سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عمرو عبد العاطي
عزز فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والمتقدم في كافة استطلاعات الرأي على منافسته نيكي هيلي بحوالي 56.2٪ وفقًا لمتوسط الاستطلاعات لموقع “ريل كلير بوليتكس” في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، من فرص فوزه ببطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية المقرر لها في الخامس من نوفمبر القادم (2024)، لينافس الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية.
يُثير تقدم ترامب على بايدن في معظم استطلاعات الرأي، والتي تُشير إلى احتمال أن يكون الفائز في الانتخابات التساؤل حول تأثيراته على الديمقراطية الأميركية، ولا سيما مع استمرار قناعته بأن الانتخابات الرئاسية السابقة لعام 2020 التي خسرها “قد سُرقت منه”، ناهيك عن عدم معارضته لاقتحام أنصاره مبني الكونجرس في السادس من يناير 2021، لمنعه من التصديق على نتائج المجمع الانتخابي بفوز منافسه الديمقراطي، جو بايدن، آنذاك، والتي أدت إلى تراجع تصنيف الولايات المتحدة الأميركية بين الديمقراطيات الغربية، فقد أضحت لا تُصنف ضمن “الديمقراطيات الكاملة” في العالم مثل كندا، واليابان، ومعظم دول أوروبا الغربية، حيث جرى تصنيفها ضمن “الديمقراطيات المعيبة”، مثل اليونان، وإسرائيل، وبولندا، والبرازيل، وفقًا لمجلة الإيكونوميست.
هناك قلق أمريكي متزايد بشأن حالة الديمقراطية الأميركية، وكيف ستُؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية القادمة والمتوقع –حتى الآن– أن تكون بين الرئيس الأميركي الحالي والسابق على مستقبلها. فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الأميركيين يعتقدون أن الديمقراطية الأميركية في خطر في انتخابات عام 2024. إذ كشفت نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب عن انخفاض رضاء الأميركيين على طريقة عمل الديمقراطية الأميركية، والتي تراجعت إلى 28٪ في استطلاع ديسمبر الماضي، وهي نسبة منخفضة عن تراجع سابق في أعقاب أحداث السادس من يناير 2021، والتي وصلت إلى 35٪.
وقد قال 67٪ من الناخبين الأميركيين في استطلاع أجرته وكالة “أسوشيتد برس” و”مركز نورك لأبحاث الشئون العامة” خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 4 ديسمبر الماضيين، إن نتيجة انتخابات عام 2024 ستكون مهمة للغاية، أو مهمة جدًا لمستقبل الديمقراطية الأميركية. وقد جاءت قضية مستقبل الديمقراطية الأميركية في المرتبة الثانية لإثنى عشرة قضية مهمة في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد القضية الاقتصادية. وهناك رؤية سلبية لدى عديد من الأميركيين حول كيفية عمل الديمقراطية الأميركية، حيث يرون أن نظام الحكم في البلاد لا يعمل بشكل جديد بما يعكس مصالحهم في القضايا التي على أساسها سيصوتون في الانتخابات الرئاسية، والتي تشمل الهجرة، والإجهاض، والاقتصاد.
فقد أعطى 1 فقط من كل 10 أمريكيين بالغين تصنيفات عالية للطريقة التي تعمل بها الديمقراطية الأميركية أو مدى تمثيلها لمصالحهم، وفقًا لاستطلاع أجرته وكالة “أسوشيتد برس” و”مركز نورك لأبحاث الشئون العامة” ظهرت نتائجه في يوليو الفائت. بيد أن هناك اختلافًا بين الديمقراطيين والجمهوريين حول مهددات الديمقراطية الأميركية، والتي تكشف عن تصدعات حزبية عميقة. فقد كشف استطلاع “نافيجيتور” في ديسمبر الفائت أن الديمقراطيين قلقون بشكل خاص من تكرار هجوم السادس من يناير، ومن مساعدة الأعضاء الجمهوريين في الكونجرس، أو تشجيع منظمي الهجوم مرة أخرى. وهناك مخاوف ديمقراطية متزايدة من التداعيات السلبية لفوز ترامب بفترة رئاسية ثانية على الديمقراطية الأميركية.
قلق ديمقراطي متزايد
حاول الرئيس الأميركي جو بايدن رسم مستقبل بائس للديمقراطية الأميركية إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بعد أن وعد بالسعي إلى الانتقام من معارضيه، ورفض استبعاد أنه سوف يسيء استخدام سلطاته. فقد قال بايدن خلال كلمته بالذكرى الثالثة لأحداث السادس من يناير بولاية بنسلفانيا، إن الحفاظ على الديمقراطية الأميركية، هو ما ستدور حوله انتخابات عام 2024، وجادل بأن ترامب يشكل خطرًا عليها.
وترى أغلبية الديمقراطيين (87) أن فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية سيضعف الديمقراطية الأميركية بحسب استطلاع أجريته “أسوشيتد برس” و”نورك لأبحاث الشئون العامة. وقد تزايدت تلك المخاوف بسبب خطابات ترامب التحريضية خلال حملته الانتخابية، حيث قال أمام مؤيدين له في تجمع انتخابي إنه لن يكون “ديكتاتورا … بخلاف اليوم الأول”، وقد أوردت تقارير متعددة بالتفصيل كيف يخطط فريق ترامب لبناء الحكومة الفيدرالية بطرق من شأنها أن تزيد من سلطته على الوكالات الفيدرالية وإضفاء المركزية على سيطرة أكبر على آلية عمل الحكومة الفيدرالية، واستخدام وزارة العدل للانتقام من خصومه السياسيين، مما يشكل تهديدًا لسيادة القانون.
ويمكن القول إن إنكار ترامب لنتائج الانتخابات الرئاسية السابقة لعام 2020، ودعمه لمؤيديه للاحتجاج أمام الكونجرس لمنعه من التصديق على فوز منافسه الديمقراطي، جو بايدن، وهو ما قد يكرره ترامب إذا خسر الانتخابات في نوفمبر القادم، ليس الشيء الوحيد الذي يمكن يُثير قلق الديمقراطيين من ترشح الرئيس السابق لفترة رئاسية ثانية على الديمقراطية الأميركية، إذ أنه يًواجه 91 تهمة في أربع قضايا جنائية، بجانب التخوف من تكرار إجراءات الهيئات التشريعية للولايات الخاضعة لسيطرة الحزب الجمهوري للحد من وصول الناخبين إلى الاقتراع، وتسييس إدارة الانتخابات.
ومع سيطرة دونالد ترامب على الحزب الجمهوري بشكل متزايد، فمن غير المرجح أن يُواجه معارضة داخل الحزب إذا سعى إلى الاستيلاء على السلطة في حال إعادة انتخابه، وتوسيع المحكمة العليا، أو استخدام قانون التمرد لنشر الجيش ضد المتظاهرين، حيث أصبحت النخبة الجمهورية “خائفة” من الاختلاف معه.
وسيؤدي خطاب ترامب وسياساته المثيرة للانقسام، إلى تعميق الاستقطاب الحزبي والسياسي الذي تشهده الولايات المتحدة راهنًا، مما يجعل التعاون بين الديمقراطيين والجمهوريين أكثر مراوغة، ويساهم في خلق بيئة سياسية تقوض عمل المؤسسات الديمقراطية. فضلاً عن أنها تعمق الانقسامات الاجتماعية التي تؤدي لإضعاف النسيج الاجتماعي للمجتمع الأميركي الضروري لإقامة ديمقراطية سليمة. ناهيك عن العمل على إضعاف السمة الرئيسية التي يقوم عليها النظام السياسي الأميركي التي تتمثل في “الرقابة والتوازن” Check and Balance، من خلال تجاوز السلطات التنفيذية الممنوحة له بموجب الدستور، وتوسيع السلطة التنفيذية من خلال الأوامر التنفيذية والإجراءات الأحادية الجانب، بجانب الجهود الرامية إلى تقويض استقلال السلطة القضائية والمؤسسات الرقابية الأخرى.
ويمكن أن تنطوي خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر القادم على إعادة إطلاقه لادعاءات بشأن حدوث تزوير واسع النطاق في الانتخابات الرئاسية كما حدث بعد خسارته الانتخابات السابقة، الأمر الذي من شأنه تقويض ثقة الناخبين الأميركيين في النظام الانتخابي وتقويض نزاهة الديمقراطية الأميركية، مع تزايد تشكيكه وأنصاره في شرعية التصويت عبر البريد، والطعن في نتائج الانتخابات من خلال التقاضي والخطاب التحريضي.
استراتيجية جمهورية مضادة
بينما ينتاب الديمقراطيون القلق من أن فوز دونالد ترامب ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة، واحتمال فوزه بها، يُمثل تهديدًا للديمقراطية الأميركية، فإن الجمهوريين لديهم –أيضًا- مخاوف مماثلة بشأن تهديد جو بايدن للديمقراطية الأميركية، حيث قالت غالبية الجمهوريين (82) في استطلاع أجريته أسوشيتد برس ونورك لأبحاث الشئون العامة إن إعادة انتخاب بايدن لفترة رئاسية ثانية سيضعف الديمقراطية الأميركية، فلديهم كذلك مخاوف أخرى بشأن الديمقراطية، وخاصة نزاهة الانتخابات، وهو شعور يمكن أن يسهم بالتأكيد في تكرار أحداث السادس من يناير إذا خسر ترامب هذا العام.
وفي مقابل الرواية الديمقراطية بأن فوز ترامب سيمثل تدميرًا للديمقراطية الأميركية، حاول الرئيس الأميركي السابق تقديم سردية مقابلة بأن الإدارة الديمقراطية هي من تُدمر الديمقراطية الأميركية من خلال تسييس القضاء الأميركي؛ لمقاضاته لكونه المرشح الجمهوري الأوفر حظًا للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري، والقادر على هزيمة بايدن في الخامس من نوفمبر المقبل. وقد وصف بايدن بأنه “مدمر للديمقراطية الأميركية”.
وتتبنى القاعدة الانتخابية لترامب سرديته؛ فقد عبر العديد من أنصاره عن أن مختلف القضايا الجنائية التي يتم رفعها ضد ترامب تقوض التقاليد الديمقراطية في البلاد، وأن الإدارة الديمقراطية تحاول منع ترشحه؛ لأنهم يعرفون أنه سيفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.
خلاصة القول، مع تصوير كل من المرشحين الديمقراطي، جو بايدن، والجمهوري، دونالد ترامب، للانتخابات الرئاسية لعام 2024 كاختبار للديمقراطية الأميركية، وادعاء كلاهما بأن الآخر يقوم بهجمات معادية للديمقراطية، فإنه ليس من المستغرب أن يشعر الناخبون أن حالة الديمقراطية الأميركية في خطر، وعدم استبعاد تكرار أحداث السادس من يناير 2021 إذا خسر ترامب الانتخابات الرئاسية القادمة.
بيد أن تراجع ثقة الناخبين في الديمقراطية الأميركية سيكون له تأثيرات كبيرة على نطاق واسع على نسب إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع. كما أن الجهود الجمهورية المبذولة لقمع إقبال الناخبين، أو تقويض نزاهة الانتخابات، أو التشكيك في نتائجها يمكن أن تُضعف أساس الحكم الديمقراطي.
ويمكن للسياسات أو الخطابات التي تستهدف المجموعات المهمشة أو الأقليات أن تقوض مبادئ المساواة والشمول التي تعتبر ضرورية لديمقراطية أمريكية قوية. ولكن من المهم أيضًا إدراك أن الديمقراطية الأميركية مرنة، وتكمن قوتها في مؤسساتها، وسيادة القانون، والمشاركة النشطة للمواطنين، التي تحافظ على النظام السياسي الأميركي من أي إجراءات تهدد الديمقراطية الأميركية.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر