خسارة الإخوان الانتخابات المحلية في الجزائر.. الأسباب والتداعيات | مركز سمت للدراسات

خسارة الإخوان الانتخابات المحلية في الجزائر.. الأسباب والتداعيات

التاريخ والوقت : الأحد, 5 ديسمبر 2021

طارق أبو السعد

صفعة جديدة يتلقاها الإسلام السياسي والإخوان المسلمون في الجزائر، فقد أظهرت النتائج النهائية للانتخابات المحلية تأخر حزبي الإخوان إلى المرتبة الـ5 والـ6 في الحصول على مقاعد لشغل مناصب في مجالس (1541) بلدية و(58) ولاية، في تراجع شعبي واضح وهزيمة سياسية وفكرية، تضاف إلى سلسلة الهزائم التي تلقاها الإخوان المسلمون في الفترة الماضية.

وبدأت سلسلة الهزائم في القاهرة عام 2013 بعد الثورة عليهم ورفض حكمهم، ثمّ خسارتهم للانتخابات في ليبيا، ثمّ الثورة الشعبية التونسية ضدهم، التي طالبت بحلّ البرلمان المسيطرين عليه، ثمّ الهزيمة الساحقة لإخوان المغرب في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، وها هي هزيمة جديدة، وربما ليست الأخيرة، في تاريخ الإخوان بالمنطقة.

ظهر تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر في مطلع الثمانينات، بعد عفو الرئيس الجزائري السابق “الشاذلي بن جديد” عن محفوظ نحناح، الذي أسّس هو ورفيقه الشيخ محمد بوسليماني جماعة الإخوان بالجزائر، واعترف المرشد العام للجماعة عمر التلمساني عام 1985 بمحفوظ كمراقب عام للجماعة، حسماً للخلاف الذي نشب بين محفوظ والشيخ عبد الله جاب الله على من هو أوّل من رفع شعار الإخوان المسلمين في الجزائر.

ظهر تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر في مطلع الثمانينات، بعد عفو الرئيس الجزائري السابق “الشاذلي بن جديد” عن محفوظ نحناح

 بعد أن استتبّ الأمر لنحناح، قرّر لمّ شمل الإخوان في جمعية تربوية، فأنشأ جمعية الإرشاد والإصلاح عام 1989، لتقوم بالدور الدعوي والتربوي، ولأنّ أدبيات وأفكار الإخوان تحتمّ عليهم الاشتباك مع السياسة، قرّرت الجماعة تأسيس حزب إسلامي عام 1990، ليكون طليعتهم في المواجهة السياسية، وأطلقوا عليه اسم (حركة المجتمع الإسلامي)، وتُختصر بـ (حركة حمس)، التي تصف نفسها بأنّها حركة شعبية إصلاحية شاملة، شعارها: العلم، والعدل، والعمل.

بعد وفاة المراقب العام محفوظ نحناح عام 2003، تولّى الشيخ أبو جرة سلطاني قيادة الحزب والجماعة، وفي عام 2009، وبعد المؤتمر الـ4 للحركة، وصل الخلاف بين تيار أبو جرة سلطاني وتيار عبد المجيد المناصرة إلى طريق مسدودة، فانشقّ عدد من الكوادر والقيادات الإخوانية عن حركة حمس، وعلى رأسهم: مصطفى بلمهدي، وعبد المجيد المناصرة، وفريد هباز، والطاهر زيشي، وعبد القادر بن قرينة، وأحمد الدان، وسليمان شنين، ونصر الدين سالم شريف، ومعهم (5) نساء، على رأسهنّ البرلمانية السابقة عائشة بلحجار، وأسّسوا حركة “الدعوة والتغيير”، التي تُعبّر أيضاً عن فكر جماعة الإخوان المسلمين، وتنتهج المنهج نفسه، ويُشار إلى أنّ الخصمين المتصارعين التقيا في شيء واحد، منذ تصعيد الصراع عشية المؤتمر الـ4 العام الماضي، هو مساندة ترشّح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة ثالثة، والترويج له في الميدان خلال حملة الانتخابات، لكن دون أن يرقى ذلك إلى التنسيق فيما بينهما.

ونظراً للخلاف بين الجبهتين، وادّعاء كلّ من أعضائها أنه يمثل الإخوان، أصدر المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف تجميد عضوية الجزائر في التنظيم الدولي ورفع الغطاء عن كلتا الجبهتين.

 ثم في آذار (مارس) 2013 حصل أعضاء حركة الدعوة والتغيير على رخصة حزب جديد أطلقوا عليه “حركة البناء الوطني”، وانضم أعضاء الحركة إليه، وانصهروا فيه، ولم ينضم عبد الناصر المناصرة، وقد ترأس الحزب القيادي التاريخي مصطفى بلمهدي، عندها رأى مكتب الإرشاد في القاهرة والتنظيم الدولي في لندن إعادة عضوية الجزائر إلى التنظيم من جديد، فأعلنوا بلمهدي مراقباً عاماً للإخوان المسلمين بالجزائر في نيسان (إبريل) 2013، وإن ظل المجتمع الجزائري يتعامل مع الحزبين باعتبارهما ممثلين عن الإخوان المسلمين.

 أعطى الشعب الجزائري ثقته في البداية لحركة المجتمع الإسلامي “حمس”، فحلّ في أوّل انتخابات تشريعية يشارك فيها عام 1991 في المرتبة الـ4، وفي انتخابات 1997 حلّ في المرتبة الثانية، وقد حصل على (71) مقعداً بالبرلمان، وحوالي (1100) منتخب محلي، منها حوالي (24) بلدية تسيّرها الحركة، بفضل هذه النسبة ارتفع عدد الوزراء إلى (7)، وقد شارك في حكومة أويحيى الثانية، وحكومة حمداني، وحكومة بين بيتور، وحكومة فليس الأولى والثانية.

تعود الأسباب الرئيسية لهزيمة وتراجع شعبية الإخوان إلى الخلافات بين حزبي التنظيم، والتراشق الإعلامي بينهما؛ ممّا أفقدهما القاعدة الشعبية المؤيدة لهما

وفي انتخابات 2002 تراجع الإخوان إلى المرتبة الـ3،وحصلوا على (38) مقعداً بالبرلمان، و(38) بلدية، وحوالي (1200) منتخب محلي، وشاركوا في الحكومة بـ(4) حقائب وزارية.

وفي انتخابات 2007 حلّوا في المرتبة الـ3، وحصلوا على (31) مقعداً في البرلمان، و(4) نواب في مجلس الأمّة، و(389) منتخباً محلياً، وشاركوا في الحكومة أيضاً.

 غير أن تراجعاً كبيراً حدث في انتخابات 2012، وأيضاً في انتخابات 2017، نظراً لانقسام الإخوان إلى حزبين، أمّا الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تمّت في حزيران (يونيو)2021، فقد حصلت حركة حمس على (64) مقعداً في البرلمان، وحلّت في المرتبة الثانية، أمّا حركة البناء الوطني، فقد حصلت على (40) مقعداً، وحلّت في المرتبة الـ4.

ويعود تحسّن وضع حزبي الإخوان في هذه الانتخابات إلى ضعف الإقبال الجماهيري على الاقتراع، ومعروف أنه كلما انسحبت الجماهير، ارتفعت حصيلة الإخوان من المقاعد، والعكس صحيح، نظراً لامتلاكهم كتلة حرجة ثابتة تصوّت لصالحهم في أيّ استحقاق انتخابي.

أمّا الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت يوم السبت الماضي 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، فقد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في المشاركة في الانتخابات المحلية بالمقارنة مع الانتخابات التشريعية الأخيرة في حزيران (يونيو)، وارتفعت النسبة من 23% إلى 36%، وقد أعلن محمد شرفي، رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، في مؤتمر صحفي مساء أمس الثلاثاء، عن النتائج الأولية لنسبة المشاركة والأحزاب المشاركة، وكشف شرفي أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية بلغت 58.36% أي ما يعادل (7) ملايين و(514) ألفاً و(422) ناخباً، وقد قدّرت بـ76.34%، بما يعني (6) ملايين و(92) ألفاً و(222) ناخباً في الانتخابات الولائية.

الانتخابات المحلية هي ثالث استحقاق انتخابي في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، وهي تحدّد بشكل كبير أهمّ القوى السياسية التي ستعمل في الساحة الجزائرية في الفترة القادمة

وقد تسبب ارتفاع نسبة المشاركة الجماهيرية في تراجع حزبي الإخوان إلى المرتبة الـ5 والـ6، بعد أن حصل حزب “حركة البناء الوطني” على (1848) مقعداً، يليه حزب “حركة مجتمع السلم” المشهورة بـ(حمس) بـ(1820) مقعداً، في المجالس البلدية.

وتعود الأسباب الرئيسية لهزيمة وتراجع شعبية الإخوان إلى الخلافات بين حزبي التنظيم، والتراشق الإعلامي بينهما؛ ممّا أفقدهما القاعدة الشعبية المؤيدة لهما، وافتقاد حزبي الإخوان لرؤية جادّة لخروج الجزائر من أزمتها الاقتصادية والسياسية.

ورغم خبرتهم في إدارة الحكم ومشاركاتهم المتتالية في حكومات جزائرية متعددة، إلّا أنّ الحزبين أثبتا افتقادهما للكوادر السياسية ورجال الدولة الحقيقيين، إضافة إلى ظهور قوّة منافسة جديدة غير منظّمة، وهي قوة المستقلين، الذين قدّموا برامج انتخابية، وجد الناخب الجزائري معهم متغيراً جديداً يمكن انتخابه، وأثبتوا فيها أنّهم “البديل المقنع”، وبهذا تمكّنوا من الفوز بالأصوات غير المؤدلجة التي كانت تذهب في الغالب إلى الإخوان المسلمين؛ لهذا حازت القوائم المستقلة على (4430) مقعداً في الانتخابات البلدية، الأغلبية المطلقة في (91) بلدية، والأغلبية النسبية في (334)، و(443) مقعداً في الانتخابات الولائية.

يُذكر أن الانتخابات المحلية هي ثالث استحقاق انتخابي في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، التي تنهي مؤسسات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتي تحدّد بشكل كبير أهمّ القوى السياسية التي ستعمل في الساحة الجزائرية في الفترة القادمة، فقد حملت هذه الانتخابات ونتائجها مجموعة من الدلالات السياسية والاجتماعية لا يمككن إغفالها.

الدلالة الأولى تتمثل في مشاركة منطقة القبائل في الاقتراع للمرّة الأولى منذ انطلاق الحراك الشعبي في فبراير (شباط) 2019، وبعد أن قاطعت الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس عبد المجيد تبون في كانون الأول (ديسمبر) 2019، ثم استمرّ العزوف عن المشاركة في الاقتراع مع الاستفتاء على الدستور في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وأخيراً الانتخابات التشريعية في حزيران (يونيو) 2021، هذه المشاركة أثبتت قدرتهم على إحداث التغيير في المشهد السياسي القادم.

الدلالة الثانية، جزئياً: هي الرغبة القوية للرأي العام في إزاحة أشكال الفساد، ورفع مستوى ممثلي الشعب في كلّ المستويات، في ظلّ قوانين الانتخاب الجديدة التي توفر فرصة للمنافسة، دفعت بفئات واسعة من الشباب والمثقفين وذوي الكفاءات إلى خوض غمار الساحة السياسية”.

الدلالة الثالثة: من واقع النتائج يظهر انصراف الناخب عن تأييد التيار الإسلامي كقوّة يُعوّل عليها في حلّ مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثمّ سحب ثقته في جدارتهم السياسية؛ ممّا يعني عدم مشاركتهم في الحكم مستقبلاً، وربما مغادرتهم الساحة السياسية جزئياً.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر