مكافحة الاحتكار | مركز سمت للدراسات

ترويض شركات التكنولوجيا الكبرى!

التاريخ والوقت : الأحد, 27 ديسمبر 2020

قبل خمس سنوات لم تكن مكافحة الاحتكار من الأولويات؛ فقد فشلت الجهات المعنية بمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة في رصد صعود شركات التكنولوجيا الكبيرة، أما دول الاتحاد الأوروبي فقد لاحظت هذه الشركات؛ ولكنها لم تفعل الكثير بشأنها، إلا أن شرطة المنافسة ظهرت أخيراً.

ففي الخامس عشر من ديسمبر، كشف الاتحاد الأوروبي النقاب عن مسودتَي قانونَين للخدمات الرقمية من شأنهما إيجاد جهاز إشرافي شامل للسيطرة على وادي السيليكون. وفي الولايات المتحدة أطلقت الحكومة الفيدرالية، مؤخراً، دعاوى بتهمة الاحتكار على “جوجل” و”فيسبوك”. هذه الخطوات تعتبر تحولاً كبيراً في سياسات المنافسة؛ لذلك كان من المتوقع أن يشعر المستثمرون بالقلق من أن شركات التكنولوجيا الكبرى تتعرض إلى تهديد خطير، إلا أن رد فعلهم كان عدم الاكتراث؛ فقد ارتفعت القيمة السوقية لأكبر خمس شركات في وادي السيليكون بمعدل 46% عام 2020 لتصل إلى 7.2 تريليون دولار. إن نقص الثقة بمصداقية مكافحة الاحتكار يعكس الافتقار إلى الوحدة عبر الأطلسي، كما يعكس العيوب الموجودة في الاستراتيجيتَين المختلفتَين تماماً.

إن فرص إقرار قوانين جديدة في الولايات المتحدة منخفضة جداً؛ بسبب الاستعصاء في الكونغرس؛ ولأن بعض السياسيين يعتقدون أن وجود شركات تكنولوجيا أمريكية مسيطرة هو ميزة استراتيجية في المنافسة مع الصين. وبدلاً من القوانين الجديدة يتعين على الجهات المعنية بمكافحة الاحتكار أن تثبت أمام المحاكم أن شركات التكنولوجيا قد انتهكت القوانين القائمة. ومن المرجح أن الدعوى ضد “جوجل” سوف تنجح؛ فهي تركز على شبكة من 10 مليارات دولار أو أكثر من الدفعات السنوية التي تقدمها “جوجل” إلى “أبل” والشركات المصنعة؛ لضمان هيمنة خدماتها على شاشات أجهزتها. وتقول القضية المرفوعة على “فيسبوك” إنها استحوذت بشكل غير قانوني على شركتَي “واتس آب” و”إنستغرام”؛ لتقضي على منافسيها، إلا أن الجدل هنا وارد؛ لأن الشركتَين كانتا صغيرتَين في وقت الاستحواذ.

من غير المتوقع صدور أي قرارات قريباً؛ فقضية الاحتكار ضد “مايكروسوفت” بدأت عام 1998، واستغرقت ست سنوات لتنتهي. في الآونة الأخيرة، أصبحت المحاكم تشكك في قضايا الاحتكار الكبيرة؛ بما في ذلك القضايا المرفوعة ضد “أميريكان إكسبريس” وشركة “AT&T”.

وإذا كانت استراتيجية الولايات المتحدة ضيقة ورجعية، فإن سياسة الاتحاد الأوروبي واسعة وتقدمية؛ فهي تميل إلى وضع ثقة أكبر بالقوانين الناظمة، كما أنه لا توجد شركات تكنولوجيا محلية عملاقة ليقلق بشأنها. تصنف شركات التكنولوجيا الكبيرة على أنها ذات أهمية كبرى، وتواجه التزامات بخصوص البيانات والمحتوى، وطريقة التعامل مع الشركات الأخرى التي تستعمل منصاتها. والخطر يكمن في أن نظاماً غير واضح المعالم وشديد الاتساع سوف يخمد الديناميكية ويحصن المكاسب؛ ولكن حتى لو أن الاتحاد الأوروبي تمكن في نهاية الأمر من تمرير قوانين جديدة، فهو على الأرجح سيواجه صعوبات في تطبيقها؛ الشركات التكنولوجية الخمس الكبرى تحقق 25% من مبيعاتها في أوروبا في مقابل 51% في الولايات المتحدة، وربما تفضل أن تشغل أذرعها الأوروبية تحت القوانين المحلية بدلاً من تبني السياسات الأوروبية على الصعيد الدولي. والغرامة القصوى التي يفكر الاتحاد الأوروبي في فرضها لا تتجاوز 1% من القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا الكبرى. من الصعب أن يتخيل المرء كيف سيتمكن الاتحاد الأوروبي من تفكيك شركة أمريكية وحده.

من الناحية النظرية، يمكن أخذ ما هو أفضل في كلتا المقاربتَين؛ والهدف يجب أن يكون تحفيز المنافسة بدلاً من قبول الاحتكارات ومحاولة التقليل من كلفتها من خلال الأنظمة والقوانين. ويجب أن تكون الأولوية للأسواق المغلقة؛ فمكافحو الاحتكار في الولايات المتحدة محقون في التركز على الطرق التي استخدمتها “جوجل” وغيرها في إقصاء المنافسين. ومن الضروري أيضاً اتخاذ مواقف متشككة تجاه عمليات الاستحواذ المستقبلية لشركات التكنولوجيا الكبيرة. ويجب على الولايات المتحدة أن تستنسخ الجهود الأوروبية لإعطاء الناس السلطة على بياناتهم؛ الأمر الذي يمكن أن يساعد في إطلاق المنافسة. وأخيراً، يجب على الجانبين أن يتفقا على أن مراقبة المحتوى -الأخبار الكاذبة على سبيل المثال- هي مسألة تتعلق بسياسة وسائل الإعلام، وليست من مهام مكافحة الاحتكار.

ومع ذلك، فإن الاتفاق عبر الأطلسي لا يزال بعيد المنال، وما يزيد الوضع تعقيداً هو أن أجزاء من الصناعة قد أصبحت أكثر تنافسية حتى مع الضجيج المثار من أجل “ترويض الشركات التكنولوجية الكبرى”. يجب على مكافحي الاحتكار أن يقلقوا بشأن المنتجات التي تتمتع بحصة كبيرة من السوق؛ حيث تتضخم الأرباح ويكون الأمر في غاية الصعوبة على المنافسين الجدد. ومحركات البحث والإعلانات عبر الإنترنت تقع ضمن هذا التوصيف؛ ولكن هنالك مجالات أخرى في صناعة التكنولوجيا يشتد التنازع عليها، مثل البث والتجارة الإلكترونية، وغالباً ما تأتي المنافسة من شركات تكنولوجية كبيرة أخرى، وهي التي يتوقع لها أن تأتي بالتغيير، وليس مكافحو الاحتكار على ضفتَي الأطلسي.

 

المصدر: qposts

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر