سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نهى أبو عمرو
عندما نتحدث عن الجزائر، فإننا نتحدث عن دولة عربية تعتبر جزءًا أساسيًا أصيلاً من مكونات مجتمعنا العربي، عدا أنها بلد عُرفت بكفاح شعبها وبطولاتها ضد الاحتلال الفرنسي، وحُرِّرت بآخر قطرة دم من دماء المليون شهيد الذين سقطوا حبًا لها ودفاعًا عنها.
شهدت الجزائر ما بعد الاستقلال، ولايات عدة رؤساء توالوا عليها، بدءًا من فرحات عباس الذي تمَّ انتخابه كأول رئيس للجزائر، وعُيِّن أحمد بن بلة رئيساً للحكومة. وقد أقدمت هذه الحكومة فيما بعد، على حل الحزب الشيوعي، وحزب الثورة الاشتراكي بزعامة محمد بوضياف، وحزب مصالي الحاج، لتأتي فيما بعد ولاية جديدة يترأسها أحمد بن بلة بعد استقالة فرحات عباس، وعُرفت عنها أنها شهدت عدة انقلابات وتمرد في منطقة القبائل تزعمها المسؤول عن جبهة القوات الاشتراكية حسين آيت أحمد، والمسؤول السابق للولاية العقيد محند ولد الحاج الذي استطاع ابن بلة التفاهم معه، في حين ظل آيت أحمد متمردًا.
اشتدت على إثر تلك الخلافات، الأحداث على الحدود من الغرب، ثم تحولت إلى اشتباكات عسكرية توقفت بعد توسط من الدول الإفريقية.
أمَّا هواري بومدين، فقد جاء للجزائر حاكمًا لها بعد انقلاب قاده ضد أحمد بن بلة، وذلك نتيجة صراعات سياسية وخلافات على النهج العام للسياسة الداخلية، مشكلاً حكومة بنفسه تسلَّم فيها حقيبة الدفاع، وأوكل إلى عبدالعزيز بوتفليقة مهمة وزارة الخارجية. وكان هدفه كما حدد في بيانه، إعادة تأكيد مبادئ الثورة، وتصحيح أخطاء السلطة، وإنهاء الانقسامات الداخلية. وقد اعتمد الرئيس بومدين في سياسته الداخلية على مبدأ السياسة التنموية لكافة قطاعات الإنتاج في الجزائر.
أما في المجال السياسة الخارجية، فقد وضع هواري بومدين العلاقة مع الفرنسيين على السكة الصحيحة، وفق شروط ومعاهدات، واستطاع استرداد الشركات الجزائرية من الفرنسيين رغم الاحتجاجات التي صدرت من الدولة الفرنسية، كما متّن العلاقات مع الاتحاد السوفييتي.
لقد شهد المسار السياسي الحديث في الجزائر، أزمات وانفراجات خلال فترات حكم بومدين حتى وفاته، ليترأس من بعده الشاذلي بن جديد الجزائر، وبدأت ولايته بأكبر تحدٍّ واجه البلاد، وهي أحداث أكتوبر من عام 1988؛ إذ شهدت الجزائر ملامح ثورة شعبية ضد رموز الدولة، ما لبثت أن توسَّعت لتشمل أعمال شغب في جميع أنحائها، قادها التيار السلفي الجزائري؛ ليفهم الجزائريون أن هناك ملامح فترة جديدة تسعى إلى تغيير شكل ونظام الحكم سيقوده تيار الإخوان المسلمين .
بعد أحداث أكتوبر، بدأت ملامح الفترة الجديدة تتضح بعد فوز حزب جبهة الإنقاذ بالانتخابات البلدية، ثم التشريعية من الدور الأول واكتساحها بالأغلبية في البرلمان الجزائري، وتصويت أغلب الجزائريين لصالح الحزب الإسلامي الذي لم يستمر كثيرًا؛ ربَّما لأن الجزائريين تيقنوا آنذاك أن الإسلاميين لن ينجحوا في الحكم وإدارة سياسة الدولة. فبعد أن استقال الرئيس الشاذلي بن جديد، أحاقت بالبلاد أزمة حادة واعتقل الآلاف، ودخلت الجزائر في العنف والعنف المضاد، وأخذت السلطة آنذاك بتشكيل المجلس الأعلى للدولة الذي ترأسه محمد بوضياف، الذي كان مقيمًا في المغرب. وبعد اغتيال بوضياف دخلت الجزائر في دوامة عنف أكبر، وشهدت العديد من المجازر ضد المدنيين بسبب الإرهاب الأعمى، وقتل عشرات الآلاف، وفقد الكثيرين، إلى أن انتخب الرئيس زروال الذي قاد حوارًا مع الجماعات المسلحة المعارضة، إلا أنه لم يكمل المصالحة. لكن بعد انتخاب الرئيس بوتفليقة، أُتِمَّت عملية التهدئة، وتوقف العنف المسلح بدرجة كبيرة، واستقرت أغلب مناطق البلاد، خاصة بعد أن شرعت الدولة تقيم مشاريع اجتماعية واقتصادية، وتوفر مناصب شغل للكثيرين بسبب تحسن أسعار النفط وانكفاء الجماعات المسلحة.
وكانت الجزائر الدولة العربية الوحيدة التي لم تتأثر بثورات الربيع العربي، ولم تشهد أي حراكات. لكن في ظل اقتراب نهاية عهد بوتفليقة فيها، تتنامى من جديد مخاوف صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم في الجزائر، بخاصة بعد أن وقَّع أكبر حزبين إسلاميين جزائريين محسوبين على تيار الإخوان المسلمين الأسبوع الماضي، اتفاقًا جديدًا للوحدة، وذلك بعد أسبوعين من إعلان حركتين من التيار الإسلامي اندماجهما في تطورات متسارعة تسبق انتخابات برلمانية مقررة ربيع العام الجاري.
وتأتي أخبار الوحدة بين هذين الحزبين بعد مخاض كبير من مفاوضات، استمرت حوالي ثلاث سنوات بعد الانقسام الذي حدث بينهما في عام 2007، بسبب عدم الاتفاق على نتائج انتخابات قيادة الحركة، لتأتي الانتخابات المزمع عقدها خلال هذا العام، أحد أهم العوامل التي سرعت في عملية الوحدة، خاصة مع الخسارة الكبيرة التي تلقاها الحزبان في الانتخابات التشريعية لسنة 2012. ومع أن الحزبين يتهمان السلطة بتزوير الانتخابات وتسببها بخسارتهما، فإنهما اعترفا بعد ذلك بأن الانقسام كان أيضاً أحد عوامل الخسارة، بسبب انشطار الأصوات بينهما في العديد من المعاقل الرئيسية التي كانت في السابق تمدُّ التيار الإخواني في الجزائر بالمقاعد النيابية. كما أن قانون الانتخابات الجديد الذي فرضته السلطة، لم يترك خيارات كثيرة للأحزاب المطالبة بجمع ما لا يقل عن 4% من الأصوات مقابل الترشح.
وحدة الإخوان المسلمين في الجزائر مؤخرًا، جاءت وفقًا لأبعاد مبدئية واستراتيجية وقيمية لها أهميتها التنظيمية والمؤسساتية، وأخرى سياسية وانتخابية بحت، إضافة إلى أنها وحدة اندماجية تنظيمية لا تتجاوز ولا تقتصر على أبعاد شخصية، أو مصلحة حزبية، أو أغراض انتخابية فقط، بل تتجاوز إلى أبعاد ومقاصد كبرى تتجاوز الأشخاص والتنظيمات والانتخابات.
ولا يمكن إغفال عوامل داخلية متعلقة بالتيار الإسلامي في الجزائر، سرّعت من عوامل الوحدة، أبرزها الضغط الكبير الذي مارسته قواعد هذا التيار على قياداتها من أجل تحقيق المشروع، وخصوصًا بعد نجاح جناح إسلامي آخر في التوحد أسَّسه عبدالله جاب الله، الذي كان أحد أهم منافسي “حركة مجتمع السلم”.
وتشير القراءات الدولية، إلى أن الوضع الإقليمي الحالي الذي يشهد مراوحة في أحوال التيار الإسلامي في العديد من الدول العربية، ساهم في دفع التيار الإخواني في الجزائر إلى التكتل، مخافةَ التعرض لخسارة مدوية؛ إذ على الرغم من المناخ الملائم في سنة 2012 مع فورة صعود العديد من الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس والمغرب، فإن الجزائر شكلت الاستثناء بالنسبة إلى هذا التيار، وهذا ما يجعل هذه الأحزاب تتحسب أكثر للموعد الانتخابي الذي قررت المشاركة فيه هذا العام .
وعلى الرغم من تنامي الحراك الإسلامي في الجزائر من جديد، فإن باحثين جزائريين استبعدوا فكرة تنامي الأفكار المتطرفة من جديد لديهم، معتبرين أن عشر السنوات التي وصفوها بـ”السوداء” التي عاشتها الجزائر في فترة التسعينيات علَّمت الشعب، وصنعت حائط سد ضد أي أفكار متشددة تظهر. فالجميع لا يريد أن يعيد تكرار المأساة مرة أخرى، وذلك لأن الشعب جرب نتائج هذه الأفكار ولا يريد أن يعيد هذه التجربة البَتَّة، ومن ثم هو الآن أبعد ما يكون عنها، لا سيما أن هناك محاولات كثيرة للعبث بالشعب الجزائري ومستقبله وأمنه.
كاتبة وباحثة فلسطينية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر