سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
الحبيب الأسود
دخلت تونس الأسبوع الثالث من فترة الشهر التي حددها الرئيس قيس سعيّد لتجميد كافة صلاحيات مجلس نواب الشعب وفق بيان الخامس والعشرين من يوليو، وتعليق نشاط البرلمان وفق ما ورد في الجريدة الرسمية، فيما لا يزال التونسيون ينتظرون الخطوات القادمة، ولاسيما أن تدابير الرئيس شملت توليه كافة السلطات التنفيذية تزامنا مع إعلان حل الحكومة.
اعتمد الرئيس سعيّد في تدابيره على الفصل 80 من الدستور، وفق تأويلات اعتبرها الكثير من الخبراء والسياسيين انقلابا على الدستور، فيما رآها آخرون حقا دستوريا لمن يمتلك شرعية إنقاذ البلاد من الخطر الداهم وفق ما يراه صالحا، ويمتلك المشروعية المنبثقة أساسا من الإرادة الشعبية.
اليوم هناك من ينتظر على أحرّ من الجمر ماذا سيحدث في قادم الأيام. قصر الإليزيه أعلن السبت الماضي أن الرئيس التونسي أبلغ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه “سيكشف قريبا عن خارطة الطريق للفترة المقبلة وأنه سيواصل إيلاء الشرعية الشعبية ما تستحقه من مكانة وأهمية”. ماكرون هو الذي اتصل بقيس سعيّد، والرئاسة التونسية لم تعلن عن الاتصال، والكثير من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تونس أكدت أنها في انتظار خارطة الطريق التي سيعلن عنها الرئيس.
أهم ما يترقبه التونسيون هو الإعلان عن تكليف شخصية وطنية بتشكيل الحكومة بعد أن أصبحت حكومة هشام المشيشي في خبر كان، وعندما قرر الرئيس ملء بعض الفراغات في الوزارات، اعتمد على مبدأ تعيين شخصيات مكلفة بالتسيير، لا وزراء، احتراما منه لنصوص الدستور، لكن المرحلة القادمة لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل، كما لا يمكن للرئيس أن يغامر بدفع التأييد الشعبي الكبير الذي يحظى به ثمنا لعودة البرلمان إلى النشاط ليمنح ثقته للحكومة الجديدة.
هناك حالة رفض في الشارع التونسي لعودة البرلمان ولأي ظهور من جديد لرئيسه راشد الغنوشي في واجهة الأحداث، كما أن حركة النهضة تبدو اليوم في حالة من العزلة الشعبية والسياسية، وفتح أي باب أو حتى نافذة للحوار معها سيعتبره الشارع الذي ساند إجراءات الخامس والعشرين من يوليو تراجعا من قبل الرئيس الذي قال “لا تراجع ولا عودة إلى الوراء”.
العارفون بشخصية قيس سعيّد يدركون أنه لن يتراجع فعلا عن موقفه ولاسيما في ما يتعلق بطبيعة النظام السياسي، ويؤكدون أن صفحة البرلمان الحالي قد طويت، كما أن الحوار مع حركة النهضة غير وارد، ومواقف بعض قادتها وخاصة المتعلقة بتحريض العواصم الغربية والدفع بها إلى التدخل في الشأن المحلي، زاد من تعميق الفجوة بين الطرفين. هناك ممارسات لا يتسامح معها قيس سعيّد وبعضها كان من الغنوشي شخصيا.
كيف ستكون ملامح المرحلة القادمة إذن؟ هناك أمران لا ثالث لهما، فإما تطبيق مخرجات دستور 2014 التي تقيد تحركات الرئيس سعيّد، أو إصدار إعلان دستوري أي دستور مؤقت لتنظيم السلطات خلال المرحلة القادمة، وفسح المجال أمام استفتاء شعبي على شكل نظام الحكم، ومن ثمة الاتجاه إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، وبالتالي طي صفحة السنوات العشر الماضية وقطع الطريق أمام الأوضاع التي أدت بتونس إلى أزماتها السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية.
هناك إدراك إقليمي ودولي بأن الرئيس سعيّد، ومعه أغلبية ساحقة من التونسيين، غير قابلين بالاستمرار في اعتماد النظام السياسي المشتت للسلطات الذي شكلته حركة النهضة على مقاس نظرتها لمؤسسة الحكم. الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تطرّق إلى هذا الموضوع في حواره مع وسائل الإعلام الأحد الماضي مشيرا إلى أن هذا النظام لا يتماشى مع طبيعة العالم الثالث. وأغلب الفاعلين الدوليين بما في ذلك المؤسسات المانحة، يشيرون إلى أن هناك مشكلة مع تونس أساسها غياب المرجعية الحقيقية التي يستطيعون التعامل معها.
ويبقى أن أي محاولة لتغيير شكل النظام السياسي ستحتاج إلى تعديل في الدستور، وهذا يحتاج إلى رفع التجميد عن البرلمان، وتشكيل المحكمة الدستورية، وتنظيم استفتاء شعبي، وما إلى ذلك من الإجراءات التي تعني عودة النخبة المقصاة في الخامس والعشرين من يوليو إلى واجهة الأحداث من جديد.
لتلافي ذلك، تحتاج المرحلة الحالية في تونس إلى إعلان دستوري. سيجد الرئيس سعيّد سندا شعبيا كبيرا في أي خطوة في هذا الاتجاه، كما أنه سيحظى بدعم من الدول العربية ولاسيما مصر والسعودية والإمارات والكويت والأردن والبحرين والمغرب والجزائر، وسيجد احتراما لقراراته من فرنسا ودول أخرى كالصين وروسيا، وتفهما حتى من الولايات المتحدة ذاتها. هناك اتفاق على أن الرئيس يقود إصلاحات من داخل منظومة ذات شرعية ومشروعية لمواجهة وضع صعب وخطر داهم على بلاده.
خلال الأيام الماضية، وصلت العديد من الرسائل إلى الرئيس التونسي تتمحور حول الثقة في إجراءاته، وتؤكد أنه سيجد من يقف إلى جانبه بصدق لإخراج بلاده من المأزق. بعض الدول وصلت إلى حد التفكير في تخصيص صندوق لمساندة تونس خلال المرحلة القادمة. ولكن الجميع ينتظر الإعلان عن خارطة الطريق التي سيتم الإعلان عنها، باعتبارها ستكشف ملامح التجربة الإصلاحية التي سيتجه الرئيس لتنفيذها. أغلب من يدعمون قيس سعيّد يرفضون العودة إلى الخلف ولو كان ذلك باسم الديمقراطية واحترام الدستور.
إن الإبقاء على الدستور الحالي يعني الإبقاء على إفرازاته ونتائجه السلبية. الرئيس سعيّد كان قد نبّه إلى أن هذا الدستور لا يصلح. وبالتالي سيكون عليه أن يتجاوزه للتأسيس إلى الجمهورية الثالثة بإعلان دستوري يهيئ لدستور جديد غير مفخخ وغير مشتت للسلطات، ولكنه في ذات الوقت يحمي الحريات العامة والخاصة ويؤسس لديمقراطية حقيقية مبنية على أسس الرقابة الشعبية الفاعلة على مؤسسات الحكم.
المصدر: صحيفة العرب اللندنية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر