سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماهيما دوجال
تبدو العلاقات الصينية الروسية بداية بمثابة تحالف عملي للشركاء. ومع ذلك، فإن العديد من الحواجز الهيكلية كالحسابات الاقتصادية والأمنية غير المتكافئة، والتحديات الاستثمارية المستمرة، والانحرافات الجيوسياسية الكبيرة، تحد من التعاون الثنائي.
لقد تميزت العلاقات الصينية الروسية تاريخيًا بفترات من التعاون والتنافس السياسي العسكري المرير منذ الحرب الباردة. وفي السنوات الأخيرة، دفعت محاولات الغرب لعزل روسيا بعد قيامها بضم شبه جزيرة القرم البلاد نحو الصين، حيث سعت موسكو إلى موازنة العلاقات المتدهورة مع واشنطن وبروكسل. فسياسات الولايات المتحدة لفرض عقوبات على روسيا إلى جانب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أعطت لهما القوة الموازنة والتصحيحية بجانب الولايات المتحدة. فقد دفعهم نفورهم المشترك من النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة نحو شراكة استراتيجية موضوعية وديناميكية وشاملة لعصر جديد. وأمام العقوبات الغربية التقييدية، بدأت موسكو في توسيع العلاقات التجارية مع الصين، مع التركيز على تصدير المعدات الدفاعية، مما أدى إلى مستوى غير مسبوق من الراحة في العلاقات الصينية الروسية.
التوازن الاقتصادي المنحرف
بينما تتمتع الصين باقتصاد مزدهر، يمكن أن يسجل نموًا (وإن كان بمعدل منخفض) حتى خلال الانكماش الحالي في الاقتصاد العالمي، تواجه روسيا أزمة اقتصادية فاقمها الوباء. وتتمتع الصين اليوم بميزةٍ تنافسيةٍ في السلع ذات القيمة المضافة مثل الأسلحة والتكنولوجيا، وقد حلَّت بالفعل محل روسيا كثاني أكبر منتج للأسلحة في العالم. ومع ازدياد نمو الصين وتطورها في سلسلة التوريد ذات القيمة، من المُحَتَّم أن يتزايد اعتماد روسيا عليها.
وأهم من ذلك، أن بكين هي أكبر شريك تجاري ووجهة تصدير بالنسبة لموسكو. حيث تمثل صادرات روسيا إلى الصين ما يصل إلى 12.4% من إجمالي صادراتها. وفي المقابل، لا تشكل صادرات الصين إلى روسيا سوى 0.8% من إجمالي الصادرات. وبالتالي، فإن مصلحة روسيا الاقتصادية في العلاقة أعلى بكثير من مصالح الصين، التي تقتصر على صادرات النفط والغاز والوصول إلى طرق الشحن التي تسيطر عليها روسيا. فقد سمح الموقف العالمي الضعيف لموسكو لبكين بالتفاوض على صفقات لصالحها. فعلى سبيل المثال، قدَّم مشروع خط أنابيب Power of Siberia الذي تبلغ تكلفته 400 مليار دولار لبكين سعرًا مخفضًا وملكية جزئية للبنية التحتية لخط الأنابيب.
علاوة على ذلك، فقد تدخلت الصين لسد الفجوة التي خلفها انسحاب التمويل الغربي. ذلك أنها قدمت قروضًا بمليارات الدولارات مقابل النفط والشراكة في مشاريع القطب الشمالي، مثل مشروع “يامال إل إن جي” Yamal LNG. جزء من جهود الغرب لعزل روسيا، كما وجدت البلادضروريًا في الصين. وبالتالي، فأي ضررٍ يلحق بعلاقاتهما التجارية قد يمنع موسكو من الوصول إلى أهم أسواقها التصديرية، كما سيكون نتيجة كارثية لروسيا. ومع تنامي التفاوت الاقتصادي، ستكون الصين أكثر قدرة على السيطرة على نفوذ هائل كمشترٍ لا غنى عنه، مما يترك لموسكو خيارات دبلوماسية قليلة لحماية مصالحها في مواجهة بكين.
تحديات الاستثمار
إن تجربة روسيا مع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية (BRI) لم تفِ بتوقعاتها. فبدلاً من بدء فصل جديد في العلاقات الصينية الروسية، فشلت مشروعات “مبادرة الحزام والطريق” ذات المخاطر العالية والمكافآت المنخفضة في تحقيق ما وعدت به وسط تأخيرات وإلغاءات متعددة. فمن بين 200 مشروع تم الإعلان عنها في عام 2009، أحرز تقدم فعلي يقل عن 10%. كما اجتذبت 6 فقط من 20 منطقة اقتصادية خاصة تم إنشاؤها في الشرق الأقصى الاستثمارات الصينية، التي بلغت 38 مليون دولار فقط. لقد منع الحذر الاستراتيجي بين الممولين الروس والصينيين روسيا من تأمين الاستثمارات. وهو ما يشير إلى حد معين لعلاقاتهم الدافئة. ورغم أن موسكو قد تقدم بعض المزايا الاستراتيجية، فإنها لا يمكن أن تكون سوقًا رئيسية أو وجهة استثمارية مربحة أو تقدم ميزة في التقنيات المتقدمة للصين. وبدلاً من التعاون الجوهري والملموس، فإن تعاونهما الاقتصادي في المنطقة ليس أكثر من مجرد مشروع يسعى إلى تحقيق مكانة ما.
ورغم التقارب الاستراتيجي، فإن لروسيا والصين مصالح وطنية متباينة في مناطق أخرى بما في ذلك وسط وشرق آسيا، والشرق الأقصى، وبحر الصين الجنوبي، والقطب الشمالي. وفي الآونة الأخيرة، أعادت الصين معايرة ديناميكيات القوة في آسيا الوسطى. فقد استفادت بكين بعناية من قوتها الاقتصادية لتوسيع نفوذها السياسي. كما عزَّزت الأنشطة في القطب الشمالي، المعقل الاستراتيجي لموسكو تقليديًا، بينما لم تقم روسيا إلا بالقليل نسبيًا لدخول الفناء الخلفي للصين في شرق آسيا ببحر الصين الجنوبي، وقد أضر الضغط الصيني لوقف كافة الأنشطة بالمصالح الروسية، حيث أجبرت الشركات الروسية على تعليق أعمالها المشتركة مع فيتنام. وفي غضون ذلك، أصبح الوجود الصيني في شرق روسيا، الذي يُنظر إليه على أنه توسع إقليمي لها، مصدر استياء في المنطقة. فالصين وروسيا غير متحالفتين مع الهند، حيث ترفض موسكو مطالب بكين بوقف صادرات الأسلحة إلى نيودلهي.
وستظل روسيا قلقة بشأن محادثات الرئيس “شي جين بينغ” حول “تجديد الشباب” الصيني والعودة إلى مجد العصور الوسطى الذي يضع مصالحهم في صراع حتمي. لذلك، لن تكون أي من القوتين على استعداد للتنازل عن مصالحها الوطنية الأساسية وتطلعاتها للنفوذ. بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا لأن العلاقات الصينية الروسية أصبحت غير متوازنة بشكل متزايد، فإن التفاوت في قدراتهما سيدفع موسكو نحو التبعية. ويأتي جزءٌ كبير من سلطة الرئيس “فلاديمير بوتين” من صورة الرجل القوي ووعده باستعادة روسيا كقوة عظمى. وبالتالي يبدو أنه من غير المحتمل أن توافق موسكو على أن تكون شريكًا “صغيرًا” له دور عالمي هامشي. وبدلاً من ذلك، ستسعى إلى تكافؤ القوة، إن لم يكن الهيمنة، في الشراكة. وهو ما سيجعل كلتا الدولتين على أهبة الاستعداد لمستقبل مليء بالاحتكاك. وستضع هذه العوامل قيودًا على التعاون الصيني الروسي.
لذلك، فعلى الرغم من أن التآزر بينهما قد يبدو وكأنه تمرين لتشكيل المحور في ضوء الحرب الباردة الجديدة التي تتطور تدريجيًا، فإن العلاقات الثنائية معرضة بشكل كبير للقيود الاستراتيجية والشكوك.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد السلام والأمن
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر