كورونا وانفجار الديون في أوروبا | مركز سمت للدراسات

تصعيد أزمة الفيروسات وانفجار الديون في أوروبا

التاريخ والوقت : السبت, 4 أبريل 2020

دان ستينبوك

 

يصل اليوم عدد الحالات المؤكدة من الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه في الصين، وقد أصبحت أوروبا بصدد سيناريو لا مفرَّ منه. وهذا يرجع إلى نتيجة الرضا عن النفس والاستعداد غير الكافي وضياع الفرص. واليوم أصبحت الولايات المتحدة وأوروبا تمثلان بؤرة تفشي فيروس كورونا المستجد. ذلك أن أكثر من نصف الحالات في جميع أنحاء العالم تقع في أوروبا.إضافة إلى ذلك، فإن عدد الإصابات يتجاوز ما كان في الصين بنحو أربعة أضعاف.

كيف حدث هذا؟ وكيف يمكن أن يحدث هذا؟

لقد كانت الفرصة الأولى الضائعة في نهاية يناير الماضي، حينما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي الفيروس حينها كان يمثل “حالة طوارئ صحية عامة ذات أهمية دولية”. وقد كانت منظمة الصحة العالمية قلقة بشأن الآثار المحتملة للفيروس، إذا انتشر في دول ذات أنظمة رعاية صحية أضعف.

وفي الرابع من فبراير، ألقى رئيس منظمة الصحة العالمية الدكتور “تيدروس” قنبلة إخبارية حينما أقر علنًا أن البلدان الأخرى غير الصين كانت بطيئة في مشاركة المعلومات حول الحالات. وبعد شهر من الأزمة الدولية والتنبيه العالمي، فشلت ثلاث دول كبرى من بين خمس دول أعضاء في تقديم معلومات كافية لمنظمة الصحة العالمية. وكانت هذه التقارير حيوية لتقييم النطاق الدولي لتفشي المرض واحتوائه.

وبدلاً من التعبئة والحشد لمواجهته، تعاملت القوى الأوروبية الكبرى مع أزمة الفيروس كما لو كانت “مشكلة صينية”. ثم تفشت بينهم حالة الرضا عن النفس من خلال التغطية الإعلامية المتزامنة، التي كانت في كثير من الأحيان مثيرة ومضللة. وأسوأ من ذلك، وبدلاً من الاستعداد للمواجهة الفيروس، فقد بدأ الرأي العام معركة غريبة ضد منظمة الصحة العالمية، ورئيسها وبعض المسؤولين التنفيذيين الأيمن مما يضاعف من الاستعداد غير الكافي.

وكما تشير الإحصاءات والتتابع الزمني، فقد شهد الشهر الماضي ارتفاعًا في الحالات المؤكدة خارج الصين. ومع ذلك، ففيما يشبه الكتابة على الحائط، حددت الصين المرض على أنه “التهاب رئوي غامض”، ولم تكن أسبابه معروفة، وقد أعلن عنه للمرة الأولى في مدينة ووهان بحلول نهاية ديسمبر. وفي بداية شهر يناير، تمَّ إبلاغ منظمة الصحة العالمية عن الفيروس الجديد. وبحلول العاشر من يناير، قام العلماء في الصين بكشف الخريطة الجينية للفيروس وتمَّ الكشف عنه. وكان الأمر مع أزمة “سارس” سابقًا قد استغرق أشهرًا، بينما استغرق الوضع حاليًا شهرًا واحدًا فقط.وبعد منتصف شهر يناير، بدأت بكين فرض إجراءات صارمة لاحتواء الفيروس والإبلاغ عنه في وسائل الإعلام حول العالم.

وفي الولايات المتحدة، تمَّ تحديد أول حالة فيروس كورونا في 20 يناير. وبعد أيام قليلة تمَّ الكشف عن أولى الحالات في أوروبا، أي في 24 يناير، في مدن بوردو وباريس، إلى جانب مجموعة من الإصابات التي تمَّ اكتشافها في “هاوت سافوي”. وفي ألمانيا، تمَّ تأكيد الحالة الأولى في 27 يناير. وفي إيطاليا اُكتشفت الحالات بعد أربعة أيام، وفي إسبانيا والمملكة المتحدة تمَّ الاكتشاف في 31 يناير.ومع ذلك، فقد مضت أسابيع كان الأوروبيون يأملون خلالها في الأفضل، لكنها لم تستعد للأسوأ. ثم سادت حالة انتظار بين الدول الغربية. لكن الأمر الذي اتخذ منحى تصعيديًا دراماتيكيًا، في إيطاليا بالحادي والعشرين من فبراير، عندما تمَّ تأكيد عدد من الحالات في “لومباردي”، تبعها تسارع آخر في وتيرة الكشف في إسبانيا وكان ذلك بعد ثلاثة أيام فقط.

لقد كانت هذه هي الطريقة التي نبهت الجميع إلى حالة الاستعداد للمواجهة، مما أدى إلى تتابع حملات الاستنفار المحلية في أواخر فبراير. وبحلول ذلك الوقت، لم يكن لدى إيطاليا من البدائل سوى اعتماد الاستراتيجية الصينية لإغلاق المدن وحظر الأنشطة الاجتماعية، وعزل المصابين بدقة. وكان العديد من القادة الأوروبيين قد انتقدوا ما اعتبروه إجراءات “استبدادية” و”غير مواتية” في الصين قبل ذلك بأسابيع. لكنهم باتوا يهرعون إلى تبني تلك الإجراءات.

وفي مطلع شهر أبريل، تجاوزت الحالات المؤكدة في جميع أنحاء العالم 650.000، بينما كانت الحالات في إيطاليا تقترب من 100 ألف، وفي إسبانيا تجاوزت 75 ألفًا، وفي ألمانيا تجاوزت 55 ألفًا، وفي فرنسا 40 ألفًا، والمملكة المتحدة تجاوزت 20 ألفًا. والآن أصبحت لدى هذه الدول الأوروبية الخمس وحدها أكثر من ضعف عدد الحالات في الولايات المتحدة.

هنا يمكن التعرض لأول فرصة ضائعة، وقد كانت عندما فجر الدكتور “تيدروس” أول قنبلة إخبارية في الرابع من فبراير، حيث لم يكن هناك سوى 25 حالة مؤكدة في أوروبا. وعندما بدأت التعبئة الجادة في منتصف مارس، انفجر عدد تلك الحالات لما بين ألف و28 ألف ضعف في الدول التي تمثل أقوى خمس قوى اقتصادية كبرى. واليوم، أي في بداية شهر أبريل، زادت هذه الحالات 10 أضعاف في الدول الأوروبية الكبرى والمنطقة ككل لتشهد أوروبا وحدها ما يزيد على 360 ألف حالة.

وأسوأ من ذلك، أن فرصة أخرى ضائعة قد تلوح في الأفق، فمع بدء الحشد في وقت متأخر، حاول بعض القادة الأوروبيين تأطير الاستعداد غير الكافي كاستراتيجية متبصرة. ففي المملكة المتحدة، صرَّح رئيس الوزراء “بوريس جونسون” أنه “يمكننا تغيير الاتجاه خلال الأسابيع الاثني عشر المقبلة”. وأضاف في منتصف مارس أن المدارس ستظل مفتوحة. ونصح الأشخاص الذين يعانون من أعراض الفيروس بالبقاء في المنزل لمدة أسبوع ونصح كبار السن فوق 70 عامًا بتجنب القيام ببعض الأنشطة.

وبالاعتماد على نصيحة بعض علماء الأوبئة، بدأ “جونسون” في الدعوة إلى “مناعة القطيع” كاستراتيجية جديدة، والتي تقوم بالأساس على مجموعة معينة من الناس بحيث يمكن إيقاف تداول الأمراض بعد إصابتهم بعدوى كافية والحصول على مناعة بعد ذلك. وعلى سبيل المثال، فإذا كان ثلثا الأشخاص يتمتعون بالمناعة، فإن عدد الأشخاص الذين يمكن أن يصيبهم شخص مريض سينخفض ​​إلى أقل من واحد، وهو ما سيجعل المرض تحت السيطرة.

لقد تمَّ تقديم الفكرة كحلٍ “واقعي”. ونظرًا لأن استراتيجيات التحكم والعزل المشددة قد لا تعمل في مرحلة ما، فإن الفيروس ينتشر بالفعل في جميع أنحاء العالم.

لكن هذه الفكرة ليست جديدة، فقد تمَّ نشرها أول مرة في عشرينيات القرن العشرين واعُترِفَ به كظاهرة متكررة في ثلاثينيات القرن العشرين عندما انخفض عدد الإصابات الجديدة مؤقتًا بعد أن أصبح عدد كبير من الأطفال محصنين ضد الحصبة. وفي وقت لاحق، أصبح التطعيم الشامل لتحفيز مناعة القطيع منتشرة بشكل شائع.

ولسوء الحظ، ففي أزمة فيروس كورونا، ربَّما تعني فكرة “مناعة القطيع” نوعًا من الدواء الذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة. فبعد كل ذلك، لا يوجد لقاح بعدُ وقد يستغرق تطوير أي لقاح بشكل فعلي عامًا أو أكثر. لذا، فمن المحتمل أن تكون الفئات الرئيسية المعرضة للخطر من كبار السن، وذوي الحالات الرئوية المزمنة، وارتفاع ضغط الدم، ومرضى السكري والربو، وأولئك الذين لا يحصلون على الرعاية الصحية بأسعار معقولة، هدفًا للوفاة المبكرة.

والأسوأ أن كل ما يحدث في أوروبا لن يبقى في المنطقة. ففي اقتصاد عالمي مترابط، ترتبط جميع البلدان بعضها ببعض. ومع انتشار الأوبئة، فقد تُحدد أضعف الروابط مستقبل الكل، وذلك من خلال تدفقات التجارة العالمية والاستثمار وخاصة الهجرة والسياحة.

أمَّا إذا اختارت الدول الأوروبية الكبرى سيناريو مناعة القطيع، فسيكون من السذاجة توقع اختفاء الفيروس بحلول أوائل الصيف. بل يمكن أن تستمر إلى الخريف أو حتى حلول عام 2021. ونتيجة لذلك، سترتفع التكاليف البشرية، في حين أن الدمار الاقتصادي سوف ينتشر بشكل أعمق وأوسع.

وفي هذا السيناريو، ستشير مناعة القطيع إلى فرصة ضائعة ثانية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: يوروبيان فاينانشيال ريفيو 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر