سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جوزيف دي ويك
وفقًا لسفارة الصين في باريس، فقد فشلت فرنسا في اختبار أزمة “كوفيد ـ 19″، وترتكز حجتها في ذلك على أن العاملين في مجال التمريض بفرنسا يتخلون بشكل جماعي عن وظائفهم ويتركون المتقاعدين ليموتوا جوعًا بخلاف الصين، حيث تغلب إجراءات الإغلاق النموذجية على الفيروس. في حين يختلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قصةً مزيفةً عن قيام الإيطاليين بغناء النشيد الوطني الصيني من شرفاتهم لشكر بكين على دعمها.
لقد وصلت الجهود الدعائية الصينية في أوروبا إلى مستوى جديد، ولكن هل تعمل بالفعل؟ فقد كان التصور الأوروبي للصين إيجابيًا لفترةٍ طويلةٍ. ذلك أن مستوى النمو الاقتصادي في الصين يلقى إعجاب الكثيرين. فبعض السياسيين يستنكرون حدوث خسائر في الصناعات الصينية. ولكن بشكل عام، فقد نظرت الحكومات الأوروبية إلى الصين كأرض الفرص بالنسبة لأعمالها وكونها حليفة لنظام عالمي معزز متعدد الأطراف وقائم على القواعد.
لقد كانت الثقة في بكين مرتفعة جدًا لدرجة أن الاتحاد الأوروبي دعا الشركات الصينية المملوكة للدولة للاستثمار في البنية التحتية للتجارة والطاقة في القارة الأوروبية خلال أزمة منطقة اليورو. فالصين ليست ديمقراطية وليس لديها أي درجة من سيادة القانون، لكن ذلك لا يمثل مشكلة. ففي المجمل، كانت البلاد في أتون تحول اقتصادي واجتماعي مذهل.فالصين كان ينظر إليها باعتبارها لم تخرج من طور المراهقة بعد، لكن الأوروبيين الآن لديهم أفكار أخرى، حيث تبدو الدبلوماسية الصينية هي المشكلة الحقيقية.
منافس وشريك
إن حقيقة أن الشركات الصينية تتقدم في سلسلة القيمة ليست هي القصة الرئيسية في هذا المجال. فبطبيعة الحال، ترى المؤسسة التجارية الأوروبية الآن أن الصين تمثل تهديدًا، وليس مجرد مخزون للعمالة الرخيصة. فقد جاء بأحد التقديرات الاستراتيجية التي نشرت في ربيع 2019 وصفًا للصين بأنها “منافس اقتصادي”.
إن رفض الصين لأن تصبح ديمقراطيةً على النمط الغربي أو تتبنى اقتصاد السوق بشكلٍ كامل، لا يمثل مشكلة في هذا الوقت. فقد أصبحت أوروبا مقبولة لدى الصين وتعترف بنجاحها أيضًا. فقد قالت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” إنه يتعين على أوروبا مواجهة “التنافس بين الأنظمة” مع الصين. فقد نجحت بكين في أن تمثل نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا، حيث أشارت “ميركل” إلى الفشل الاقتصادي للاتحاد السوفياتي، لكن ذلك يختلف عما شهدناه خلال الحرب الباردة.
وبالنسبة لبرلين وباريس، فإن هذا لا يعني متابعة لاستراتيجية ترمب الرامية لعزل الصين. وبالتأكيد، فإن الاتحاد الأوروبي يراقب الاستثمارات الصينية في القارة ويريد تشديد قواعد التجارة الدولية على سياسات الإعانة التي تقدمها الدولة، لكنها لا تريد حربًا تعريفة؛ إذ لا يمكن للمرء أن يطور شراكة بين المنافسين. فقد صرحت “ميركل” لصحيفة “فاينانشيال تايمز” في مقابلة أجريت أخيرًا أنه “يجب أن يستند هذا على المعاملة بالمثل، وعلى الالتزام بقواعد معينة”.
سياسة القوة الأميركية
لكن على مدى الأشهر الماضية، أصبح الأوروبيون يشعرون بأن الصين ليست مهتمة بشراكة مبنية على الاحترام المتبادل. وبدلاً من ذلك، يُنظر إلى بكين بشكلٍ متزايدٍ على أنها تجتهد لمحاكاة موسكو وواشنطن في تعاملاتها مع أوروبا.
والواقع أن الدبلوماسية الصينية تركت خلال العام الماضي حالة الحيطة والحذر التي اعتادتها وراءها. وفي إطار الخلاف حول بناء شبكة الجيل الخامس في أوروبا، هدَّدت السفارات الصينية في برلين وباريس علنًا بالانتقام إذا تمَّ استبعاد مشاركة شركة هواويالصينية أو الحد من نفوذها؛ لذلك يتساءل سفير بكين في حدث استضافته أكبر صحيفة أعمال في ألمانيا: هل بإمكان السلطات الصينية أن تعتبر السيارات الألمانية غير آمنة؟
إن هذا النهج يسبب الذعر في أوروبا. لكن الأسوأ، أنه لا يساعد بكين. إذ يجعل من الصعب على السياسيين الأوروبيين أن يجادلوا بشكل مؤكد بأن شركة هواوي ذات مصداقية وموثوق بها، لأنها ليست شركة مملوكة للدولة، فيجعل ذلك من المستحيل القول بأن الصين سوف تمتنع عن استخدام الأدوات الاقتصادية للأهداف الجيوسياسية، كما هو الحال في النقاشات العلنية الدائرة بشأن الجيل الخامس.
فبكين تبرز نفسها بأنها لا تختلف عن واشنطن. وبالطبع، كانت سياسة القوة دائمًا هي عنوان اللعبة. لكن قرار الصين باللعب العلني يبدو هدفًا خاصًا بالنسبة للصين. إذ يتعين على القادة الأوروبيين الرد على البرلمانات والفوز بالانتخابات. وفي ألمانيا، ساعد الموقف العدائي الصادر عن سفارة الصين المعارضة لهواوي في البوندستاغ الألماني على اكتساب قوة جذب حقيقية في المقام الأول.
علاوة على ذلك، فإن الأوروبيين مندهشون من أن الصين دخلت عالم الأخبار المزيفة وزعزعة الاستقرار السياسي التي تمارسها موسكو عادةً.
فسفارة بكين لدى باريس اعتادت تداول التصريحات عبر موقع “تويتر” والتي تتهم وسائل الإعلام الفرنسية بنشر دعاية تفوق الرجل الأبيض. ففي مقال نُشِرَ بتاريخ 12 أبريل، زعمت السفارة أن مجموعة من البرلمانيين الفرنسيين أساءت إلى مدير منظمة الصحة العالمية ووجهت إليه تهمًا عنصرية. إذ يقول المنشور نفسه إن زعماء أوروبا استهانوا بالأزمة لأنهم اعتقدوا أن الفيروس يمكن أن يؤثر فقط على الآسيويين. لكن الصحفيون الفرنسيون شجبوا ذلك وردوا بأنهم “كذابون” فيما يخص الأرقام الرسمية المعلنة بشأن “كوفيد ـ 19” في الصين.
لكن هذه الادعاءات لا تمر دون أن يلاحظها أحد. فقد استدعى وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” سفير الصين وأدان تصريحات 12 أبريل معتبرًا أنها “لا تتوافق مع عمق العلاقات الثنائية بين البلدين”. وأعاد الرئيس “إيمانويل ماكرون” التأكيد على ذلك في مقابلة أجراها هذا الأسبوع مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” قائلاً: إنه من المستحيل معرفة ما إذا كانت الصين قد أدارت الأزمة بشكلٍ جيدٍ، لأن الصين لا تتمتع بحرية الصحافة.
وفي ألمانيا، تتحول مؤسسة السياسة الخارجية الصديقة نسبيًا للصين إلى موقف متفائل. فبشكل مفاجئ، أصبح الفصل الاقتصادي من الصين موضوعًا، إذ يُنظر إلى بكين على أنها ممثل سيئ يحاول تقويض الثقة في الديمقراطية والمجتمع، على غرار ما يقوم به الكرملين. حتى إن الإحباط الناجم عن الدبلوماسية الصينية العدوانية بشأن “كوفيد ـ 19” دفع رئيس تحرير أكبر صحيفة شعبية في ألمانيا وهي صحيفة “بيلد” Bildإلى أن يوجه بنشر رسالة مفتوحة إلى الرئيس “تي جين بينج”Xi Jinpingفي 17 أبريل بعنوان “أنت تعرض العالم للخطر”.
وكانت برلين قد انتقدت صحيفة “بيلد” في السابق لاستجوابها حول طريقة تعامل بكين مع أزمة “كوفيد ـ 19”.
علاوة على ذلك، فإن الأوروبيين يشعرون بالخداع. فعندما أرسل الاتحاد الأوروبي معدات طبية إلى الصين في يناير، طلبت بكين من الأوروبيين الإبقاء على سقف التوقعات منخفضًا. فالصين اليوم تعلن عن شحنات مساعداتها إلى الدول الأوروبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فاستخدام المساعدات الطبية التي ترسلها الصين لا ترتقي دومًا إلى متطلبات اختبار الكفاءة الدبلوماسية.
فبالطبع، تريد بكين أن تروي الجانب الخاص بها من قصة الأزمة. إذ يعارض الأوروبيون ضربات الصين الصارخة، مثل رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تسمية “كوفيد ـ 19” بـ “فيروس ووهان” خلال بيان موجه لمجموعة السبع.
لكن دبلوماسيي بكين الأوروبيين يكرهون بلادهم. ذلك أن سياسات السلطة العامة تبدو مضطربة في أحسن الأحوال. فسياسة التضليل عبر القنوات الرسمية تأتي بنتائج عكسية. وفي أوروبا، كانت هناك تأكيدات من جانب بكين بأنها لم تكن يومًا ما قوة إمبريالية لفترة طويلة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة البحوث الخارجية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر