سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نايف الوعيل
كل ساعة يحفل الحقل الإعلامي بمتغيرات جديدة، قد تكون متناهية الصغر، غير أن تراكمها واحدة بعد الأخرى، قد يجعل الممارسة الإعلامية بوجه عام، وممارسات العلاقات العامة بشكل خاص، مختلفة الملامح في ظرف أشهر معدودة، مهددةً كل من يتوقف عن تطوير أدواته من ممارسيها بالتكلُّس السريع والهرم الفكري. ورغم ما تبدو عليه تلك الحقيقة من مدعاة حقيقية للهلع المهني لنا جميعًا، إلا أنها في الوقت ذاته، ولحسن الحظ، قابلة للتطويع والتسخير بالقليل من الجهد والاطلاع المستنير.
إذًا السؤال هو: كيف أواكب العصر، فلا أصبح موظفًا عتيقًا ينتمي للقرن الماضي، أو العقد الماضي حتى على أفضل الفروض؟ إن المداومة على روتين يومي لكافة ممارسي العلاقات العامة دونما استثناء تضمن لهم الاستمرارية والديناميكية الكافية للتعاطي مع مفردات السوق المتغير، والروتين المعرفي ذاك لا يقتصر على الالتحاق بالدورات التدريبية التي تنظمها المؤسسات، وإلقاء اللوم عليها ما إن تأخرت في الإعلان عن برنامج تدريبي جديد.
الروتين في جوهره هو التواصل والاطلاع الدائم؛ التواصل مع الزملاء والعاملين في أقسام العلاقات العامة بالداخل والخارج، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وربَّما عبر العلاقات الثرية التي يستثمر فيها كل منا على مدار مسيرته المهنية. أمَّا الاطلاع، فلم يعد يعني الجلوس ساعات مطوّلة في قاعات مكتبية رتيبة، بل إن هواتفنا وشاشاتنا تعج بمحتويات متخصصة وعامة تستعرض لنا إلامَ وصل العالم في كل دقيقة.
أحد تلك المستجدات التي طالعناها على هواتفنا ولم نلقِ لها بالاً منذ أعوام قلائل، ظاهرة البث الحي ومقاطع الفيديو القصيرة على سبيل المثال، التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي واحدة تلو الأخرى، وأصبحت من ثم أداة من أدوات المؤثرين وصناع المحتوى. هؤلاء أيضًا – بالمناسبة – لم يمضِ على اختراقهم عالم العلاقات العامة والإعلام سوى عقد أو نحوه، تمكنوا خلاله من تعديل قواعد لعبة الإعلام لتناسب الأجيال الجديدة، وتناسبهم.
إن التعالي على مفردات اللعبة المستحدثة، لن يكون بأي حال في صالحنا، نحن ممارسي العلاقات العامة؛ فالسيطرة لن تتأتى أبدًا بإدارة الظهر والتجاهل لكل ما هو جديد. ففيما قد يفيد الاستمساك بأسس الممارسة الراسخة، فإن تطعيمها بالجديد يجعلها أكثر قربًا من المستهدفين بها (الجمهور) الذين يتفاعلون كما نتفاعل بصفة متواصلة مع المستجدات، فيقعون في غرام بعضها، ويلفظون البعض الآخر، ولن نصل إليهم إلا بهضم كل ما يتعرضون إليه.
البث الحي
إن البث الحي أحد أبرز المستجدات والممارسات الإعلامية وثيقة الصلة بقطاعات وأقسام العلاقات العامة، وذلك لكونه قناة اتصال مباشرة مع الجمهور المستهدف في أي موقع حول العالم، وفي أي زمان. البث الحي أيضًا قادر على كسر العلاقة النمطية ما بين مقدم الرسالة وجمهوره؛ إذ إنه يخلق حالة غير اعتيادية من الحميمية بين الطرفين.
وعن طريق البث الحي فقط يمكن لمتلقي الرسالة أن يتواصل فعليًا مع مقدمها بشكل فوري وشبه حصري، سواء أكان مقدم الرسالة شخصية فعلية أم اعتبارية. ولكن تلك المعادلة تبدو يسيرة على نحو يزيد من فرص إساءة استخدامها أو فقدانها للفاعلية في أحسن الأحوال.
لذا، فإن الظروف المناسبة لتسخير البث الحي بمجالات العلاقات العامة عامل حاسم في فاعليتها للعميل أو المؤسسة صاحبة الرسالة، فضلاً عن التوقيت المناسب لتوظيف تلك الخاصية. فعلى سبيل المثال، قد لا يكون الخيار الأنسب هو تقديم إحدى المؤسسات رسالة اعتذار رسمية عن أحد الأخطاء غير المقصودة عن طريق أداة البث الحي، فيما يمكن لأداة البث الحي أن تكون وسيلة مثالية تستعرض من خلالها إحدى المؤسسات فعالياتها الخيرية على نحو شفاف ومباشر يشرح للجمهور دون الحاجة لعبارة شرح واحدة تحمل الجمهور إلى قلب الحدث.
إن التفريق على نحو لا يحمل التباسًا بين البث الحي الاحترافي، والبث الحي الذي بوسع أي مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي أن يقدمه؛ عامل آخر في تقييم جودة البث الحي بوصفه أداة للعلاقات العامة الرسمية، تليق بالسُمعة والاحترافية، والموقع الذهني الذي يود مرسل الرسالة أن يحتله في رأس متابعيه أينما كانوا حول العالم.
خلاصة القول إن خاصية البث الحي، إذا خلت من معايير الاحترافية، ولم يسبقها تخطيط كافٍ على الصعيد التقني، وكذا على مستوى جودة الرسالة، وحسن صياغة الرسالة، لا يتعارض بذلك مع عفوية المحتوى، أو مصداقيته ومصداقية الوجه الذي ينقله.
المؤثرون
إن الصعود المدوي لفئة المؤثرين على مواقع التواصل، كان إفرازًا غير مخطط لتفاعلات عوامل عديدة. وبالرغم من اعتقادي أن نشوء تلك الفئة كان وليد الصدفة، فإن محاولات أرباب العلاقات العامة لاستغلال إمكاناتهم قد حفل بالقسم الأكبر من التجريب الذي أنتج أخيرًا دليلاً غير منطوق للتعامل مع المؤثرين.
فعندما اجتذب المؤثرون الانتباه في الأوساط، لم يخلُ الأمر من سهام انتقادات، انتقصت من فاعليتهم في التو، وجعلت مصداقيتهم منقوصة، ويرجع الأمر إلى ضلوع في إنتاج محتويات إعلانية يظنون أنها غير مباشرة. غير أن الجمهور كان أكثر وعيًا بمحتواها المحاك خصوصًا لدفع متابعيهم للتجاوب الفوري، وعلى الأرجح في اتجاه الشراء. وفي حين أن جوهر العلاقات العامة التواصل ومد الجسور بغير نوايا إعلانية مباشرة، صار لزامًا علينا أن نعيد تركيب معادلة المؤثر إذا ما قررنا التعاون مع أحدهم.
إن معادلة المؤثر تعتمد بالأساس على جاذبية الشخص، وجاذبية محتواه: تحديده، وجدته، وبالتأكيد مصداقيته. غير أن لهاث بعضهم خلف المكاسب السريعة ربَّما يكون قد أضر بفاعلية الجميع، وأصبح كل واحد منهم ملزمًا بالمضي خطوة زيادةً للتوكيد على فرادته ومصداقيته.
أمَّا فيما يخصنا نحن، فإن تخيُّر المؤثر المناسب يُعد حلقة أولى في سلسلة من الإجراءات التي يتوجب علينا القيام بها، لتوجيه رسالة متماسكة ذات جودة ومعبرة حق التعبير عن الهدف الاتصالي.
طبيعة العلاقة بين وكالة العلاقات العامة والمؤثر لا بدَّ أن تحكم بضوابط واضحة، كي تنأى بالطرفين عن العلاقة بين المعلن ووسيلة الإعلان الجماهيرية. لا يعني ذلك انتقاصنا بأي حال من العلاقة المذكورة آنفًا؛ كل ما في الأمر أن جوهر العلاقات العامة يرتكز على عملية التواصل والتأثير لتحقيق أهداف تجارية مباشرة وقصيرة المدى. لذا من المأمول أن تكون العلاقة بين الوكالة والمؤثر قائمة على التشارك في القيم والأهداف والإيمان بالقضية محل النقاش.
نقطة أخيرة في السياق ذاته، ترتبط بآلية صوغ الرسالة بالتعاون مع المؤثر، ففيما قد يكون من المفيد أن يجري التشارك والتعاون سويًا لإنتاج رسالة جذابة من جهة، ومن الجهة الأخرى تؤدي الغرض منها بفعالية، فلا بدَّ ألا يحرم ذلك التعاون المؤثر من طابعه الخاص، وأسلوبه والكاريزما خاصته التي من أجلها لجأنا إليه في المقام الأول.
الفيديوهات القصيرة
إن الفيديوهات القصيرة عدوى انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها، فما إن طُرحت حتى اتخذت مُسميات متعددة ترتبط بكل منصة على حدة، وتغيُرات طفيفة في الخواص، لا تسلب مفهوم “الفيديو القصير” صفاته الجوهرية: الصورة والتكثيف.
إن الفيديوهات النصية القصيرة – إذا جاز التعبير- يمكن اعتبارها في عالم التواصل الاجتماعي المعادل في العالم اللغوي لمفهوم البلاغة. فكما أن البلاغة هي إحداث التأثير الشعوري من أقصر الطرق اللغوية وبأقل عدد كلمات، فالفيديوهات القصيرة بلاغة من نوع آخر، تعتمد على الصورة في تحقيق الاستجابة العقلانية والشعورية المرجوة.
وفيما تتعدد التطبيقات التي بوسع ممارسي العلاقات العامة توظيف مقاطع الفيديوهات القصيرة فيها، غير أن أبرزها إعادة نشر مقاطع الفيديو القصيرة التي تتضمن ردود الأفعال أو رجع الصدى من الجمهور العام على مجهودات مؤسسة أو رسائلها أو حملاتها المجتمعية الفعلية. ذلك النمط إنما يمثل الطريق المختصرة المثالية لبناء مصداقية واحترام متبادل ما بين الجمهور ومقدم الرسالة الذي يعتمد بإنصاف على طرف ثالث يقدم رأيًا محايدًا.
مستشار إعلامي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر