خطة تعافي الاتحاد الأوروبي تُقَسِّم دوله وتثير أسئلة حول قدرته على الاستيعاب | مركز سمت للدراسات

خطة تعافي الاتحاد الأوروبي تُقَسِّم دوله وتثير أسئلة حول قدرته على الاستيعاب

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 16 يونيو 2020

أنجا فلاديسافليفيتش وكلوديا سيوبانو

 

موجة من الترحيب قابلت خطة التعافي التي تبلغ 750 مليار يورو، والتي اقترحتها المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، باعتبارها خطوة رئيسية نحو تقريب وجهات النظر داخل الكتلة الأوروبية حول مبدأ الدَين المشترك. لكنها فتحت خطًا لتصدعات جديدة في وسط وشرق أوروبا.فبناءً على اقتراح من ألمانيا وفرنسا، كشفت رئيسة المفوضية “أورسولا فون دير لين” عن خطة في أواخر شهر مايو لاستخدام الأموال المقترضة، التي تمَّ سدادها بشكل مشترك على مدار 30 عامًا، لتمويل الانتعاش الاقتصادي للكتلة من تداعيات أزمة “كوفيد – 19″، وذلك رغم أنها تواجه مقاومة من الدول الشمالية المعارضة لفكرة تقاسم الديون مع نظرائهم الجنوبيين.ومن الواضح أن إيطاليا وإسبانيا بين المستفيدين وكذلك بولندا، مما يحدث تصدعًا في وحدة دول مجموعة “فيسيجراد” الأربع، وهي: جمهورية التشيك، والمجر، وبولندا، وسلوفاكيا.

وكثيرًا ما اصطفت اللجنة الرباعية في جبهة موحدة بشأن قضايا سياسة الاتحاد الأوروبي، وعلى الأخص خلال أزمة اللاجئين التي اندلعت في عام 2015 عندما رفضت حصص إعادة التوطين لمشاركة العبء على الكتلة.لكن خطة “فون دير لين” دقت الآن إسفينًا بين بولندا وسلوفاكيا من جهة، وجمهورية التشيك والمجر من جهة أخرى.وناقش قادة الدول الأربع القضية في اجتماع يوم 11 يونيو. لكن الخبراء والمسؤولين شككوا في أنهم سوف يتمكنون من تجاوز خلافاتهم.وقال “فيت هافيلكا”، المحلل في مؤسسة “يوروبوم” للأبحاث ومقرها براغ: “لا نتوقع أن نرى جبهة موحدة قوية كما فعلنا خلال أزمة المهاجرين”. كما أن هناك قلقًا واسع النطاق بشأن قدرة دول المنطقة على استيعاب هذه الأموال وإنفاقها بحكمة.

تحديد اللحظة

من خلال تسمية الخطة “الاتحاد الأوروبي العام القادم”، اقترحت “فون دير لين” منحًا بقيمة 500 مليار يورو تقدم للدول الأكثر تضررًا من أزمة الفيروس التاجي، و250 مليارًا أخرى في هيئة قروض، بالإضافة إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل للفترة 2021- 2027 التي اقترحتها المفوضية وهي بقيمة 1.1 تريليون يورو.

ولأول مرة، ستقترض اللجنة الأموال من الأسواق المالية، باستخدام تصنيفها الائتماني الصحي لضمان انخفاض تكاليف الاقتراض.وقالت “فون دير لين” للبرلمانيين الأوروبيين إن الكتلة تواجه “لحظة حاسمة”.وقالت إنه “ما بدأ بفيروس صغير للغاية لا تستطيع عيناك رؤيته، أصبح أزمة اقتصادية كبيرة لدرجة أنك لا تستطيع تجاوزها”. فالخطة تحتاج إلى دعم بالإجماع من جميع أعضاء الكتلة الـ27، وربَّما لا تزال تخضع لتغييرات كبيرة.

جمهورية التشيك: “غير مقبول على الإطلاق

من بين دول “فيسيجراد” الأربع، أعربت جمهورية التشيك اعتراضها بشدة.فقال رئيس الوزراء “أندريه بابيس”: “هذه الشروط غير مقبولة على الإطلاق بالنسبة لنا، فهم يكافئون أعضاء الاتحاد الأوروبي التي لديها ارتفاع معدلات البطالة ويعاقبون الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المنضبطة ماليًا ذات معدل بطالة منخفض. لكن هذا سيضعنا في وضع غير مواتٍ.”ووفقًا للتقديرات الأولية للمفوضية، ستحصل “براغ” على 8.6 مليار يورو كمدفوعات مباشرة مع 10.6 مليار أخرى على شكل قروض.

ووسط تحذيرات من أن جمهورية التشيك تخاطر بأن تصبح مساهمًا متميزًا في الاتحاد الأوروبي، قالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية “فيرا جوروفا”، وهي عضو في حزب ” بابيس”، إنه عندما يتم احتساب الأموال الهيكلية، ستظل الجمهورية التشيكية من خلال 7.5 مليار يورو أفضل حالاً من ميزانية 2021- 2027.

لكن مسؤولي الحكومة التشيكية قالوا إن اعتراضات “بابيس” ليست اقتصادية فقط. ذلك أن رئيس الوزراء قلق بشأن السلطة الممنوحة في بروكسل، مما يقرب الاتحاد الأوروبي من الميزانية المشتركة والحكومة المركزية.

وفي إطار معارضة الخطة، سيعتمد “بابيس” على دعم الدول الأعضاء المحافظة ماليًا مثل النمسا والدنمارك والسويد وهولندا، وأيضًا شريكه المجري في مجموعة “فيسيجراد”، “فيكتور أوربان” الذي وصف الخطة بـ”سخيفة وضارة”. ويقول الخبراء إنه يشك في القدرة على تبادلية الديون، لكنه أيضًا يشكك في التحول نحو تكامل أكبر مع الاتحاد الأوروبي. ويواجه “أوربان” أيضًا خلافًا مع بولندا التي كانت بصفتها ثالث أكبر مستفيد من الخطة متفائلة بدرجة كبيرة.

بولندا تكسب كثيرًا

من خلال صندوق التعافي وحده يتوقع أن تجني بولندا أكثر من 37 مليار يورو من المنح، و26.8 مليار أخرى من القروض.وكان الرئيس البولندي “أندريه دودا” قال في أول تغريدة له: “أقنعت بولندا أوروبا بأن تكون لديها ميزانية طموحة. ولدينا نجاح!”.لذا، فإن بولندا ليست سعيدة فقط بالمبالغ القادمة، ولكن أيضًا بانهيار الإنفاق.ذلك أن مخاوف “وارسو” السابقة بشأن تلقي أموال أقل من حيث التماسك في الميزانية التالية قابلتها أموال استرداد إضافية. ومن المقرر أيضًا زيادة الأموال المخصصة للسياسة الزراعية المشتركة وهي أولوية بولندية أخرى.

كما شهدت بولندا زيادة كبيرة في الأموال المخصصة لانتقال مناطق الفحم، من ملياري يورو إلى ثمانية مليارات بموجب الاقتراح الجديد. وقد وقفت “وارسو” وحيدة في مقاومة هدف الاتحاد الأوروبي المتعلق بالمناخ بحلول عام 2050، بحجة أنه سيكون مكلفًا جدًا بالنسبة لبولندا.وقال المحلل “زوفيا ويتمانسكا”: “من وجهة النظر البولندية، فإن الأهم هو التوازن بين الهدف طويل المدى المتمثل في دعم اللحاق الاقتصادي لمنطقة وسط وشرق أوروبا والتخفيف من تأثير الأزمة الحالية، خاصة في جنوب أوروبا”. ومع ذلك، ستولي بولندا، كغيرها في المنطقة، اهتمامًا وثيقًا بالشروط، وستظل تعارض بشدة مبدأ كون أموال الاتحاد الأوروبي مشروطة باحترام المبادئ التأسيسية للكتلة من حيث سيادة القانون.وبينما ترحب بلغاريا باحتمال 12.3 مليار يورو بموجب الخطة، فإنها تشعر بالقلق أيضًا بشأن الشروط.

وتقول “أليكساندرينا جينكوفا”: “هذا ليس موضوعًا سهلاً بالنسبة لبلغاريا، فسيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت التقييمات ستؤثر في نهاية المطاف على توزيع أموال الاتحاد الأوروبي.”

هل يمكنهم إنفاقها؟

كانت دول أخرى بين مجموعة “فيسيجراد”، وهي سلوفاكيا ورومانيا وكرواتيا، رحبت بمقترح إنشاء صندوق التعافي المقترح، لكن لا يزال هناك قلق بشأن القدرة الإدارية لهذه الدول على استيعاب الأموال.ففي مواجهة التأثير الكارثي المحتمل للوباء على قطاع السياحة الحيوي في كرواتيا، سارع رئيس الوزراء “أندريه بلينكوفيتش” بالترحيب بـ”الأموال السخية للغاية” التي تقدمها المفوضية.وقال “بلينكوفيتش”، الذي يواجه الاتحاد الديمقراطي الكرواتي الحاكم في انتخابات برلمانية هذا العام: إن كرواتيا ستستقبل أكثر من 10 مليارات يورو، ستأتي ثلاثة أرباعها على شكل منح والباقي في شكل قروض. وقال إن كرواتيا تتوقع تلقي نفس الشيء على الأقل مرة أخرى من الميزانية.

لكن أستاذ العلوم السياسية “كريستيان كوتارسكي”، قال: إن التساؤلات ما زالت قائمة حول قدرة كرواتيا على استخدام الأموال على أفضل وجه.وقال “كوتارسكي” إن هذا شيء يجب أن تستخدمه كرواتيا جيدًا، لكننا سنرى كيف سيتم تشكيل الإدارة الوطنية، ومدى سرعة إتلاف هذه الأموال”.وبعد إسبانيا وإيطاليا وبولندا واليونان، فإنه من المحتمل أن تكون رومانيا خامس أكبر مستفيد، بحوالي 33 مليار يورو.فبعد نقاش طويل ومرير في بعض الأحيان حول صناديق التعافي في الاتحاد الأوروبي، تبدو الميزانية الحالية إيجابية أيضًا بالنسبة لبوخارست.فقد قال “سيجفريد موريسان”، عضو البرلمان الأوروبي الروماني ونائب رئيس كتلة حزب الشعب الأوروبي: “من وجهة النظر الرومانية، لا يمكن معارضة خطة الانتعاش هذه، ذلك أن مبادئها صحية ومن الجيد لرومانيا أن تدعمها”.

ومن خلال خطة الإنعاش والميزانية، فإن رومانيا ستحصد 100 مليار يورو ضخمة، وهو المبلغ الذي وصفه وزير الصناديق الأوروبية في البلاد، “مارسيل بولوس”، بأنه “مثير للإعجاب”.

لكن ذلك سيكون بمعدل استيعاب 36%، لتصبح رومانيا أقل بثلاث نقاط من متوسط ​​الاتحاد الأوروبي.

وقال “دوميترو أوبريتويو”، الخبير في شؤون الاتحاد الأوروبي: “إنه تخصيص سخي للغاية لرومانيا وفرصة كبيرة إذا نجحت الأخيرة في الاستفادة منها”.

سلوفاكيا تقول إن عيد الميلاد جاء مبكرًا

قال “توماس فالاسيك”، عضو البرلمان عن حزب “زا لودي” ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان السلوفاكي: “هذه فرصة لدفع اقتصادنا إلى القرن الحادي والعشرين”.لكن سلوفاكيا لديها سجل أسوأ من رومانيا في استخدام أموال الاتحاد الأوروبي بشكل فعال وفي الوقت المحدد. فبنسبة 33%، فإن معدل الاستيعاب في سلوفاكيا يتفوق على كرواتيا فقط.

وقالت “فيرونيكا ريميسوفا”، نائبة رئيس الوزراء السلوفاكي للاستثمار والمسؤول عن تخصيص أموال الاتحاد الأوروبي بالبلاد إنه “من المهم للغاية أن نكون مستعدين لاستخدام هذه الأموال واستخدامها لأشياء ذات مغزى حقيقي ستساعد اقتصادنا”. وقد وعدت “ريميسوفا” بتسهيل توزيع أموال الاتحاد الأوروبي وتحسين الشفافية.

وأعرب بعض الخبراء ووسائل الإعلام عن أملهم في أن تستخدم “براتيسلافا” الأموال لإعادة إنعاش الاقتصاد السلوفاكي، والابتعاد عن نموذج العمالة الرخيصة الذي حول البلاد إلى خط تجميع لشركات صناعة السيارات الأجنبية بعد انهيار الشيوعية.

كما ترحب اليونان أيضًا بخطة “فون دير لين”، التي تخصص 22.5 مليار يورو في شكل منح و9.5 مليار أخرى في شكل قروض لأثينا.وإذا أخذنا في الاعتبار الميزانية المعدلة، فإن البلاد ستستقبل أكثر من 50 مليار يورو، أو 30% من الناتج المحلي الإجمالي لديها.فيقول مراسل صحيفة ريبورتر “يانيس كيمبوروبولوس”: إن هذا سيسمح بتعافي سريع وإعادة هيكلة اقتصادية قوية. لكن القضية الرئيسية هي ما ستفعله البلاد بهذه الأموال.”

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: بلقان إنسايت

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر