سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ريان ماكماكين
لقد كان العنوان الرئيس واضحًا وهو: “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: المملكة المتحدة تترك الاتحاد الأوروبي”. وابتداء من 31 يناير، أقر قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي صدر عام 2018 وبدأت المملكة المتحدة عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وستستمر عملية الانتقال خلال عام 2020 عبر تفاوض حكومة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن طبيعة العلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
والآن، فبعد أن أصبح الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي واقعًا قانونيًا، ذلك أن الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة يبدو راسخًا بشكلٍ مدهشٍ.
وستكون هذه مفاجأة بالنسبة لأولئك الذين اعتقدوا في تأكيدات خبراء الإعلام والاقتصاديين أن اقتصاد المملكة المتحدة سيصبح مشلولاً مع اقتراب عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لكن الاضطرابات الاقتصادية كانت محدودة جدًا. بالتأكيد، فقد انتقلت الأسواق والشركات إلى التكيف مع الواقع الجديد القادم للمملكة المتحدة إلى حدٍ بعيدٍ خارج السوق المشتركة للاتحاد الأوروبي. لكن من الصعب أن تكون البلاد على حافة كارثةٍ اقتصاديةٍ بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهذا صحيح على الرغم من أن خروج بريطانيا كان أمرًا لا مفرَّ منه منذ الانتخابات العامة في ديسمبر الماضي.
توقعات الانهيار
لم يكن من المفترض أن يحدث الأمر بهذه الطريقة. فقد أصر معارضو “الخروج” والاقتصاديون الذين يدورون في فلكهم على أن الانسحاب في نهاية المطاف لن يكون كارثيًا على الاقتصاد البريطاني، ولكن حتى حالة “عدم اليقين” التي يشهدها السوق والمرتبطة بالانسحاب في نهاية المطاف من شأنها أن تشل الاقتصاد البريطاني. فعلى سبيل المثال، فقد أصدرت وزارة الخزانة البريطانية تقريرًا في مايو 2016 ينص على: “أن هذه الكارثة الاقتصادية لم تتطلب خروجًا كاملاً من الاتحاد الأوروبي. إذ قيل إن مجرد التصويت لصالح الخروج، سيؤدي إلى مشاكل اقتصادية هائلة”.
وفي الوقت نفسه، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في تقرير لها صدر في أبريل 2016، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكلف لندن ما يعادل أكثر من ثلاثة آلاف جنيه إسترليني لكل أسرة و”سيكون بمنزلة صدمة سلبية كبيرة للاقتصاد البريطاني، مع تداعيات اقتصادية في بقية دول المنظمة”.
لقد ناقشت العديد من التحليلات العميقة تأثيرات عملية “الخروج” على الصفقة بدلاً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “الضعيف”. لكن خلال الفترة التي سبقت الانتخابات – وفي السنوات التالية أيضًا – كانت الرسالة واضحة، إذ إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيجعل بريطانيا أكثر فقرًا.
ومع ذلك، يبدو المستثمرون ورجال الأعمال والمستهلكون غير مقتنعين بأن الحواجز التي تعترض التجارة الدولية والتي أثارتها عملية الخروج Brexit ستكون كافية لوضع الاقتصاد البريطاني في مأزق. ولم يتخلَ المستثمرون عن فرص الاستثمار في المملكة المتحدة، كما لم يتوقع رواد الأعمال وجود المزيد من الأعباء على التعريفة الجمركية. وحتى إذا كان الاتحاد الأوروبي مُصِرًّا على أن يكون ساذجًا، فإن لدى المملكة المتحدة شركاء تجاريين مهمين آخرين. ووفقًا لذلك، فبحلول يناير من هذا العام، ذكرت صحيفة “تيليجراف” البريطانية، “أن قوة الاقتصاد البريطاني تتحدى توقعات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، كما تذكر وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية أنه: “على الرغم من التنبؤ بالخسائر الهائلة في القطاع المالي، قامت لندن بتوسيع نطاقها”. كما لاحظت الـ”تيليجراف” أيضًا أنه مع اقتراب الخروج النهائي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، زادت معدلات التوظيف وزاد النمو الاقتصادي وفقًا لما تمَّ قياسه بالطرق المعتادة للاقتصاديين.
إن “تكاليف المعاملات” تشتمل على ما هو أكثر من الحواجز التجارية؛ ذلك أن المزاعم بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيجعل الجميع أكثر فقرًا، كانت مبنية على هاجس أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى رفع ما يسمى “تكاليف المعاملات” للشركات البريطانية من حيث التعريفات وغيرها من الحواجز أمام حرية حركة العمالة والبضائع. فقد كان المفترض أن الأعمال التجارية مع القارة على قدر من البساطة وبدون عوائق أساسية، في حين أن عملية الخروج من شأنها أن تثير العديد من الحواجز الجديدة.
وتبدو هذه حجة مشتركةً بين الاقتصاديين والسياسيين الذين يفضلون تبسيط التجارة والهجرة من خلال الاتفاقيات الدولية.
فمن المؤكد أن تقليل تكاليف المعاملات بهذه الطريقة يعدُّ أمرًا جيدًا على الدوام، حيث يبدو كل شيءٍ متساويًا. حقًا، إنه لأمرٌ جيدٌ عندما تزيد التجارة، وعندما تكون البلدان، والأفراد بداخلها، قادرين على الاستفادة من تقسيم العمل. إنه أمرٌ بالفعل جيد عندما يُترك المستهلكون ورجال الأعمال لاختيار المنتجات التي يرغبون في شرائها والتعرف على مصادرها.
لكن، مشكلة التكامل الاقتصادي في حالة الاتحاد الأوروبي تكمن في كونه يميل دومًا إلى التكامل السياسي.
وبالتالي، يأتي التكامل الاقتصادي مع مجموعة من السلاسل المرفقة في شكل إدارةٍ بيروقراطيةٍ من المستويات الأعلى. وقد كانت هذه الإدارة ذات نطاق واسع، كما كانت الأعباء التنظيمية المرتبطة بها كبيرة أيضًا.
وكما يشير “رالف بيترز” من معهد “هوفر”، فإن الاتحاد الأوروبي يبدو كـ”وحشٍ بيروقراطيٍ” يتدخل بشكل سخيف في “هياكل الحياة اليومية”.
وأسوأ من ذلك، فإن محاولة الحد من هذا العبء البيروقراطي، تعدُّ أمرًا صعبًا جدًا بالنسبة لأي عضوٍ في الاتحاد الأوروبي؛ ذلك أن أي تغيير واضح في المراسيم البيروقراطية في كافة أنحاء أوروبا يتطلب قدرًا هائلاً من الجهد في حشد الدعم من الدول الأعضاء الأخرى والاستمرار قدمًا في الإصلاحات. فالأعباء الثقيلة المفروضة على الشركات الصغيرة ورجال الأعمال لها تداعيات كارثية. فكما يلاحظ “بيتر تشابمان” في مجلة “بوليتيكو”، “لا تزال الكراهية العامة للاتحاد الأوروبي تجاه رواد الأعمال تشكل عائقًا كبيرًا أمام التحسن الاقتصادي”. وعلى الرغم من أن المزايا الظاهرية للعضوية في الاتحاد الأوروبي قد تكون من السهل رؤيتها من حيث تخفيض الحواجز التجارية، فإن الفوائد الصافية أقل وضوحًا بالنسبة لأولئك الذين يدركون التكلفة الحقيقية لبيروقراطية الاتحاد الأوروبي. فالأمر لا يقتصر على أن عضوية الاتحاد الأوروبي تأتي مع ارتفاع تكاليف المعاملات من حيث اللوائح المضافة، ولكن طبيعة المؤسسات الأوروبية والأجنبية غير المنتخبة من المرجح أن تجعل البيروقراطية أقل استجابة وأقل مرونة وأكثر ديمومة. ويعدُّ هذا في حد ذاته عبئًا إضافيًا يتجاوز الأنظمة نفسها.
لقد لاحظ بعض المعلقين المناهضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكلٍ واضح، أن عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي لا يخفف تلقائيًا من الأعباء التنظيمية. ويبدو هذا صحيحًا بالتأكيد، لكن كل هذا يعني أن رجال الأعمال والمستهلكين البريطانيين يعتمدون في الوقت الحالي على فكرة أن بعض الإجراءات التنظيمية ستتغير على الأقل، وأن تكلفة التجارة الدولية لن ترتفع إلى مستويات معيقة. ولكن هذا يعني أيضًا أنه إذا أراد صانعو السياسة في المملكة المتحدة تغيير أو تخفيف هذه الأعباء البيروقراطية، فليس من الضروري الذهاب إلى بروكسل للتسول. وبعبارة أخرى، يبدو أن القطاع الخاص يأخذ وجهة نظر طويلة الأجل، في حين أن الخبراء المناهضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يهتمون بالمستقبل القريب.
وبدون سبب يدعو إلى التفاؤل، وكما لاحظ العديد من المراقبين المؤيدين لعملية الخروج، فإن العلاقات التجارية للمملكة المتحدة علاقات عالمية وليست معتمدة بشكل غير متوازن على شروط مواتية مع كتلة الاتحاد الأوروبي. ومن نواحٍ عديدة، فقد أدت العضوية في الاتحاد الأوروبي إلى تقييد تجارة المملكة المتحدة مع العالم الخارجي. وسرعان ما أصبحت الصين وشرق آسيا أكثر أهمية لاستراتيجية التجارة العالمية من الاتحاد الأوروبي. ويعدُّ هذا صحيحًا حتى بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الأساسية مثل ألمانيا. وإضافة إلى ذلك، فإذا سمحت التحالفات السياسية لأصحاب المشاريع ودافعي الضرائب والمستهلكين الحصول على الإغاثة التنظيمية، فستكون لديهم قدرة أكبر على البحث عن التغيير في لندن أكثر من بروكسل.
لا يمكن للاقتصاديين التنبؤ بالمستقبل، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟
من المسلم به أن التراجع الاقتصادي الشديد في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يحدث حتى الآن، وهو ما لا يعني استحالة حدوثة. لكن مرة أخرى، حتى لو انحدر اقتصاد المملكة المتحدة، فما مقدار ذلك الانحدار الذي يدفع إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ فلا تزال دورات ازدهار الكساد حقيقةً واقعةً، ويمكن أن تحدثها عوامل كثيرة تتجاوز عملية مغادرة تكتل تجاري.
لكن هناك شيء واحد نعرفه ألا وهو صعوبة التنبؤ الدقيق كما هو الحال بالنسبة للخبراء الذين توقعوا حدوث فوضى اقتصادية فورية بعد التصويت على الخروج بشكلٍ دقيقٍ لأي تأثيرات قادمة على عملية الخروج.
وفي الواقع، فإن تعقيد التغييرات القادمة في المشهد القانوني والسياسي والدولي تبدو كبيرة لدرجة أن أي خبير اقتصادي مطالب بأن يعترف بأنه لا يعرف ما سيحدث.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Mises Institute
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر