سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Stephen Mihm
أدى وصول جيل جديد من روبوتات الدردشة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى تغذية شعور هستيري بأن البشر قد يصبحون قريباً عديمي الجدوى، أو ما هو أسوأ من ذلك، كضحايا سيناريو على شاكلة فيلم “سكاي نت” (Skynet)، حيث تصبح إبداعاتنا المدعومة بالذكاء الاصطناعي واعية، وتنقلب ضدنا.
الأمر بلغ إلى أنه حتى أكبر الداعمين للذكاء الاصطناعي طالبوا مؤخراً بوقف إجراء المزيد من الأبحاث حتى يُمكن تقييم المخاطر بشكل أفضل.
قد تكون المخاطر التي تشكلها تكنولوجيا اليوم جديدة، وجديرة بالملاحظة، لكن قلقنا ليس كذلك. فعلى مدى قرنين، كانت البشرية قلقة بشأن ما قد يحدث إذا منحنا إبداعاتنا الذكاء، خوفاً من أن تتمرد، هذا إن لم تحل محلنا بالكامل.
تاريخ من الخوف
فكرة أن المساعدين الاصطناعيين يمكن أن يتمردوا لها العديد من السوابق، بما في ذلك الإصدارات المختلفة من قصة “ذا سورسيريرز أبرينتس” (the sorcerer’s apprentice)، التي روّج لها يوهان فولفغانغ فون غوته (ولاحقاً، “والت ديزني”)، بالإضافة إلى مخلوقات الطين الأسطورية اليهودية “الغولم” التي تم إحياؤها بوساطة تعويذات سحرية.
على الرغم من أن الحكايات الشعبية كانت تقول إن معظم مخلوقات “الغولم” يخدم الإنسانية، فإن النسخ الأكثر علمانية للقصة التي تم تداولها في أوائل القرن التاسع عشر في براغ صوّرت وحشاً أكثر تمرداً وتدميراً.
غالباً فإن هذه النسخة من “الغولم” قد سردت واحدة من أولى الرؤى الحديثة للحياة والذكاء الاصطناعيين، وهي رواية ماري شيلي “فرانكنشتاين”، التي نُشرت في عام 1818.
على عكس تجسيد “هوليوود” للقصة، تروي قصة “شيلي” الأصلية مخلوقاً فائق الذكاء يستوعب العالم من حوله، تعلّم بسرعة كيفية التحدث، وقراءة الشعر، وفهم المشاعر الإنسانية، لكن البشر لم يكن لديهم أي تقدير لهذه الإنجازات، ولم يروا فيه سوى وحش، لذلك انقلب “الوحش” في النهاية على خالقه.
“عقدة فرانكنشتاين”
ألهمت قصة “شيلي” ما وصفه إسحاق أسيموف بشكل ساخر بـ”عقدة فرانكنشتاين”، والتي تتمثل في الخوف من أن يصبح أشباهنا واعين، ويحلّون محل مبتكريهم البشريين أو يدمرونهم. ومع ذلك، كان وحش “شيلي” شيئاً من لحم ودم، وليس من الصلب ودوائر كهربائية. ولم يكن إنسان آلي قاتل.
إذن، كيف وصلنا من “فرانكشتاين” إلى “ذا ترمنايتور” (The Terminator)؟ يمكن الإلقاء باللوم على تشارلز داروين. عندما ظهرت كتابات “داروين” الأولى عن التطور في عام 1859، أصبح من الواضح أن البشرية، أبعد ما تكون أن خرجت من جنة عدن كاملة النمو، إذ كانت نتاج تطور لا نهاية له. أثار هذا الاحتمال قلقاً بدرجة مشابهة من أن البشرية، مثل أنواع الكائنات الأخرى التي مضى عليها زمن طويل، قد يحل محلها شيء أكثر تفوقاً.
الخروج عن السيطرة
من هذه النقطة، لم تكن تفصلنا سوى قفزة مفاهيمية قصيرة لتخيل أن الآلات – الأقوى بالفعل من البشر – قد تصبح يوماً ما أكثر ذكاءً أيضاً. بعد أربع سنوات من نشر كتاب “داروين” “أصل الأنواع”، نشر الكاتب البريطاني صموئيل بتلر مقالاً تحت اسم مستعار توقع تقريباً جميع مخاوفنا الحالية بشأن سلوك الذكاء الاصطناعي الخارج عن السيطرة.
في مقاله تحت عنوان “داروين بين الآلات”، لاحظ “بتلر” أننا “نحن أنفسنا نصنع خلفاءنا… إننا نمنح [الآلات] قوة أكبر يومياً ونزودها بكل أنواع الاختراعات العبقرية ذات قوة التنظيم والتصرف بشكل ذاتي، التي ستكون بالنسبة لها ما كان عليه العقل للجنس البشري”. توقع “بتلر” أنه عندما تصل هذه العملية إلى ذروتها “سيصبح الإنسان للآلة مثل الحصان والكلب للإنسان”.
عادت رؤية “بتلر” المظلمة لمستقبل تهيمن عليه آلات خالدة فائقة الذكاء إلى الظهور في روايته الطوباوية واسعة الانتشار “إريوهون” (Erewhon). يروي العنوان، وهو عبارة عن لعبة تغيير حروف لكلمة لـ”لا مكان” (Nowhere)، قصة أرض بدائية مفقودة، حيث كانت التكنولوجيا غائبة بشكل واضح.
يتعلم الراوي في النهاية أن تطور الآلات قد تم إيقافه وعكسه عمداً في الماضي البعيد لمنع “التطور النهائي للوعي الميكانيكي”، إذ توصل سكان “إريوهون” إلى نتيجة مفادها أن الإيقاف لمدة ستة أشهر لن يفي بالغرض.
سيناريو ثورة الآلات الذكية على البشر
لم يكن كل مجتمع خيالي محظوظاً بنفس الدرجة. في أواخر الثمانينيات من القرن التاسع عشر، كتب الروائي البريطاني ريجينالد كولبروك ريد روايتين توأمين مظلمتين وصفتا سيناريو بأسلوب “ترمنايتور”، ينتهي بآلات ذكية تثور ضد الجنس البشري، وتقوده تقريباً إلى الانقراض.
كانت هذه الأعمال نتاج عصرها، حيث يبدأ الذكاء الآلي، كلي المعرفة، على غرار “سكاي نت”، بقاطرة سكة حديدية تصبح واعية، وفي النهاية تُجنّد جميع الآلات في ثورتها ضد الإنسانية.
تنبأت هذه الأعمال، وعدد قليل من أعمال الخيال العلمي الأخرى العمل الأكثر شهرة للكاتب المسرحي في براغ كارل تشابيك، الذي أعطتنا مسرحيته “آر.يو.آر” (R.U.R) كلمة “روبوت”.
تحكي قصة “تشابيك” صعود وسقوط شركة “يونيفرسال روبوتس” (Universal Robots) التابعة لشركة “روسوم” (Rossum)، وهي شركة تصنع آلات تشبه البشر، لتصبح أكثر شبهاً بالكائنات الحية. وصف “تشابيك” مسرحيته بأنها “تحول أسطورة (الغولم) إلى شكل حديث… الروبوتات هي (الغولم) مصنوعة بواسطة مصنع ينتجها على نطاق واسع”.
في المسرحية، تدرك الروبوتات أنها متفوّقة على صانعيها وتختار قتل البشر، وتصبح أكثر مهارة في هذه المهمة بمرور الوقت. في مرحلة ما من المسرحية، يقرأ أحد البشر رسالة تهديد من الروبوتات، يتفاجأ من قدرة الآلات المتنامية على استعمال اللغة. ويقول: “يا إلهي، من علمهم هذه العبارات؟”
أدت مسرحية “تشابيك”، المترجمة إلى عدة لغات، إلى إنتاج صنف كامل من الخيال العلمي البائس تثور فيه الآلات الذكية، التي تم إنشاؤها لخدمة البشرية، ضد أسيادها. مع مرور الوقت، ساعدت المكونات الإضافية في تجسيد المزيد من المخاوف من الذكاء الاصطناعي.
تنبؤات “هوليوود”
كانت المكونات الجديدة الأولى هي تطوير الكمبيوتر والأبحاث المرتبطة به في الذكاء الاصطناعي. واستحوذ القلق بشأن هذه التطورات على هوس كتاب الخيال العلمي في حقبة ما بعد الحرب. أراد البعض، مثل أسيموف، تخيُّل عالم يكون فيه الذكاء الاصطناعي خادماً وليس سيداً، لكن معظم الكُتاب، مثل فرانك هربرت، الذي نشر كتاب “ديون” (Dune) في عام 1965، اعتنقوا “عقدة فرانكشتاين”.
وصفت ملحمة هربرت الضخمة، التي تدور أحداثها بعد آلاف السنين في المستقبل، عالماً بعد “جهاد بتلر” كحرب ضد الآلات الذكية. نتج عن ذلك عالم على شاكلة مدينة “إريوهون”، حيث أعلن القانون السائد أنه “لا يجب أن تصنع آلة تشبه العقل البشري”.
كما دخلت “هوليوود” في هذا المجال أيضاً بفيلم المخرج ستانلي كوبريك: “سبيس أوديسي 2001” (A Space Odyssey)، الذي يكون أحد أبطاله كومبيوتر قاتل، لكن كومبيوتر “هال” (HAL) في فيلم “كوبريك” كان ضئيل الأهمية مقارنة بالجيل التالي من أجهزة الكمبيوتر الخيالية الواعية.
قبل عقد، أصبح “سكاي نت” واعياً، ودمّر الإنسانية في سلسلة أفلام “ترمنايتور”. بينما قام فيلم “كولوسس”: ذا فوربن بروجيكت” (The Forbin Project) برواية “القصة المخيفة لليوم الذي أخرج الإنسان نفسه من الوجود” من خلال إنشاء “كولوسس”، وهو كمبيوتر فائق الذكاء يُمنح السيطرة على ترسانة الأمة نووية.
“كولوسس” – وهو الاسم الذي يلمح إلى حاسوب كسر الشيفرة في الحرب العالمية الثانية الذي ابتكره آلان تورينغ – سرعان ما أصبح مدركاً لذاته ويتواصل مع نظيره السوفيتي، الذي أصبح أيضاً واعياً. ومعاً، يهدد الحاسوبان بأنها سيقومان بتدمير العالم بالسلاح النووي ما لم يتم إعطاؤهما السيطرة على بشرية. يحاول البشر التمرد لكنهم يفشلون، فيصبحون معتمدين على أجهزة كومبيوتر قوية مسلحة نووياً، تحكم تصرفاتهم.
بُطء مُجاراة التفكير البشري للمتغيرات
على الرغم من أن قلقنا بشأن الذكاء الاصطناعي أصبح مرعباً بغرابة أكبر في السنوات الأخيرة – وهنا أخص بالذكر فيلم “ميغان” (M3gan) -فإن ما هو أكثر إثارة للاهتمام هو الكم القليل الذي تغير في تفكيرنا على مدى قرن تقريباً. كل المخاوف الرائجة حالياً لها تاريخ طويل وحافل، من المخاوف من زوال البشر إلى التنبؤات بأن الذكاء الاصطناعي سيصبح قوة عنيدة وشريرة.
شهدنا الآن تطورات دراماتيكية في مجال الذكاء الاصطناعي تم إحرازها خلال العام الماضي، ما قرّبنا أكثر إلى أنواع الآلات التي تم تصوّرها في العديد من هذه القصص الكارثية. قد يُريحك أو لا يُريحك أن البشرية كانت تفكر في إمكانية حدوث هذه النتائج المخيفة لأكثر من قرن، لكن على الأقل، الاطلاع على تاريخنا العميق من التشكك يساعد في وضع ردود الفعل الحالية حيال الذكاء الاصطناعي في منظورها الصحيح. وهذا شيء – في الوقت الحالي على الأقل – لا يمكن إلا للإنسان القيام به.
المصدر: صحيفة الشرق “بلومبيرغ”
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر