سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
هناك قيادات سياسية استثنائية، تترك بصماتها المميزة خلال وجودها في السلطة، من الصعب توفر قيادات مماثلة في القدرات والإنجازات والكاريزما، لخلافتها، عندما تغادر الحياة أو تتقاعد.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل واحدة من هذه القيادات الاستثنائية التي قادت ألمانيا على طريق النجاح السياسي والاقتصادي المميز، وتمكنت من قيادة بلادها في ظروف بالغة الصعوبة، وهي تترك منصبها في المستشارية بعد 16 عاماً من النجاح الذي جعل بلادها تتبوأ قيادة الاتحاد الأوروبي، وتسلك طريق الحياد في سياسة ألمانيا الخارجية، وترسخ استقلالها بعيداً عن الاصطفافات التي لا تخدم مصالحها.
صحيح أن هناك قيادات ألمانية تاريخية أخرى، مثل كونراد أديناور أول مستشار لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1963، الذي أخرج بلاده من بين أنقاض الحرب، وشارك في صياغة أول محاولة لتوحيد الاقتصاد في أوروبا مع فرنسا. وهناك أيضاً المستشار هيلموت شميت (1974- 1982)، والمستشار هيلموت كول (1982 -1998) الذي تولى المستشارية 16 عاماً مثل ميركل، وفي عهده سقط جدار برلين، وعمل على توحيد ألمانيا.
لكن ميركل التي تلقب ب«المرأة الحديدية»، وهي أول سيدة ألمانية تتولى منصب المستشارية تركت بصمتها الخاصة في أجواء سياسية واقتصادية وصحية عاصفة، مثل الأزمة المالية العالمية عام 2008، وأزمة اللاجئين التي تفجرت عام 2015، ثم جائحة كورونا التي اجتاحت العالم عام 2019، إضافة إلى العلاقات المضطربة مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
الانتخابات الألمانية المقررة يوم السادس والعشرين من الشهر الحالي، سوف تأتي بمستشار جديد خلفاً لميركل، لكن يبدو أن الصورة مشوشة، والصراع على أشده بين المرشحين الثلاثة للمنصب من الأحزاب الرئيسية، إذ رشح حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) ورديفه البافاري (الاتحاد المسيحي الاجتماعي)، أرمين لاشيت، ورشح حزب الخضر أنالينا بيربوك، أما الحزب الاشتراكي فرشح أولاف شولتس.
استطلاعات الرأي لم تعط أفضلية مطلقة لأي من المرشحين الثلاثة، لكن يبدو أن شولتس يتقدم على لاشيت بنقطتين، في حين أن بيربوك احتلت الموقع الثالث. وإذا ما واصل شولتس الصعود، فذلك يعني أن ألمانيا ستواجه زلزالاً سياسياً، ما يعني فتح باب التغييرات في المشهد السياسي الألماني، وبالتالي في شكل الحكومة، وهو ما دفع قادة التحالف المسيحي إلى دق جرس الإنذار، وإطلاق حملة واسعة لدعم لاشيت الذي تعرض للانتقادات، جراء هفوات ارتكبها مؤخراً، ومن بينها نوبة ضحك تملكته خلال زيارته للمناطق المنكوبة بالفيضانات، حيث سارع إلى الاعتذار قائلاً: «كان هذا سلوكاً غبياً وأحمق، ما كان يجب أن يحدث لي في تلك الثواني القليلة»، لكن ذلك لم يشفع له ما أدى إلى تقلص شعبيته.
لذا، فإن صحيفة «تاغس شبيغل» قارنت في تعليق لها بين الأعصاب الفولاذية لميركل، وعدم قدرة لاشيت في السيطرة على مشاعره، وقالت: «إذا أراد لاشيت تولي منصب المستشار فعليه أن يكون قادراً على إدارة الأزمات، وهذا الأمر ما كان ليحصل لميركل».. هذا هو الفرق بين قيادي وآخر.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر