سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Gearoid Reidy
“يمكنكم الاستثمار في اليابان بكل ثقة”. هذا ما قاله رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، في خطاب ألقاه باللغة اليابانية الأسبوع الماضي أمام جمهور دولي في لندن قبل أن يوجّه دعوة من ثلاث كلمات بالإنجليزية، مفادها: “استثمروا في كيشيدا”.
بدت هذه الدعوة بمثابة استحضار لخطاب زعيم ياباني آخر – نداء شينزو آبي عام 2013 في “بورصة نيويورك” للمستثمرين- عندما طلب دعم حزمة تدابيره الاقتصادية التي أطلق عليها اسم ” آبينوميكس” (Abenomics) قائلاً: “اشتروا في (آبينوميكس) الخاص بي!”. كانت مناشدة آبي في ذلك الحين للحصول على الدعم ناجحةً، على الأقل بشكل مؤقت، إذ تدفقت رؤوس الأموال الأجنبية خلال السنوات الأولى من فترة رئاسته للوزراء، إذ صدّق المستثمرون روايته بأن اليابان قد عادت.
لم تدم تلك القصة، لأنَّ خطة “آبينوميكس” فقدت كل زخمها. الزمن وحده سيكون كفيلاً بتحديد ما إذا كان كيشيدا أكثر نجاحاً، برغم أنَّ الأسواق تجاهلته حتى الآن، فقد انخفض مؤشر “نيكاي 225” بمقدار 2.4% منذ خطابه وسط اضطراب الأسواق العالمية. لكنَّ تعليقاً صدر من قبل أغنى رجل في العالم، بعد أيام قليلة من تصريح كيشيدا، يوضّح سبب حاجة رئيس الوزراء إلى أكثر من مجرد شعار لإقناع المستثمرين بآفاق النمو الياباني على المدى الطويل.
حذّر إيلون ماسك يوم الأحد في تغريدة ردّ بها على تقرير عن انخفاض عدد السكان في اليابان للعام الحادي عشر على التوالي: “إنْ لم يتغير شيء ما يؤدي إلى تجاوز معدل المواليد معدل الوفيات… فإنَّ اليابان ستزول في النهاية من الوجود”.
ماسك، الذي كان قلقاً من قبل بشأن مخاطر “الانهيار السكاني” العالمي، ربما كان يبالغ من أجل إحداث أي تأثير. لكنَّ تغريدته أثارت جدلاً في اليابان، لأنَّها تدعم سردية تزعج البلاد، مفادها أنَّ الأمة عجوز وأهميتها تتقلص. وبما أنَّ ماسك يعتبر من عشاق اليابان إلى حد ما – حيث حصل في العام على جرو من نوع “شيبا إينو”، وأشار إلى “ثقافة البوب” اليابانية في تغريداته – فإنَّ كيشيدا سيجد صعوبة في إقناع المستثمرين الأقل اهتماماً باليانان بمزايا بلاده.
تميل الأسواق اليابانية إلى تحقيق مكاسب كبيرة فقط عندما تكون لدى المستثمرين سردية مقنعة يمكنهم الانطلاق منها. المسار ذو التوجه الإصلاحي لجونيتشيرو كويزومي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أحد الأمثلة على ذلك؛ و”آبينوميكس” مثال آخر. لذا؛ فإنَّ خطة كيشيدا تحتاج إلى سردية خاصة بها.
اهتمام بالشركات الناشئة
قد يكون من الصعب بيع شعار “استثمروا في كيشيدا”. أولاً؛ لأنَّ الكثيرين يخشون بحق، بشأن ما إذا كان سيظل موجوداً على المدى الطويل، إذ إنَّ سلفه يوشيهيد سوغا بقي في منصبه لمدة عام واحد فقط، قبل أن يصبح أحدث قادة اليابان الذين لم يستمروا طويلاً في المنصب. لذا عندما تم انتخاب كيشيدا زعيماً في العام الماضي؛ سأل حساب (Zerohedge) على “تويتر”، والذي ينتمي إلى مجموعة (Fintwit) المتخصصة في الشؤون المالية: “هل حفظ اسم رئيس الوزراء الياباني الجديد يستحق العناء، أم سيتم استبداله في غضون 3-6 أشهر؟”. لخص هذا الأمر استخفاف الكثيرين ببلد، كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنَّ عوائده مرغوبة بشكل كبير.
مع ذلك؛ فإنَّ هذا الاستخفاف في غير محله. فحتى بعد تلاشي سنوات مجد خطة “آبينوميكس”؛ استمرت الأرباح في الارتفاع جنباً إلى جنب مع التوزيعات للمساهمين. وجعلت إصلاحات حوكمة الشركات التي أطلقها آبي عمليات الاندماج والاستحواذ أسهل.
تجتذب الشركات الناشئة في البلاد، التي يدعمها كيشيدا أيضاً، اهتماماً متزايداً من الشركات الأجنبية ذات الوزن الثقيل والأسهم الخاصة متفائلة بآفاق الأمة، والبنوك التي بحالة جيدة، والمال الذي ما يزال رخيصاً. وقد نجت البلاد من الوباء بشكل أفضل من معظم الدول الأخرى دون اللجوء إلى الإغلاق.
ظروف مواتية
في الواقع، تبدو ظروف الاستثمار الأجنبي أفضل بالنسبة إلى كيشيدا مما كانت عليه في حقبة آبي. فبالعودة إلى عام 2013؛ كان يُنظر إلى آبي بعين الشك من قبل العديد من المتخوّفين من فترة ولايته الأولى الكارثية كزعيم، ومن مخاوف في غير محلها بشأن إعادة التسلح. وكان الين عند أعلى مستوياته القياسية. في الواقع، كان ينظر إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل أفضل، حتى وإن كان ما يزال حينها من النوع الذي تتم دعوته لشرب البيرة في حانة محلية لرئيس الوزراء البريطاني.
بعد عقد من الزمان، تبدو الصين كوجهة استثمارية أكثر خطورة. فرّ المصرفيون من هونغ كونغ بعدما تضررت سمعتها كمركز مالي دولي. ووفرت عمليات الإغلاق المرتبطة بـ”كوفيد” في شنغهاي للمغتربين تذكيراً مباشراً بما يبدو عليه العيش في دولة استبدادية. وبرغم أنَّ كيشيدا لم يستشهد بالصين في خطابه بشكل مباشر، إلا أنَّ الإشارات المتكررة إلى “استقرار” اليابان، وبأنَّها “منفتحة على العالم”؛ أوضحت ذلك التناقض.
من المفترض أن يؤدي ضعف الين إلى جعل الاستثمار في اليابان وشركاتها يبدو رخيصاً. وفيما يتعلق بمخاوف ماسك بشأن تعداد السكان؛ فإنَّ اليابان بعيدة كل البعد عن كونها الوحيدة، وبالكاد تكون بين متصدري الترتيب. فمعدل الخصوبة فيها – برغم أنَّه أقل من مستوى الإحلال – ما يزال أعلى من إيطاليا أو إسبانيا أو كوريا الجنوبية التي باتت المركز الحالي لـ”ثقافة البوب”، والتي لديها أدنى مستوى إحلال في العالم.
“تسلا” والبطاريات
مع ذلك، ربما تكشف شركة “تسلا” نفسها حقيقة الموقف. فبعدما كانت شركة صناعة السيارات الكهربائية قد تعاونت في البداية مع “باناسونيك” (Panasonic) لتزويدها ببطاريات لسياراتها؛ لكنَّ شركة “أمبيركس للتكنولوجيا” (Amperex Technology) الصينية المعاصرة، تجاوزتها منذ فترة طويلة، لتصبح أكبر صانع لبطاريات المركبات الكهربائية في العالم. وعلى عكس شنغهاي؛ لا تستضيف اليابان مصنعاً ضخماً لـ”تسلا”، في حين تظل مبيعات سياراتها في اليابان ضئيلة نسبياً.
من غير المرجح أن يقتنع المستثمرون بنداء الاستثمار الصادر عن رئيس الوزراء، إذ يبدو أنَّهم لا يكلفون أنفسهم عناء تذكّر اسمه. وحقيقة أنَّ حدود اليابان كانت مغلقة خلال معظم العامين الماضيين، لم تساعد على تحسن الأوضاع، إذ ما يزال الدخول إلى البلاد، يمثل مشكلة بحد ذاته.
وجد آبي طريقة بسيطة لبيع رؤيته من خلال “سهامه الثلاثة” الموجودة في خطة “آبينوميكس”. سياسة كيشيدا العامة، التي يسميها “الشكل الجديد للرأسمالية”، يصعب فهمها حتى على السكان المحليين. استغرق شرحها 2500 كلمة في خطابه الذي ألقاه الأسبوع الماضي في “غيلدهول” في لندن، وهي أول محاولة حقيقية له لعرض المفهوم في الخارج.
تغيير المفاهيم
مع ذلك، أصابت خطة كيشيدا في عدة نقاط. فقد أعاد طرح هدف لطالما راود القادة في اليابان، والمتمثل في تحويل أصول الأسر من سيولة نقدية إلى استثمارات، لكنَّه قدّم أيضاً خططاً لتوسيع الحسابات المعفاة من الضرائب. وتسير أهدافه المتمثلة في زيادة إنفاق الشركات على البحث والتطوير والإنفاق الرأسمالي على المسار الصحيح.
لكن، هذا يمكن أن يكون مجرد بداية. يجب على خطة كيشيدا أن تغير المفاهيم الدولية. يريد المستثمرون وعوداً بإصلاحات هيكلية ومكاسب إنتاجية، وهو الأمر الذي بدا أنَّ منافس كيشيدا الرئيسي، تارو كونو، عن “الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني” قد قدّمه. وكذلك تحتاج هذه الوعود إلى الدعم.
في النتيجة؛ فإنَّ كيشيدا بحاجة إلى إقناع إيلون ماسك وأمثاله بقصة نمو اليابان. لكن ذلك سيتطلّب أكثر من مجرد خطاب وشعارات عادية.
المصدر: صحيفة الشرق “بلومبيرغ”
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر