بث مسؤولون اتحاديون في الأيام القليلة الماضية نبأ وصول مئات الآلاف من جرعات لقاح جدري القرود الإضافية، مبشرين بأن هذا علامة فارقة في معركة البلاد ضد تفشي المرض. لكن ما لم يذكروه هو أن الولايات المتحدة تدخل فترة حرجة مدتها ثلاثة أشهر قد تستمر خلالها الحالات في التكاثر، لكن ليس من المقرر وصول المزيد من اللقاحات حتى أكتوبر على أقرب تقدير.
وحتى مع أحدث الشحنات، لا يوجد من لقاح جينيوس المؤلف من جرعتين إلا ما يكفي لثلت عدد الأميركيين الأكثر عرضة للإصابة بالمرض الذين يقدر عددهم بنحو 1.6 مليون رجل. ومع تضاعف الحالات في الولايات المتحدة كل أسبوع أو نحو ذلك، يحذر بعض خبراء الصحة من أن النقص في اللقاحات قد يهدد قدرة البلاد على احتواء تفشي المرض المتزايد ومنع الفيروس من التوطن، وهو قلق يعترف به بعض المسؤولين الاتحاديين بشكل خاص. وذكر جيه ستيفن موريسون، مدير مركز سياسة الصحة العالمية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في مقطع صوتي نُشر على الإنترنت يوم الجمعة (29 يوليو) «إننا نواجه بعض المنعطفات الزلقة الصعبة هنا».
وأضاف موريسون أن هناك حاجة إلى 3.2 مليون جرعة لتغطية السكان المعرضين للإصابة من الرجال المصابين بفيروس أتش. أي. في. المسبب لمرض الأيدز وغيرهم من الذين تستهدفهم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وأكد موريسون قائلا «لن نحصل حتى نهاية العام على مليوني جرعة».
والنقص في جينيوس، اللقاح الوحيد المعتمد من إدارة الأغذية والعقاقير للحماية من جدري القرود، دفع مسؤولي الصحة في كل مستوى من مستويات الحكومة إلى المسارعة بتقديم استراتيجيات لحل المشكلة. واختار أولئك الموجودون في المجتمعات المتضررة بشدة، مثل مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة، إعطاء جرعة واحدة فقط في الوقت الحالي، على عكس نصيحة المنظمين، مع دفع المسؤولين الاتحاديين للحصول على مخصصات أكبر.
ويدافع بعض الخبراء أيضا عن إعطاء الناس خيار تلقي لقاح أقل قبولا وهو «ACAM2000» الذي تمت الموافقة عليه لفيروسات الجدري ذات الصلة لكن ليس لجدري القرود. وذكر مسؤول اتحادي يعمل على الاستجابة لجدري القرود اشترط عدم الكشف عن هويته أنه «لا توجد جرعات» للوفاء باستراتيجية الاعتماد على جينيوس وحده. وحذر من «حافة جرف في اللقاحات» في الأسابيع القادمة. وتم تشخيص ما يقرب من 5200 شخص في الولايات المتحدة مصاب بجدري القرود.
والمرض قد ينتشر عن طريق ملامسة الجلد ويسبب حمى وانتفاخ الغدد وآلام مبرحة وأعراض أخرى. ويعتقد معظم الخبراء أن مئات أو آلاف الحالات من المحتمل أن تظل غير مكتشفة. وصرح متحدث باسم مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها يوم الجمعة (29 يوليو) قائلاً «نتوقع استمرار ارتفاع عدد الحالات في الأيام أو الأسابيع المقبلة بعد توافر الاختبار على نطاق أوسع». وصحيح أن الفيروس لم يتم ربطه بعد بوفاة أميركية مؤكدة واحدة، لكن قيادات من الصحة العامة مازالوا قلقين من أن يصبح القضاء عليه صعبا، خاصة إذا تسلل إلى القوارض والثدييات الصغيرة الأخرى وهو الأمر الذي ساعد في انتشار العدوى في وسط وغرب أفريقيا.
وذكر مسؤولون أميركيون أنهم حصلوا الآن على 1.1 مليون جرعة من لقاح جينيوس، منها 786 ألف جرعة تمت الموافقة عليها أخيرا من الجهات المنظمة بعد تأخرها في الدنمارك لأكثر من شهر، وستصبح «في أيدي الأشخاص المحتاجين إليها في غضون الأسابيع القليلة المقبلة» بحسب قول وزير الصحة والخدمات الإنسانية خافيير بيسيرا يوم الخميس (28 يوليو). وأكد منظمون اتحاديون يوم الجمعة (29 يوليو) أنه يجب إعطاء اللقاح لمعظم الناس في جرعتين، مما يعني أن المسؤولين الأميركيين لديهم جرعات كافية لنحو 550 ألف شخص.
لكن إجمالي عدد السكان- الذي استخدمه المسؤولون الاتحاديون لحساب مخصصات اللقاحات ويشمل الأشخاص الذين خالطوا شخصا مصابا بجدرى القرود خلال الأسبوعين الماضيين في مناطق معروفة بانتشار جدري القرود – يبلغ عددهم الآن 1.6 مليون فرد على الأقل، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وتأكدت إصابة أول حالتين لدى طفلين وامرأة حامل في الأيام القليلة الماضية.
ونوبات التفشي السابقة في الخارج انتشرت وسط الأطفال والنساء والفئات الهشة الأخرى. وسعى الخبراء جاهدين للتنبؤ بدقة بمسار تفشي فيروس جدري القرود، محذرين من أن محدودية الاختبارات أدت إلى تعقيد الجهود للحصول على صورة حقيقية لانتشار الفيروس.. وفي محاولة للحد من تفشي المرض محليا، طالب كثيرون من مسؤولي الصحة في الولايات والإدرات المحلية بأكبر عدد ممكن من لقاحات جينيوس.
وكررت الولايات الأكثر تضررا، مثل كاليفورنيا ونيويورك، مطالباتها الحكومة الاتحادية بجرعات أكثر مما يعرب مسؤولون عن توافرها. وأكد مسؤولو إدارة بايدن أنهم يعملون على تأمين المزيد من اللقاحات، وأنهم حصلوا على مواد خام لإنتاج 11 مليون جرعة محتملة من «جينيوس». لكن مسؤولين ذكروا أن العثور على شريك تصنيع لتحويل تلك المواد الخام إلى لقاحات قد يستغرق شهورا.
وبالإضافة إلى اللقاحات، تروج الإدارة أيضاً لاستراتيجية متعددة الجوانب تتضمن توفير الاختبارات والعلاجات وإعلام الجماعات الأكثر عرضة للمرض بكيفية حماية نفسها، وهو ما يؤكد المسؤولون على أنه قد يساعد في احتواء تفشي المرض. وذكرت قيادات من الصحة العامة في مدينة نيويورك وواشنطن أنهم سيركزون على إعطاء أكبر عدد ممكن من الجرعات الأولى من لقاح «جينيوس» وترك الجرعة الثانية لوقت لاحق، على أمل زيادة إمدادات اللقاح المحدودة قدر الإمكان.
لكن مسؤولين اتحاديين صرحوا يوم الجمعة (29 يوليو) أن استراتيجية الجرعتين ضرورية لتوفير الحماية الكافية. وصرح مسؤولان في الإدارة تحدثا عن أن الشحنة التالية المكونة من 500 ألف جرعة «جينيوس» من شركة بافاريا نورديك المصنعة ومقرها الدنمارك، لن تصل على الأرجح حتى نهاية أكتوبر في غمرة طلب عالمي كبير. ويرى «بيتر هوتيز»، عميد المدرسة الوطنية للطب الاستوائي في كلية بايلور للطب، أنه من ممكن التنويع بين الجرعات كحل مؤقت، أي أن يحصل الناس على جرعة واحدة من جينوس وجرعة واحدة من «ACAM2000».