سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماركو لامبوجي
“بيلين أونكر”، هي صحفية حائزة على عدد من الجوائز، كرَّست عملها للمساهمة في الدفاع عن المصلحة العامة، وقد كانت تحت الملاحقة القانونية بسبب تغطيتها لمخططات التهرب الضريبي للنخبة السياسية والاقتصادية في تركيا. وعلى الرغم من القضايا المتعددة التي رُفعت ضدها، فإنها لا تزال تقوم بعملها؛ وهو ما يفرض الحاجة إلى اهتمام متواصل واستراتيجية استباقية من جانب الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء للدفاع عن “بيلين أونكر” والمدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان والصحفيين في تركيا، من مزيد من التجريم والانتقام بسبب عملهم.
وبعد فترةٍ وجيزةٍ من إدانتها بتهمة “التشهير والإهانة” بمسؤول عام، كتبت “بيلين أونكر” في يناير 2019 تقول “نعم، نحن كصحفيين لسنا خائفين. لكن هذا لا يعني أننا شجعان جدًا، وفي حين أنه من المفترض أن يعتني الطبيب بالمريض، يجب على الصحافيين البحث عن المصلحة العامة”، وقد تمت إدانتها بالسجن لمدة سنة وشهر وخمسة وأربعين يومًا، إلى جانب غرامة قدرها 8889 ليرة تركية (حوالي 1600 دولار)، وقد تقدَّمت “أونكر” بطعن في الاتهامات وتنتظر قرار المحكمة.
وأدينت “أونكر” بسبب الإبلاغ عن مخططات التهرب الضريبي لأفراد عائلة رئيس الوزراء التركي السابق “بن علي يلدريم”. ومن خلال سلسلة مقالات بعنوان “أوراق الجنة”، تمكنت “أونكر” من كشف الشركات الخارجية التابعة له في مالطا، والتي تتبع لاثنين من أبناء “يلدريم”. وقد تمَّ استخدام هذه الشركات للتهرب من الضرائب من خلال معدل ضريبة الشركات المنخفض بشكل كبير في مالطا. وفي الوقت نفسه، فازت الشركات المملوكة لعائلة “يلدريم” بعطاء قيمته 7 ملايين دولار من الحكومة التركية. في حين أن تلك العائلة لا تعارض الحقائق الواردة في مقالات “أونكر”، فإنها لا تزال تقاضيها بنجاح بسبب مقالاتها؛ وهو ما يجعلها الصحفية الوحيدة في جميع أنحاء العالم المدانة بسبب نشرها تقارير عبر “أوراق الجنة”.
وفي أبريل من نفس العام، قُدمت “أونكر” مرة أخرى للمحاكمة. وهذه المرة سعت عائلة “البيرق” لاضطهادها بسبب تهم مماثلة. وكانت “أونكر” قد أبلغت عن استخدام المزايا الضريبية من قبل “بيرات البيرق”، وزير المالية الحالي في تركيا وصهر الرئيس رجب طيب أردوغان، وغيره من أفراد الأسرة وشركاء الأعمال. ذلك أنه في نهاية المطاف اضطر القاضي لإسقاط القضية بسبب قانون التقادم.
وتمثل القضايا المرفوعة ضد “أونكر” حالةً خطيرةً للصحافة في تركيا، إذ تقوم الشركات التجارية المرتبطة بالسياسة والمقربة من النظام بشراء وسائل الإعلام.ومن ثَمَّ فإن الحكومة تسيطر بشكل متزايد على وسائل الإعلام، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. ففي تركيا، هناك بيئة لم يعد بالإمكان فيها التحدث بشأن مواضيع بحرية، بينما لا يمكن تغطية الموضوعات الأخرى إلا في إطار ما تمليه الحكومة.
فقد أصبح الضغط الاقتصادي المتصاعد على سكان تركيا، هو آخر موضوع من المحرمات التي تضاف إلى القائمة، إذ تقول “أونكر” إن “الأشخاص الحاليون في السلطة لا يرغبون في رؤية أي صحافة، إلا إذا أثنت عليهم”.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، أصبحت الأنظمة القمعية، الموجودة بالفعل، هي الأسوأ؛ فبموجب حالة الطوارئ أقرت الحكومة مرسومًا أسفر عن تشريد العديد من الصحفيين عن العمل أو سجنهم، كما تمَّ إغلاق عددٍ كبير من القنوات التلفزيونية أو إخضاعها لسيطرة الحكومة. وفي عام 2018، وضع مؤشر حرية الصحافة العالمية لمؤسسة “مراسلون بلا حدود” تركيا في المرتبة 157 بين رواندا وكازاخستان.
وتشدد “أونكر” على أهمية التضامن الدولي، إذ يعدُّ من الأهمية بمكان بالنسبة لصحفية في مثل هذا الموقف. وقد تلقت الدعم من مجموعات دولية، وأيضًا من السياسيين مثل عضو البرلمان في الاتحاد الأوروبي “ديفيد كازا”، الذي طلب من المفوضية الأوروبية حث السلطات التركية لإسقاط التهم عن “أونكر”، وقالت إنه بالنسبة للديمقراطيات غير المكتملة مثل تركيا، فإن التضامن من الخارج يمكن أن يشكل ضغطًا على الحكومة.
ويخضع عدد كبير من الصحفيين في تركيا للاستهداف والمراقبة والتضييق إذ لا تعمل كوسيلة للضغط عليهم وترهيبهم، بل إنها تعمل على إعاقتهم عن العمل. وفي بعض الأحيان، يسخر الصحفيون ويتندرون بأنهم يرون بعضهم بعضًا في أروقة دور المحاكم بدلاً من ممارسة عملهم في الميدان. وفي الآونة الأخيرة، تمَّ زج ستة من زملاء “أونكر” بالسجن حيث حُكم عليهم بتهم تتعلق بالإرهاب. وتقول “أونكر” إن عقوبتهم تلك تمثل مهزلة، ذلك أن “الجميع يعلم بأنهم غير مذنبين. ويعرف القضاة، والسياسيون ذلك”. ومع ذلك، لا يزال هؤلاء الصحفيون وراء القضبان. وربَّما لا يزال لدى “أونكر” حريتها، لكنها فقدت وظيفتها.
وإن الصحيفة التي كانت “أونكر” تعمل وتنشر لحسابها، وهي صحيفة “جمهورييت”، قد مرت بتغييرات إدارية مهمة. وأجرت تحولات أيديولوجية لا تتفق مع اتجاهات “أونكر”، فقررت هي والعديد من زملائها مغادرة الصحيفة.
وتعمل الآن صحفية مستقلة لدى موقع “دويتشه فيلا” Deutsche Welleالناطق باللغة الألمانية. وفي عام 2018، أنشأت هيئة الإذاعة الألمانية مكتبًا في إسطنبول كدليل على دعم الصحافة، والمنفذ المحتمل للصحفيين الذين شاهدوا العديد من المنافذ الأخرى مغلقة أو مقيدة. ونظرًا لتقريرها عن مخططات التهرب الضريبي لدى الأفراد الذين يتمتعون بالقوة والنفوذ في الداخل التركي، لم يعد بإمكان “أونكر” العمل في وسائل الإعلام التركية الرئيسية؛ ذلك أن الخيار الوحيد الذي بقي أمامها وأمام العديد من زملائها هو العمل غير المستقر كمراسل مستقل، والكتابة لدى المنافذ القليلة المتبقية في تركيا أو وسائل الإعلام الدولية التي تتخذ من تركيا مقرًا لها. ورغم ذلك، فإن “أونكر” ترغب في القيام بعملها بشكل جيد ومواصلة البحث عن المصلحة العامة. وتقول “أونكر” إنه “ربَّما يمكن إرسالي خلف القضبان لفترة من الوقت، لكن من المهم بالنسبة لي ألا يتم سجن معتقداتي”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: لجنة هولندا هيليسينكي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر