سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سوبهاش كابيلا
لم يعد “التهديد الصيني” يمثل تحديًا أمنيًا يقتصر على الهند واليابان ودول المحيطين الهندي والهادئ، لكن يُنظر إليه الآن بشكل واضح على أنه تهديد عالمي يؤثر على التحالف العسكري لحلف الناتو كما ورد في وثيقة الناتو الصادرة في نوفمبر 2020.
ويتحمل حلف الناتو بشكل أساسي مسؤولية متكاملة عن الأمن الأوروبي، لكنه في مطلع الألفية وسع نطاقه ليشمل أفغانستان كجزء من دوره الموسع في “عمليات خارج منطقة الناتو”.
لقد تأسس “الناتو” بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة مع تنافس عسكري مكثف ظهر بين القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة والكتلة السوفييتية بقيادة الاتحاد السوفييتي، وذلك لإحلال السلام في أوروبا طوال فترة الحرب الباردة الشديدة.
إن الحقيقة الملحوظة هي أنه بينما تفكك حلف “وارسو” مع تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، يواصل الحلف الغربي “الناتو” عمله عسكريًا في عام 2020 ويستمر في إحلال السلام في أوروبا. حيث تمتد النظرة الاستراتيجية للناتو حاليًا إلى المحيطين الهندي والهادئ والهند في الوقت الذي تتصارع فيه مع مخطط استراتيجي لمواجهة تهديد الصين المتصور.
ومع ظهور التهديدات التي يتعرض لها الأمن الأوروبي حاليًا بشكل مباشر من خلال ظهور قوى عسكرية جديدة في مناطق بعيدة عن أوروبا تؤثر على الأمن الأوروبي في مظاهر متنوعة، فإن حلف الناتو على دراية بهذه التهديدات الناشئة والدراسات التي كلِّف بها لرسم المخططات الاستراتيجية على مدى عقود.
إن وثيقة “الناتو 2020″، هي وثيقة رؤية استراتيجية تتضمن التحديات التي من المحتمل أن يواجهها الناتو في الفترة التي تسبق عام 2030. إذ يحتل “التهديد الصيني” مكانة بارزة في تصورات الناتو للتهديد باعتباره تهديدًا ناشئًا لأمن الناتو وأمن شركائه في الحلف. ففي أكثر من 60 صفحة من وثيقة الناتو، استحوذت الصين على مساحة واسعة من حيث الحجم والمظاهر.
وتحدد إحدى الفقرات التمهيدية بهذه الوثيقة مضمون تصورات الناتو بشأن التهديد الصيني، إذ تنص على أن “السمة الرئيسية للبيئة الأمنية الحالية هي عودة ظهور المنافسة الجيوسياسية. فقد أدت عودة المنافسة الجيوسياسية إلى انتشار الهجمات المختلطة. وكذلك أدى نشاط “المنطقة الرمادية” إلى تآكل الحدود التقليدية للصراع، حيث يتعرض الأمن المحلي والدولي للتهديد المتداخل .”
وبعد وصف طبيعة الحرب الهجينة التي تطل برأسها عالميًا، تعبر وثيقة الناتو عن تصورها بشأن التهديد الصيني بالعبارة التالية “إن قوة تأكيد الصين المتزايدة هي التطور الجيوسياسي الآخر الذي يغير الحسابات الاستراتيجية لتحالف الناتو”.
وبشكل استطرادي عن التهديد الصيني في السياق الهندي، فإن ذلك ما تمَّ نشره منذ عام 2015 عند نشر كتاب بعنوان “المواجهة العسكرية بين الصين والهند: منظور القرن الحادي والعشرين”، إذ يشير إلى أن هذه المواجهة لم تعد “نزاعًا حدوديًا” بين الصين والهند، ولكن “صراع جيوسياسي” حاد بين القوتين الصاعدتين في آسيا مع مسارات متضاربة. إن التهديدات الهجينة من الصين ضد الهند واضحة في الوقت الراهن.
تصورات “التهديد الصيني” تحظى بالاهتمام في وثيقة الناتو 2020
إذ لا تنوي هذه الورقة أن تثقل كاهلها بالمقتطفات التفصيلية الضخمة التي تسلط الضوء على التهديد الصيني على الرغم من أنه تمَّ التوصل إلى كل ملاحظة في وثيقة الناتو بعد دراسة وتقييم متعمدين. وتقتصر هذه الورقة على تسليط الضوء على تصورات التهديد الصيني الأكثر أهمية لحلف شمال الأطلسي كما تمَّ تحليلها للعقد المنتهي في عام 2030.
وعلى مستوى أوسع، ينظر حلف الناتو إلى التهديد الصيني على أنه “يشكل حجم القوة الصينية والانتشار العالمي تحديات حادة للمجتمعات المنفتحة والديمقراطية خاصة بسبب مسار هذا البلد نحو الاستبدادية وتوسع طموحاتها الإقليمية.”
وتعليقًا على ميل الصين لاستخدام القوة، تسلط وثيقة الناتو الضوء على أن “الصين أثبتت رغبتها في استخدام القوة ضد جيرانها، بالإضافة إلى الإكراه الاقتصادي والدبلوماسية التخويفية خارج منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.
وفيما يتعلق بالأبعاد الأوسع للتهديد الصيني الذي يحيط بحلف الناتو، تنص الوثيقة على أنه “في حين أن الصين لا تشكل تهديدًا عسكريًا فوريًا على المنطقة الأوروبية الأطلسية على نطاق روسيا، إلا أنها توسع نفوذها العسكري في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، والقطب الشمالي، إذ يؤكد على تعميق العلاقات الدفاعية مع روسيا”. كما تستمر الوثيقة في سرد توسع الصين الكبير في الطيف الكامل لقدراتها التقليدية والنووية والصاروخية وإسقاط القوة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تسرد توجهات الصين إلى مجالات حرب الفضاء والحرب الإلكترونية.
ذلك أن مجالات القلق الفورية لحلف الناتو بشأن توسيع البصمات الاستراتيجية للصين المتزايدة في الشرق الأوسط، تعتبر مدرجة أيضًا ضمن مخاوف حلف الناتو على وجه الخصوص، إذ تمَّ الاستشهاد باتفاقية التعاون الدفاعي مع إيران على هذا النحو.
وتعتبر التخوم الشرقية لحلف الناتو الواقعة على شرق أوروبا وجنوب أوروبا الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، مصدر قلق فوري.
ويمثل الجناح الشرقي مصدر قلق أكبر بسبب التهديد الروسي، لكن أيضًا من المرجح أن يزداد حضور الصين نتيجة لمشاريع الحزام والطريق الصينية.
ويبدو أن الجناح الجنوبي لحلف الناتو من حيث الدول الضعيفة اقتصاديًا، مثل: إيطاليا واليونان وغيرها من الدول المعرضة للتغلغل الاقتصادي الصيني في البداية كمقدمة للتغلغل الجغرافي السياسي، يحظى باهتمام كبير من قِبَل الناتو.
وبشكل ضمني، وفيما يتعلق بمبادرة الرئيس الصيني “تشي جين بينج” تجاه الناتو، فسيكون إنشاء الصين لقاعدة عسكرية في جيبوتي كنقطة انطلاق نحو البحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا الصدد، تنعكس مشاريع “أوبور” الصينية المتوجهة عبر كل من الامتدادات القارية والبحرية الآسيوية نحو أوروبا باعتبارها مخاوف استراتيجية.
فالناتو وشراكات الهند والمحيط الهادئ والآسيوية، التي تركز عليها وثيقة الناتو، تعكس تحركاته الاستراتيجية لمواجهة التهديد الصيني للحلف الأوروبي الأطلسي، وهو ما يتصل بالإجراءات التالية التي تمثل جزءًا من مخططها الاستراتيجي:
ملاحظات ختامية
لقد حدَّد الناتو التهديد الصيني استنادًا إلى ميول الصين الواضحة لاستخدام القوة في النزاعات مع جيرانها، وتطلعات الصين المتمددة للتوسع الإقليمي على حساب جيرانها الأضعف، والتوسع العسكري الصيني لترسانتها النووية والصواريخ في العالم.
لقد استيقظ الناتو على توسيع نطاق موطئ أقدام الصين على الحدود الجنوبية لحلف الناتو الواقعة على البحر الأبيض المتوسط.
إن مخاوف الناتو الاستراتيجية بشأن الصين لا تكمن في التهديد الصيني “في حد ذاته”، لكن الصين تتصرف بالتعاون مع روسيا كعلاقة عسكرية عميقة. وقد وصفت إحدى الدراسات السابقة هذا بأنه تحالف عسكري “افتراضي” بين روسيا والصين.
وقد أدى اهتمام الناتو في المحيط الهادئ الهندي إلى اتخاذ فرنسا والمملكة المتحدة قرارات لإرسال دوريات بحرية إلى بحر الصين الجنوبي. لذا، يمكننا أن نتوقع مشاركة أكبر من أساطيل الناتو في المحيط الهندي أيضًا.
إن ميل الناتو للانخراط مع الرباعية يمثل تطورًا بحريًا مرحب به فيما يتعلق بكل من بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي.
وتندرج الهند في الحسابات الاستراتيجية الخاصة بالناتو كقوة يمكنها المساهمة في بحث الناتو عن ثقلٍ وجوديٍ موازنٍ ضد التهديد الصيني المتزايد للبصمات العالمية. لكن كما يعبر الناتو بدقة عن أنه يعتمد على “استعداد الهند للانخراط مع الناتو”.
وكمحلل للشؤون الجيوسياسية والاستراتيجية، يتوقع المرء حتمية مشاركة الهند مع الناتو فيما يتعلق بالتهديد الصيني، بدايةً، في سياق أمن المحيط الهندي. لذا، ستضطر الهند من الناحية الجيوسياسية إلى التخلص من ارتباطات “عالم متعدد الأقطاب”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مجموعة تحليلات جنوب آسيا
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر