خاشقجي.. ومزايدات أردوغان | مركز سمت للدراسات

خاشقجي.. ومزايدات أردوغان

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 24 ديسمبر 2019

أمجد المنيف

 

كعادته يملأ الرئيس التركي أردوغان الدنيا صراخًا وضجيجًا و(هياطًا)، للمزايدة على مواقف الآخرين، ولتحقيق مكاسب زائفة لدى أنصاره ومريديه، ولخداع آخرين بصوته العالي، ومهاتراته التي لا تنتهي.

ولكن عندما يجد الجد، نرى صورة أخرى على النقيض كما يقول المثل العربي “أسمع جعجعة ولا أرى طِحْنًا”.

هذا المشهد هو حلقة معادة من المسلسل الدرامي التركي غير المنتهي، الذي يقوم فيه أردوغان بدور البطولة بلا كلل ولا ملل، وليس ببعيد ما قام به على مدار عام كامل من مزايدات عبثية في قضية جمال خاشقجي، بادعائه امتلاك أدلة وتسجيلات تغير مسار القضية، مع اتهامات مبطنة، يمينًا ويسارًا، لكنه في النهاية لم يقدم شيئًا سوى الكلام والضجيج والصوت النشاز، ولم يتعاون مع المحكمة في تقديم أي أدلة تخدم العدالة.

أردوغان ومسؤولو حكومته ومستشاروه دأبوا دائمًا على تصدير الاتهامات والشكوك وتغليفها بالادعاءات المرسلة، وهي الأسطوانة التي لا يزال يرددها النظام التركي حتى بعد صدور حكم القضاء السعودي، وهي حيلة لا تنطلي على العقلاء، فإذا كان إخفاء معالم الجريمة قد وقع في تركيا وتزعم السلطات هناك وجود رواية مغايرة، أو أدلة جديدة، فلماذا لا تتعاون مع المحكمة في تقديمها، أو تظهر الأدلة للمجتمع الدولي بدلاً من هذه الأحاديث المرسلة التي تقع في دائرة العبث والابتزاز، الذي طالما واجهته المملكة العربية السعودية، بتصديها للأزمة بمبدأ الشفافية الكاملة، أمام المجتمع الدولي.

تظهر ذروة العبث التركي فيما أعلنته النيابة العامة السعودية عن إرسال 13 مذكرة إنابة قضائية إلى الجانب التركي لتزويدها بما يتوفر لديهم من الأدلة من مواقع مسرح الجريمة، ولكن لم ترد أي إنابة (إفادة رسمية) إلا إنابة قضائية واحدة تخص القنصل السعودي محمد العتيبي، الذي أفرجت عنه النيابة العامة، وتضمنت هذه الإنابة شهادة الشهود من الجنسية التركية أن القنصل السعودي كان معهم يوم وقوع الجريمة حيث كان يتمتع بإجازة رسمية.

وهكذا أظهرت تحقيقات النيابة العامة، وفقًا لما تمَّ إعلانه في المؤتمر الصحفي الرسمي، أنه لا توجد أي نية مسبقة للقتل، وأن القتل لحظي، وهو ما أسفر عن توجيه الاتهام إلى 11 موقوفًا، جرى التحقيق معهم، والحكم على 5 بالإعدام، وعلى 3 آخرين بالسجن في أحكام وصلت بمجملها إلى 24 عامًا، في حين تمَّ تبرئة 3 آخرين.

اتسمت المحاكمة بالوضوح نتيجة الشفافية التي انتهجتها النيابة العامة والقضاء السعودي في كافة مراحل القضية، للوصول للحقيقة الكاملة بلا تهاون ولا هوادة، إذ جاءت الجلسات العشر للمحاكمة بحضور ممثلين من أسرة خاشقجي، ومن تركيا، فضلاً عن ممثلين عن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

وفوق هذا وذاك، كان موقف أسرة خاشقجي واضحًا وصريحًا ولا يدع مجالاً للشك أو التأويل، إذ قال صلاح خاشقجي إن القضاء السعودي “أنصفنا نحن أبناء المرحوم – بإذن الله – جمال خاشقجي”، مضيفًا في تغريدة له عبر منصة تويتر “نؤكد ثقتنا في القضاء السعودي بكافة مستوياته وقيامه بإنصافنا وتحقيق العدالة.. الحمد لله والشكر له”، وتابع “إنصاف القضاء يقوم على مبدأين، العدالة وسرعة التقاضي، فلا ظلم ولا مماطلة”، وأيده شقيقه عبدالله في الوقت نفسه.

قطعت المملكة شوطًا كبيرًا لتحقيق العدالة في هذه القضية، فالأحكام التي أصدرتها المحكمة الجزائية بحق المدعى عليهم ليست قطعية إلا بمصادقة محكمة الاستئناف والمحكمة العليا عليها، ولم يتبقَ في الإجراءات إلا النظر إلى الاعتراض على الحكم من محكمة الاستئناف؛ وإذا تمَّ الحكم قصاصًا من قبل محكمة الاستئناف يتم رفعها إلى المحكمة العليا استنادًا إلى المادة 190 من نظام الإجراءات الجزائية، وهنا يأتي السؤال: هل تتعاون تركيا مع القضاء السعودي إذا كان هدفها الحقيقة كما تدعي، أم تظل في مهاتراتها الصارخة التي لا تجد آذانًا صاغية إلا لدى السذج والبلهاء والمغيبين، وأصحاب الأجندات والأيديولوجيات المشبوهة.

نهاية القول: تعاملت السعودية – كعادتها – مع الأزمة بحنكة شديدة، وبسياسة متزنة، على كافة المستويات، بعيدًا عن مهاترات أردوغان وعصابته، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. والسلام..

 

مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر