سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عديل عباس منجي
يُمَهِّد الانسحاب الأميركي المقترح من أفغانستان لتكرار ما حدث في أعقاب قرار الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” بسحب القوات الأميركية من العراق عام 2012؛ ذلك أن الإعلان الأخير عن سحب القوات الأميركية من سوريا وأفغانستان يشير إلى مساعٍ لتحقيق خروج مشرف من استراتيجية فاشلة، وفي الوقت نفسه يهدف الإعلان إلى توفير التكاليف المالية الهائلة للحرب في كلا البلدين، والتي تقدَّر بنحو 15.3 مليار دولار في سوريا و45 مليار دولار في أفغانستان هذا العام وحده.
فأفغانستان ليست في الوقت الحالي ملاذًا آمنًا لقيادة طالبان فحسب، بل هي أيضًا ملاذ لخليط متشعب من الجماعات المتطرفة في الدولة التي مزقتها الحرب. ومن الواضح أن تنظيم القاعدة الإرهابي، بالتعاون مع طالبان، يعمل بهذه المنطقة.
لقد أقام تنظيم “داعش” أيضًا، بشكلٍ واضحٍ، هيكل قيادة وسيطرة يمكن إدارته بالتعاون مع طالبان الباكستانية، وجماعة “أحرار الهند”، وحزب “النهضة الإسلامية” في طاجيكستان، و”الحركة الإسلامية” في أوزبكستان.
والملاحظ على أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مكافحة الإرهاب، أنه لا يشبه إلى أسلوب سلفه “أوباما”؛ إذ إنه يتأنى في استخدام العمليات مثل الغارات الجوية، لكنه يعتمد بشكل أساس على قوات السكان الأصليين في معظم العمليات البرية. وبالتأكيد فإنه لا يعتبر نسخة كربونية؛ ذلك أن استراتيجية ترمب تعتبر أكثر انفتاحًا على السماح بمهام إضافية وتفويض المزيد من القرارات لصنع القادة العسكريين المرؤوسين أكثر من أوباما. ومع ذلك، مقارنةً بالبدائل الرئيسية، مثل: الغزو التقليدي الكبير، أو الضربات الجوية غير المقيدة، أو تقنية عدم التدخل، أو أي شيء آخر، نجد أنها في الواقع مشابهة تمامًا لاستراتيجية أوباما لعام 2016.
أمَّا حاليًا، فقد صعَّد البنتاغون غاراته الجوية، وكثف غارات العمليات الخاصة في أفغانستان إلى أعلى المستويات، وقد وصفها مسؤولو وزارة الدفاع بسلسلة متناسقة من الهجمات على قادة ومقاتلي طالبان. وقد تمَّ نشر استراتيجية الحرب هذه من أجل تحقيق مكاسب في المفاوضات الجارية مع طالبان.
وبعد فترة وجيزة من انسحاب الولايات المتحدة من العراق، شهد العالم أسوأ أنواع العنف على يد “داعش”. والآن يمكن رصد صراع على السلطة بين الجماعات المتطرفة في أفغانستان، ما يعني أن هناك احتمالات كبيرة للفوضى في هذه المنطقة.
حتى إن بعض الخبراء يتوقعون أن تؤثر الحرب الأهلية الشرسة على حكومة كابول وإضعاف جيشها، وهو ما سيتيح الفرصة لأمراء الحرب لتشكيل سلطة جديدة. وهذا ما يمكن أن يفتح الطريق لأزمة جديدة للاجئين وتخفيض المساعدات الدولية، ما قد يسهم في إصابة الجيش الأفغاني بالشلل.
وقبل وقوع ما يعتبره البعض تحولاً نموذجيًا محتملاً في الاستقرار الإقليمي، رحَّبت باكستان والصين وروسيا بالانسحاب الأميركي المحتمل من المنطقة. فقد كان الدور الاستباقي لهذه الدول الأربع في جلب طالبان إلى طاولة المفاوضات يرجع إلى عامل “العدو المشترك”، إذ عارضت كلٌّ من طالبان وهذه الدول الأربع القوة المتزايدة لـ”داعش” والجماعات المتحالفة معها في أفغانستان.
ويمكن الإشارة إلى سببٍ آخر لاهتمام إسلام أباد الخاص بالأوضاع في أفغانستان، وهو التأثير الهندي وإمكانية هدم التحالف الاقتصادي بين الصين وباكستان. وإن الزيارة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان، والتي شملت حزمة استثمارية ومساعدات بقيمة 20 مليار دولار، مثَّلت فرصة محتملة هائلة بالنسبة لإسلام أباد.
لقد مثَّلت التحركات السعودية تجاه باكستان سياسة ثابتة ومحددة نحو دمج إسلام أباد في محور محاربة الإرهاب، ومواءمة السياسة الأميركية والسعودية مع باكستان وذلك كجزء أكبر من التحالف العسكري لمكافحة الإرهاب، وفقًا لما يقول “ثيودور كراسيك”، من مؤسسة (تحليل السياسات الخليجية) Gulf State Analyticsللاستشارات الجغرافية في واشنطن.
وعلى هذا النحو، فإن الموقع الجيوستراتيجي لباكستان يحظى باهتمام كل من واشنطن وبكين، مما يحبط أولئك الذين يأملون في عزلة إسلام أباد عالميًا. لكن الوضع الاقتصادي لباكستان وإمكاناتها كمركز للتكامل الاقتصادي الإقليمي يجعلها عرضة لخطر كبير، ما دامت محاطة بأمراء الحرب الذين يعملون على طول الحدود مع أفغانستان.
وللتخفيف من حدة هذا الخطر، فقد أكمل الجيش الباكستاني عملية بناء جدار يبلغ طوله حوالي 900 كيلومتر على الحدود مع أفغانستان، في حين من المقرر الانتهاء من بناء 2600 كيلومتر من الجدار هذا العام، الذي جُهِّز بوسائل أمنية مثل الكاميرات وأجهزة كشف الحركة.
ومع ذلك، لا يزال هناك المزيد من القلق تجاه التطرف حول الصراعات الداخلية بين القاعدة و”داعش”. وبحسب التقارير المتواترة، يتم تجنيد الجماعات المتطرفة بنشاط في البلاد. وفي هذا يفيد “توم كريج” من صحيفة “واشنطن بوست” بأن تنظيم القاعدة يعمل على تكثيف العمليات بالتعاون مع تنظيم القاعدة بجنوب آسيا وشبه القارة الهندية AQIS، بهدف إبطاء تقدم مقاتلي “داعش” المتنافسين في المنطقة.
إن الانسحاب الحالي وسياسة “ما بعد الحرب” التي تتبناها الولايات المتحدة وحلفاؤها لا تشير بعد إلى شروط مقبولة لدى الأفغان. ذلك أنه من الواضح أن أي شكل للسلام الحقيقي والدائم يتطلب النصر على الصعيدين المدني والعسكري، كما يقول “أنتوني إتش كوردسمان” من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن؛ لأن هذا النصر يجب أن يحتوي على ثلاثة عناصر أساسية، هي: الوحدة السياسية، والحكم الرشيد، والتقدم الاقتصادي. ولسوء الحظ، فإنه ليس من الواضح وجود أي من العناصر الثلاثة في الوقت الراهن.
وفي هذا يُقال إن ترمب ذكر خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأخير، وفي إشارة إلى “داعش” وطالبان، أنه “بما أن كليهما أعداء لأميركا فإننا سنتركهما يقاتلان بعضهما بعضًا”، مما يوحي إلى جنرالاته بأنه لا يوجد سبب يدعو الولايات المتحدة إلى خوض مثل هذه المعركة.
ولكن، إذا كان هذا هو الموقف الحالي لأميركا في المستنقع الطويل بأفغانستان، فإن هذه الاستراتيجية سوف تفتح الباب أمام عدم الاستقرار المستمر في جنوب آسيا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر