سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كلاوس كوتزي
تطورت حالة الكوارث في جنوب إفريقيا منذ الإعلان عنها في 15 مارس. بعد الإشادة المحلية والعالمية لنهجها المتجاوب القائم على العلم، فقد تعرضت الحكومة لتدقيق متزايد في دورها نحو القيادة والسيطرة. وبعد الإغلاق الممتد لمدة 35 يومًا، أعلن الرئيس “رامافوسا” عن الاسترخاء المرحلي الذي تضمن بشكل متناقض قيودًا صارمة لم تكن جزءًا من الإغلاق “الصعب”. وللمرة الأولى في تاريخها الديمقراطي، تخضع جنوب إفريقيا لحظر تجول ليلي. في حين أن جائحة كورونا العالمية قد تكون أمرًا جديدًا، إذ يبدو رد الحكومة مألوفًا جدًا. وقد تختلف الأمور حسب الظروف، ولفهم الحاضر ينبغي النظر إلى الماضي.
منذ عام 1994، التزمت جنوب إفريقيا بالنظام الدولي الذي ساد بعد الحرب الباردة لتمهيد طريقها وفق المعايير الليبرالية الغربية. فقد تولى حزب التحرير المنتخب حديثًا سلطة الحكومة في وقت لم يكن أمامه خيار سوى الانضمام إلى هذه الحقائق الدولية السائدة. ويمكن أن يقف إمَّا آمنًا داخل تراتبية عالمية للدول تضمن الثروة والامتياز على أساس القواعد وخطوط التفكير المكلفة، أو الاتجاه نحو الخطر.
واستنادًا إلى الممارسات الدولية المهيمنة، وبسبب مظالم وتقلبات ماضي البلد الوحشي، سعى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى إنقاذ الدولة التي ورثها وفقًا للنظام الدولي؛ فقد تخلت عن عنصر الاستقلال السيادي، واختارت إعادة تشكيل استراتيجيتها الثورية، وأصبحت ضحية وقتها من خلال الرضوخ لرؤية “نهاية التاريخ” الخيالية. وقد اختارت جنوب إفريقيا الحكم غير المباشر على الحكومة المباشرة.
إذ يتجسد هذا النهج للسلطة في عقيدة “الحكم الرشيد”، والتوافق مع مجموعة من المؤشرات المحددة لأفضل الممارسات الإدارية؛ وهو نهج إداري للسلطة السياسية. فالحكم الجيد لا يختبر خصوصياته. وبدلاً من ذلك، فإنه يستوفي معايير محددة. وبعد ذلك، تولى تحالف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي القيادة من خلال اتباعه.
ومن خلال الجهود الرامية إلى تعزيز المثل الديمقراطية القائمة على الحقوق التي تعبر عن الدستور، سعت إلى التنمية وفق قواعد الحوكمة الدولية. إن المرحلة الأولية التأسيسية للديمقراطية، التي اتسمت بالتشاور، وصياغة السياسات، والتوحيد المؤسسي، تمسكت بهذه العقائد. ويتوافق نهج الحكومة الطموح مع الطابع الطموح للدستور الجديد. فقد كانت أساليب الحكم الجيد، غريبة على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، كما كانت غريبة أيضًا على جنوب إفريقيا. ووفقًا للمعايير الدولية، فقد تمَّ قمع تاريخ الدولة.
فعندما وافق “نيلسون مانديلا” على الرئاسة، لم تولد دولة جديدة، بل بقيت دولة جنوب إفريقيا، وأعطيت حياة أخرى. ويعدُّ هذا هو السبب في رفض مقاتلي الحرية الاقتصاديةالمشاركة في فعاليات عديدة أقيمت في وقت سابق من هذا العام. وقد كانت تلك خطوة ذكية سياسيًا لنزع الشرعية من الحكومة. واُتهم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بالحكم على ولاية “دي كليرك”. ومن خلال رفض شرعية الحكومة وسلطتها على القانون والنظام، يسعىالمناضلون من أجل الحرية الاقتصادية لإسقاط الصرح الذي تقوم عليه الحكومة. يُحتمل أن يشير إلى تحرك نحو الانقلاب، فهم يدركون جيدًا بنية وتاريخ الدولة. وبينما تفضل حكومة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحد من الجدل حول تاريخ الدولة، فإن تنظيم المناضلين من أجل الحريةيذكر سكان جنوب إفريقيا بتاريخهم بشكل أكثر جدية، ويستحضر تاريخ الدولة.
ولإدراك الوضع الوطني بدقة، تحتاج جنوب إفريقيا إلى التخلص من غشاء الجهل الذي يخفي تاريخ الدولة.
فقد شهد أواخر السبعينيات إدخال استراتيجية وطنية شاملة تمَّ إضفاء الشرعية عليها من خلال ما وصفته الدولة بهجوم شامل. ويشار إليها اليوم بشكل إيجابي باسم “النضال”. وقد شكلت هذه الطرق المماثلة النظام الوطني الذي نشأ في عام 1994. ودعت الاستراتيجية الوطنية الشاملة على النحو المنصوص عليه في الكتاب الأبيض لعام 1977 بشأن الدفاع إلى “خطة شاملة لاستخدام جميع الوسائل المتاحة للدولة”. وبالتالي، لا تقتصر الاستراتيجية الوطنية الشاملة على مجال معين، لكنها تنطبق على جميع المستويات وعلى جميع وظائف هيكل الدولة.
وكما كان الحال في الاستراتيجية الشاملة، فإن القلق اليوم يتركز حول الأمن، حيث تعتمد الحكومة في ذلك على مراسيم عديدة تصدرها في إطار الحرب ضد “كوفيد – 19.”
ويثير الصعود المشؤوم لمجلس قيادة فيروس كورونا الوطني الغامض أسئلة جدية. ويذكر كيف أنه بموجب الاستراتيجية الوطنية الشاملة، انتقلت السلطة من مجلس الوزراء لتتركز في مجلس أمن الدولة، وبعد ذلك في نظام إدارة الأمن القومي. ويجب أن تستمر اليقظة ضد حكم مرسوم من قبل لجان انتقائية.
في حين أن رئيس الوزراء البراغماتي “بي دبليو بوتا” جسد دور مدير الأزمات بشكل أساسي، فإن اليوم المدير الذكي المخضرم “نكوسازانا دلاميني زوما”، الذي يعتبره البعض بمثابة رئيس الوزراء، يحكم التنظيم. لقد كان “بوتا” مهووسًا بالأمن، إذ أصر على الحفاظ على القانون والنظام من خلال عسكرة موسعة على الرغم من اعتراف الحكومة بعدم وجود حل عسكري. واليوم تسود القيادة والسيطرة مرة أخرى، وهو ما يذكرنا بما حدث في الثمانينيات، حين انتشرت قوات الأمن في المدن المختلفة. ومع نشر أكثر من 70 ألف جندي للحفاظ على القانون والنظام، فمن الواضح أن جنوب إفريقيا لم تعد في مجال الحكم، فقد عادت إلى الحكومة الدولة. وترى الدولة مرة أخرى استراتيجية شاملة يتم بموجبها تعبئة موارد الحرب على المستويين السياسي والاقتصادي. ليبقى التساؤل: ما هو التهديد المتصور الذي تستند إليه استراتيجية الحكومة؟ هل يتم استدعاء قوة الدفاع لأن الدولة تخشى قدرتها على الحفاظ على الثقة والشرعية؟ هل تواجه خسارة محتملة في القانون والنظام؟ لكن، رغم أن الفيروس جديد، فقد كانت جنوب إفريقيا هنا من قبل.
وتقدم حالة الاستثناء المستمرة حالة “مانية” التي تعني أن من يطالب بحقوقه، بالضرورة يقف خارج القانون. لكن التهديد هنا يكمن في الخسارة المؤقتة إن لم تكن الدائمة. وبحسب كلمات بعض الشخصيات الشهيرة من الولايات المتحدة مثل “إدوارد سنودن”، فإن “الفيروس ضار، لكن تدمير الحقوق قاتل”.
لقد استند حيرة جنوب إفريقيا إلى حد بعيد على تصور أنه لا توجد سابقة لسيطرة الدولة التي يمكن إثباتها. فقد يكون “كوفيد – 19” جديدًا، لكن القيود التي فرضتها حكومة جنوب إفريقيا من خلال التنظيم، ليست كذلك. فهناك حاجة ملحة للاستيقاظ من التاريخ لعرض الماضي من أجل تمييز الحاضر. وفي حين أن حكومة المؤتمر الوطني الإفريقي قد تشاورت على نطاق واسع وتتم إدارة حالة الاستثناء بموجب القانون ذي الصلة، ينبغي الطعن في أي قيود على الحقوق والامتيازات. فمن خلال التعلم من الماضي، يجب على جنوب إفريقيا توخي الحذر من استخدام الأداة الأمنية كوسيلة مركزية للحكومة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر