات المتضررة من التطرف العنيف عوامل خطر مرتبطة بالحرمان الاجتماعي والاقتصادي، والحكم السيئ والتطرف الديني. حيث تسود هذه العوامل في جميع أنحاء شمال نيجيريا، وفي ولايتي “باوتشي” و”غومبي” الشمالية الشرقية.
ومع ذلك، فعلى الرغم من أن فصائل “بوكو حرام” تبدو نشطة في هذه المنطقة، إلا أن ولايتي “باوتشي” و”غومبي” لم تشهدا مستويات التطرف العنيف التي شهدتها دول أخرى في نفس المنطقة خلال العقد الماضي. فقد تناولت الأبحاث والدراسات الميدانية التي أجراها معهد الدراسات الأمنية(ISS) العوامل التي ساعدت “بوتشي” و”غومبي” على مقاومة “بوكو حرام.”
وعلى الرغم من استغلال الدين من قبل “بوكو حرام”، فإن مذاهب الجماعة تأخذ في الاعتبار “عقلانيتها” من خلال السياق الاجتماعي والاقتصادي الأوسع، حيث يؤدي سوء إدارة الموارد المحدودة من قبل الطبقة الحاكمة إلى حدوث أزمة ذات تداعيات تشجع على نمو الأفكار المتطرفة التي تتبناها هذه التنظيمات. وأثناء عودة “بوكو حرام” في عام 2010، كانت “بوتشي” من بين أكبر 10 ولايات نيجيرية في فقر مدقع، وكانت “غومبي” ثالث ولاية في البلاد من حيث الفقر المدقع أيضًا.
وبداية من عام 2012 فصاعدًا، وقعت بعض هجمات “بوكو حرام” في “بوتشي” و”غومبي”، إذ تعرضت المصارف ومراكز الشرطة للعديد من الهجمات، كما تمَّ الإبلاغ عن وجودٍ محدودٍ للمتطرفين في غابات مناطق “دارازو” و”نينجي” و”جانجوا” المحلية في “بوتشي”. وفي “غومبي”، هاجمت الجماعة سجنًا ومراكز شرطة وأماكن عديدة للعبادة. كما تضررت مناطق، مثل: “نفادة”، و”عكا”، و”فوناكاي”. وفي المجمل يمكن القول بوجود عوامل داعمة لتفشي الخطة في كلتا الولايتين، لكنها لم تثر سوى مشاكل محدودة.
ولايتي بوتشي وغومبي شمالي شرق نيجيريا
وقد حددت الدراسة التي أجرتها “وكالة الفضاء الدولية” أربعة عوامل عززت مرونة “بوكو حرام” في “بوتشي” و”غومبي”. أولاً، يساعد مزيج من العوامل الجغرافية والعرقية على تفسير الانتشار المحدود للأزمة في الولايتين اللتين تشتركان في حدود مع الدول الثلاث الأكثر تضررًا من التطرف، وهي ولايات “أداماوا” و”بورنو” و”يوبي”. ومع ذلك، فإن ولايتي “بوتشي” و”غومبي” ليستا قريبتين جغرافيًا بما يكفي لتجربة الطيف الكامل من العنف الذي يقوم به المتمردون الذين يعبرون حدود نيجيريا مع الكاميرون وتشاد والنيجر.
ولسنوات، استفادت “بوكو حرام” من نقاط خروج غير رسمية مختلفة من نيجيريا إلى البلدان المجاورة والعكس صحيح. وفي “بوتشي” و”غومبي”، ليس لدى هذه الجماعة طرق للهروب مثل تلك. فقد تستخدم مخابئ مؤقتة في أجزاء من غابة “سامبيزا” الممتدة إلى “بوتشي”. ومع ذلك، فإن الملاذ الذي تقدمه منطقة “سامبيزا” القريبة جدًا من “بورنو” يعدُّ أكثر ملاءمة لتكتيكات الهجوم والتراجع بالنسبة للجماعة.
إضافة إلى ذلك، فإن الجماعة العرقية الرئيسية التي استمدت “بوكو حرام” منها أعضاء هي جماعة الكنوري، ومقرها الرئيس يوجد في “بورنو”، مع وجود عدد قليل جدًا في “بوتشي” و”غومبي”. على الرغم من أن معظم أبناء الكنوري يعارضون “بوكو حرام”، لا يزال بإمكان المجموعة استغلال لغتهم ودينهم وأراضيهم. وهكذا، فإن بيئة الكنوري قد وفرت الفضاء والشبكات المحلية ونقابات الصيد ومجموعات السوق والمجتمعات الزراعية لتجنيد “بوكو حرام” وتعبئتها.
أمَّا العامل الثاني، فيتعلق بالقادة التقليديين في “بوتشي” و”غومبي”. بالإضافة إلى هيكل الولاية الرسمي، فإن كلتا الولايتين مثل معظم الولايات الأخرى في شمال نيجيرياـ حيث يوجد لديها إمارة تضم مناطق وأجنحة وقرى، وهو ما يفسر تأييد الزعماء التقليديون للشرطة المجتمعية التي تنظمها مجموعات الحراسة والصيادين، بينما يشرف رؤساء المقاطعات والأقاليم والقرى على الأمن في مجالات نفوذهم.
وعلى سبيل المثال، تمَّ تشكيل لجنة الأمن في “يامالتو” في مقاطعة “يامالتو ديبا” في “غومبي”، بدعم من رئيس الحكومة المحلية والقيادة التقليدية. كما تمَّ تشكيل لجان مماثلة في “فوناكايا”، حيث عانى السكان من هجمات “بوكو حرام” المتكررة. كما نظم الزعماء التقليديون اجتماعات دورية للمجموعات العرقية، إذ تمَّ ترشيح المخبرين للإشراف على المواقع الاستراتيجية في المجتمعات.
ويشكل القادة والمنظمات الدينية عاملاً ثالثًا. ففي صراع يكون فيه كسب القلوب والعقول أمرًا بالغ الأهمية، فإن مشاركة الجهات الفاعلة المجتمعية المطلعة على العناصر العقائدية المطلوبة لتفكيك أيديولوجية الجماعة الإرهابية أمر بالغ الأهمية.
كما أن الرفض الجماعي لـ”بوكو حرام” قد تعزز بموقف رجال الدين الإسلامي الذين تحدثوا ضد الجماعة. وكان من عواقب ذلك اغتيال رجال الدين في شمال نيجيريا بين عامي 2010 و2013. ففي “بوتشي”، تعرض الشيخ “داهيرو عثمان بوتشي”، وهو عالم بارز في تيجانيا (بجماعة الأخوة الصوفية)، لمواجهة من “بوكو حرام”، وتعرض لهجمات متعددة من قبل الجماعة.
لقد كانت جهود التوعية التي تبذلها منظمات، مثل: جماعة إزالة البدعة Jamaaatu Izalatu Bid’aah، وإقامة السنةIkamatu Sunna (JIBWIS) ، وجماعة نصرة الإسلام Jama’aatu Nasrul Islam Kمفيدة هي الأخرى في نشر الروايات المضادة لأفكارها.
أمَّا العامل الرابع، فيتمثل في مجموعاتVigilante الموجودة في “غومبي”، حيث كان التعاون بين الشرطة والمجتمع يتميز بدرجة عالية من الفاعلية، خاصة في الفترة 2014-2015 عندما بلغت أنشطة “بوكو حرام” ذروتها. وقد ساعدت هذه المجموعاتفي تحديد أعضاء “بوكو حرام” في مناطق الحكومة المحلية، مثل: دوكو Dukkuوكوامي Kwami، حيث وقع هجوم في أوائل عام 2015.
وتشمل التنظيمات المجتمعية الأخرى التي دافعت عن السكان، العديد من الصيادين المحليين المشار إليهم باسم “يان باكا”. فبعد هجوم “بوكو حرام” في منطقة “كاتاغوم” في “بوتشي”، برزت مجموعات الشباب التي قامت بالدفاع عن المنطقة ضد المتمردين. إذ تمت تعبئة أفراد المجتمع من خلال مجموعات الحراسة وعملوا مع الوكالات الأمنية على الإبلاغ عن الأشخاص المشبوهين وتبادل المعلومات القيمة.
ويمكن الإشارة إلى دروس سياسية ملحوظة من سياقات “بوتشي” و”غومبي”. ففي حين تتحدى كلتا الولايتين النظريات المعتادة التي تربط عوامل الخطر والتطرف العنيف، فإنها لا تزال عرضة لعوامل الخطر أيضًا. فلا تزال مستويات العنف الهيكلي موجودة في كلتا الولايتين، إلى جانب التعصب والتمييز المعبر عنه على أسس دينية – عرقية. وبالتالي، ينبغي على حكومات الولايات، بالتنسيق مع الإدارات المحلية، تحفيز القطاعات الخاملة مثل الزراعة التي تستهدف قطاعات الشباب.
وتعدُّ المؤسسات التقليدية جزءًا لا غنى عنه في إطار مرونة المجتمع. إذ تمكنهم أصولهم التاريخية من نقل عمق المجتمعات الشرعية التي يجب أن تكون قادرة على التعبئة. وينبغي لهذه المؤسسات، إلى جانب سلطات المقاطعات والأقاليم والقرى، تعزيز التنسيق القائم في التنظيمات الاجتماعية.
إن المكوِّن الأيديولوجي للإرهاب يشكل تهديدًا بقدر العنف الذي يلهمه. لذا، يجب على القادة والمنظمات الدينية الاستمرار في تقديم رسائل مضادة لأيديولوجية “بوكو حرام” وفصائلها.
كما يمكن أن تستفيد الطبيعة غير التقليدية للنضال ضد الجماعات الإرهابية من مساهمة التنظيمات، مثل منظمات “الوعي”. ومع ذلك، تحتاج هذه المنظمات إلى أدوار محددة بوضوح ضمن إطار سيادة القانون تمكنها من تكملة أجهزة أمن الدولة عند الاقتضاء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مركز الدراسات الأمنية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر