خطة الصين لحكم العالم | مركز سمت للدراسات

خطة الصين لحكم العالم

التاريخ والوقت : الخميس, 23 أغسطس 2018

ديفيد إغناطيوس

 

خفّفت الكلمات الودية المتبادلة بين الرئيسين الأميركي “دونالد ترمب” والصيني “تشي جين بينغ” هذا الشهر، من وطأة التعاون الاقتصادي والعسكري الصيني الذي وصفته دراسة حديثة بتكليف من البنتاغون بأنها “ربَّما تكون الاستراتيجية الأكثر طموحًا التي قامت بها دولة واحدة في الأزمنة الحديثة”.

وفي أثناء قمة “بكين” في التاسع من نوفمبر الماضي، كرّر “تشي” عبارته حول ما أسماه “التعاون المثمر للجانبين”، التي ردَّ عليها “ترمب” بالمثل، حيث وصف ترمب “تشي” بأنه “رجل مميز جدًا”. وكان ترمب اشتكى – أيضًا – من الفائض التجاري الصيني، لكن الزيارة كانت – في الغالب – بمثابة دفعة مهمة للتعاون بين بكين وواشنطن.

لقد ورد في تلك الليلة تلميح “تشي” إلى الطموحات الكبيرة للصين بين النخبة المشاركة في تلك الفعالية، واستشهد الرئيس الصيني بقوله “لا توجد مسافة بين الجبال البعيدة ولا المحيطات الشاسعة، حيث لا يمكن أن تعوق الشعوب عن مواصلة مسيرتها”، ثم ذكر “تشي” مقولة مأثورة عن “بنيامين فرانكلين” يقول فيها “من يستطيع أن يتحلى بالصبر، يمكنه أن يحصل على ما يريد”، وهو ما يعد ملخصًا مناسبًا لمساعي الصين الهادئة التي لا تكل حتى تصبح قوة عالمية عظمى.

لقد كان الصعود الصيني سريعًا جدًا، ولكن الأمر اختلف بشكل واضح خلال الفترة السابقة لأحداث 11 سبتمبر، والذي غلّفه الشعار الصيني “الإخفاء والغرور”، وهو ما يعتبره المحللون الأميركيون بمثابة مباراة مفتوحة.

لقد أسهمت الاستراتيجية الأميركية التي يتبناها ترمب تحت شعار “أميركا أولاً” في عملية تحجيم الصين، وإن كان ذلك بشكل غير مقصود. فقد كان خطاب إدارة ترمب حول التجارة العادلة قويًا، لكن المكاسب الفعلية كانت متواضعة. وخلال تلك الأثناء قام ترمب بتمزيق الشراكة عبر المحيط الهادئ، وتراجع عن التحالفات الأخرى بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما فتح الطريق أمام شبكة ارتباطات الصين الجديدة مع المؤسسات العالمية، بما في ذلك خطة “حزام واحد، طريق واحد” (OBOR) للتجارة الأوروآسيوية والآسيوية، ولا سيَّما مع “بنك الاستثمار” الذي يعمل في مجال البنية التحتية لتمويل المشاريع التي تقودها الصين.

وهذا ما تناولته دراستان غير منشورتين حول التحديات التي تمثلها الصين في مواجهة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بتكليف من سلاح الجو الأميركي.

إذ تجادل إحدى الدراسات بأن التحركات الصينية في النطاق الأوروآسيوي، تتجاوز نطاق خطة “مارشال” لعام 1947، التي عززت القوة الأميركية في أوروبا فيما بعد الحرب. كما تقدر الدراسة أن الخطة الصينية ستوفر ما يقارب التريليون دولار في صورة دعم صيني لأكثر من 64 دولة، في حين أن خطة “مارشال” قدمت حوالي 150 مليار دولار بالدولار الحالي، وكانت معظمها موجهة إلى ستة بلدان فقط. كما تصف الدراسة أن “البرنامج الصيني يتخذ حجمًا ونطاقًا لم يسبق له مثيل بالنسبة للتوجه الاستراتيجي لبناء نظام إقليمي بقيادة صينية في أوراسيا”.

فالصين تقوم بتأسيس البنية التحتية للطاقة، حيث تصف الدراسة، على سبيل المثال، كيف تقوم بكين بتمويل سلسلة من الموانئ في منطقة المحيط الهندي، بما في ذلك سريلانكا وماليزيا وباكستان وبورما وجيبوتي وكينيا والإمارات العربية المتحدة، إذ يقدر الاستثمار المقترح بنحو 250 مليار دولار.

كما استثمرت الصين نحو 13.6 مليار دولار في اليونان، حيث قامت بشراء حق إدارة ميناء “بيرايوس” وأسهم الشركات اليونانية، وكذلك شركات الألياف البصرية. وكما تشير الدراسة إلى أن “اليونان مثلت رأس حربة استراتيجية بالنسبة للصين في أوروبا”.

وفي غضون ذلك، وافق بنك “البنية التحتية الآسيوي” على مشاريع تقدر بقيمة 16 مليار دولار بعشر دول، بينهم حلفاء للولايات المتحدة، مثل: مصر والهند وسلطنة عمان. كما يقوم الصينيون بمد خطوط السكك الحديدية إلى أوروبا وكافة أنحاء آسيا، مما يسمح لبكين بتجاوز الممرات البحرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة؛ فالصين لديها – بالفعل – 40 خطًا للسكك الحديدية إلى تسع دول أوروبية.

وقد بُنِيَت الهيمنة الأميركية جزئيًا على التسابق العلمي والتكنولوجي، الذي جذب أفضل العقول من جميع أنحاء العالم. لكن الصينيين يتحدون ذلك أيضًا، حيث يقومون ببناء ما لا يقل عن خمسين مختبرًا علميًا وتكنولوجيًا مشتركة مع عدد من الدول، إضافة إلى عدد من الخطط المستقبلية التي تهدف إلى تدريب ما يصل إلى 5000 من العلماء والمهندسين والمديرين الأجانب.

ومع انسحاب العلماء الأجانب من بعض معامل الولايات المتحدة بسبب تعقيدات منح التأشيرات والقلق الحكومي تجاههم، يتضاعف دور الصينيين. فوفقًا للدراسة الأخرى الصادرة عن سلاح الجو الأميركي، تفوقت الصين على الولايات المتحدة في طلبات براءات الاختراع السنوية، وهي الآن تحتل المرتبة الثانية في مجال المقالات البحثية، وفي عام 2014 منحت الدولة في الصين أكثر من ضعف الدرجات العلمية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على مستوى العالم.

فالصين تحشد – اليوم – أفضل مواهبها التقنية لصالح إمبراطوريتها العالمية؛ حيث تخطط شركة الاتصالات الصينية لإنشاء شبكة “ألياف ضوئية” تمتد على مساحة 150 ألف كيلومتر وتغطي 48 دولة إفريقية. كما دشنت موقعIZPالكبير من خلال شركة كبيرة للبيانات، حيث تشرع في التوسع قريبًا في 120 دولة. وتقوم وكالة BeiDouالحكومية ببناء نظام محطة بالأقمار الصناعية تعمل بمثابة نظام تتبع فضائي “جي بي إس” في محيط أوروآسيا.

وعلى ذلك، فإن ثمة شعورًا غريبًا يسود العالم – اليوم – بأن الصين تتسابق للتوصل إلى أعلى مستويات التكنولوجيا والتجارة، في الوقت الذي تعمل فيه إدارة ترمب تحت راية “أميركا أولاً” على حماية عمليات استخراج الفحم والتشكيك في علم المناخ.

عفوًا، فتلك هي الطريقة التي تقوم وتسقط بها الإمبراطوريات.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر/ واشنطن بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر