سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
هارش في بانت
منذ وصول حكومة رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” إلى السلطة بالهند في مايو 2014، شهدت الأوساط السياسية والأكاديمية جدلاً حول سياستها الخارجية. ففي حين جادل البعض بأن “مودي” يعمل على تغيير مسار السياسة الخارجية الهندية بشكل جوهري، فإن الكثيرين لا يوافقون على ذلك، إذ يقولون إن التحولات التي تشهدها الحكومة تحدث على المستوى الظاهري وليس جوهريًا.
نعم، ربَّما تكون حيوية “مودي” أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لكن سياساته الداخلية قد تشهد بعض المسارات المختلفة؛ فربَّما لا تكون حكومة “مودي” أعلنت صراحة دعمها لسياسات “عدم الانحياز”، ولكن في الواقع الفعلي عملت على خلق حالة توازنية بين الولايات المتحدة والصين. وربَّما تكون حكومة “مودي” تجاهلت باكستان، لكنها في الواقع – أيضًا – حاولت أن تجد طريقة للتعايش مع إسلام آباد.
استدعاء تكتيكات باكستان
ربَّما تكون حكومة “مودي”، قد غيَّرت رؤيتها من “النظر إلى الشرق” إلى “التحرك شرقًا ” Act East، لكن من الناحية العملية لا تزال مشاركة الهند مع شرق وجنوب شرق آسيا مستمرة في نهجها القديم.
ربَّما كانت الهند في ظل “مودي” راغبة في أن تكون لاعبًا كبيرًا على المسرح العالمي، إلا أنها تفتقر إلى القدرة على إظهار تطلعاتها بشكل أكثر وضوحًا.
لقد كان رد “مودي” القوي على الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدينة “بولواما” في نهاية فترة ولايته الأولى، ينطوي على دلالة مفادها أنه على الرغم مما يذهب إليه منتقدوه، فإنه تمكَّن من تغيير أساسيات السياسة الخارجية والأمنية الهندية خلال فترة ولايته.
لقد كان استخدام القوة الجوية لاستهداف معسكرات الإرهاب في عمق الأراضي الباكستانية، هو أول عمل من نوعه بعد حرب 1972. فقد حطم بذلك أسطورة القدرات النووية الباكستانية، وفتح الباب لإمكانية قيام الهند بشنِّ حرب تقليدية محدودة إذا لزم الأمر، وهو ما يعني أنه أعاد تحميل باكستان أعباء التصعيد.
وأدرك العالم كله رسالة “مودي” إلى باكستان، بما يعني أنه سيكون لها تداعيات خطيرة على دور الهند ومكانتها على المسرح العالمي. فالهند لم تعتبر هذه الضربات الجوية إجراءً “استباقيًا غير عسكري”، ولكنها – أيضًا – اتجهت لمقاضاة باكستان أمام محكمة العدل الدولية، وعملت مع فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية لتضييق الخناق على باكستان، مع التأكيد على الفرق المركزي بين صورة “الهند المسؤولة” في مقابل ما راحت تصوره باعتبار باكستان “مارقة”.
لقد تغيَّرت سياسة الهند تجاه باكستان بشكل أكثر وضوحًا، إذ تعاملت حكومة “مودي” بمهارة أكثر مع تفاعلات القوة الرئيسية في وقت أصبحت فيه تتنافس على نحو متزايد. فقد شحذ “مودي” همة كبار دبلوماسييه لدعم قدرات الهند على وضع نفسها في دور قيادي، بدلاً من كونها مجرد “قوة توازنية على مستوى العالم”؛ وهو ما انعكس في خطابه تجاه الدوائر البيروقراطية في عملية صنع السياسة الخارجية الهندية، إذ أكد وزير الخارجية “فيجاي جوخال” في وقت سابق من هذا العام في مدينة دلهي أن “الهند قد انتقلت من سياسات الماضي غير المنحازة، إلى دولة متوازنة، لكنها لا تزال تعمل على دعم قضاياها”.
وفي تأكيده على أن الوقت قد حان لأن تصبح الهند جزءًا من عملية صنع القواعد المنظمة للنظام العالمي، يجادل “جوخال” قائلاً بأنه “في النظام القائم على القواعد، سيكون للهند موقف أقوى من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف”.
ويعتبر ذلك تأكيدًا على رغبة الهند في لعب دور عالمي أكبر، من خلال العمل على تغيير نهجها تجاه المشاركة في الساحة العالمية. وبينما لا يزال لدى بعض المثقفين والسياسيين الهنود إصرار على معاداة أميركا، فإن “مودي” استغل تفويضه الحاسم لدعم شراكة جديدة مع الولايات المتحدة لتسخير رأس المال والتكنولوجيا في إطار أجندة التنمية المحلية. ولا يعدُّ ذلك تناقضًا حول تحديد موقع الهند، باعتبار أنه تحدٍ لقوة الصين الإقليمية والتأكيد على دوره الهند في ذلك.
التوافق الاستراتيجي
لقد جاء التوقيع على مذكرة اتفاقية وتبادل للخدمات اللوجستية الثنائية مع الولايات المتحدة في عام 2016 من أجل تسهيل الدعم اللوجستي والإمدادات والخدمات بين الجيشين الأميركي والهندي على أساس استرداد التكاليف وتوفير إطارٍ لتنظيم مثل هذه التبادلات.
وقد تبع ذلك توقيع اتفاقية “التوافق والأمن” في عام 2018 للمساعدة في الوصول إلى أنظمة الدفاع المتقدمة وتمكين الهند من الاستخدام الأمثل لمنصاتها الأصلية الموجودة في الولايات المتحدة.
وفي إطار ذلك، خلقت حكومة “مودي” شراكة قوية مع حلفاء الولايات المتحدة (اليابان وأستراليا وفيتنام) حتى مع وقوفه في وجه تعنت الصين بشأن النزاع الحدودي على منطقة “دوكلام” Doklam، وبموجب ذلك وافقت الهند على أن تكون جزءًا من الرباعية التي تشمل كلاً من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا.
اتجاهات المخاطر
ومع استبعاد الإطار الأيديولوجي والقيمي والأخلاقي السابق للسياسة الهندية، انطلق “مودي” في سياسته الخارجية، القائمة على فكرة “التحرك شرقًا” Act East، والتي تشبعت بقدر كبير من قوة الدفع الناعمة كما هو الحال بالنسبة للرؤية الواقعية للحاجة إلى توسيع البصمة الهندية في شرق وجنوب شرق آسيا.
إن السياسات الخارجية للدول لا تتغير بشكل جذري مع تغير الحكومات، لكن ما حدث أن حكومة “مودي” قد تجاوزت بعض الافتراضات التي كانت تحكم علاقات الهند الخارجية، التي تعرضت لعدد من التحديات الأساسية. فقد صُبغت السياسة الخارجية الهندية بقدر من المخاطرة في الماضي. لكن يبدو أن الهند، وفي إطار حذرها الدائم، مستعدة لتولي دور عالمي أكبر من خلال إدراكها لدورها في لعبة القوة العظمى مقارنة بأي وقت مضى.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة “أوبزيرفر” للأبحاث Observer Research Foundation
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر