تصاعد الشعبوية في سياسة أستراليا تجاه الصين | مركز سمت للدراسات

تصاعد الشعبوية في سياسة أستراليا تجاه الصين

التاريخ والوقت : السبت, 14 نوفمبر 2020

جريج مكارثي

 

غالبًا ما تُعزى التوترات المتزايدة بين أستراليا والصين إلى عوامل خارجية. لكن سياسة أستراليا تجاه الصين هي أيضًا تعبير عن السياسة الداخلية للحكومة الائتلافية الوطنية الليبرالية. فالصلة بين الشؤون الداخلية والخارجية هي التي توفر الثقل السياسي لسياسة الحكومة تجاه الصين. ففي كليهما، يتم التذرع بـ”السيادة الوطنية” لتعزيز سلطة الحكومة والدفاع عنها مع إغلاق النقاشات حول الحقوق الديمقراطية الليبرالية.

ومن الأمثلة الواضحة على القوة المتنامية للدولة على المجتمع المدني تحت عنوان “الدفاع عن السيادة الوطنية من التدخل الصيني”، هي قانون “خطة الشفافية للتأثير الأجنبي” لعام 2018. إذ يُجبر القسم الذي يُعتبر “بند الصين” الأفراد المشتبه في تصرفهم نيابة عن الحكومات ذات النفوذ السياسي أو الحكومي على تقديم المعلومات إلى السلطات الأسترالية.

لقد توقعت الحكومة أن يطالب التشريع 13 معهد كونفوشيوس في أستراليا بالتسجيل، لكنهم رفضوا جميعًا، بحجة أنهم لا يستوفون مواصفات التشريع. وبشكل غير متوقع، طُلب من رئيس الوزراء السابق “توني أبوت” التسجيل باعتباره “وكيلاً أجنبيًا”؛ لأنه كان متحدثًا في مؤتمر سياسي محافظ مرتبط بالولايات المتحدة، مما دفع المدافعين عن الحريات المدنية إلى القول بأن التشريع سيكون مناسبًا لـ”نظام شمولي”.

ولم يتم رفع مثل هذه الأصوات عندما دهمت الشرطة الفيدرالية الأسترالية والمخابرات الأمنية الأسترالية منازل ومكاتب عضو البرلمان عن نيو ساوث ويلز “شوكيت موسلمان” من حزب العمال الأسترالي وموظفه غير المتفرغ “جون تشانغ”. ووصفت المداهمات بأنها “أخطر عملية لمكافحة التدخل الأجنبي للمخابرات الأسترالية منذ الحرب الباردة”. وقال رئيس الوزراء “سكوت موريسون”، بلغة شعبوية: “لن نفرض شروطًا على أي شخص يأتي ويسعى للتدخل في نظامنا السياسي، إننا شعب مرن. سوف نتصدى لها. وسنتخذ الإجراءات كما يظهر ما رأيته اليوم.”

وهناك مثال آخر على “التهديد الصيني” الذي يتم استخدامه لتعزيز سلطة الحكومة الفيدرالية، وهو الإقدام على توقيع اتفاقية “مبادرة الحزام والطريق” العامة بين حكومة ولاية فيكتوريا والصين. فقد وصف الوزير الفيدرالي للشؤون الداخلية “بيتر داتون” مبادرة الحزام والطريق بأنها “مبادرة دعائية من جانب الصين”، وأنها تجلب “قدرًا هائلاً من التدخل الأجنبي”. وقد حذر وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” من أنه إذا دخلت هذه الاتفاقية في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، فإن الولايات المتحدة ستنفصل ببساطة عن أستراليا.

ولتأكيد السلطة على اتفاقية فيكتوريا لـ”مبادرة الحزام والطريق”، قدمت الحكومة في سبتمبر مشروع قانون العلاقات الخارجية الأسترالي (ترتيبات الولاية والأقاليم) لعام 2020 إلى البرلمان الفيدرالي، وذلك على الرغم من آثاره السلبية على الحقوق المدنية والفيدرالية واستقلال الجامعات.

لقد أحيل مشروع القانون إلى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ للتشاور. وبعد تقديم طلبات عديدة، عقدت اللجنة جلسات استماع بشأن التشريع في أكتوبر. وركز طرح الأسئلة في جلسة واحدة على الأنشطة “المفترسة” لبكين على مستوى الدولة والحكومة المحلية وفي الجامعات. وعندما مثل “جورج ويليامز”، خبير القانون الدستوري ونائب المستشار في جامعة نيو ساوث ويلز، أمام اللجنة جادل بأن مشروع القانون “لا يصلح”. وأشار “ويليامز” إلى أن مشروع القانون أعطى وزير الخارجية صلاحيات استثنائية دون عدالة إجرائية.

وتفاقم تجاوز مشروع القانون بسبب عدم وضوح المفاهيم الرئيسية، مما يترك سلطة تقديرية كبيرة لوزير الخارجية. وكما قال ويليامز، “لم يتم تعريف العلاقات الخارجية على الإطلاق”، كما أن “السياسة الخارجية” غير محددة بشكل سيئ بحيث “تتضمن مفهوم” أي أشياء خارج أستراليا”. ويتطلب التشريع أيضًا من الجامعات الأسترالية السعي للحصول على موافقة الحكومة للتعاون مع الجامعات الأجنبية التي لا تجتاز اختبار “الاستقلال المؤسسي”، لكنها لا تحدد معنى الاستقلال المؤسسي.

عندما مَثَلَ ممثلو الجامعات أمام اللجنة، أثاروا أيضًا مسألة معنى الاستقلال المؤسسي. وأوضح الاستجواب أن المصطلح يستهدف الجامعات الصينية، حيث وجه رئيس الجلسة، السناتور “إريك أبيتز”، الرئيس التنفيذي لجامعات أستراليا سؤالاً إلى “كاتريونا جاكسون” إذا كان الأمر صعبًا للغاية، هل يمكن أن تخبرني ما إذا كانت الجامعات الصينية مستقلة مؤسسيًا عن الحزب الشيوعي الصيني؟

وفي اليوم التالي، عندما مَثَلَ ثلاثة شهود أستراليين صينيين أمام لجنة مجلس الشيوخ كجزء من سلسلة جلسات استماع عامة لمناقشة القضايا التي تواجه مجتمعات الشتات في أستراليا، سأل “أبيتز” الشهود الثلاثة “ما إذا كانوا على استعداد لإدانة ديكتاتورية الحزب الشيوعي الصيني دون قيد أو شرط؟ عندما تمَّ طرح هذا الاستجواب علنًا وانتُقد “اختبار الولاء” لـ”أبيتز” لكونه أقرب إلى مكارثية عنصرية، دافع عن خطه في الاستجواب، قائلاً إن “كل شيء يتعلق بالقيم”.

لقد أنتج التصور الشائع حاليًا عن تهديد الصين للسيادة الوطنية تشريعات تمنح السلطة للوكالات التنفيذية والأمنية، بينما تنكر الحقوق المدنية، ويتم الدفاع عنها كرد ضروري على التهديدات للسيادة. وفي حين أن هناك انتقادات مبررة وواسعة النطاق لاستخدام الحكومة الصينية للقومية الشعبوية لانتهاك حقوق الإنسان للأقليات العرقية، فإن هناك انتقادات صامتة عندما تستخدم الحكومة الأسترالية التهديد الصيني لتقليص الحقوق الديمقراطية الليبرالية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: منتدى شرق آسيا

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر