حدود الصداقة “اللامحدودة” بين روسيا والصين | مركز سمت للدراسات

حدود الصداقة “اللامحدودة” بين روسيا والصين

التاريخ والوقت : الأحد, 3 أبريل 2022

آنا كيريفا

عُقد مؤتمر القمة في أوائل فبراير بين الرئيس الروسي” فلاديمير بوتين” ونظيره الصيني “شي جين بينغ” خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022 في خضم أزمة أخرى بشأن علاقات روسيا مع الغرب. وكان لم يلتق “بوتين” و”شي” منذ بداية انتشار وباء “كوفيد -19″، ولكن أظهر هذا الاجتماع رغبة الطرفين المشتركة في تعميق التعاون بينهما، وكانت أهم النقاط التي تحدثا بشأنها تتعلق بالجغرافيا السياسية والطاقة، وأبدت الصين تفهمًا قويًا لمخاوف روسيا الأمنية بشأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولكن لم تكن هناك تطورات جوهرية. 

أعربت الصين عن تأييدها لسياسة موسكو تجاه حلف الناتو والغرب، ويرجع ذلك في الأساس إلى المخاوف المشتركة بشأن السياسة الأميركية. وأعلن البيان الروسي الصيني المشترك أن العلاقة تتجاوز مجرد تحالف وأنه لا توجد أي مجالات محظورة للتعاون. وأظهرت الدولتان دعمًا دبلوماسيًا وسياسيًا لبعضهما البعض لتعزيز موقفهما الدولي على خلفية الديناميكيات الدولية والإقليمية المضطربة. بشكلٍ عام، كان مؤتمر القمة هذا مؤشرًا جيدًا على نمو الاتفاق بين موسكو وبكين، ولكنه فشل في إحداث تغيير جذري في العلاقة.

إن خطاب معارضة التحالفات العسكرية، والكتل والمؤسسات الحصرية، والقواعد والمعايير التي حددتها نخبة مختارة، فضلاً عن الدرع الصاروخي الأميركي، لم يكن بالأمر الجديد بالنسبة للتصريحات المشتركة بين روسيا والصين، ناهيك عن النقد الصريح للولايات المتحدة باعتبارها قوة مهيمنة ولاستراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ. وباتباع هذا المنطق، فإنه ليس من المفاجئ إعراب موسكو وبكين عن قلقهما بشأن اتفاقية أوكوس، التي يرون أنها لا تؤدي إلا إلى تفاقم وضع الأمن الإقليمي، وخلق سباق التسلح ومخاطر جدية حول نظام الحد من انتشار الأسلحة النووية.

كذلك تضمن البيان المشترك إشارة واضحة إلى الدعم الروسي لسياسة “الصين الواحدة”، مشيرًا إلى أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين. لكن هذا الموقف له سابقة تعود إلى الإعلانات المشتركة في التسعينيات ومعاهدة حسن الجوار والتعاون الودي عام 2001. 

ما كان جديدًا حقًا هو دعم الصين لموقف روسيا ضد سياسة حلف الناتو التوسعية. إذ جاء في البيان أن الصين تحترم وتدعم مقترحات روسيا بشأن حصولها على ضمانات أمنية طويلة الأجل ملزمة قانونًا في أوروبا، في إشارة واضحة إلى الوثيقة التي سلمتها روسيا إلى الولايات المتحدة وأوروبا في ديسمبر 2021. ولكن على الرغم من أن القيام بمثل هذه الخطوة من القيادة الصينية تشير بوضوح إلى مستوى أعلى من الدعم الدبلوماسي لموسكو، فإنه من غير المرجح أن تتطور إلى أي شيء أعمق.

نظرًا لأن كلاً من موسكو وبكين يشعران بضغط الغرب، فإنهما يميلان إلى أن يكونا أكثر دعمًا لبعضهما البعض. ومع ذلك، فإن هذا الدعم لا يرقى للتحول إلى علاقة أكثر رسمية. 

فبدلاً من الدخول في تحالف عسكري كامل، يبدو أنه من المرجح أن تقوم موسكو وبكين بتطوير تعاونهما الأمني وتحسين قابلية التشغيل البيني دون أي التزامات رسمية. لأن روسيا لا ترغب في الانخراط في صراعات الصين العديدة في آسيا وتفضل الحفاظ على موقف محايد. وينطبق الشيء نفسه بالنسبة للصين فيما يتعلق بصراعات روسيا مع حلف الناتو، إذ إن بكين تُقدر تعاونها الاقتصادي مع أوروبا والولايات المتحدة وليس لديها أي رغبة في التورط في الصراع ضد أوكرانيا.

تضع الأزمة العسكرية في أوكرانيا الصين في موقف حرج حيث تحاول تجنب تأييد أو إدانة تصرفات موسكو من خلال تسليط الضوء على الحل السلمي، والامتناع عن انتقاد روسيا أو وصف أفعالها بأنها غزو. كما أنها تعارض العقوبات الغربية وتلقي باللوم على الولايات المتحدة لفشلها في تنفيذ اتفاقيات “مينسك”. تمثل هذه التصريحات تفهم الصين لتصرفات روسيا، ولكنها ليست علامات على الدعم المباشر أو أي شيء آخر غير النوايا الدبلوماسية الحسنة. يبقى أن نرى مقدار الدعم الاقتصادي الذي ستكون الصين على استعداد لتقديمه لروسيا وكيف ستتعامل مع الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية بالنظر إلى الأهمية الأكبر لتعاونها الاقتصادي مع الغرب وتحدي العقوبات الثانوية التي يفضل تجنبها. من ناحيةٍ أخرى، هناك رأي مفاده أنه مع تزايد عدد الشركات الصينية المستهدفة بالعقوبات الأميركية، قد تكون الصين أكثر ارتياحًا للتعاون مع روسيا، حيث تنوي استيراد المزيد من الموارد الطبيعية وتصدير سلعها المصنعة لملء السوق الذي أخلته الشركات الأوروبية والأميركية. 

لا ينبغي إغفال المذكرة الاقتصادية للزيارة، التي تحتوي على اتفاقيتين متعلقتين بالطاقة؛ حيث تنص الاتفاقية الأولى بين شركة روسنفت ومؤسسة البترول الوطنية الصينية على قيام روسيا بتصدير 100 مليون طن من النفط على مدى السنوات العشر المقبلة عبر كازاخستان، إذ سيعالَج النفط في شمال غرب الصين. وتركز الاتفاقية الثانية بين شركة غازبروم ومؤسسة البترول الوطنية الصينية على تصدير روسيا 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي من الشرق الأقصى الروسي. وجنبًا إلى جنب مع خط أنابيب الغاز في سيبيريا، سيصل إجمالي صادرات الغاز الطبيعي إلى 48 مليار متر مكعب سنويًا. 

تلك الاتفاقيات نتيجة مفاوضات طويلة الأمد تعكس علاقة شراكة طاقة موسعة وسياسة روسيا لتنويع صادراتها لجعل آسيا واحدة من عملائها الرئيسيين. إذ يؤدي طلب الصين المتزايد على الطاقة وقربها من روسيا، إلى جعلها شريكًا جيدًا في مجال الطاقة الطبيعية. وفي المقابل، تبدي بكين سعادتها الغامرة بتنويع مصادرها الخاصة من واردات الطاقة، إذ يثبت تصدير النفط والغاز الطبيعي إلى الصين أنه أكثر أهمية بالنسبة لروسيا؛ لأن صادراتها إلى أوروبا لا بدَّ أن تتقلص في أعقاب الصراع العسكري في أوكرانيا. 

وذكر الرئيس “شي” خلال المحادثات أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين في عام 2021 قد بلغ 140 مليار دولار أميركي، وهو رقم قياسي جديد مقارنة بمبلغ 110 مليارات دولار أميركي قبل انتشار الجائحة. إذ يمثل ارتفاعًا بنسبة 35% مقارنة بعام 2020. ولكن على الرغم من هذا الخطاب الإيجابي، لا يزال الطريق طويلاً أمام العلاقات الاقتصادية. 

ففي حين أن اتفاقيتي الطاقة ستساعدان كلا البلدين على تحقيق هدف الوصول إلى 200 مليار دولار أميركي في التجارة بحلول عام 2024، إلا أنهما بالكاد تساعدان في تغيير الطابع غير المتوازن للعلاقات الاقتصادية، كما تأتي الزيادة في حجم التبادل التجاري في عام 2021 في أعقاب ارتفاع أسعار الطاقة. وعلى الرغم من محاولات روسيا “لعدم التعامل بالدولار” خلال التجارة الثنائية، فإن حوالي 30% فقط من المعاملات التجارية تُجرى بالعملات الوطنية، مع حصول اليورو على الحصة الأكبر منها (48% في عام 2021). وتجري حاليًا المعاملات المالية بين البنوك الصينية والبنوك الروسية غير الخاضعة للعقوبات بطريقة منتظمة. وجدير بالذكر أنه على الرغم من هذا كله فإن العقوبات المالية الأميركية والأوروبية وصعوبة تحويل الروبل إلى الدولار والروبل إلى اليورو تزيد من تحفيز البنوك في كل من روسيا والصين على استخدام العملات الوطنية بشكل أكبر من ذي قبل. في النهاية، لن تكون إعادة هيكلة التعاون الاقتصادي وبدء سلاسل القيمة المتقدمة ومشاريع التكنولوجيا الفائقة مهمة سهلة نظرًا للعقوبات الغربية الأخيرة ضد روسيا.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: eastasiaforum

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر