تغير المناخ: تهديد مضاعف للأمن القومي | مركز سمت للدراسات

تغير المناخ: تهديد مضاعف للأمن القومي

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 24 مارس 2020

ياش فاردهان سينغ

 

تمثل المخاطر البيئية المضاعفة الناشئة عن تغير المناخ في الوقت الراهن، تهديدات مضاعفة وقوية للأمن القومي؛ وهو ما يرصده تقرير “المخاطر العالمية” لعام 2020 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي من خلال خمسة من أكبر عشرة مخاطر عالمية، توصف بأنها ذات طبيعة بيئية، وذلك نتيجة التقاء تغير المناخ والتدهور البيئي. فالتقارير الأخيرة الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)  تشير إلى تأثيرات واسعة النطاق لتغير المناخ على الرغم من الجهود الأخيرة لمواجهة تلك التهديدات، خاصة في بلدان مثل الهند.

وحتى لو أخذنا في الاعتبار التوقعات التي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن تغيرات درجات الحرارة وسقوط الأمطار، فإن الهند ستكون معرضة بشدة لموجات من الجفاف والاحتباس الحراري وارتفاع مستوى المياه في البحر وغيرها من الظواهر الجوية الشديدة، بما في ذلك الأعاصير والفيضانات وما إلى ذلك. إضافة إلى ذلك، هناك العديد من العوامل الأخرى مثل حجم السكان الهائل، تشير إلى التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والفقر المدقع والتبعية الزراعية والكثافة العالية للسكان على طول المناطق الساحلية التي من شأنها أن تضاعف التهديدات المادية. وهنا نشير إلى التأثير التتابعي لتغير المناخ على الأمن القومي، ولا سيَّما تلك الناشئة عن التفاعلات المحتملة مع كل من حالات التمرد التي تواجهها بعض الحكومات، بالإضافة إلى البنية التحتية المهمة، وخاصة المنشآت النووية، وكذلك أوضاع الصحة العامة. فبما أن هذه المجالات الثلاثة ذات صلة وثيقةٍ بالأمن التقليدي والبنية التحتية والأمن الإنساني بمفهومه الشامل، فإن دراستها من الأهمية بمكان للحصول على رؤى جادة حول الآثار الأمنية المتعددة الأبعاد التي يمكن أن تترتب على تغير المناخ.

أولاً: التمرد

بالنسبة للإجهاد البيئي، فإن لديه القدرة على تفاقم التداعيات المترتبة على التمرد المستمر في شمال شرق الهند ومناطق الوسط المتضررة من التطرف اليساري (LWE)، وهي مناطق حساسة بيئيًا، حيث تشهد حالات تمرد طويلة الأجل. فالإجهاد المناخي يؤدي بجانب ضعف قدرات الدولة إلى تدهور سبل المعيشة بين الناس. فعلى سبيل المثال، نجد أن الإجهاد المائي وتدهور الأراضي في المناطق الزراعية في الأراضي الجافة، يؤثر في صغار المزارعين في وسط الهند. إذ تستغل الجماعات المسلحة في عملياتها التكتيكية هذا الوضع للتجنيد في كوادرها وممارسة السيطرة المحلية والحفاظ عليها، كما رأينا في حالة الفاعلين في “لويزيانا سنتر” بوسط الهند. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي ضعف شمال شرق الهند تجاه الأحداث المناخية القاسية والكوارث الطبيعية، مثل: العواصف السحابية والفيضانات وما إلى ذلك، إلى ضغوط المعيشة وتشريد الأفراد وغير ذلك، إذ يمكن لهذه الظواهر أن يتم استغلالها من قبل القوى المتمردة في المنطقة لصالحها.

وتتعدد الحالات المشابهة حول العالم التي شهدت علاقة بين تغير المناخ والتمرد مثل حالة “بوكو حرام” في غرب إفريقيا. وكذلك هناك تغير المناخ حول بحيرة تشاد، الذي أدى إلى ندرة في المياه وتدهور الأراضي ما مثَّل عاملاً أسهم في الدعم المحلي والتجنيد لدى جماعة “بوكو حرام”.

وقد أظهرت الدراسات أيضًا أن زيادة حالات الجفاف في سوريا أدت إلى الهجرة من الريف إلى المدن على نطاق واسع، وساهمت في أن تصبح الظروف الاجتماعية والاقتصادية مواتية لعدم الاستقرار الداخلي. وقد توِّج ذلك باندلاع حرب أهلية ذات آثار كارثية ومدمرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ أن تؤدي أيضًا إلى تفاقم الجريمة المنظمة، التي ترتبط بالتمردات بشكل جيد. ولفهم المسارات المستقبلية المحتملة للتمرد في الهند والتنبؤ بها بشكلٍ دقيق، يجب مراعاة تغير المناخ.

ثانيًا: البنية التحتية الحساسة

البنية التحتية الحساسة مثل المنشآت النووية على طول السواحل والموانئ ومؤسسات الدفاع وشبكة الكهرباء الوطنية وما إلى ذلك، تعدُّ كلها عرضة لتأثيرات الإجهاد المناخي. فعلى سبيل المثال، تعتبر المنشآت النووية الهندية الواقعة على طول السواحل أكثر عرضة لتأثير العواصف والأعاصير وارتفاع مستوى المياه في البحر. فقد تسببت كارثة “تسونامي” في كارثة أخرى في محطة “فوكوشيما دايتشي” النووية عام 2011، حيث تقدم تلك الحالة صورة عن التحديات التي قد تواجهها المنشآت النووية في المستقبل. وإضافة إلى ذلك، تظهر النماذج المتعددة الأخيرة لتغير المناخ أن التوقعات السابقة قللت من تقدير حجم تأثير تغير المناخ، خاصة فيما يتعلق بارتفاع مستوى المياه في البحر، فضلاً عن الظواهر الجوية المتطرفة الأخرى. وقد تكون معايير السلامة الهيكلية والوظيفية، بالإضافة إلى خطط الطوارئ التي تم وضعها قبل عقد من الزمن، غير كافية للتعامل مع البيئة المادية؛ لأنها سريعة التغير في الحاضر والمستقبل. ونظرًا إلى أن المنشآت النووية تعدُّ مشروعات تتطلب وقتًا طويلاً ودورات حياة طويلة أيضًا، فمن الواجب مراعاة التهديدات طويلة المدى لتغير المناخ أثناء التخطيط.

ثالثًا: الصحة العامة

تنبأت تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بانتشار وتنامي الأمراض عبر النواقل المختلفة مثل الملاريا وغيرها بسبب الاحترار العالمي. فهناك أيضًا احتمال لزيادة الأمراض الجديدة الناشئة عن الحيوانات بسبب زيادة التفاعل بين الإنسان والحياة البرية الناشئة عن فقدان الظروف الطبيعية الداعمة. إذ يمكن أن تصبح أزمات الصحة العامة الناجمة عن الأوبئة بسهولة قضية أمنية وطنية. وبالنظر إلى الكثافة السكانية العالية والقدرة المحدودة على إدارة الصحة العامة، يمكن أن تكون الأوبئة واسعة النطاق في الهند. وربَّما تكون هناك حاجة إلى تحويل الأصول المادية والموارد البشرية من الأجهزة الأمنية لإدارة الأزمات الطبية.

كما ستكون هناك حاجة إلى أفراد عسكريين وشبه عسكريين وغيرهم من أفراد الأمن لمساعدة الإدارة المدنية في الأمور اللوجستية لتعزيز الاستجابة لحالات الطوارئ. إذ سيؤدي ذلك إلى خلق نقاط ضعف في المجالات المعيارية للأمن القومي، مثل: أمن الحدود، والقانون، والنظام الداخلي، والأمن الصناعي، ومكافحة الإرهاب، وعمليات مكافحة التمرد، وما إلى ذلك. هنا نشير إلى أن نقاط الضعف من هذا النوع تعدُّ عرضة للاستغلال من قبل الدول العدائية والجهات الفاعلة غير الحكومية على حد سواء. فلا يمكن استبعاد الحروب الافتراضية في مثل هذه الأزمات. كما أن هناك خطرًا من أن تستخدم بعض الدول والجهات الفاعلة من غير الدول المعلومات المضللة لنشر الذعر والسخط الناشئ عن أي أزمة للصحة العامة، مما يؤدي إلى عدم استقرار داخلي محتمل، بالإضافة إلى تحديات شرعية للدولة.

استنتاج

إن الآثار الأمنية الناشئة عن المخاطر البيئية، واسعة النطاق، بل إنها متعددة المستويات. فالعواقب المحتملة للتفاعل السلبي لتغير المناخ، بالإضافة إلى التمرد والبنية التحتية الحيوية والصحة العامة، تسلط الضوء على مجموعة التهديدات التي يمكن أن يشكلها تغير المناخ عبر المجالات الأمنية المتنوعة. ومن ثَمَّ، ينبغي للهند أن تعترف على وجه السرعة بإمكانية أن يؤدي تغير المناخ إلى نشأة أو تفاقم تهديدات الأمن القومي، والاستثمار في تعزيز حالات التأهب والاستنفار في الوقت المناسب.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: معهد دراسات السلام والصراعات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر