حديث وزير المالية السعودي في ظل أزمة كورونا | مركز سمت للدراسات

حديث وزير المالية.. “صدمة إيرادات” وشد حزام وومضة آمل آخر النفق

التاريخ والوقت : الأحد, 3 مايو 2020

حبيب الشمري

 

من بين عشرات الأخبار العاجلة التي تسيطر على القنوات الفضائية والتي جلها عن جائحة العصر “كورونا”، كان حديث وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، مساء السبت، بمثابة “الترند العالمي”، وحديث الصحافة والتحليلات الفضائية.

أهمية اللقاء النادر، الذي استمر أقل من 30 دقيقة على شاشة قناة العربية تأتي من كون المتحدث هو وزير مالية أحد أهم الدول في العالم، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، في وقت يشل الإغلاق الكبير كل قطاعات الاقتصاد في العالم بسبب الجائحة التي لم تبقِ ولم تذر من القطاعات الاقتصادية، ومن الأرواح التي ناهزت الربع مليون في غضون 90 يومًا، ولا شك أن خسارة الأرواح هي الخسارة الكبرى للعالم أجمع.

 كما يأتي الحوار بينما تجوب ناقلات النفط الضخمة المحيطات، بحثًا عن مشتر غائب، وسط تبخر 30 مليون برميل من الطلب العالمي على البترول، وهو ما يعني مباشرة تراجع إيرادات الدول المصدرة للبترول وفي مقدمتها المملكة، في وقت تسجيل أسعار البترول أرقامًا في خانة العشرينات.

كان الحديث صريحًا ومباشرًا، والوزير يتوقع السيناريو الأسوأ من الظروف المالية في حال لم تتم على السيطرة على الجائحة عالميًا من الناحية الصحية تحديدًا. ولا شك أن الشفافية التي كان عليها الوزير الجدعان تنطلق من سياسة سعودية عكسها بوضوح الخطاب الملكي لخادم الحرمين الشريفين قبل أقل من شهر وهو يصارح شعبه بأن الوضع يتطلب المكاشفة، نظرًا لخطورته وتأثيره على كافة مناحي الحياة، وخاصة إعاقة العملية الاقتصادية.

لقد استبق الوزير المحللين الماليين والمراقبين للإشارة إلى حتمية ظهور الأثر المالي الجائحة خلال الربع الثاني من العام الجاري، وقد يمتد للربعين الأخيرين من العام، إذ إن ميزانية الربع الأول – التي أعلنت الأسبوع الماضي – لم تظهر الخطورة الحقيقية للوضع؛ لأن الجائحة لم تشتد إلا مع نهاية الشهر الثالث (الأخير في الربع الأول). بيد أن ما كان مُطمئنًا هو تأكيد الجدعان على أن الدولة ملتزمة فيما يتعلق بالمالية العامة بالاستدامة، وتقليص النفقات والنظر حاليًا فيما يمكن عمله للحد من مستوى العجز، وأن لديها ما يكفي من القوة المالية (الاحتياطيات والاقتراض) لمواجهة هذه الأزمة حتى لو طالت، لكن بكل تأكيد فإن هذه الخيارات ستكون مكلفة وصعبة دون شك.

النقطة الثانية في حديث الوزير إشارته إلى أن الحكومة رغم قرارها بخفض جزء الإنفاق، إلا أنها ترى أن ذلك لا يكفي لسد العجز بين الإيرادات والمصروفات؛ لذلك قررت الاستدانة بأكثر مما هو مخطط له بأكثر من 100 مليار ريال (كما مخطط استدانة 120 مليار ريال من خلال إصدار سندات دين)، واتخاذ إجراءات صارمة تتمثل في النظر في قائمة النفقات في الميزانية واختيار الأقل ضررًا والأكثر أثرًا لصالح الاقتصاد، والمواطنين والخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، وذلك لمواجهة ما أسماه الوزير “صدمة الإيرادات”.

وأعتقد أن استخدم مصطلح (صدمة الإيرادات) جاء معبرًا ومهمًا، إذ إن له دلالاته من أكثر من زاوية. فمصدر الإيرادات الأول للدولة (البترول) يتعرض لضغط كبير بعد أن انهارت الأسعار، بينما الجزء الآخر من الإيرادات غير البترولية المتعلق بالضرائب والرسوم يتقلص بسبب الإغلاق الكبير محليًا ودوليًا، وهذا يعني أن الحلول تنحصر في اللجوء إلى أسواق الدين (إصدار السندات) لتغطية العجز المالي بالدرجة الأولى، وفي درجة أقل استخدام بعض الموارد الأخرى المتعلقة بعوائد الاستثمارات المختلفة، مع ضرورة تقليل السحب من الاحتياطي العام للدولة لأدنى نطاق للمحافظة على الوضع الائتماني وتفادي ارتفاع تكلفة الدين. هنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة تحرص على الحد من ارتفاع تكلفة الدين، نظرًا لأن أثر ارتفاعه يتجاوز الاقتراض الحكومي إلى رفع التكلفة على قروض القطاع الخاص والمواطنين، سواء في القروض العقارية أو الاستهلاكية؛ لذلك فإن المالية تنظر لهذا الأمر من أكثر من زاوية، ولذلك شدد الوزير على أهمية الحزم في إدارة المالية العامة “لنتمكن من الاستمرار لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين في حال استمرت هذه الأزمة”.

حديث الوزير تطرق إلى البنود التي يمكن أن تتعرض للخفض المتوقع، حيث لم يتردد في التأكيد على استهداف المصروفات الخاصة بالمشاريع، سواء الكبرى أو بعض برامج تحقيق الرؤية، وتخفيض الإنفاق على نفقات السفر الحكومي والانتدابات والمكافآت، والنظر في بنود أخرى طالما أنها لا تمس الخدمات الأساسية للمواطنين. وفي كل الأحوال، فإن ما يحدد هذه البنود هو معيار العائد اقتصادي لها حاليًا بسبب ظروف الإغلاق، ففي ظل انعدام هذا العائد تبدو عليه تأجيل هذه البنود ضروريًا جدًا.

ومن المهم هنا رصد التحديات التي أشار لها الوزير في حديثه، إذ تطرق إلى أن التحديات على الاقتصاد وعلى المالية العامة كبيرة جدًا، وتأكيده على أن “العالم والمملكة على الصعيد الاقتصادي لن يعود بعد أزمة كورونا كما كان قبلها”، وهو بذلك يشير إلى التغييرات التي ستطرأ على كثير من الأنشطة الاقتصادية وسلاسل الإمداد التي ظهرت أثناء الأزمة، والتي لها انعكاس سواء على أسعار الخدمات أو السلع. وبالتالي، فإنه يمكن أن يتم العمل على توطين بعض الصناعات المهمة، وإعادة النظر في أخرى، مع ما يترتب على ذلك من تغييرات على صعيد الأسعار أو الوظائف. وبالتالي، فإن من الأهمية بمكان توجيه إمكانيات الإنتاج بما يتوافق مع التطورات الأخيرة.

ولعل في الإشارة إلى اعتماد الاقتصاد السعودي بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، ما يمكن تفسيره بأهمية التوجه نحو تسريع برامج التخصيص، وتخفيف الأعباء على المالية العامة، لتتمكن من دعم الاقتصاد في السنوات المقبلة، لكن ذلك – دون شك – يحتاج إلى اختيار توقيت مناسب يعكس قيمة الأصول التي سيتم طرحها للقطاع الخاص.

بارقة الأمل وسط هذه الظروف، إشارة الوزير إلى أن مثل هذه الأزمات تخلق فرصًا للاستثمار، بالنظر لانخفاض قيمة (أسهم) كثير من الشركات والاستثمارات العالمية، وبالتالي فهي تشكل فرصًا يمكن الاستثمار فيها، وتحقيق عوائد مالية يمكن أن تكون مناسبة لتغطية العجز في الميزانية في السنوات المقبلة، وهذا الأمر تعكسه بقوة انطلاقة صندوق الاستثمارات العامة لاقتناص فرص استثمارية مهمة في الأسواق العالمية، إذ سيطر حتى الآن على خمس فرص بترولية وسياحية ورياضية. ولعل ما يؤكد ذلك قول الوزير أن فرقًا متخصصة تراقب حاليًا عدة تحديات لحصر الفرص التي يمكن استغلالها (استثمارها).

علينا دائمًا أن نتذكر أن التحديات الصعبة هي التي تختبر الدول، والسعودية على مدى تاريخها مرت بتحديات قاسية، سواء مالية أو غيرها، وتجاوزتها بحصافة، وبتكاتف قيادتها وشعبها الوفي. لذلك، فإن الثقة بتجاوز هذه الأزمة قوية جدًا، فضلاً عن قدرة الدولة الفتية – بإذن الله – على تحويل تحدياتها الآنية والمستقبلية إلى فرص يجني ثمارها الوطن أجمع.

 

كاتب وصحفي سعودي*

@habeebalshammry

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر