سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Andy Mukherjee
قبل أن تسلِّم عباءة العملة المشكوك فيها من حيث أسوأ أداء في العالم إلى الروبل الروسي، فقدت الليرة التركية 44% من قيمتها مقابل الدولار في عام واحد. كذلك، تضاءلت قوتها الشرائية في تركيا، إذ أنه وبغض النظر عن دقة الإحصاءات الرسمية أو التقديرات الخاصة، فإن التضخم في تركيا يتراوح بين 54% إلى 124%.
أمام هذا الوضع، ماذا كان رد فعل السكان المحليين؟ يأتي الجواب من جهة المتمرسين في مجال تكنولوجيا المعلومات، بأنهم سلكوا طريقهم نحو العملات المشفرة.
على الصعيد العالمي، من بين كل العملات التي تم تبادلها مقابل عملات مستقرة –رموز البلوكتشين التي تضمن التحويل إلى أصول حقيقية بنسبة 100% (معظمها بالدولار الأمريكي)- قفزت حصة الليرة إلى 26% في نهاية العام الماضي، من 0.3% في يناير 2020، وفقاً لباحثين في بنك التسويات الدولية.
تمثل حصة 26% نسبة مرتفعة وغير عادية، إذا أخذنا في الاعتبار أن العملة التركية لا تشكل سوى 0.5% من سوق العملات الأجنبية في العالم.
في العادة، تتجه المجتمعات التي تفتقر إلى وسيلة تبادل مقبولة لبائعي السلع والخدمات والأصول، إلى حيازة الدولار بشكل غير رسمي أو ما يسمى “الدولرة”، حيث تحل العملة الأمريكية مكان العملة الوطنية في المعاملات اليومية.
قبل أن تحظر إندونيسيا استخدام العملات الأجنبية في المعاملات المحلية في عام 2015، كان خُمس الأبراج المكتبية في جاكرتا يتم تأجيره بالدولار.
لكن إذا كان الدولار يمثل عائقاً أمام الدول ذات السيادة للتحكم الكامل بسياستها النقدية، فإن الاتجاه إلى “التشفير” ربما يمثل تحدياً أكبر: “اعتماد أحد الأصول المشفرة باعتبارها عملة وطنية رئيسية، ينطوي على مخاطر كبيرة، وهو طريق مختصر غير مستحسن”، حسبما قال صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2021، بعد فترة وجيزة من اعتماد السلفادور “بتكوين” عملة قانونية.
الحالة الروسية
قد تكون السلفادور حالة فردية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا، نتيجة لسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان الاقتصادية غير التقليدية. إلا أن روسيا، زادت حدة المخاطر.
ربما تكون العقوبات القاسية المفروضة على الاقتصاد الروسي الذي يحتل المرتبة الحادية عشرة بين اقتصادات العالم، بسبب غزو أوكرانيا، بمثابة حافز كبير للاتجاه نحو العملات المشفرة. يُظهر التداول المقوم بالروبل على “تيذر”، وهي عملة مستقرة مدعومة بالدولار، تراكماً هائلاً في الحجم، وفقاً لـشركة “كايكو” (Kaiko) لتحليل بيانات “بلوكتشين”.
يقول ويليام جي، الرئيس التنفيذي لشركة “هاميلتون إنفستمنت مانجمنت” (Hamilton Investment Management): “عندما يتأثر النظام المصرفي، سواء من خلال العقوبات المالية أو الحرب، سوف يندفع الأفراد إلى العملات المشفرة لحماية أصولهم والمحافظة على السيولة”.
أسس جي “هيمالايا اكستشينغ” (Himalaya Exchange)، وهي بورصة للعملات المشفرة أطلقت رمزها المتداول، “هيمالايا كوين” (Himalaya Coin) ، العام الماضي، وتبلغ قيمتها السوقية حالياً 43 مليار دولار.
يقول جي:” أصبح الروس نشيطين للغاية في سوق العملات المشفرة”.
مخاطر استخدام الرموز
من شأن استخدام الرموز على نطاق واسع، أن يحرم الأنظمة المصرفية من الودائع. قد تتضرر الإيرادات الضريبية، حيث تتفادى معاملات العملات الرقمية، هيئات الرقابة المالية.
يعني تراجع تداول الأموال بصورة رسمية، انخفاض إيرادات سك العملة -الربح الذي تجنيه السلطة النقدية من الأصول التي تشتريها عن طريق إصدار نقود منخفضة التكلفة ومطلوبات تشبه النقد.
نظراً لأن البنك المركزي يمكنه فقط طباعة العملة الوطنية، فإنه لا يمكنه إصلاح النقص في سيولة العملات المشفرة، وبالتالي قد يتعرض الاستقرار المالي للخطر.
كونها منفذاً أو بوابة لتدفقات رأس المال للخارج، قد تؤدي الأصول الرقمية إلى تضخيم تقلبات أسعار الصرف.
في المقام الأول، يمثل الاتجاه نحو العملات المشفرة، خطراً على النظام المالي الحالي، حيث تكون مهمة البنوك منع السيولة وخدمات تخزين القيمة عن أولئك الأشخاص الذين تسعى واشنطن إلى معاقبتهم.
من خلال العمل خارج النظام المصرفي، يمكن أن تؤدي العملات المعدنية الموجودة في السجلات اللامركزية إلى إضعاف قوة الولايات المتحدة في وضع السياسات.
أداة تحايل
الأصول الرقمية، كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن في أمره التنفيذي الصادر في 9 مارس، يمكن استخدامها “كأداة للتحايل على أنظمة العقوبات المالية الأمريكية والأجنبية”. “حتى إنها قد تتجنب التدقيق في التبادلات المركزية عن طريق تغيير الأيدي في معاملات نظير إلى نظير”.
يقول جي: “هناك مخاوف حقيقية من إمكانية استخدام العملات المشفرة في أنشطة غير قانونية أو للتغلب على العقوبات.. منصات نظير إلى نظير هي طريقة شائعة لذلك”.
مع ذلك، إذا عملت الجهات التنظيمية بشكل وثيق معاً، وقدمت إرشادات واضحة ومنسقة لمشغلي التشفير، فيمكن أيضاً حل المشكلة بسهولة.
قد يكون أحد هذه المتطلبات، هو اتباع قواعد “اعرف عميلك” (know your customer)، لتهيئة دخول الأعضاء إلى مكان التداول.
يقول جي: “لا يهم ما إذا كان تحويل من نظير إلى نظير أو قنوات دردشة، عليك التسجيل بتقديم تفاصيل كاملة”.
إذا كانت القوى تتماشى لصالح تبني العملات المشفرة، فلماذا لا تعكس الأسعار ذلك؟ في حين أن “بتكوين” ربما تم بيعها في البداية جنباً إلى جنب مع الأصول الأخرى المحفوفة بالمخاطر، فإن عدد عناوين “بتكوين” غير الصفرية قد تجاوز 40 مليوناً إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، كما يشير جيمي دوغلاس كوتس، المحلل في “بلومبرغ إنتليجنس”.
يقول كوتس: “إن بتكوين مهيأة للارتفاع بمجرد أن تهدأ قوى الاقتصاد الكلي”، مضيفاً أن عدد المحافظ التي اشترت ولم تبع عملات “بتكوين” الخاصة بها، “يستمر في الوصول إلى مستويات عالية جديدة، ويحقق زيادة بنسبة 20% على مدار 12 شهراً، وقد تسارع في الأسابيع الأخيرة”.
يظهر مصطلح “التمسك بالحياة العزيزة” الشائع بين متداولي العملات المشفرة، (Holding On for Dear Life) أو (HODLers)، قناعة أكبر مما كان عليه الأمر في الأسواق الهابطة السابقة.
الاهتمام مستمر
يتدفق المزيد من أموال المؤسسات إلى ساحة العملات المشفرة.
يقول جاي إي هاميلتون، الرئيس السابق لأسواق رأس المال في الصين الكبرى لدى “ماكواري غروب”: “لقد تحدثت إلى العديد من مديري الأصول وبنوك الاستثمار، وبدأ كل واحد منهم الاستثمار في العملات المشفرة أو يدرس” هذا المجال.
يقول: “سواء أعجبك ذلك أم لا”، فإن سوق العملات المشفرة “ستستمر في التواجد والتوسع”.
بمجرد اعتمادها على نطاق واسع كوسيلة للدفع، فإن أي مشكلات تتعلق بالأصول الرقمية -مثل تعطل عملة مستقرة أو انهيار في سعر رمز متقلب- يمكن أن تمتد إلى أنظمة الدفع وتؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي الحقيقي، وفقاً لدراسة بنك التسويات الدولية.
يقول الباحثون إن المخاطر تتفاقم بسبب “عدم معرفة المجهول”، في إشارة إلى المخاطر غير المتوقعة، بسبب الافتقار إلى الشفافية حول ملكية العملات.
الحجج القائلة إن “بتكوين” متقلبة للغاية، وإنه لهذا السبب لا يمكن أن تكون نقوداً يوماً بعد يوم -أو أن الأحجام في بورصات نظير مقابل نظير ضحلة جداً، بحيث لا تدعم اعتماد الرموز بشكل جماعي- صالحة في الأوقات العادية.
قواعد اللعبة
لا يحتاج الأفراد إلى بديل يائس عندما يكون نظامهم المصرفي متصلاً بمجموعة هائلة من السيولة العالمية، وتكون عملتهم مدعومة من جانب سلطة نقدية تتمتع بوصول غير مقيد إلى احتياطيات وفيرة من العملات الأجنبية. لكن عندما لا ينطبق أي من الشرطين، تتغير قواعد اللعبة، كما قد يحدث في روسيا.
تسبب إضفاء الطابع العسكري على الدولار وشبكة “سويفت” (SWIFT) لتسوية المدفوعات الدولية، في إحداث صدمة في جميع أنحاء العالم. قد يكون الرد على نطاق واسع هو الاتجاه نحو العملات المشفرة.
إن الضغوط التي كانت تخشاها السلطات على السيادة النقدية من جانب خطة “ميتا بلاتفورمز” (Meta Platforms) لدعم عملة “ليبرا” المستقرة، عادت وبقوة، رغم أن هذا المشروع -الذي أعيدت تسميته باسم “دييم”- قد توقف. يجب أن نأخذ التهديد على محمل الجد.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر