سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ديبيندر إس رانذاو
سلَّطت منح جائزة “نوبل” للسلام لعام 2020 لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الضوء على مشكلة خطيرة تواجه كوكب الأرض، وهي توافر الغذاء. إذ لا يعتبر جنوب شرق آسيا محصنًا بأي حال من الأحوال من الجوع على الرغم من أن المنطقة هي منتج رئيسي للغذاء.
فقد منحت لجنة جائزة “نوبل” للسلام الجائزة لعام 2020 لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. واستشهدت اللجنة بـ”جهود برنامج الأغذية العالمي لمكافحة الجوع، ومساهمته في تحسين ظروف السلام في المناطق المتضررة من النزاعات”، واصفة برنامج الأغذية العالمي بأنه “قوة دافعة في الجهود المبذولة لمنع استخدام الجوع كسلاح في الحرب والصراع، بينما أشادت بـ”القدرة الرائعة للوكالة على تكثيف جهودها” خلال جائحة “كوفيد ــ 19”.
ويعدُّ برنامج الأغذية العالمي الأداة الأساسية للأمم المتحدة من أجل تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030. كما يعالج مشكلة انعدام الأمن الغذائي المزمن التي تنعكس في عدم قدرة 690 مليون شخص أو 8.9% من سكان العالم على الحصول على الغذاء الكافي، وانعدام الأمن الحاد، والجوع على مدى فترة طويلة، فقد عانى 135 مليون شخص في عام 2019. لذا، يسعى البرنامج إلى معالجة الأسباب الجذرية للجوع، والمتمثلة في التغذية، ودعم السوق للممتلكات الصغيرة، والحماية الاجتماعية وشبكات الأمان، وعدم المساواة بين الجنسين، وعدم المساواة في الدخل، وسبل العيش المستدامة والنظم البيئية، والعمل بشأن تغير المناخ والتخفيف من مخاطر الكوارث.
رسالة جائزة “نوبل” للسلام
في عالم طغت عليه الانقسامات والبؤس الاقتصادي ووباء “كوفيد – 19″، فإن جائزة هذا العام لها أهمية خاصة. فقد قالت لجنة نوبل: “إن الحاجة إلى التضامن الدولي والتعاون المتعدد الأطراف أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى”. ففي وقت تُقَوَّض فيه النزعة القومية والشعبوية المتزايدة التعددية والتنسيق الدولي، ترسل الجائزة إشارة إلى أن المشكلات العالمية تتطلب حلولاً منسقة.
ويعاني الملايين اليوم من الجوع الناجم عن الصراع والوباء. إذ أصبحت الحاجة إلى الأموال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فقد عانى برنامج الأغذية العالمي من قيود التمويل في السنوات الأخيرة، إذ خفَّضَت عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة، مساهماتها في تمويل المنظمات الدولية. وجائزة السلام هي دعوة للمجتمع الدولي لتمويل وكالة الأمم المتحدة بشكل كافٍ لضمان عدم تجويع الناس. ويفترض عمل برنامج الأغذية العالمي إلحاحًا إضافيًا، ذلك أنه بعد عقود من التقدم، انعكس الاتجاه في عام 2014 مما أدى إلى زيادة الجوع في العالم، مدفوعًا بتغير المناخ، وتزايد عدد النزاعات حول العالم، وزيادة عدم المساواة أيضًا. وبالتالي، فجائزة “نوبل” هي طريق مناسب للغاية لجذب الانتباه إلى عمل برنامج الأغذية العالمي.
لماذا الغذاء أمر بالغ الأهمية؟
ينبع الجوع من عدم القدرة على تحمل تكاليف نظام غذائي مستدام. فللبقاء على قيد الحياة، يحتاج الأفراد إلى كمية معينة من السعرات الحرارية كل يوم، مع اختلاف العدد حسب العمر والمهنة والجنس. وينتج عن سوء التغذية آثار ضارة تتراوح من التعرض للمرض، ونوبات المرض المتكررة، والضعف الجسدي، وضعف التفكير الإدراكي، وعدم القدرة على الانخراط في عمل منتج.
لكن الآثار على الأطفال تبدو أسوأ. فقد أظهرت الأبحاث في السنوات الأخيرة أن الحرمان من التغذية حتى سن الخامسة، عندما يتطور الدماغ أكثر من غيره، يعيق بشكل دائم قدرة الأطفال على التعلم. فلا يزال سوء التغذية متوطنًا بين الأطفال مما يؤدي إلى التقزم والهزال والنحافة.
وفي جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، يعاني 25.7% من الأطفال دون سن الخامسة من التقزم (إذ لا يقوون على الوصول إلى إمكاناتهم)، بينما يعاني 8.7% من الهزال (إذ يزن الطفل أقل من وزنه المناسب للعمر). فهؤلاء الأطفال معرضون بشدة للإصابة بالأمراض والضعف العصبي.
وتعتبر التدخلات المطلوبة في الحياة الفترات اللاحقة لتعويض فجوات التعلم باهظة الثمن وتستغرق وقتًا طويلاً ويصعب تنفيذها، كما تفتقر العديد من الدول في جنوب شرق آسيا إلى الموارد اللازمة لمعالجة هذه المشكلات.
الوباء والجوع
لقد قلبت جائحة “كوفيد – 19” الجهود المبذولة للسيطرة على الجوع. إذ قد يضيف ما بين 83 و132 مليون شخص إلى إجمالي عدد ناقصي التغذية في العالم.
إن الاضطرابات التي أصابت سلاسل التوريد الزراعي، وعدم القدرة على العمل بسبب الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة، وعدم وجود شبكات أمان اجتماعي في البلدان ذات القطاعات غير الرسمية الكبيرة؛ كل ذلك جعل الأطفال في المدارس محرومين من وجبة مدرسية صحية مضمونة، وهو ما ساهم في مجمله في زيادة الجوع. فالدول الغنية ليست محصنة. وحتى الولايات المتحدة فقد شهدت نموًا غير مسبوق في الجوع.
وتقدر منظمة “أوكسفام” أنه إذا لم يتم التعامل مع الجوع، فقد يموت 12 ألف شخص يوميًا. ففي العديد من البلدان، تفوق احتمالات الوفاة من الجوع احتمالات الوفاة بسبب عدوى “كوفيد – 19”. فقد حذر البنك الدولي من أن أكثر من 150 مليون شخص قد يقعون في براثن الفقر المدقع بحلول العام المقبل. وقد كثف برنامج الأغذية العالمي جهوده بقوة للوصول إلى أكثر الفئات حرمانًا، قائلاً: “حتى يوم حصولنا على لقاح، فإن الغذاء هو أفضل لقاح ضد الفوضى”. وينتج العالم ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع. لكن التأثير الأكثر خطورة على البلدان النامية تمثل في القيود المفروضة على التنقل، وهو أمر ضروري للسيطرة على انتشار “وباء كوفيد – 19″، كما أثر على الأسواق الزراعية المنقسمة التي تجعل من الصعب تنسيق حركة المنتجات الغذائية.
تغير المناخ
إن أخطر تهديد للأمن الغذائي هو تغير المناخ. فقد زاد متوسط العدد السنوي للظواهر الجوية المتطرفة، مثل الفيضانات والجفاف، بأكثر من الضعف منذ التسعينيات، مما زاد من عدم الاستقرار في الزراعة.
إن جنوب شرق آسيا حاليًا من المناطق الأكثر عرضة لتغير الطقس، ذلك أنها أكثر عرضة بشكل خاص لدرجات الحرارة المرتفعة وزيادة الرطوبة. إذ تشير أحداث مثل الهجرات الجماعية، بما في ذلك أزمة اللاجئين في أوروبا عام 2015، وغيرها من عمليات النزوح القسري بسبب الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية وعدم الاستقرار السياسي والصراعات، إلى المخاطر التي قد تنتظرنا.
ووفقًا لبحث قُدِّمَ في محادثات المناخ في باريس، فقد تمَّ فقدان ما يقرب من ثلث إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة بسبب تآكل التربة والتلوث على مدار الأربعين عامًا الماضية، وإذا استمرت أنماط استهلاك الغذاء الحالية، فسيلزم إزالة جميع غابات الكوكب من أجل تلبية الطلب على الغذاء.
نظرة مستقبلية
إن التحديات التي تواجه صانعي السياسات تبدو واضحة. ففي عالم شديد الترابط والعولمة، يتطلب الأمن الغذائي والقضاء على الجوع التزامًا عالميًا بالموارد. إذ قد أدى تغير المناخ والوباء إلى تفاقم الخطر الذي يهدد الإمدادات الغذائية ورفاهية الإنسان.
إن منح جائزة “نوبل” للسلام لعام 2020 لبرنامج الأغذية العالمي، هو تذكير آخر بالحاجة إلى إعادة توجيه الجهود البشرية وسياسة الحكومات للتصدي بسرعة للخطر الذي يواجه سكان العالم. ففي حالة عدم وجود اتفاق بشأن التعددية، فإن الطريقة السريعة للبناء على الزخم المتولد عن الوباء هي إضفاء الطابع الإقليمي على الاستجابات من خلال مبادرات برنامج الأغذية العالمي في جميع أنحاء العالم.
ففي آسيان، تعمل الدول الأعضاء مع شركاء حوار الآسيان على توسيع إنتاج الغذاء وحماية الأطفال من سوء التغذية والأمراض الأخرى. إذ يمكن تكثيف هذا التعاون ووضع المزيد من البرامج طويلة الأجل لتأمين الإمدادات الغذائية ومنع الجوع.
وقد طورت الآسيان مبادرتين لتعزيز الأمن الغذائي. أولاً، آلية احتياطي الأرز في حالات الطوارئ التابعة لـ”رابطة أمم جنوب شرق آسيا + 3″، وهي “مخزون افتراضي” من الأرز تعهدت به دول “الآسيان + 3” (التي تضم الآسيان بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية). ثانيًا، نظام معلومات الأمن الغذائي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، الذي يركز على الجمع والتحليل والنشر المنتظم للمعلومات المتعلقة بالأمن الغذائي.
وفي حين أن رابطة الآسيان تسير على الطريق الصحيح نحو ضمان الأمن الغذائي الكلي، فإن التحدي المباشر في هذه الأوقات غير العادية يعني ضمان أن الأشخاص الأكثر حرمانًا من التغذية قادرون على الحصول على نظام غذائي يومي متوازن.
لقد أصبح المجتمع العالمي غير منظم بشكل متزايد في التصدي للتحديات الخطيرة التي يواجهها، والتحديات المدمرة المحتملة التي تنتظره. فالسلام المتمثل في غياب الحرب لا يكفي لضمان التقدم الاقتصادي والأمن البشري. فقد أظهرت جائحة “كوفيد – 19” الحاجة إلى إعادة تنظيم أساسية للحوكمة العالمية.
وإلى أن يظهر اتفاق متجدد مع قيادة عالمية، فقد يتمثل البديل التالي في التقاربات الإقليمية بين الشركاء ذوي الأهداف المشتركة، كما تحاول أن تفعل الآسيان.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر