مقدمة
أظهر صندوق النقد الدولي نظرة تفاؤلية نحو الاقتصاد العالمي، حيث أثبت الاقتصاد العالمي صلابته وقوته خلال الربع الأول من السنة الحالية، ومُقدرًا أن المخاطر قد تراجعت في الأشهر الأخيرة بعد أن تجنبت الولايات المتحدة التخلف عن سداد الديون، ولكن لا يزال الاقتصاد العالمي يتعافى تدريجيًا من توابع جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الكثير من التحديات التي لا تزال تخيم على الآفاق، ولا يزال الوقت مبكرًا على الاحتفال بهذه التطورات.
تباطؤ النمو
بالرغم من تنبؤ صندوق النقد الدولي بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي من مستواه العام الماضي حين بلغ 3,5% إلى 3% هذا العام والعام التالي، إلا أنه أفضل من التوقعات السابقة للصندوق في أبريل عند 2.8٪، ويتركز التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة، حيث سينخفض النمو من 2,7% في 2022 إلى 1,5% هذا العام ويظل ضعيفًا فلا يتجاوز 1,4% العام القادم. ويُتوقع تباطؤ النمو بشدة في منطقة اليورو، التي لا تزال مفتقرة إلى التوازن بفعل الارتفاع الحاد في أسعار الغاز العام الماضي من جراء الحرب.
وعلى العكس من ذلك، لا تزال التوقعات تُشير إلى ارتفاع النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية مع تسارع وتيرة النمو على أساس سنوي مُقارَن من 3,1% في 2022 إلى 4,1% هذا العام والعام القادم. وعلى الرغم من النظرة الأكثر تفاؤلًا للاقتصاد العالمي، حذّر صندوق النقد الدولي من أن آفاق النمو تبدو ضعيفة مقارنة بمتوسط 3.8% خلال العقدين السابقين لوباء كوفيد-19، وأن “ميزان المخاطر على النمو العالمي لا يزال يميل إلى الاتجاه الهبوطي”.
وبالرغم من حل أزمة سقف الديون الأمريكية الأخيرة، واتخاذ السلطات إجراءات قوية لاحتواء الاضطرابات في البنوك الأمريكية والسويسرية في وقت سابق من هذا العام أدى إلى التقليل من المخاطر المباشرة لاضطراب القطاع المالي وخفَّفا من المخاطر السلبية على التوقعات، ويعتبر الصندوق من بين عدد متزايد من الأصوات التي ترى هبوطًا ناعمًا محتملًا في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى توقعات بعض الاقتصاديين بأن هناك احتمالًا بنسبة 60% بأن تسقط الولايات المتحدة في حالة ركود خلال الاثني عشر شهرًا القادمة.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 0.5 نقطة مئوية، ويتوقع أن يهبط نمو المنطقة إلى 2.6% هذا العام، مقابل 5.4% في عام 2022. وهبطت توقعات النمو في عام 2024 إلى 3.1% من 3.4% في أبريل الماضي، كما خفض صندوق النقد توقعاته لنمو اقتصاد السعودية بـ 1.2% إلى 1.9% في 2023، مؤكدًا أن الاستثمارات الخاصة والمشاريع العملاقة ستواصل دعم الاقتصاد غير النفطي بالسعودية.
التركيز على التضخم
توقع الصندوق هبوط التضخم العالمي إلى 6.8% في عام 2023، مقابل 8.7% في عام 2022. وكان الصندوق قد توقع في أبريل الماضي هبوط التضخم العالمي إلى 7.0%، إذ تشير التوقعات إلى أن تشديد السياسة النقدية سيؤدي إلى تراجع التضخم بالتدريج، وإن كان أحد المحركات الرئيسية لتباطؤ معدل التضخم المتوقع في 2023 هو تراجع أسعار السلع الأولية الدولية، وقد ثبت أن التضخم الأساسي الذي يستبعد السلع متقلبة الأسعار كالغذاء والوقود سوف يستمر أعلى من المتوقع، وتوقع الصندوق أن يصل التضخم الأساسي في عام 2023 إلى 6.0% هبوطًا من 6.5% في العام الماضي.
وأضاف صندوق النقد الدولي أن الأولوية في معظم الاقتصادات هي تحقيق معدل تضخم منخفض مستدام، مضيفًا أن البنوك المركزية يجب أن تركز على استعادة استقرار الأسعار وتعزيز الرقابة المالية ومراقبة المخاطر، ويرى كل من رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد أن معدل التضخم لا يزال مرتفعًا، لذلك سيستمر تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة.
المخاطر
- استمرار التضخم:
لا يزال التضخم الأساسي أعلى بكثير من أهداف البنوك المركزية، ومن المتوقّع أن يتراجع بالتدريج من 6% هذا العام إلى 4,7% في 2024، ولكن يظل معدل المتوسط السنوي للتضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة من المتوقع أن يظل دون تغيير عند 5,1% هذا العام، قبل أن يتراجع إلى 3,1% في 2024.
- إعادة تسعير الأصول في الأسواق المالية:
تراجعت الأوضاع المالية منذ موجة الضغوط المصرفية التي شهدها شهر مارس. وحدثت طفرة في تقييمات أسواق الأسهم، واستمر الانخفاض في سعر صرف الدولار، تدفعه توقعات السوق بانخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وزيادة الإقبال على المخاطرة، هناك مخاطر في الفترة القادمة من إعادة التسعير على نحو حاد، وإذا ارتفع التضخم على نحو مفاجئ أو تراجعت الرغبة في المخاطرة على مستوى العالمي، فقد يسبب ذلك الهروب نحو الأصول الآمنة بالدولار وارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة حالات المديونية الحرجة.
- تعافٍ دون المتوقع في الصين:
أدى انكماش قطاع العقارات، وضعف الاستهلاك، والتشديد المالي بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية إلى التحول السلبي في تنبؤات النمو مما يتسبب في انعكاسات سلبية على الشركاء التجاريين في المنطقة وخارجها.
- مزيد من المديونية الحرجة:
أدت زيادة التوترات الدولية، والحرب الروسية الأوكرانية إلى زيادة الضغوط المصرفية للأسواق الناشئة، مما أدى إلى زيادة تكاليف الاقتراض بالإضافة إلى مخاطر المديونيات السابقة، وظلت نسبة الأسواق الناشئة التي تزيد فروق العائد على الائتمان السيادي فيها عن ألف نقطة أساس هي ٢٥٪ حسب الوضع في يونيو.
- تعمق التشتت الجغرافي:
أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تغيير مسار التجارة العالمية وتوترت الجغرافيا السياسية، مما أدى إلى تغيير تحركات رؤوس الأموال والتكنولوجيا والعمالة عبر الحدود، فضلًا عن المدفوعات الدولية.
الخاتمة
خلاصة القول، إن صندوق النقد الدولي لديه نظرة تفاؤلية نحو الاقتصاد العالمي، حيث إنه يرى أن حكومات الدول تسير بخطوات سليمة نحو زيادة معدلات النمو وكبح معدلات التضخم، لكنه يحذر من مخاطر استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى التوترات العالمية الأخرى (أزمة سقف الديون الأمريكية، مشاكل قطاع العقارات الصينية)، حيث تؤدي تلك التوترات إلى استمرار زيادة معدلات التضخم، وزيادة المديونيات على دول، وتعمق التشتت الجغرافي.