سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أريج الجهني
“جان إيف لو دريان”، وزير الخارجية الفرنسي، زار إيران للمرة الثانية خلال العام والنصف للتهدئة (كما يقال) في التاسع عشر من حزيران الحالي، والمفارقة أن بين توقيت وصول “لو دريان” وتراجع ترمب عن القرار العسكري ساعات بسيطة، وتوتر العلاقات الفرنسية الإيرانية يجعلك تندهش من التذبذب السياسي حيث بلغت التوترات أوجها في الثامن من مارس ٢٠١٨ حينما استقبل علي شمخاني، أمين المجلس القومي، ضيفه “لو دريان” بالزي العسكري الذي جعل فرنسا في حالة قلق من هذه الرسالة التي تخالف التقاليد السياسية حيث ظهر “شمخاني” بالزي المدني حينما استقبل وزير خارجية بريطانيا حينها “بوريس جونسون”، وهذا غيض من فيض من تاريخ التوتر السياسي بين البلدين الذي بلغ حد القطيعة، ثم عادت العلاقات مجددًا، لكن يبدو أن هذه العودة لم تكن بالمستوى المأمول للحكومة الفرنسية.
ولو عدنا لملف العلاقات الفرنسية الإيرانية لوجدنا مفارقات عجيبة وتاريخية، ففرنسا هي التي جاءت بالخميني لإيران قبل أربعين عامًا على ظهر طائرة، وفي هذا يقول “جون سمبسون” محرر الشؤون الدولية في وكالة “بي بي سي البريطانية”، والذي كان على متن ذات الطائرة في إحدى لقاءاته التي نشرت في كانون الأول ٢٠١٩ “قبل أربعين عامًا عاد رجل الدين الإيراني آية الله الخميني إلى بلاده قادمًا من منفاه، ليطلق الثورة الإسلامية، لقد كان سوء تقدير كارثي حينما تم نفي الخميني لفرنسا”، بحسب رأي “سمبسون” فإن ذهاب الخميني لفرنسا أعطاه الفرصة ليتحدث للعالم! يكمل أيضًا “أن الخميني لم يكن مهتمًا بمحاولة إسقاط طائرته ولم يكن متفاعلاً مع الحشود حوله، وأن الاستقبال الذي حظي به استقبال تاريخي ومن حينها تأسست الجمهورية الإسلامية وتشكيل معارضة لليبرالية الغربية”.
ماذا نفهم من هذا النص؟ وماذا يهمنا أن نعرف من تاريخ العلاقات الفرنسية الإيرانية؟ بالتأكيد الرسالة الأولى والواضحة التي تهم صناع القرار والمواطنين، أن الغرب يفشل دائمًا في صناعة المعارضين، لماذا؟ لأنهم عاجزون عن فهم سيكولوجيا العرب، والخليج على وجه التحديد. الغربي لا يزال يعيش “عقدة التفوق” وأنه لزامًا عليه أن يقود المشهد السياسي حول العالم وأنه “المنقذ”، وهذا أمر يستحق الدراسة والمعالجة كي لا يتم استغلاله مستقبلاً. الرسالة الثانية أن محاولة خلق أحزاب وتيارات دينية وسياسية داخل المجتمعات الشرقية غالبًا ما ينتهي بالتأزم والاختلاف؛ لهذا خسر الغرب رهانه مع إيران. الرسالة الثالثة التي تدعو للتريث لفهمها، وهي لماذا تعتقد الدول الغربية دائمًا أنها القائدة، وأن علينا كمجتمعات شرقية الانصياع لتوجيهاتهم ورؤيتهم في الأمور، رغم تفوق مجتمعاتنا في كثير من المجالات؟
الديموكتارية مفهوم سياسي ساخر ويطلق حينما يتغنى البعض بالديمقراطية، وبالواقع ينتهجون “لا أريكم إلا ما أرى”. هكذا باختصار قرر الغرب أن مشكلة إيران اختصاصهم، وبالحقيقة هم لا يزيدون النار إلا فتيلاً، ففرنسا نفسها التي تورطت بهذا المأزق التاريخي جعلت باريس مقرًا للمعارضين للنظام الإيراني، واتهمت إيران بمحاولة إيذاء الناشطين الحقوقيين. مهلاً.. ألا يذكركم هذا بسيناريو يشبه ما يحدث معنا حاليًا كدولة؟ ألا ترون حماقة من يسمون أنفسهم معارضين بالخارج؟ بل حتى من يتغنون بدعم حرية الرأي وغيرها، شيء مثير للسخرية وكأن التاريخ يعيد نفسه.
من هنا، القرب من الداخل في الفترة القادمة واستطلاع وعي المجتمع بهذه الظروف الجيوسياسية والثقافية أيضًا تحدٍّ حقيقي، لن يتحقق إلا من خلال المصارحة والشفافية. الوعي الثقافي الداخلي يجب أن يتجاوز مرحلة “الدروشة والتجهيل” التي غرستها الصحوة لسنوات، وتفاعل الناس مع الأخبار العالمية والسياسية يوضح “بساطة” البعض وهشاشتهم النفسية والفكرية، وأنا هنا لا أفهم إلى متى ستتملص الجهات التربوية والإعلامية من مسؤولياتها الأمنية في صناعة وعي أمني، ونحن في هذا الوقت الذي يتربص بمكتسباتنا وأمننا الشرق والغرب ويترقبون أي صيحة ليحسبونها علينا.
نعم، قد يكون لفرنسا تأثير مباشر على قرار ترمب في تأجيل الضربات نحو إيران، وقد لا يكون بالنهاية هذه الدول تقودها مصالحها، فالمهاترات السياسية التي حدثت بينهم جعلتهم يتجاهلونها أمام شهيتهم العالية للحروب والخراب واستنزاف الخليج وزجه في معارك الجميع خاسر فيها. المهم أن نعي جيدًا أن المرحلة القادمة بحاجة لقراءة عميقة تتجاوز المشهد السياسي المحتدم بين الأطراف المختلفة، والذي يهمنا أولاً وأخيرًا هو سلامة هذا الوطن وشعبه من هذا العبث السياسي الذي تنتهجه الدول الغربية، وأيضًا الحذر من الإفراط بحسن النوايا، نحن في حرب حقيقية مع عدة جهات، والوقاية خير من العلاج.
*كاتبة سعودية
areejaljahani@
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر