د. رزان بوقري

المدينة هي الفضاء الذي تسرح فيه الكثير من المجالات المتعايشة مع بعضها البعض، على الرغم من تعقيداتها وتنوعها الثقافي والسياسي والاقتصادي والفني وأيضًا الاجتماعي. درج أخيرًا مفهوم التحضر المدني الذي بدا ظاهرة مهمة لتفعيل فرص بناء العلامة التجارية للمدينة، والذي بموجبه تمَّ التركيز على السلوك العام للمقيمين من أبناء ومجتمع هذه المدينة، إذ إن هذا السلوك ينعكس مباشرة على هويتها، وكذلك على طابعها ومناخها العام. بمعنى أن نمط السلوك الذي يمارسه الأفراد يؤثر في طبيعة التواصل الداخلي والخارجي للمدينة، وبناء على تكرار هذا السلوك تتولد العادات، والعادات تخلق ثقافة، والثقافة تكون بمثابة أسلوب مهاري وفني تتمثل فيه هوية المدينة التي تنبثق منها صورتها. يعدُّ تغير السلوك الثقافي محورًا أساسيًا في إبراز صورة إيجابية للمدينة، والذي بدوره يؤثر مباشرةً في تصور المستثمرين الأجانب باعتماد طريقة التواصل وفكرة الاستثمار والإقامة معًا.

 وهو في الوقتِ ذاته يلعب دورًا بارزًا في توسع فرص الاستثمار الأجنبي بنجاح في منطقة معينة، لما يتبعه من اعتبارات عديدة، منها طبيعة السلوك المتعارف عليه في تقبل تعدد الجنسيات الأخرى، والمرونة في بناء العلاقات والترحيب والتواصل الإيجابي الحميم، وأيضًا في نطاق الحرية الذي يحتاج له الزائر والمقيم. استطاعت الكثير من المدن استقطاب كم كبير من المستثمرين والسياح الأجانب، وذلك لأنهم أدركوا قيمة وتأثير هذا العامل. فعلى سبيل المثال، أطلقت مدينة (نيويورك) حملة إعلانية في 2007 استخدمت فيها أهم المشاهير والمؤثرين إعلاميًا، وهدفت رسالتها إلى تشجيع مواطني المدينة للترحيب بكل زوارها من جميع الجنسيات، خاصة في القطاع السياحي ومشاركتهم الخبرة في الاختيارات لكل الجوانب الحياتية.

تؤثر البيئة الاجتماعية في البلد على سير عمل وبناء صورة المدينة؛ لأنها تعكس نظام القيم في المجتمع وتساعد في تشكيله. ومن هذا المنطلق، فإن العوامل الاجتماعية تعكس نظام القيم في البيئة وترسخ ثقافة العمل وتنقل العمال، والطريقة التي يعمل بها الناس في هذه المنطقة، وفي نهاية المطاف العمليات التجارية لأي مؤسسة. وبعبارة أخرى، تشمل البيئة الاجتماعية هيكل التكاليف والعادات والاتفاقيات، والتراث الثقافي، وآراء الناس حول الثروة والدخل والأساليب العلمية؛ كلها لها تأثيرات كبيرة على قرارات الاستثمار الأجنبي المباشر. وعليه، فإن التغييرات الاجتماعية في أنماط الحياة أيضًا تؤدي إلى اتجاهات وتحديثات جديدة تؤثر على الأعمال في أي جزء من العالم، وذلك تبعًا لمرونة المجتمع في التغير والتكيف مع كل مستجد. فعلى سبيل المثال، تمثل المطالب التي تحركها التحديثات في عالم الأزياء قوة قائمة على أساس اجتماعي يؤدي إلى زيادة أو نقصان في الطلب، وعليه يتحدد مستوى المبيعات وأداء الأعمال. وبالتالي، يعتبر التواصل وطبيعة السلوك في المجتمع جزءًا مهمًا في تحليل جاذبية صورة المدينة للاستثمار الأجنبي المباشر.

دكتوراه في الهوية التجارية للدول والاستثمار الأجنبي*

@razanbogari1