سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
خالد عكاشة
التقرير الأحدث الذي أنجزته لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، وجرى تقديمه الثلاثاء الموفق 26 يوليو 2022 إلى مندوبي الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن، بل وحظي بتوزيع على نطاق واسع، إلى اللجان والأقسام المعنية بـ”التهديد الإرهابي” وهي عديده، وبالنظر إلى الاعتبار الأمني المتداخل كعنصر رئيسي مع كافة القضايا محل الاهتمام، قد حمل اشارة واضحة بداية من عنوانه “التهديد الإرهابي لا يزال مرتفعا في مناطق الصراع”، وهو معني دوليا بمراقبة وتحليل نشاط أكبر تنظيمين إرهابيين بشكل خاص هما “القاعدة” و”داعش”، حيث قدم فريق الخبراء من خلاله حزمة من التقديرات والمؤشرات التي تعطي تفسيرات لهذا العنوان الشامل.
تهديدات متصاعدة
على مستوى النطاق الجغرافي، يخلص التقرير إلى أن التهديد الإرهابي لا يزال قائما من تنظيمي “داعش” وتنظيم “القاعدة”، وأعطي مرتبة “مرتفع” بشكل محدد في مناطق الصراع والدول المجاورة، كما حذر من أن هذه الصراعات سوف “تحتضن” القدرة على القيام بنشاط إرهابي في أماكن أخرى من العالم ما لم يتم حلها بنجاح. فالتنظيمين لازالا يعملان في المناطق ذات الاهتمام الأكبر لهما، التي تظل حتى الآن تمثل أولوية لطبيعة بيئاتها الحاضنة، كما تدفع مشكلاتها السياسية المركبة إلى اتاحة تشكيل ساحات ملائمة للعيش والتمدد، هذه المناطق بترتيب الأولوية للتنظيمين بحسب التقرير أفريقيا ووسط وجنوب آسيا وبلاد الشام التي تشمل سوريا والعراق.
يتناول التقرير الأممي قضية الأجانب الذين قاتلوا مع تنظيم “داعش”، فهم يشكلون “عامل تهديد رئيسي آخر محتمل” إلى جانب من يعولونهم من زوجات وأطفال. ويقدروا من إجمالي مصادر التقرير؛ أنهم نحو (120 ألف) وما زالوا في (11 معسكر) وحوالي (20 منشأة سجون)، في شمال شرق سوريا وغيرها. فهناك ما يقرب من 10000 “مقاتل إرهابي أجنبي”، ما زالوا محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد السوريين. في حين جاء تأكيد من لجنة الخبراء التي تراقب العقوبات المفروضة على تنظيمي القاعدة وداعش، أن من بين هؤلاء المحتجزين (30 ألف طفل) دون سن 12 عاما، وهم معرضون بالتأكيد لخطر التطرف من قبل أيديولوجية داعش المتطرفة. فالتنظيم يستثمر طوال الوقت في خلق جيل جديد من المتطرفين، ويواصل نهج ومناهج “أشبال الخلافة” الذي تبناه عندما حكم ما يسمى بالخلافة المزعومة مساحة كبيرة من سوريا والعراق من 2014-2017.
التقرير الأممي ربما يعترف للمرة الأولى بشكل صريح، أن “داعش” رغم هزيمتها على يد القوات العراقية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في عام 2018، إلا إنه لا يزال يحتفظ بهيكلين تنظيميين متميزين لكلا من العراق وسوريا، ولديه شبكات إقليمية قوية وراسخة في أفغانستان تغطي منطقة جنوب آسيا، وأيضا في الصومال تغطي موزمبيق والكونغو، ويبقى الأخطر والأكثر تمددا في الأعوام الأخيرة 2020 ـ 2022 بحوض بحيرة تشاد الذي يغطي نيجيريا ومنطقة الساحل الغربي. ويحدد التقرير في جزء بارز منه أن التطورات “الأكثر ديناميكية”، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، الأولى هي عملية الهروب من منطقة السجون الرئيسية التي نفذتها داعش في مدينة “الحسكة” شمال شرق سوريا في شهر يناير، التي أسفرت عن إطلاق سراح عدد كبير من السجناء مع تكبد خسائر فادحة في صفوف قوات سوريا الديموقراطية. والأخرى مقتل زعيم التنظيم المعروف باسم “أبو إبراهيم الهاشمي القريشي” في فبراير، إثر غارة نفذتها القوات الأمريكية لمكافحة الإرهاب بالقرب من الحدود التركية في شمال غرب سوريا. وقد اعترفت داعش بوفاته في مارس، وأعلنت أن خليفته هو “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، لكن اللجنة لم تصل بحسب التقرير إلى تأكيد هويته الحقيقية بعد، على الرغم من مناقشتها على نطاق واسع من قبل العديد من الدول.
على جانب آخر؛ يشير التقرير إلى إنه وتزامنا مع استيلاءها على أفغانستان مرة أخرى في أغسطس 2021، قد استعادت طالبان توطيد قوة حلفاء القاعدة الرئيسيين داخل إدارتهم الفعلية الحالية. تزامن ذلك أيضا مع دعاية تنظيم “القاعدة” حيث أصبحت الآن أكثر تطورا، بل وتتنافس من جديد مع داعش باعتبارها الفاعل الرئيسي في إلهام بيئة العمل الإرهابي المسلح، وقد تصبح في النهاية مصدرا أكبر للتهديد الموجه. فهناك السياق الدولي الذي صار موات للقاعدة أكثر مما مضى، كي تصل لمبتغاها في الاعتراف بها مرة أخرى كزعيم للجهاد العالمي.
تمويلات قائمة
فيما يخص عملية التمويل؛ وهي الأخطر والأهم دون شك حيث تمثل الدماء التي يمكنها أن تحيي شرايين التنظيمين، نقلت لجنة اعداد التقرير عن مصادرها في بلدان عدة، أن قيادة داعش وحدها تسيطر على ما يقرب من (25 مليون دولار) من احتياطيات الأموال السائلة للتنظيم، مع التأكد من بقاء الكثير من الأموال في العراق. في حين تظل النفقات على المقاتلين وأفراد أسرهم بشكل أساسي تتجاوز الإيرادات الحالية، لكن يمكن لمصادر الدخل الإضافية أن تعوض تلك الفجوة، بما في ذلك الابتزاز والاختطاف من أجل الفدية والتبرعات المباشرة والدخل من التجارة والاستثمارات، وهذه الأدوات والسبل التي برعت داعش فيها في مناطق تواجدها، ساعدتها دون شك على “التكيف والحفاظ على نفسها”. فالدول الأعضاء التي أمدت اللجنة بالمعلوات ذكرت أن قدرة قادة داعش على توجيه التمويل والحفاظ عليه للفروع العالمية “لا تزال مرنة”، مثلما جرى تسليط الضوء على “الأهمية الناشئة لجنوب إفريقيا” في تسهيل تحويل الأموال من قيادة داعش إلى الشركات التابعة لها في إفريقيا. وقد توافر لدى اللجنة الأممية ما جعلها على دراية بالعديد من المعاملات الكبيرة، التي يبلغ مجموعها أكثر من (مليون دولار)، لذلك فهم يلاحقون الآن المسار الذي يتلقونه من تقارير عن داعش والقاعدة واستخدامهم لـ”العملات المشفرة” لطلب التبرعات ودعم الأنشطة. فأحد تلك التقارير تناول ما تقوم به “داعش” من تقديم دروسا تعليمية، حول كيفية فتح محافظ الأصول الرقمية وإجراء المعاملات باستخدام العملات المشفرة. في حين أورد آخر مجموعة من الشواهد بشأن المعاملات التي يزيد مجموعها عن (700 ألف دولار)، تشمل بشكل أساسي العملات المشفرة المعززة للخصوصية، لتمويل عمليات داعش في أفغانستان، كما يشير إلى تطورها المتزايد في استخدام العملات المشفرة الأقل شهرة.
تقرير كاشف؛ ويدعو للقراءة المعمقة حيث يتناول عديد من المؤشرات التي تتميز بقدر من الشفافية ومصداقية التحذير، من أن الخطر الإرهابي لازال قائما وهو ما يحاول البعض تجاوزه أو تجاهله، رغم الكثير مما يجري على ساحات التنافس والصراع بين التنظيمين الكبيرين وأتباعهم، وفي بيئات عدم الاستقرار وتواجدهما الذي يفسح له المجال بأكثر مما يمكن التغاضي عنه.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر