سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إميل أفدالياني
في الوقت الذي تواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مشاكل داخلية معقدة، أصبحت كلٌّ من الصين وروسيا أكثر تعاونًا في عدد من القضايا الأوروبية والآسيوية الهامة. لذا، فإن التغيرات الجيوسياسية ستؤدي إلى نفوذ روسي اقتصادي وعسكري أكبر في منطقة جنوب القوقاز.
فالوضع الجيوسياسي في جنوب القوقاز وما حولها يبدو في حالة تغير مستمر، وهو ما يتوافق مع الفوضى العالمية التي شهدناها على مدار السنوات القليلة الماضية عبر مساحة منطقة أوراسيا، إذ عكست الولايات المتحدة سياستها التي استمرت عقودًا من التحالفات المحددة التي أدت بدورها إلى إقامة شراكات مختلفة، أي بين روسيا وتركيا، وأيضًا بين الصين وروسيا. ونظرًا لأن جنوب القوقاز يقع على حدود معظم هذه القوى الأوراسية، فإن المشهد الجيوسياسي المتغير له تأثير مباشر على تطوير السياسة الداخلية والخارجية لأرمينيا وأذربيجان وجورجيا.
وعلى ذلك، فإن المشكلة الأشد خطورة بالنسبة للبلدان الثلاثة ربَّما تكمن في التقارب بين الغرب وروسيا؛ إذ تُظهر البيانات السياسية، بالإضافة إلى العديد من التحركات العملية، أن هناك نقاشًا جادًا يدور في الاتحاد الأوروبي حول إعادة بعض العلاقات السابقة مع موسكو على الأقل. وعلى الرغم من أن أرمينيا وأذربيجان لا تسعيان صراحة إلى الاندماج الغربي، فإن “يريفان” و”باكو” مهتمتان دائمًا بموازنة النفوذ الروسي مع الاتحاد الأوروبي في المنطقة. أمَّا على المدى الطويل، فإن الخطاب الأوروبي المتغير تجاه موسكو قد يعني على الأرجح زيادة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز، فضلاً عن تناقص قدرة الدول الثلاث على التنقل بين تصرفات روسيا.
كان هذا التغيير الجيوسياسي ملحوظًا بالفعل في العديد من الخطوات العملية لبلدان جنوب القوقاز. ففي جورجيا، بدأت الحكومة، الحساسة جدًا تجاه الأصداء بين حلفائها الغربيين، في إطلاق عملية تحديث سياسي. فتَّم قبل عدة أسابيع عقد أول اجتماع رفيع المستوى بين المسؤولين الجورجيين والروس منذ الغزو الروسي عام 2008.
وبينما انتقد الكثيرون الحزب الحاكم على قيامه بإعادة إحياء اتصالات رفيعة المستوى مع الروس، تمَّ التأكيد على المنظور الجيوسياسي بشكل أكبر، وذلك من خلال الحاجة إلى تأمين مواقعه في منطقة تزداد فيها الاضطرابات، وهو ما دفع “تبليسي” إلى التحرك في هذه اللحظة بالذات. وفي أرمينيا وأذربيجان يوجد إجماع متزايد بين النخب السياسية على أن توسع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في جنوب القوقاز متوقف فعليًا، كما أن ذلك يرتبط بمواقفهما، وأنه من الأفضل بناء علاقات ودية مع موسكو.
وتتلاءم هذه الأوضاع في جنوب القوقاز مع السياق الأوراسي الأوسع، إذ تسعى مختلف الدول حاليًا إلى تعزيز تعاون أوثق مع موسكو، أو على الأقل خفض المشاعر العدائية تجاه روسيا. وعلى سبيل المثال، نجد أنه في أوكرانيا، بذل الرئيس الأوكراني جهودًا كبيرة لتحقيق تقدم جزئي في شرق أوكرانيا وذلك بالموافقة على إجراء انتخابات في شرق أوكرانيا. وفي مولدوفا، تعاونت القوى الغربية مع موسكو من أجل الإطاحة بحكومة “فلاديمير بلوتنيوك” الفاسدة. وفي آسيا الوسطى، من المرجح أن تنضم أوزبكستان إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EEU)، مما يعكس احتمالات نجاح مشروع التكامل. علاوة على ذلك، ففي بيلاروسيا، يبدو أن موسكو قد حققت تقدمًا كبيرًا في الاندماج المالي والقانوني مع “مينسك” بحلول عام 2022. وبالتالي، فإن هناك اتجاهًا واضحًا بين الدول الأوروبية التي تحاول أن تثبت فيه علاقاتها المتوترة مع روسيا.
من الملاحظ أيضًا أن ثمة حالة واضحة من زعزعة الاستقرار. إذ ستشكل الحرب في سوريا أيضًا مثالاً أساسيًا على احتمالات أن تؤثر على دول المنطقة الثلاث. ذلك أن الانتشار المحتمل للمقاتلين الإرهابيين من السجون السورية إلى أوراسيا الأوسع نطاقًا، يثير قلقًا خاصًا لجورجيا، إذ سافر الكثيرون من المنطقة إلى سوريا والعراق إثر اندلاع النزاع السوري. وتوجد مخاوف مماثلة في أذربيجان، وكذلك يتوقع تدفق اللاجئين المنحدرين من أصل أرمني في أرمينيا.
في ضوء ما سبق، فإن المنظور المستقبلي لجنوب القوقاز لا يبدو إيجابيًا، إذ ستحيط المنطقة بروسيا الموسعة من الناحية الجيوسياسية. وعلاوة على ذلك، سيتقلص الموقف الغربي. ومن المؤكد أن تواصل جورجيا مسيرتها المؤيدة للغرب، وأن يزداد التعاون الاقتصادي والثقافي والعسكري مع أوروبا والولايات المتحدة، وذلك على الرغم من أن البلاد ستبقى في وضع أقل من عضوية الناتو أو الاتحاد الأوروبي.
وبالنظر إلى الجوانب الجيوسياسية الرئيسية في العلاقات بين روسيا وتركيا، وروسيا والغرب، فمن المرجح أن تنجرف أذربيجان مستقبلاً ناحية موسكو. وهو ما قد يتحقق في “باكو” التي تسعى بنشاط إلى الحصول على عضوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي أو الاتحاد الأوروبي، مما قد يشكل تحولاً رئيسيًا في الجغرافيا السياسية الإقليمية، إذ تعمل البلاد كبوابة للممر الاقتصادي بين الشرق والغرب، الذي يربط بين بحر قزوين والبحر الأسود. وتكتسب جورجيا أهمية كبيرة من الناحية الاستراتيجية. ولكن بدون أذربيجان، فإن النفوذ الغربي في المنطقة سوف يتضاءل. إذ من المتوقع أن تزيد أرمينيا أيضًا من شراكتها الاستراتيجية مع روسيا في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية. ومن شأن الاختلافات التي ظهرت بين “يريفان” و”موسكو” بعد الثورة المخملية أن تنخفض إلى حد بعيد.
ومن ثَمَّ، فمن المحتمل، خلال السنوات المقبلة، أن نرى جنوب القوقاز يتمتع بنفوذ روسي أكبر بكثير ودور غربي متناقص في القضايا الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: قوقاز ووتش
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر