“داعش” ونهج استقطاب غير المتمكنين في العلم الشرعي | مركز سمت للدراسات

“داعش” ونهج استقطاب غير المتمكنين في العلم الشرعي

التاريخ والوقت : الأحد, 19 مارس 2017

ميرفت محمد

 

طالما كان يظهر “الداعشيون” كممثلين ومطبقين للعلم الشرعي، يتلون آيات القرآن الكريم بإحكام ويستشهدون في كل تحركاتهم بالأحاديث النبوية والنهج الشرعي، حتى أن الحكومات العربية والغربية والكثير من الشعوب آمنت أن هذا العلم هو سبب تطرف الشباب و انضمامهم لداعش.
في البداية، يمكننا الاستدلال بشهادة ليست لأهل العلم الشرعي، وإنما للغرب الذي لم يخرج يومًا عن إلحاقه للتطرف والتشدد الذي تبناه تنظيم داعش بالشرع، لقد تناقلت وسائل الإعلام تحليل المركز الأمريكي لمكافحة الإرهاب التابع للجيش الأمريكي (CTC) ، والذي فصل وثائق تزيد عن اثنين وعشرين ألف سجل تعريفي للأعضاء ومنظمين للتنظيم من واحد وخمسين دولة، هذه السجلات التي عرفت بتسريبات (ويكليكس داعش) تضمنت معلومات تفصيلية تقع في 23 خانة، من ضمنها خانة  تحديد المستوى الشرعي للمنضمين، هذه الخانة بالتحديد تظهر  أن 70% من أعضاء التنظيم وصفوا معرفتهم بالشريعة الإسلاميّة بــــ(البسيطة)، في حين وصف 23% معرفته بالمتوسطة، و2% غير معروف، وما نسبته 5% فقط وصفوا معرفتهم بالشريعة الإسلاميّة بــــ(المتقدمة- أيّ طالب علم)، أما  عدد الدارسين للشريعة في كلية أو مدرسة دينيّة فشكّل ما نسبته 1.2% فقط داخل التنظيم مقارنة بباقي التخصصات.
تلك الأرقام الواضحة، تؤكد على حقائق دلل عليها الكثير من الباحثين والمختصين في شؤون التنظيمات المتطرفة، تفيد بأن المنتمين إلى التنظيم الذين أفتوا بالحدود وأقاموها هم من غير الدارسين أو المتعمقين في العلوم الشرعية، وهم من لم يصل مستواهم إلى ما يعتبره المتخصصون “مرحلة طلب العلم”، وقد كانت التركيبة اللامتجانسة للمنضمين للتنظيم تتضح دائمًا أنها لا تراعي الحد الأدنى من العلم بالأمور الشرعية وحتى الالتزام بالتعاليم الدينية، لقد خرج  هؤلاء بعلم شرعي مختلف مضمونًا وكمًا مع العلم الحقيقي، وانطلق معظم كوادر التنظيم بهذا المنهج المنحرف  من العلم لخلق جيل متذبذب نفسيًا  شديد التعصب لأفكاره، يرفض تقبل الآخر بأي اختلاف عنه.
وقد كانت شهادات المقيمين تحت حكم تنظيم داعش في سوريا والعراق خير دليل على أن تصرفات عناصر التنظيم بعيدة كل البعد عن العلم الشرعي، حيث سرعان ما ظهر لهم ضحالة معرفة عناصر التنظيم الدينية بشكل كبير في تصرفاتهم وقناعاتهم  التي عريت وكشفت في كل تحركاتهم.
إذًا، علينا نحن الكف الآن عن  دور المحامي في إثبات أن هؤلاء لا يمثلون حقيقة الإسلام، وعلينا التوقف عن هذا الدفاع أمام إلباس كل جرائم تنظيم الدولة فيه، وذلك لأن لدينا ما هو الأخطر، الذي يتمثل في مسيرة عمليات غسيل الدماغ التي لا يكف عنها عناصر التنظيم، فهم ينطلقون مستغلين كل ضعيف للعلم الشرعي من الشباب والفتية، مستغلين ظروفه السيئة في  توجيهه نحو ما يراه التنظيم شرعًا، يسارعون لمنحه تصورًا خاطئًا لمعنى حياته ودينه، من خلال خطاب الكراهية المتطرف.
الحقيقة التي لا أرى حرجًا في تعميمها أن الخطر الأكبر يكمن في سهولة خداع  وتضليل التنظيم لأبنائنا وشبابنا، فالتنظيمات الإرهابية بشكل واضح تستغل نقص العلم الشرعي لدى النشء والشباب، فالعلم الشرعي هو حصن المجتمعات من كل فكر  متطرف، فإذا لم نحتويهم ونلقنهم ونسلحهم بالعلم النافع الشرعي، فقد خسرنا أفضل وسيلة لمحاربة هذا الفكر الضال، وهذه وظيفة العلماء وطلاب العلم الذي يجب عليهم نشر العلم و تكثيفه وتطويره والارتقاء به كأهم وسائل مواجهة التطرف، فكما يقول الباحث السعودي في الحركات الإسلامية، عبد الله المالكي “صاحب العلم الشرعي، معتاد على الجدل، ويصعب أن يُقاد، بينما يسهل التلاعب في غير المتمكنين في العلوم الشرعية”، والختام في قول  أبو موسى الأشعري: “قد أوشك العلم أن يذهب، ويظهر الجهل حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل”.

  صحفية وباحثة فلسطينية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر