سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. إسراء علي
ازداد عدد مدارس الإخوان في أوروبا خلال العقدين الماضيين بشكل مُطَّرد, الأمر الذي أثار خلافات عامة وسياسية في السنوات القليلة الماضية, حيث تم توجيه انتقادات لهذه المدارس, ومنها اتهامها بالتقاعس في تعزيز التكامل الاجتماعي, كذلك تخلف معظمها عن تلبية المعايير التعليمية الحديثة، وأنها تروج للأيديولوجيات المتطرفة. وتختلف مدارس الإخوان في البلدان الأوروبية اختلافًا كبيرًا في الحجم، والبنية، والإدارة، والنتائج الأكاديمية، والأهداف الدينية, والمخرجات التربوية. وقد تم إنشاء معظمها لحماية طلاب الجاليات من التأثيرات غير الإسلامية “العلمانية” داخل المجتمع الغربي.
النظم السياسية الأوروبية تعمق توغل مدارس الإخوان
أنشأت المنظمات والحركات المتطرفة بعض المدارس, والبعض الآخر تم إنشاؤه من قبل الجاليات المحلية المختلفة, وهناك عوامل عدة تتحكم في تنظيم وتقنين إنشاء مدارس الإخوان في أوروبا منها: النظام السياسي؛ دستور الدولة؛ قوانين النظم التعليمي؛ العلاقة بين الكنيسة والدولة؛ سياسات الاندماج وحقوق الأقليات. ففي إسبانيا يكفل الدستور حق الوالدين في ضمان تلقي أطفالهم تعليمًا دينيًا وأخلاقيًا وفقًا لقناعاتهما الخاصة داخل المدارس الأسبانية العامة, ويمثل الحق في التعليم الديني الذي تضمنه إسبانيا أن الآباء هم الذين يحددون المذهب الديني, وكيفية تقديم المعلومات الدينية. ويفرض الدستور على الدولة ضمان اعتماد التدابير اللازمة لتوفير التعليم الديني في المدارس العامة. وفي عام 2006 تم إعلان القانون الأساسي للتعليم (LOE) المعمول به حتى الوقت الراهن, حيث أصبح التعليم الديني المذهبي إلزاميًا للمدارس وفق هذا القانون، ولا يؤثر على الدرجات النهائية للحصول على المنح الدراسية أو الالتحاق بالجامعة.
أما في فرنسا فقد ظل الوضع متوترًا فيما يخص تقنين ممارسة الدين الإسلامي حتى إنشاء المجلس الفرنسي للدين الإسلامي ((CFCM عام 2003, وتمثلت مهمته الرئيسية في توحيد التيارات الإسلامية المختلفة، وبناء المساجد، وتنظيم المنتديات والمؤتمرات والاحتفالات الدينية، وإعداد وتأهيل المعلمين للمدارس الإسلامية، وتدريب الأئمة.. إلخ. وبشكل عام يرى الفرنسيون أن الإسلام دين يعارض الحداثة؛ وتُعزَى وجهة النظر تلك إلى التاريخ الفرنسي والحروب الصليبية، التي كانت تصور الإسلام كمقاوم للحداثة والانفتاح. وعلى الرغم من تقنين وضع المسلمين في فرنسا، إلا أنه وبسبب “العلمانية” فالتعليم الديني بمختلف أنواعه ليس إلزاميًا. وتنقسم المدارس في فرنسا إلى مدارس حكومية (تضم أكثر من 80٪ من الطلاب), ومدارس خاصة بموجب “عقد شراكة” مع الدولة, حيث تتحمل الدولة توفير رواتب المعلمين فقط, وتقع مدارس الإخوان في فرنسا ضمن النوع الثاني, ويوجد أربع مدارس منها مدرسة واحدة ابتدائية تم إنشاؤها عام 1990, وثلاث مدارس ثانوية تم إنشاؤها في أعوام 2001, 2007, 2008 على التوالي.
ويختلف وضع مدارس الإخوان في هولندا, فبفضل تعددية الطوائف الإسلامية وتنوع الخلفيات العرقية تأثرت هوية المدارس الإسلامية, فأنشأت المنظمات والحركات الدينية الكبيرة مدارس لتعليم ذويهم بلغ عددها 45 مدرسة ابتدائية ومدرستين للمرحلة الثانوية. ولم يكن نوع المدارس كونها عامة أو خاصة هو الاستثناء، بل كون كلاهما مدعومًا بالكامل من قبل الحكومة, علاوة على أن المدارس الخاصة تتمتع بحرية سياستها فيما يتعلق بقبول الطلاب، وتعيين المعلمين وتوفير التعليم الديني, على عكس المدارس العامة, وتمثل المدارس الخاصة الطائفية ثلثي المدارس الهولندية, وهذا لا يعني على الإطلاق أن هذه المدارس ذات توجه ديني، ولكنها تستند إلى برنامج تربوي أو نظرية تعليمية محددة، فالتربية الدينية ليست الزامية في هولندا, لذا تتمتع مدارس الإخوان بدعم مالي من الدولة، إلا أن هذا الدعم يظل رهين تقارير المتابعات والمستوى الأكاديمي للمدرسة.
ولم يختلف وضع مدارس الإخوان المستقلة في بريطانيا من حيث تعددية الفلسفة التربوية والانتماء المذهبي, أو تأسيسها على أيدي المنظمات والحركات الإسلامية, عن نظائرها في هولندا؛ إلا أن بريطانيا تضم أكبر عدد من مدارس الإخوان المستقلة, بيد أنها لا تتمتع بدعم الدولة، حيث توجد عقبات هيكلية وقانونية وسياسية تحول دون حصول عدد كبير من مدارس الإخوان على دعم الدولة في بريطانيا.
المدارس: ذراع الفكر المتطرف
نشطت الحركات والمنظمات والجماعات ذات الفكر المتطرف لتنشئ المدارس، مستغلة السياسات التي تنادي بحرية الأقليات في أوروبا, فبعد تأسيس “جماعة الخدمة في تركيا”, شرعت في إنشاء شبكة عالمية من المدارس ومراكز التعلم الأخرى التي تركز على الموضوعات العلمانية، بالإضافة إلى برامج دينية لا منهجية، حيث يوجد الآن أكثر من 1000 مدرسة ومركز تعليمي في أكثر من 100 دولة حول العالم منها الدول الأوروبية, وهذه المدارس مفتوحة للطلاب من جميع الخلفيات، وتخدم بشكل أكبر الجالية التركية في أوروبا بمصروفات مخفضة، وقد قامت الجماعة بتوسيع نشاطها التعليمي دوليًا بالمناطق ذات الأغلبية المسلمة, وانتهجت مدارسها الفلسفة التي تؤكد على أن الفهم الأفضل للعالم العلماني يعمق الإيمان الديني، حيث ترى الجماعة أن الترويج للإسلام باستخدام المؤسسات الدينية التقليدية، كالمساجد و(المدارس الدينية) أمر غير مُجدٍ في ظل متطلبات العصر الذي يميزه الحراك الاجتماعي، ويعتمد على إتقان المهارات العلمية والتقنية. لذا لا تعتمد هذه المدارس على المناهج الدينية، بل تعتمد على المنهج الوطني للدولة التي توجد فيها المدارس، وعادة ما تكون اللغة الأساسية للتعليم هي اللغة الإنجليزية أو اللغة الأم للدولة التي توجد فيها المدارس. وتنشر الجماعة رؤيتها بشكل رئيسي من خلال مناهج علمانية حديثة في بيئة دينية، كما تنظم مؤتمرات وأنشطة توعية أخرى مع مجموعات متعددة الثقافات، ومجموعات غير مسلمة, ويقتصر تأثير مدارس الجماعة في أوروبا على الجاليات التركية, بينما في دول مثل كازاخستان وأذربيجان ومقدونيا أثبتت مدارس جماعة الخدمة التركية شعبية كبيرة بين السكان المحليين بسبب سمعتها الجيدة في توفير تعليم ذي جودة.
في الآونة الأخيرة، وسعت الجماعة جهودها التعليمية إلى ما بعد المرحلة الابتدائية والثانوية. ففي منتصف التسعينيات أسست جامعة الفاتح في إسطنبول، مما أعطاها موطئ قدم في التعليم العالي. وتعتمد الجماعة على جمعية الحوار كمركز أبحاث في لندن, ومركز أبحاث آخر في برلين، بالإضافة إلى منتدى الحوار بين الثقافات بهدف ضمان دعم مدارسها في أوروبا، وتتجنب الجماعة بناء أي علاقات مع المنظمات المتطرفة الأخرى في الدول الأوروبية، وهذا ما يفسر نمو تأثيرها في أوروبا الغربية، وخاصة في البلدان ذات الجاليات التركية الكبيرة، كألمانيا وهولندا. ويقابل إحجامها عن التحالف مع الجماعات أو المنظمات أو الحركات التركية الأخرى انفتاح على التعاون مع منظمات المجتمع الأوروبي لبناء شراكات مع الهيئات غير الإسلامية، والجامعات، والمؤسسات العلمانية الأخرى لرعاية المؤتمرات وأنشطة الجماعة.
وتعد “جماعة الإخوان المسلمين” أيضًا من الجماعات التي وظفت المدارس للتوغل في أوروبا, حيث بدأت الجماعة تدرك أهمية العمل على إحياء نشاطها في أوروبا، خصوصًا مع تردد الحكومات المحلية في تقنين الشعائر الدينية، فسرعان ما تطورت المنظمات الصغيرة التي شكلتها المجموعات الطلابية إلى إنشاء منظمات جديدة تفي باحتياجات الإخوان المسلمين المتزايدة في أوروبا وليس الطلاب فقط، حيث تم تأسيس عشرات المنظمات التي ترعى الشباب والنساء وتنشر المجلات والدعاية وتنشئ المدارس ومراكز الفكر.
وقد حثت دعوات القرضاوي في كتابه “أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة” على تبني أجندة جديدة لجماعة الإخوان المسلمين مفادها إيلاء اهتمام أكبر بوضع المسلمين في الغرب, معولًا على أن المغتربين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية “لم تعد أعدادهم قليلة”، وأن وجودهم دائم لا محالة، بل ومقدر له أن ينمو مع موجات جديدة من الهجرة، الأمر الذي يحتم وجود قيادة مركزية تحمي أقليات الإخوان المسلمين من أن تجتاحهم دوامة التيار المادي السائد في الغرب, فيذوبوا في المجتمعات الغربية غير المسلمة التي ستُفقدهم الهوية الإسلامية على حد قوله، لذا يرى القرضاوي أنه من واجب جماعة الإخوان المسلمين إنشاء مجتمعات مسلمة منفصلة “بمؤسساتها الدينية والتعليمية والترفيهية الخاصة بها” داخل الدول الأوروبية، مع الحفاظ على حوار مفتوح مع غير المسلمين.
هذا وتتوافق بشكل كبير أطروحات القرضاوي عن تفعيل دور الحركة الإسلامية من إنشاء المساجد والمدارس والمنظمات المدنية مع ما تفعله الشبكة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين في الغرب، حيث أسسوا المنظمات الطلابية, وشبكة من المساجد ومراكز البحوث ومراكز الفكر والجمعيات الخيرية والمدارس التي نجحت في نشر الفكر الإخواني المتطرف، وبلغ عدد المدارس التابعة للفكر الإخواني في المملكة المتحدة نحو 35 مدرسة بقوة خمسة آلاف طالب.
دلالات قائمة
من الاستعراض السابق يمكن عرض جملة من الدلالات كما يلي:
ساهمت النظم السياسية الأوروبية وما يتضمنها من قوانين ولوائح ودساتير في بعض الدول في دعم توغل مدارس الإخوان المسلمين، وقد بلغت سبل الدعم في بعض الدول حد الإنفاق الحكومي على هذه المدارس، الأمر الذي يفرض توجيهًا دوليًا لوضع أطر عامة للحد من انتشار الأيديولوجيات المتطرفة والداعية للعنف.
سهّلت لا مركزية التعليم في الدول الأوروبية، وخاصة هولندا وبريطانيا، تواصل قيادات الإخوان المسلمين مع السلطات المختصة بالتعليم على المستوى المحلي، وأدت الاختلافات الإدارية المحلية إلى دعم إنشاء مدارس الإخوان وفق معايير دعم مالي متفاوته باختلاف الإدارة المحلية.
اعتمد معظم مدارس الإخوان المسلمين في أوروبا على المناهج الوطنية كإطار علماني للفكر المتطرف، فنجد مدارس الإخوان المسلمين في بريطانيا تقوم بتدريس التربية الجنسية في مدارسها وفق التعاليم الإسلامية للجماعة، وتحتفل بالأعياد القومية، ومنها عيد ميلاد ملكة بريطانيا، فالمنظمات التعليمية للإخوان المسلمين بشكل عام ومدارس الإخوان المسلمين في أوروبا بشكل خاص تتجنب تضارب المصالح, بل وتعمل على تصنيف المعارف والعلوم وترتيبها بما يخدم تحقيق أهداف الجماعة.
نادرًا ما تم اتهام المنظمات التعليمية للإخوان المسلمين بقضايا إرهابية بشكل مباشر في أوروبا، بينما لا يمكن تغافل مساهمتها في تعليم المتطرفين العنف، لذا لا يبدو نبذ مدارس الإخوان للعنف في أوروبا حقيقيًا، فجماعة الإخوان المسلمين وخاصة الأعضاء الأوروبيين منهم يؤيدون العمليات الإرهابية في الشرق الأوسط، بينما يدينون أعمال العنف في الغرب، مما يؤكد تبني جماعة الإخوان المسلمين لأعمال عنف في الغرب إذا ما سنحت لهم الفرصة.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر