سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. هناء عبيد
تجمع دبلوماسية التنمية بين المفاهيم التقليدية للدبلوماسية ومجال العون الإنمائي، وتهدف سياساتها وأدواتها من حيث المبدأ إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في الدول النامية، مع تحقيق مصالح المانحين الإستراتيجية والاقتصادية، عبر برامج وأدوات تفترض نظريا تحقيق المنفعة المتبادلة، فهي تحقق للطرف القائم بها مزايا تجارية أو سياسية مرغوبة، وفي الوقت نفسه تدعم مساعي الدول النامية للنمو الاقتصادي والتنمية.
فى واقع الأمر، تنطوي الدبلوماسية التنموية كعلاقة بين الدول المتقدمة أو المنظمات الدولية المانحة من ناحية، والدول النامية من ناحية ثانية، على علاقات قوة غير متكافئة، ولكنها أقل وضوحا من أدوات الدبلوماسية التقليدية. ويصف «جوزيف ناي» المعونات الاقتصادية، بأنها خلافا للأدوات العسكرية والاقتصادية المباشرة، تنتمى إلى فئة الدبلوماسية الناعمة، التي تسهم في تشكيل الأجندات التنموية لمتلقي المعونة، وفى إقناع الدول النامية بالتماهي مع أهداف المانح(1). فالأداة الأساسية لدبلوماسية التنمية هي برامج المساعدات وبخاصة المعونات والمنح، والقروض الميسرة، التي من المفترض أن تسهم في دعم التنمية وتحسين الأوضاع في الدول المتلقية، ولكنها في واقع الحال لا تقتصر على ذلك، وإنما تأتي مغلفة بالأفكار والقيم، والشروط المبطنة أحيانا والصريحة في أحيان أخرى.
كما أنها تتم في إطار مؤسسات تعكس علاقات القوة المتباينة وتكرسها. ولا يقتصر عدم التكافؤ في إطار الدبلوماسية التنموية على عنصره المادي، وإنما يمتد إلى آليات تلقى الخبرات والنصائح والوصايا التنموية، ويولد درجة من الاستتباع القيمي، والتنموي، والفكري الكامن في العلاقة، وهو ما يتخذ أشكالا متفاوتة بحسب درجة الاحتياج للمعونة، أو للمقبولية في الجماعة الدولية من ناحية، ودرجة توافق جماعة المانحين على أهداف معينة تجاه الدولة المتلقية للمعونة من ناحية أخرى(2). ولعل من أبزر أمثلة الدبلوماسية التنموية التي تساق في إطار نماذج النفع المتبادل هي خطة «مارشال» التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية وهدفت إلى إعادة إعمار أوروبا وتعزيز تنميتها الاقتصادية من ناحية، وتعزيز التحالف الغربي في مواجهة الخطر السوفييتي من ناحية ثانية.
وتتفاوت علاقات القوة ومستويات القسر في الدبلوماسية التنموية؛ حيث يتزايد عدم التكافؤ تجاه الدول الأكثر فقرا واحتياجا، أو الأقل في الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للمانحين، أو التي لا تتمتع بخيارات بديلة، كما سبقت الإشارة. ومن أبرز تجليات علاقة القوة التي تنطوي عليها الدبلوماسية الدولية هي علاقة المشروطية سواء الاقتصادية أو السياسية، والتي برزت كمظهر واضح لضغوط المانحين ليس فقط في العطاء والمنح، وإنما التشدد في فرض سياسات بعينها، وشروط مسبقة للتعامل مع الدولة المتلقية، قبل إعطاء ما يشبه «شهادات الصلاحية» سياسية واقتصادية لسياسات الأنظمة في الدول النامية ومن ثم تحديد أهليتها للحصول على المزيد من المزايا أو استمرارهم في تلقى ما يتلقونه من دعم. ومن الثابت في أدبيات ودراسات المشروطية، أنها تمارس بدرجات أكبر من التشدد تجاه الدول الأكثر فقرا واحتياجا، أو تلك التي تمر بأزمات شديدة.
منذ بدء نظام المعونة الدولية، وهناك سؤال محوري حول طبيعتها، وما إذا كان العون الإنمائي يندرج حصرا في سياق السياسات الواقعية التي تعظم بها الدول المانحة مصالحها بوسائل أخرى، أم أن لها أبعادا أخلاقية وقيمية، فيما درج على تسميته بالجدل بين أخلاقيتها، ونفعيتها(3). ويذهب أنصار المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية إلى أن المعونة الخارجية التي تقدمها الدول هي أداة تمكن الدول المانحة من تعظيم مصالحها والدفاع عنها(4). أما المدرسة الليبرالية، فتركز بدرجة أكبر على المنفعة المتبادلة المتحققة من العلاقة. وتدعم العديد من الأدلة العملية النظرة الواقعية للدبلوماسية التنموية. فعادة ما تمارس الدبلوماسية التنموية تجاه دول حليفة أو دول يراد كسب ودها، أو تحييد سياساتها في قضايا بعينها، أو التأثير على اتجاهات تصويتها في المنظمات الدولية، فالدول المانحة لا تقدم العون بالأساس للمحتاج أو الأكثر احتياجا، وإنما تعمل الدبلوماسية التنموية كجزء من الدبلوماسية العامة للدولة، وكجزء من أدوات تأمين مصالحها الإستراتيجية.
فعلى سبيل المثال حصلت إسرائيل تليها مصر على النصيب الأكبر من المعونات الخارجية الأمريكية. كذلك انقطعت المعونات الأمريكية عن مصر معظم سنوات حكم الرئيس جمال عبد الناصر واستؤنفت بعد مبادرة السلام في نهاية السبعينيات. وتركزت المعونات الأوروبية تقليديا في دول المستعمرات السابقة أو مناطق النفوذ أو المصالح الحيوية، بغض النظر عن كونها الأكثر احتياجا(5). وتعمل الدبلوماسية الإنمائية للمانحين كذلك على تعظيم مصالح شركات الدول المانحة، بل تذهب نسبة معتبرة منها إلى تمويل الواردات منها، وإلى طبقة الخبراء الأجانب المرتبطين بالمانح والعاملين في بيروقراطيته الإنمائية. ويناقش تيموثي ميتشل في دراساته عن المعونة الأمريكية لمصر، دور الدراسات الأمريكية في تأطير أسباب مشكلات مصر التنموية وحصرها في مشكلة الزيادة السكانية، وهو ما يتناوله «ميتشل» بالنقد والتفنيد. ويرى «ميتشل» أن تصوير مشكلة التنمية في مصر على أنها راجعة إلى العلاقة بين الزيادة السكانية وشريط الوادي المأهول الضيق، هي صناعة أمريكية. كذلك تكشف دراسة «ميتشل» الصادرة في أوائل التسعينيات باستخدام الإحصاءات، زيف مقولة إن معدل الزيادة السكانية في مصر سنويا يفوق معدل نمو الإنتاج الزراعي، مما يخلق عجزا دائما في الغذاء(6).
ويذهب «ميتشل» في المقابل، إلى أن المعونة الأمريكية، أسهمت في تغيير العادات الغذائية للمصريين، مما خلق نوعا من الاعتمادية على واردات القمح الأمريكي، الذى لم يأت بالكامل كمنح وإنما تم تمويل بعضه من خلال الاستدانة. ويشكك «ميتشل» كذلك في جدوى الحلول التكنولوجية التي تتبناها برامج المعونة للمشكلات التنموية، ومنها مشروعات ميكنة المزارع التي تمت بتمويل وتشجيع من المعونة الأمريكية في ذلك الوقت، والتي لم تؤد إلى تحسين الإنتاج الزراعي وفقا للدراسة. عطفا على ما سبق، يؤسس للدبلوماسية التنموية الأمريكية بخطاب الرئيس الأسبق «ترومان» في يناير عام 1949 في مستهل دورة انتخابه الثانية، الذى حدد فيه خطة ذات أربع نقاط، أعلنت بموجبها الولايات المتحدة الأمريكية عن برنامج لتحسين أحوال وتنمية دول العالم النامية، والتي كان يشار إليها في ذلك الوقت بالمناطق المتخلفة Underdeveloped Areas، فيما يعكس إجماعا تشكل وقتها وحكم دبلوماسية التنمية ونظام العون الإنمائى لعقود قادمة(7). فقد أعلن «ترومان» في ذلك الخطاب أن الولايات المتحدة سوف «تبدأ برنامجا طموحا يجعل مزايا التقدم العلمي والتطور الصناعي الأمريكي متاحة لتحسين ونمو المناطق المتخلفة».
وبعد الخطاب بعدة أشهر توجه الرئيس الأمريكي الأسبق للكونجرس بتمرير قانون النقاط الأربع وتخصيص 45 مليون دولار لتنفيذه. ولم تتشكل هيئة المعونة الأمريكية USAID حتى عام 1961، حيث شكلها الرئيس الأسبق «كينيدي»، وضم كل برامج المعونة الأمريكية غير العسكرية تحت لوائها. وكما تشير تجليات نظام المعونة والفكر الإنمائي الدولي، فإن الدبلوماسية التنموية الغربية تطورت من مبادئ تحكم التفكير إزاء مناطق العالم النامي، إلى منظومة شاملة من الأفكار والمبادئ، والتجليات المؤسسية والسياسات العملية، وإنتاج المعرفة تجاه الدول النامية، وتخطيط السياسات الثنائية والجماعية، ورسم خطوط المقبولية والاستهجان ليس فقط في إطار سياسات العون الإنمائي وإنما تجاه سياساتها الداخلية كذلك، عبر مراحل مختلفة من التطور. بل إن تطور حقل دراسات التنمية بحد ذاته، كحقل معرفي، يستتبع تدخلات خارجية لتحسين ظروف مجموعة من الدول، نشأ بتأثير نشأة نظام المعونة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكانعكاس للبيئة الدولية لذلك الوقت على المستوى القيمى والسياسى.
فمفاهيم التنمية منذ بدايتها نشأت متأثرة بالدبلوماسية التنموية الغربية وتماشيا أو تحديا في بعض الأحيان لمقولاتها وسياساتها؛ بحيث يصعب فصل حديث التنمية عن الدبلوماسية التنموية. ومنذ نشأة حقل التنمية، ولعدة عقود، كان الخطاب السائد هو أن حالة التخلف ناتجة عن نقص الموارد، والبنية الأساسية، والتكنولوجيا، في هذا السياق، تبلور دور نظام المعونة الإنمائية الدولية، كأداة رئيسية لدبلوماسية التنمية، ووسيلة أساسية لسد فجوة العجز التي يتشكل حولها خطاب التنمية السائد. ولم تسلم الأطر متعددة الأطراف من تلك الطبيعة من هيمنة مبادئ وأفكار ومصالح الدول المانحة. ويذهب البعض إلى وصف المؤسسات المالية الدولية بالوكالة التامة عن تلك الدول، نافيا عنها أية استقلالية، وبغض النظر عن فكرة وكالة المؤسسات المالية عن المانحين الغربيين، فإن عناصر تأثر تلك المؤسسات بالمصالح الغربية متعددة وأجنداتهم الإنمائية متداخلة. فقد كان ميلاد المؤسسات المالية العالمية وما عرف بنظام «بريتون وودز» وليداً لسياق ما بعد الحرب العالمية الثانية، بأفكاره وفاعليه، وهياكله للقوة.
وعلى مدار تطورها، أصبحت مؤسسات «بريتون وودز» بما لها من تشابك ارتباطات مع الدول الغربية المانحة، جزءا لا يتجزأ من خطاب التنمية العالمي، بحيث يشكل ما يصدر عنها ما يصبح الخطاب السائد حول التنمية، وحتى الخطابات والسياسات الأقل سطوة في مجال التنمية، فهي تتشكل بتأثير تلك المؤسسات وبالإحالة إلى ما تنتجه من أفكار، وسياسات. ولا يقتصر نفوذ الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية في المؤسستين المذكورتين على الحصص التصويتية المميزة لهم، وإنما تتعدى ذلك إلى العديد من عناصر التأثير منها العرف القاضي بأن قيادة إحدى المؤسستين (البنك الدولي) يجب أن تكون أمريكية أو مدعومة أمريكيا، بينما رئاسة الصندوق تؤول إلى المرشح المفضل أوروبيا، وما لذلك من تأثير على كافة التعيينات في المؤسستين وإن كانت تتم بعد موافقة المجلس التنفيذي(8).
وإلى جانب مسألة التعيين، فهناك تلاقٍ بين المؤسسات المالية الدولية والأكاديمية الغربية، بما لذلك من تأثير على العقيدة الفكرية للبنك والصندوق وما تتبناه من أفكار وبرامج ووصايا للتنمية. ويتم هذا التأثير من خلال تلقى التعليم وبخاصة الاقتصادي في جامعات غربية أساسية كمدخل أساسي للتعيين في المؤسسات الدولية، ومن ثم يتمثل الخبراء والعاملون بها تلك المبادئ بغض النظر عن جنسياتهم. وتشير دراسة أجريت حول الوظائف القيادة في صندوق النقد الدولي عبر عقود إلى تمييز التعيينات لخريجي الجامعات التي تنتمى برامج دراساتها الاقتصادية إلى الفكر الاقتصادي النيوكلاسيكي، والذى ارتبط بتبني الصندوق للسياسات النيوليبرالية بدءا من الثمانينيات.
«إن البنك لا يقرض المال، وينتج الأفكار: بل يغلف الأفكار والمال معا». عطفا على العبارة السابقة تحول البنك وصندوق النقد الدولي مع الوقت إلى مؤسسات معرفية، حيث تحظى تقارير المؤسستين، ووصاياهما التنموية بدرجة من «المشروعية» القائمة على فكرة أن المؤسستين تقدمان نصائح فنية أي غير سياسية، قائمة على أساس علمي(9). وتحولت القوة التي تمارسها تلك المؤسسات من خلال سياساتها التنموية إلى قوة انضباط Disciplinary power تحدد ما هي السياسات التنموية القويمة وتدفع في سبيل اتباعها. وقد بلغ تأثير الدبلوماسية التنموية آفاقا غير مسبوقة مع الثمانينيات. فمع وصول الحكومات التي تبنت الأفكار النيوليبرالية في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا الغربية، ساد الخطاب النيوليبرالى، والوصفات التنموية المعتمدة على ما سمى بتوافق واشنطن على خطاب وبرامج المؤسسات المالية الدولية. واتجه المانحون سواء في علاقاتهم المباشرة بالدول المتلقية للمعونة أو من خلال المؤسسات الدولية، إلى فرض روشتة تنموية قائمة على هذا الفكر، من خلال سياسات قسرية عرفت بالمشروطية Conditionality. وأطلق الاقتصادي «جون وليامسون» على مجموعة الأفكار التي تبناها الحكم اليميني في دول غربية محورية في الثمانينيات، «توافق واشنطن» Washington Consensus، والذى كان جوهره إن قوى السوق هي المحرك الرئيسي لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية، ومن ثم دعت إلى تقليص دور الحكومات من خلال خصخصة القطاع العام، والحد من التدخلات الحكومية.
على هذه الخلفية، صاغت المؤسسات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدولي نصائحها، وشروطها لتقديم العون الإنمائي في خطوط عريضة أهمها الإصلاح الهيكلي والخصخصة، والتأكيد على تقليص دور الدولة، وإطلاق العنان لقوى السوق، وذلك كوصفة عامة لمواجهة كافة المشكلات والتحديات التنموية، ويعد الالتزام بها شرطا مسبقا للحصول على المعونة الإنمائية، أو شهادة المؤسستين بأن الدولة تسير على «الطريق القويم» في سياساتها التنموية. وفى خلال التسعينيات، في ذروة اللحظة أحادية القطبية، تبنت تلك المؤسسات أجندة مشروطية سياسية ربطت بين برامجها وبين اتباع الدول لبرامج الحكم الرشيد والتحول الديمقراطي. وأتى هذا على العكس من التجاهل التقليدي لتلك البرامج لطبيعة الحكم في الدول النامية، وأحيانا الاحتفاء بكفاءة الحكم «القوى». فقد كان اهتمام الدبلوماسية التنموية الغربية في البداية بطبيعة الحكم شبه غائب طالما كان النظام الحاكم من الحلفاء، بل إن أحد أهم المنظرين في إطار البنك الدولي وهو «ديباك لال»، كتب في الثمانينيات، حيث كانت المظلة الفكرية السائدة هي روشتة الإصلاح الهيكلي، أن وجود حكومة شجاعة وقوية «وربما غير ديمقراطية» قد يمكنها من السيطرة على تأثير جماعات المصالح. تحول هذا الوضع بشكل كبير منذ نهاية الحرب الباردة باتباع البنك الدولي لمبادئ الحكم الرشيد والتي ظهرت لأول مرة في إصداراته عام 1989، في تقرير حول أفريقيا.
وتكرس الاهتمام بالسياسات الداخلية للدول المتلقية للمعونة والدعم الإنمائي، وتوسعت أجندة الحكم الرشيد وبرامج المشروطية السياسية وبخاصة مع تبنى الولايات المتحدة لهدف دعم الديمقراطية كهدف أساسي معلن لسياستها الخارجية ودبلوماسيتها بوجه عام بما في ذلك دبلوماسيتها التنموية. ومع التغيرات الدولية، وصعود أنماط بديلة من الدبلوماسية التنموية، تراجعت المشروطية السياسية، وعادت المشروطيات الاقتصادية إلى سابق عهدها مع إشارات في الحد الأدنى لمبادئ الحكم الرشيد.
إضافة إلي ما سبق ، حتى وقت قريب كانت الصين تصنف كدولة نامية، إلا أن نصيبها المتزايد من المعونة الإنمائية العالمية، والنموذج المختلف الذى تطرحه في هذا الإطار يميز دبلوماسيتها التنموية عن الدبلوماسية الغربية السائدة منذ نهاية الحرب الباردة، بل يدفع أحيانا في اتجاه إحداث تعديلات على الدبلوماسية التنموية الغربية، بحكم أن الصين تقدم بديلا أمام الدول النامية. وتؤكد الصين أن المحددات التي تحكم سياساتها تجاه تقديم العون الإنمائي للدول النامية ما زالت تحكمها المبادئ الثمانية التي أعلنها «شو إن لاي» عام 1964 وهي:
– المساواة والنفع المتبادل.
– احترام السيادة وعدم فرض الشروط.
– تقديم قروض بنسبة فائدة منخفضة أو من دون فائدة.
– مساعدة الدولة المتلقية على تحقيق الاعتماد على الذات.
– المساهمة في المشروعات السريعة أو منخفضة الكلفة الاستثمارية.
– توفير معدات ذات جودة بقيمتها السوقية.
– تقديم معونة تقنية ذات كفاءة.
– التعاقد مع الخبراء المحليين وفقا للمعايير والقيمة المحلية.
وفى مجال القروض -بخلاف المنح- يلعب بنك الصين للاستيراد والتصدير China EXIM Bank دورا محوريا في تعميق التعاون الاقتصادي مع الدول النامية ومدها بالخبرات الصينية في النمو. وتحكم عمل البنك إستراتيجية نابعة من المبادئ الثمانية السابق ذكرها وتقوم على: «الشراكة الإستراتيجية» و«بناء الثقة والنفع المتبادل والتنمية المشتركة».
وتتبني الدبلوماسية التنموية الصينية خطابا أقل استعلائية من نظيرتها الغربية حيث تركز على فكرة النفع المتبادل ومبادئ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
ومن ثم فالدور الصيني يتعدى كونه مصدرا بديلا للمنح والقروض لا يشترط ذات المعايير السياسية التي تتطلبها مؤسسات «بريتون وودز»، إلى منازعة هيمنة الدبلوماسية التنموية الغربية وهيمنتها على مجال العون الإنمائي، فكرا وممارسة. يضاف إلى ذلك أن التعاون الصيني مع الدول النامية في استثمارات البنية التحتية وبخاصة في أفريقيا يقلل بدوره من أهمية الاتفاق مع مؤسسات «بريتون وودز» بوصفه مدخلا أو «عتبة» أساسية لازمة لتدفق الاستثمار الأجنبي الخاص بحسبانه يشكل شهادة ثقة في الاقتصاد محل الاتفاق. وتشير الإحصاءات إلى أنه بين عامي 2013 و2018، بلغ إجمالي الإنفاق الصيني على المعونات الخارجية نحو 45 مليار دولار، بمتوسط سنوي حوالى7 مليارات دولار. كما بلغ معدل نمو ذلك الإنفاق 50% مقارنة بأعوام 2010 – 2012. وكمـا هو معلـوم، فإن أفريقيا تحظى بالنصيب الأكــبر من المعـونات والقـــروض الصينية، حيث يوجـه حـوالى 45 % من المساعدات الصينية الخارجية إلى أفريقيا، تليها آسيا بنسبة 37 %، بينما تحصل أمريكا اللاتينية على حوالى 7 % من المعونة الإنمائية الصينية، وتضع هذه الإحصاءات الصين كسادس أكبر مانح دولى(10).
ولا تقتصر الدبلوماسية التنموية الصينية على العلاقات الثنائية، وإنما تمتد للأطر متعددة الأطراف، وبخاصة من خلال مجموعة «البريكس» BRICS التي تشكل الصين حوالى 70 % من حجم اقتصاداتها، حيث عمدت المجموعة أخيرا إلى توسيع عضوية ونطاق عمل ما يسمى «بنك التنمية الجديد» الذى يعد ذراعها للتمويل التنموى. فقد تطورت الدبلوماسية التنموية الصينية من لعب دور هامشي إلى المساهمة في إعادة تشكيل خارطة التنمية الدولية، فإن النموذج الصيني يبنى حثيثا بيئة مناهضة لهيمنة الدبلوماسية التنموية الأمريكية. وليس أدل على ذلك من تراجع المشروطية السياسية الغربية التي كانت المظلة الأساسية للدبلوماسية التنموية في التسعينيات، وذلك تحت تأثير منافسة البديل الصيني الذى يرفع شعار عدم التدخل الشئون الداخلية للدول المتلقية للمعونة. ولا تقتصر المنافسة الصينية للدبلوماسية التنموية الأمريكية أو الغربية بشكل عام على مسألة تقديم بديل يوفر التمويل بدون شروط سياسية، وإنما بقوة نموذجها التنموي. فقبل عشرين عاما صك «جوشوا كوبر رامو» لأول مرة مصطلح «توافق بكين»، كمعادل لتوافق واشنطن الذى ظل سائدا منذ الثمانينيات، وكان يعكس اقتران اللحظة القطبية الأحادية بتسيُّد نموذج التنمية النيوليبرالي. على خلاف ذلك، أكد «كوبر» أن القوة الصينية البازغة، تقود بقوة المثال.
لا يعنى ذلك أن الدبلوماسية التنموية الصينية هي خيرية أو أخلاقية بالكلية أو لا تنتمى إلى الفكر الواقعي الذى يهدف إلى تحقيق المصالح. بل إنها تتهم بخلق ما يطلق عليه فخ الديون Debt Trap، من خلال إعطاء قروض تفوق قدرة الدول المدينة على السداد، كما تتهم المعاملات الصينية مع الدول النامية بأنها تتسم بدرجة كبيرة من السرية وغياب الشفافية والمساءلة. واتجهت الصين نتيجة لذلك إلى تقديم حزم إنقاذ للدول المدينة والتفاوض حول إعفاءات، على خلفية احتدام اتهامها بتوريط الدول بقروض لن تستطيع الفكاك منها. وفى هذا الصدد، تشير دراسة حديثة إلى أن الصين حذت حذوا معتادا في الدبلوماسية التنموية، حيث التشدد عادة ما يمارس تجاه الأكثر احتياجا، فحزم الإنقاذ الأساسية قد وجهتها الصين إلى الدول متوسطة الدخل، أما الدول الأكثر فقرا، فالإجراء المتبع إزاءها غالبا هو إعادة الجدولة أو مد فترات السماح. وأخيرا، فبرغم أن الصعود الصينى على ساحة الدبلوماسية التنموية ما زال بعيدا عن منازعة الدبلوماسية التنموية الغربية مكانتها التي امتدت لعقود عبر التأثير في الأفكار قبل السياسات، وبرغم أن النموذج الصينى يواجه الكثير من النقد لأسباب الكثير منها موضوعى، كما أن اعتماده الأساسي على تمويل مشروعات البنية الأساسية لم يقدم بعد خبرات تنموية ناجحة في الدول المتلقية للمعونة بدرجة تدعم الاستناد إليه كنموذج بديل، فإن وجود هذا الخيار التمويلى بحد ذاته أسهم في تعديل الدبلوماسية التنموية الغربية في اتجاه جعلها أقل قسرا. كذلك، فإن هذه التطورات وغيرها من التحديات السائدة عالميا، والتي فشلت الروشتات التنموية التقليدية في مجابهتها، جعلت الأصوات التي تنتقد توافق واشنطن تتعالى حتى من داخل الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل مسئولين في مستويات قيادية عليا، منذرة بضرورة بداية عصر ما بعد توافق واشنطن(11).
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر