سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إرنستو زيديلو بونس دي ليون
تعتبر منظمة التجارة العالمية واحدة من أكثر المؤسسات الدولية فاعلية، وذلك بموجب فهمها لتسوية المنازعات، من حيث قواعد السلوك وإجراءات تسوية المنازعات، مما يسمح لها بالتعامل مع النزاعات التجارية وإنفاذ القرارات الصادرة عنها. لهذا السبب، فهي تمثل نموذجًا طموحًا للترتيبات الدولية الأخرى التي لديها قواعد جيدة، لكنها تفتقر إلى أدوات لفرضها.
على الرغم من سجل منظمة التجارة العالمية في تعزيز التجارة العالمية القائمة على القواعد، فقد أكد الرئيس دونالد ترمب هو ومسؤولوه، على الانزعاج من منظمة التجارة العالمية. فقد وصفوها بنفس الشروط، تمامًا كما فعل ترمب من قبل للشراكة عبر المحيط الهادئ و”نافتا”، بأنها “أسوأ صفقة تجارية تمَّ إبرامها على الإطلاق” لدرجة التهديد بانسحاب الولايات المتحدة من المنظمة، وهو إجراء بكل المقاييس سوف تحمل تكلفة عالية بالنسبة للعالم، بما في ذلك الولايات المتحدة.
لسوء الحظ، فإن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى الخروج من منظمة التجارة العالمية لإحداث أضرار جسيمة، لأنها يمكن أن تفعل ذلك بالضبط من الداخل عن طريق الاستمرار في منع تعيين أي أعضاء جدد في هيئة الاستئناف، وهي تتضمن سبعة ممثلين يستمعون إلى الطعون في النزاعات التي رفعها أعضاء منظمة التجارة العالمية. ويجب أن يكون لهذه الهيئة المحايدة سبعة قضاة أو أعضاء، وتحتاج إلى ثلاثة على الأقل للبت في الاستئناف. بالنظر إلى أن مدة عضوية اثنين تنتهي في ديسمبر، وإذا استمر الحصار الأميركي، فستتوقف محكمة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية عن العمل، مما يؤدي إلى انهيار قدرة المنظمة على حل النزاعات منذ إنشائها.
وكما هو الحال في كل مؤسسة متعددة الأطراف تقريبًا، فإن هناك حاجةً ماسةً للإصلاح في منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك نظام حل النزاعات لديها. ومع ذلك، فإن الشكاوى الأميركية مع منظمة التجارة العالمية ونظامها المتفق عليه، لا تنبع من هدف جعلها أداة أفضل متعددة الأطراف. وكما هو الحال في الجوانب الأخرى لسياساتها التجارية، فإن اعتداء حكومة ترمب على هيئة الاستئناف يستند إلى أسسٍ خاطئةٍ. فعلى سبيل المثال، أعرب الرئيس ترمب نفسه مرارًا عن إنشاء منظمة التجارة العالمية لصالح الجميع باستثناء الولايات المتحدة، وأن بلده يفقد جميع الدعاوى القضائية تقريبًا، وأن النظام كان رائعًا بالنسبة للصين. لكن هذه الآراء لا أساس لها من الصحة. فلم يقدم أي تحليل جدي دليلاً على التحيز ضد الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة هي المستخدم الأكثر شيوعًا لنظام التسوية في منظمة التجارة العالمية، حيث جمعت عددًا من الحالات أكثر من الصين والاتحاد الأوروبي مجتمعين، كما أن الولايات المتحدة لديها نسبة أعلى من الانتصارات مقارنة بأصحاب الشكوى الآخرين. إضافة إلى ذلك، فقد حقَّقَت الولايات المتحدة أداءً جيدًا، ليس فقط في القضايا التي رفعتها ضد الصين، ولكن أيضًا في القضايا المرفوعة من الصين ضد الولايات المتحدة.
إن ما يزعج المسؤولين الأميركيين تقليديًا، يكمن في فقدان القضايا المرفوعة ضد إجراءات العلاج التجاري الأميركية، بما في ذلك رسوم مكافحة الإغراق والرسوم التعويضية. ولكن كما يشرح الخبراء الكبار، فإن الشكاوى ضد إجراءات العلاج التجاري الأميركي ناتجة عن الاستخدام العدواني للبلاد لتلك الأعمال التي تنتهك بوضوحٍ القواعد التي وافقت عليها الولايات المتحدة قبل كل شيء.
وفي الواقع، أعربت الولايات المتحدة أيضًا عن مخاوف حقيقية بشأن النظام الذي ينبغي معالجته من خلال إصلاحٍ جديٍّ وشامل للآلية. وبشكل معقول، قدَّمت مجموعة من أعضاء منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين، اقتراحًا لإصلاح القواعد من أجل معالجة التعامل مع المخاوف الأميركية المشروعة. ولسوء الحظ، لم يتأثر ممثلو الولايات المتحدة بمبادرة حسن النية لأقرانهم في منظمة التجارة العالمية، حيث يبقون في حالة تمرد على التعيينات الجديدة.
بصرف النظر عن ذلك، يبدو أن هدف حكومة الولايات المتحدة في عام 2019 أكبر من مجرد تجنب فقدان الدعاوى ضد إجراءات علاج التجارة. إنهم يحاولون إغلاق دائرة الإفلات من العقاب بإحكامٍ على الاعتداءات التجارية الأحادية الجانب التي فرضتها البلاد على شركائها التجاريين. ومن المرجح أن تكون الحروب التجارية التي أشعلتها تصرفات الولايات المتحدة، إذا كانت خاضعة لإجراءات التقاضي السليمة لمنظمة التجارة العالمية، غير قانونية، لكن هذا الحكم لن يحدث ببساطة؛ لأن الآلية المكلفة بالقرار تفتقر إلى النصاب القانوني ولن تكون موجودة. بعد ذلك، ستكون المفاوضات الثنائية لتسوية النزاعات التجارية هي الوسيلة الوحيدة المناسبة، مع ما يترتب على ذلك من مضاعفة الحروب التجارية الباهظة التكلفة، إذ يمكن أن تتفاعل الدول بشكل أكبر مع أحادية الجانب الأميركي من جانبها، كما حدث بالفعل استجابة لبعض التعريفات الأميركية المشكوك فيها.
يجب أن تمثل مهمة منع انهيار هيئة الاستئناف أولويةً قصوى لجميع أعضاء منظمة التجارة العالمية لمصلحتهم الوطنية، بما في ذلك الولايات المتحدة. فقد منعت حكومة الولايات المتحدة تعيين أعضاء جدد من خلال التذرع بالمادة 2.4 من مذكرة التفاهم الخاصة بتسوية المنازعات، والتي تشير إلى أن القرارات يجب أن تتم بالإجماع، وهو حكم في نظر ممثلي الولايات المتحدة يمنحهم حق النقض (الفيتو). لكن هذا التفسير يبدو خاطئًا تمامًا وفقًا لرأي خبراء قانونيين عِظَام.
فجميع أعضاء منظمة التجارة العالمية يتحملون المسؤولية الجماعية عن إدارة قواعد وإجراءات إطار النزاع في ظل غياب الإجراء العادي لملء الفراغات التي تمنعها الولايات المتحدة حاليًا، حيث يجب عليهم تعيين قضاة جدد لضمان استمرار هيئة الاستئناف للعمل. كما لا يوجد شيء يمنع الأعضاء من الاعتماد على إجراء التصويت للوفاء بالتزاماتهم الجماعية للحفاظ على آلية تسوية المنازعات تعمل بكامل طاقتها. فمعاهدة منظمة التجارة العالمية تنص على أنه في حالة وجود تعارض بين أحد أحكام اتفاقية منظمة التجارة العالمية واتفاقية تجارية متعددة الأطراف فرعية، مثل حكم النزاعات، يسود الحكم الوارد في اتفاق منظمة التجارة العالمية. فالمادة التاسعة من اتفاقية منظمة التجارة العالمية تسمح بالتصويت، إذ يمكن الاحتجاج بها إذا رغب ثلاثة أرباع أعضاء منظمة التجارة العالمية في ذلك. وبالتالي، فإن التصويت على الموافقة على تعيينات جديدة في محكمة الاستئناف إنما هو أمر ممكن. فمجموعة الدول التي تقدمت باقتراح جاد لإصلاح التفاهم ستكون من المؤيدين الموثوقين لمبادرة تصويت الأغلبية لتحل محل الفراغات الموجودة.
فمن المفترض أن عدم إجراء تصويت على هذا المنوال، يعدُّ خوفًا من أنه سيصبح أيضًا بمثابة القشة التي تكسر ظهر البعير، مما يوفر للولايات المتحدة ذريعةً لمغادرة منظمة التجارة العالمية، وهو ما يعدُّ قرارًا مؤسفًا ومكلفًا كما هو مذكور. ومع ذلك، ينبغي تقييم هذا السيناريو المؤسف ليس من خلال الطرق المعتادة، ولكن فيما يتعلق بواحدةٍ من منظمة التجارة العالمية التي تعاني من خللٍ وظيفيٍ تامٍ وإمكانية فرض قدرتها على التنفيذ. وبالتالي، ينبغي أن يكون الحفاظ على أن تظل منظمة التجارة العالمية ذات أولوية قصوى، ليس فقط بسبب قيمة المؤسسة المعنية بالرخاء العالمي، ولكن أيضًا لأنه من الضروري تحديد الخط في الضغوط غير المسبوقة التي يتعرض لها النظام الدولي القائم على القواعد التي حسمتها الولايات المتحدة مسبقًا.
فمن نزع السلاح النووي وعدم الانتشار إلى التخفيف من تغير المناخ وتنظيم التجارة العالمية، يتعرض هذا النظام للهجوم. ومن المفارقات أنه البلد الذي ساهم في تصميمه وبنائه واستفاد منه بشكل كبير. هكذا، فإن إبقاء منظمة التجارة العالمية على قيد الحياة وبصحةٍ جيدةٍ قد يكون السبيل لإخبار الولايات المتحدة بما يكفي.
فالولايات المتحد لن تتخلى عن دورها القيادي التقليدي في الحكم العالمي كما يزعم البعض. وفي الواقع، فإن ما تسعى إليه إدارة ترمب هو إعادة تأكيد القيادة الأميركية في نظامٍ يعتمد حصريًا على القوة، وليس على القواعد المتفق عليها دوليًا. وهو العالم الذي يعدُّ ذا خطر ورجعي، كما أنه لن يكون جيدًا بالنسبة لأحد.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: ييل جلوبال أون لاين
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر