سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مورداتشي تشازيزا
يمتد التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين إلى الصراع من أجل السيطرة على الاقتصاد الرقمي، لا سيما البنية التحتية الرقمية والابتكار التكنولوجي. فالاقتصاد الرقمي الصيني يعدُّ من بين أكثر الاقتصادات حيوية في العالم؛ إذ احتل المرتبة الثانية عالميًا في عام 2021 بقيمة 7.1 تريليون دولار أميركي.
وقد أصبح جزءًا مهمًا من العلاقات بين الصين ودول الخليج بما في ذلك البحرين، والكويت، والعراق، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. في حين لا يزال قطاع الطاقة أكبر متلقٍ للاستثمار الصيني في معظم دول الخليج، حيث تأتي واردات الصين من النفط الخام من تسع دول فقط في الشرق الأوسط. إن واردات بكين من النفط والغاز، والاستثمار في البنية التحتية، ومبيعات الأسلحة، تمنحها نفوذًا إقليميًا يتعارض مع الولايات المتحدة. لقد اعتمدت اقتصادات دول الخليج تاريخيًا على صادرات الطاقة لتحقيق الازدهار الاقتصادي.
لكن صعود التقنيات الرقمية خلال العقد الماضي، أدى إلى قيام دول الخليج بتنويع اقتصاداتها من خلال تطوير القطاعات المالية والصناعات القائمة على المعرفة. إن ذلك يعني أن التعاون الرقمي بين الصين ودول الخليج، يمكن أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة لبكين في تنافسها مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق التفوق الاستراتيجي في المنطقة. كما أن التنمية المشتركة للاتصالات والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي والأعمال الموجهة نحو التكنولوجيا، تمثل مسعى تكميليًا للصين ودول الخليج. فشباب الخليج يتعرضون للوجود المتزايد للتكنولوجيا الصينية، بدءًا من تطبيقات الشبكات الاجتماعية إلى منصات الدفع الرقمية. ويعد طريق الحرير الرقمي (DSR) الذراع التكنولوجي لـ”مبادرة الحزام والطريق”. إذ يمكن لهذه المبادرة أن تضيف نحو 255 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، وخلق نحو 600 ألف فرصة عمل ذات صلة بالتكنولوجيا في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2030.
ومع ذلك، لا تزال المشاريع المرتبطة بهذه المبادرة موزعة بشكل غير متساوٍ بين دول الخليج. ويلعب عمالقة التكنولوجيا دورًا مهمًا في تقديم مبادرة طريق الحريق الرقمي الصينية ومواصلة التطور الرقمي للمنطقة. فتعمل هواوي الصينية Huawei مع المملكة العربية السعودية لتطوير بنية تحتية رقمية للحج. كما دخلت الشركة في شراكة مع مسؤولين في دبي للمساعدة في تحديث مطارها، وتعاونت مع هيئة كهرباء ومياه دبي لبناء الألياف البصرية والمراقبة بالفيديو.
وفي عام 2022، وقعت شركة الاتصالات الإماراتية “Du”، مذكرة تفاهم مع شركة هواوي للبحث والتحقق من تطبيقات الحوسبة متعددة الوصول وتكرارها في المنطقة. ويتضمن ذلك الاستفادة من تطبيقات الحوسبة المتطورة ذات الوصول المتعدد “الجيل الخامس” للبث المباشر لكأس سباق الدراجات الرئاسية. كما حصلت هواوي على إذنٍ لتقديم خدمات الحوسبة السحابية في الكويت في يوليو 2022.
ومنذ ذلك الحين، تعهدت شركة “علي بابا” Alibaba ببناء “مدينة تكنولوجية” مع شركة مراس القابضة، وهي شركة مُطوِرة مقرها دبي، تضم أكثر من 3 آلاف شركة ذات تقنية عالية. كما وقعت “علي بابا” صفقات لتخزين البيانات السحابية في عُمان؛ إذ إن لها بصمة واسعة في التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية.
وقد افتتحت شركة “سينس تايم” SenseTime الصينية للذكاء الاصطناعي مقرًا إقليميًا لها في أبوظبي في عام 2019. وقد عمل سوق أبوظبي العالمي وبورصة هونغ كونغ للأوراق المالية، مؤخرًا، معًا لتعزيز ابتكار الخدمات المالية في هونغ كونغ والإمارات العربية المتحدة.
وتجري شركة أرامكو آسيا مفاوضات لتوقيع مذكرة تفاهم مع شركة “أفيق إنترناشيونال”Avic International الصينية بشأن خدمات الطائرات بدون طيار وتطوير التكنولوجيا. كما تحاول شركة هواوي تقديم عطاءات لتوسيع مراكز معالجة البيانات في الدمام والرياض.
لقد شارك عمالقة التكنولوجيا الصينيون بشكل ملحوظ في تطوير شبكات الجيل الخامس في دول الخليج. إذ كانت الإمارات العربية المتحدة والكويت أول دولتين خليجيتين قامتا ببناء شبكات الجيل الخامس. فبحلول عام 2019، غطت شبكة الجيل الخامس الإماراتية 80% من مدنها، كما نشرت هواوي أكثر من ألف موقف لشبكة الجيل الخامس في جميع أنحاء الكويت.
لقد دفع الوجود الإقليمي المتنامي للصين واشنطن إلى محاولة الضغط على دول الخليج لاختيار أحد الجانبين. إذ ترى الولايات المتحدة أن بعض جوانب تعاونها الرقمي مع الصين تضر بأمنها القومي. كما أن دول الخليج تدرك مخاوف الولايات المتحدة بشأن الوجود الإقليمي للصين، وترغب في تجنب الوقوع في صراع قوى عظمى.
وتحاول دول الخليج تنويع دعمها الاقتصادي والعسكري لتجنب الاعتماد المطلق على واشنطن أو بكين. ذلك أن انتقاء الجانبين ينطوي على مخاطر بفقدان دول المنطقة لشراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة، أو شراكتها التكنولوجية مع الصين.
يشير الوجود العسكري الأميركي في منطقة الخليج إلى درجة من الاعتماد العسكري المتبادل بين الولايات المتحدة ودول المنطقة. في حين أن الصين لا تتمتع بنفس القدرة على إبراز القوة العسكرية العالمية؛ لأنها تفتقر إلى الامتداد العالمي ومعاهدات الدفاع الخارجية والقواعد العسكرية الخارجية. كما أن الصين لا تملك الأموال اللازمة لتحل محل واشنطن، رغم أن الولايات المتحدة تثبت أنها شريك غير موثوق به بشكل متزايد. وهو ما يؤكد على ضرورة الموازنة بين الشراكات الأمنية الحيوية في منطقة الخليج والعلاقات الرقمية المزدهرة مع الصين.
في عصر التنافس الجيوستراتيجي، تتوقع واشنطن من حلفائها اتخاذ خيارات قاسية، وهو ما يوجب على دول الخليج إدارة علاقاتها الرقمية مع الصين، وإدراك أن مخاوف واشنطن تضع قيودًا على شراكاتها التكنولوجية الجديدة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: East Asia Forum
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر